خُرافة مُستعصية
دراسة حالة
Next-to-Hopeless Myth
Case Study
الصورة
تعبـِّر عن تصوّري لقبح الخرافة المسيطرة على عقول مقدسة للرب،
وكيف
أنها دخيلة وغريبة عنها مهما ظهر من تفشِّيها وتَحَكُّمها..
ولكن
نور شمعة يفضحها، ويُوقِظ الغافلين!
\\المقال مكتوب في ظروف غير مُتَصِّلة،
اقتناصاً لبُرهات وجيزة بين ألم المرض وبين ابتلاع
المشغوليَة،
ولكن الغيرة على شفاء
الجيل من تعطيل الخرافة لإيمانه ونموّه
هزمت أوجاع المرض عند
شخصي المتواضع \\
الفهرس:
اختصارات
المَراجع
هذا
المقال
وهذه
الخرافة المخجلة
نقد داخلي
فحص جغرافي
فحص كتابي
فحص إيماني
فحص طقسي
فحص الأدبيات الطقسية المكتوبة باللغة القبطية
فحص الخرافات التابعة للمخطوطة
ماذا يرى رؤساء الإكليروس؟
دعابات
السؤال الأخير: أين
النص الكامل للمخطوطة؟!
بعد
كل هذا.. ردود
أُقِرّ
وأعترف
ص
=
صفحة
م1
=
الدير المحرق تاريخه ووصفه وكل مشتملاته، أنبا غريغوريوس، 1960، كتب هذا الكتاب
بناءً على طلب آباء الدير كما أثبت المؤلف
في المقدمة، وقد ترَّهَب هو نفسه فيه..
م2
=
أضواء على دير السيدة العذراء المحرق، إعداد الراهب القس دانيال المحرقيّ، 1987
م3
=
السيدة العذراء، سلسلة نبذات "2"، البابا شنودة الثالث، الطبعة الثامنة،
مايو 2005
م4
=
العائلة المقدسة في مصر، ألبوم إصدار دير مار مينا، الطبعة الأولى، 2000
م5
= رحلة
العائلة المقدسة بمصر، الجامعة الأمريكية، 2000.. The Holy
Family`s Journey in Egypt, AUC, 2000
هذه
هي المراجع الرئيسة لفحص الخرافة، والتي تتكرَّر كثيراً.. وأما مراجع بعض الفقرات
التي لزم إثباتها، فهي مُثبَتَة بتفاصيلها بجانب المنقول منها..
شرح علامات التنصيص
* الاقتباسات حرفية بالأخطاء المطبعية وغيرها، وتوضع بين علامتَي التنصيص
"..."..
*
في حال لزوم التدخل بالتعليق الفوري في النص المُستَشْهَد به، يَرِد التعليق بين
قوسين فوق خط أسود، هكذا: (__)..
*
بعض الكلام في المتن الذي يرد على سبيل المجاراة أبَت يدي تسجيله هكذا مطلقاً دون
تحفّظ، حتى لو كان أسلوب المجاراة ظاهراً للنبهاء، فسجلته بين علامتي تنصيص وبخط
مائل "....."لمزيد من الحرص على التبرّؤ..
*
المراجع السابقة هي الأساسية في صُلْب الموضوع.. وفي حالة الاستشهاد من مرجع عارض،
يتم إثبات بياناته كاملة في موضع النقل عنه..
هذا المقال
تقديم
هذا
المقال يفضح خرافة سائدة.. وسيادتها أمر فظيع.. ومجرد وجودها أمر مخجل.. وإن كان لها نفع فهو في الشهادة على تردي
الحال، وإن كان منها رجا في عون فهو أنها أعانت عوناً جازماً في إثبات كل ما نقول
عن الخرافة وأذيتها ومصدرها الشيطانيّ المهين..
وأما وصفها في العنوان أنها مستعصية، فليس
ذلك لتعقيد في تركيبها ومراوغة في إخفاء عوارها، فهي من أسفه الخرافات، وأكثرها
أوجهاً للانفضاح؛ وإنما وجه الاستعصاء فيها نابع من الحالة الذهن-نفسية المريعة
لجمهورها..
كانت فكرة المقال
دائماً في ذهني مجرد عدة أسئلة ذات إجابات بديهية.. وعلى هذا فعندما فكرت لأول مرة
في تسجيله بالكتابة كان العمل كله يتصور في ذهني لا أكثر من نصف ورقة من الحجم
المعتاد.. ولكن.....
ولكن بزيادة
خبرتي العملية المباشرة بعقلية الشعب القبطي، وعلى مستويات متباينة من الثقافة بل
ودرجات الخدمة الكنسية، اصطدمت بحالة غريبة من عقلنة تغييب العقل، ومنطقة
اللامنطق.. وشرح هذا يتجلى في تصديق الخرافات مسبقاً ثم محاولة البرهنة
عليها، حيث تتجلى في تلك المحاولات كل آفات وعيوب ذهن الإنسان العتيق الذي له
غيرة، وهذا جميل، ولكن ليس بحسب المعرفة، وذالك قبيح.. لقد خرج الموضوع عن حدود
النصق الورقة ليلف جوانب ومظاهر الآفات العقلية التي توطنت عند شعبنا القبطي
الغيور، فصارت الورقة بحثاً ساخراً يجابه بكل قوة وإصرار المحاولات المستميتة
الغريبة عن المسيحية بل والنقيضة لها حتى ولو ظهرت كعامل مشترك بين الأغلبية من
شعبنا.. بل حتى لو مست ذهني أنا فهي غريبة عن روح الرب.. الرب الذي اسمه اللوجوس
ويكفي..
ويبدو أنني دخلت
في دور عِنْد مع هذه الحالة، فحالما سجلت الأسئلة التي تقضح هذه الخرافة إلا
ووجدتني أتناولها سؤالاً فسؤال كأنها أسئلة قضية علمية.. تناولتها بصبر وشَوْهَدَة
مراجع وفرض احتمالات ومناقشتها احتمالاً فاحتمال.. حتى وصت لغاية احتمالي مع حالة
البلاهة فتوقفت عن التسجيل الذي كان فيه ما يكفي ويزيد جداً جداً.. أُذَكِّر أن
نصف ورقة كانت تكفي لولا العِنْد الذي يُوَرِّث التعب والمقالات الطويلة..
وأظن أن زيادة حجم المقال اللامعقولة لم تخلُ
من فائدة.. فالمقال بحالته المطوَّلة يعمل كمقياس جيد لدرجة الخجل الواجبة.. أعني
أنه بمقدار ما يقرأ القارئ من هذا المقال حتى يصل لدرجة الخجل من هذه الحالة،
بمقدار ما ينبغي أن يخجل من نفسه.. (وحتى الذي يصل لنهاية المقال ولا يشعر بالخجل
لم يخل الأمر معه من الفائدة.. أقلها يخرج بنصيحة صادقة ألا يحاول الخجل من أي شئ
لأنه لا يتمتع بمقومات الخجل)..
ولكن بعد الوصول
لنقطة الخجل، فأنصح القارئ بألا يُسرِع بإلقاء المقال بعيداً عنه.. بل ليواصل
فالقراءة المفيدة على كل وجه.. من يطلب التسلية سيجدها، ومن يطلب تعبئة مشاعره ضد
هذه الحالة المخجلة سيجد كل ما يطلب.. ومن توجعه رأسه من كثرة السطور سيجد عند كل
محطة دعابة تخفف من ألمه..
ولا أنسى الإشارة
إلى أن "ضمير الكتابة" في هذا المقال أتى كعادتي معه.. كلما أمكن
يرد الكلام محايداً مطلقاً من أي ضمير.. وعندما يكون الكلام يحتاج لتحديد المسئول
عنه، أو يطلب تعريفاً بصاحبه، أبادر بتسجيل ضمير المتكلم.. وعندما أثق أن ما أكتبه
يشاركني فيه من يقرأ معي أكتب ببساطة ضمير المتكلمين بالجمع.. أما عن "ضمير
القارئ" ففي الديباجات يأخذ ضمير الغائب كتعميم رسمي، وأما في متن المقال حيث
حميمية الكتابة، وحيث لا حياد في الرسالة عندي، فحينما يلزم ظهور "ضمير
القارئ" فإنني استحضر القارئ
بضمير المُخاطَب، حيث يُطالَب بمواجهة المعنى وتحديد موقفه منه، أو عند اطمئناني
لوجود القارئ معي، كما سبقت الإشارة، يجد القارئ نفسه مشاركاً في ضمير المتكلم
الجمع..
وأقدم أخيراً
عذراً مقبولاً للقارئ الجادّ عن عدم سلاسة الاسلوب في فقرات كثيرة، لأني كتبت
الموضوع استرسالاً مخادعاً المرض والصداع تحدوني غاية ألا يبتلع الألم الوقت بدون
وجه حقّ، فكنتُ أسجِّل الأفكار حتى أعاودها فيما بعد.. على أن البعض قد قرأ النصّ
وأفادني بأنه ليس بدرجة الثقل التي تمنعه من العرض، فاطمئناناً لهذه الشهادة آثرت
توفير وقت ومجهود مراجعة هذا النصّ إلى غيره من الأعمال..
خرافة مخجلة
عرض - وأسئلة
لمن لا يعرف الخرافة التي أتناولها هنا
بالدراسة وأحاصرها بالأسئلة، ألخصها فأقول أن أحد الأديرة يحتفظ بمخطوطة تشتهر
باسم "ميمر البابا ثاوفيلس"، وتحظَى هذه المخطوطة بمصداقية تتعدى
حدود الدير لتشمل التعليم شبه الرسمي في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وأقصد بشبه
الرسمي أنه بلا اعتماد مجمعي قانوني، ولكنه مع ذلك يُشهّد له على ألسنة بعض
رؤساء الإكليروس، ويُنشَر في إصدارات تمهرها وتُزيّنها طُروس بَرَكَتهم..
وخلاصة المتداول المعروف من محتوى هذه
المخطوطة، أنه في القرن الرابع زار البابا ثيوفيلوس (ثاوفيلس) البطريرك الإسكندري
الـرابع والعشرون، هذا الدير، وتعجب من تواضع حجم كنيسته رغم عظمة المكان، فعزم
على بناء كنيسة ضخمة وتكريسها.. فظهرت له العذراء مريم وحذرته من هذا العمل بسبب
أن ابنها قد سبق له تكريس المكان بعد قيامته، في زيارة إعجازية خاصة معها ومع
التلاميذ الاثني عشر.. وتحكي له القصة من بدايتها.. أنها كانت ذات يوم بعد القيامة
مجتمعة مع التلاميذ فتذكرت أحزانها ومتاعب إقامتها في ذلك المكان، جبل قزقام،
وبكت.. فظهر لهم المسيح، وتطييباً لخاطرها أخذها مع التلاميذ في رحلة سياحية لمكان
متاعبها أي "جبل قزقام".. ومن هنا تبدأ "العذراء" (!!!) في
رواية تفاصيل الرحلة العجيبة، فقد كرًّس المسيح الحجر الذي أجلسته عليه العذراء،
كمذبح.. وكرس المغارة التي أقاموا فيها كهيكل بكامل أوانيه.. وكل هذا تم إعجازياً
بدون يد، ومن ثمَّ سلَّم التلاميذ القداس، وأمرهم بتقديم الذبيحة، فكان بهذا أول
قداس في التاريخ، وكان هذا المذبح هو أول مذبح بالمثل، والكنيسة أول كنيسة..
والمخطوطة تدعي صراحة بهذه الأولويات، لا أنا الذي أستنتج منها.. وتنبأ المسيح على
المكان مخاطباً أمه فقال لها أن في هذا المكان سيكون ديراً للرهبان القديسين،
وسكناً للذين سيظلون ثابتين على الإيمان الأرثوذكسي للنفس الأخير، وأنه سيسبغ
حمايته عليهم فالويل لمن يفكر بأن يمسهم بضرر من الحكام.. وأنه سيفيض بالبركات على
كل من يقصد المكان، بركات تبدأ من إعانة التي تتعسر في حبلها، وتصل لمغفرة خطايا
من تاب، وتشمل كتابة المسيح لاسمه على قرابين من يأتي بالعشور والبكور والنذور..
هذا مجمل ما حكته العذراء للبابا ثيوفيلوس وأوصته بتسجيله.. فسجله البابا، بضمير
المتكلم، في مخطوطة يحتفظ بها الدير..
وبجانب هذه الخرافة، بدأت بعض الخرافات
اللاحقة تعشش في ظلها.. منها مثلاً أن الذبيحة لم تنقطع من فوق ذلك المذبح
إطلاقاً، وأن أيقونة للعذراء رسمها لوقا الطبيب موجودة لديهم، وأن ديرهم يقع في
وسط أرض مصر تماماً فهو من ثم المقصود بنبؤة (إشعياء19:
19)..
وهناك ميمر آخر ينسج على منوال هذه
المخطوطة، يسمونه "ميمر أنبا قرياقس"، ويقرأونه قراءةً مُطَقَّسة
في 7 برمودة، ويذهب كاتبه لحد الحسم القاطع في ادعائه أن مذبح هذا الدير هو الذي
قُدِّم فيه أول قربان بعد القيامة، وسيُرفَع عليه آخر قربان.. ويزيد القول بأن هذا
المكان تنبأت عنه العذراء بأنه سيكون الوحيد من بين الكنائس الذي سينجو من هدم
دقلديانوس..
انتهى تسجيلي لموجز وقائع هذه المهزلة،
ولواحقها.. ومن ثم تبدأ الأسئلة...
* يقولون مخطوطة، فأين أصلها اليوناني؟ أو
حتى القبطي؟
* يقولون مخطوطة لها هذه الأهمية، فلماذا لا ينشرون
نصها الكامل، حتى يدرسه الباحثون، ويتبارك به "المؤمنون"
* يقولون مغارة أقام بها المسيح، فأين
المغارة؟ بل أين الجبل؟
* يقولون أول قداس في العالم، ويزيدون في
مصدر آخر فيقولون أول قربان بعد القيامة، فماذا كان يعمل التلاميذ في العلية
قبلها؟ ومتى تم هذا القداس؟ قبل الصعود أم بعده؟ (هنا تتضارب الأقوال، والأدق أن
يُقال أنها ترتبك لأن تفاصيل محتوى المخطوطة تناقض كلي الاحتمالين)
* يقولون كانت العذراء حزينة بعد القيامة،
فهل تحزن العذراء بعد القيامة؟
* ولو حزنت العذراء، جدلاً وحاشا، فهل يكون
متفقاً مع منطق أمور الحزن أن ينبع حزنها من ذكريات متاعبها في جبل "قزقام"
حيث الدير الذي يحوز ويروِّج لهذه المخطوطة؟ أم بالأولى والأكثر منطقاً أن يأتي
حزنها، إن كان، من ذكريات الجلجثة الرهيبة والقريبة مكاناً وزماناً؟
* وبمناسبة البابا ثيوفيلوس المنسوب له هذه
المخطوطة، فما دلالة أوجه الشبه القوية بين هذه المخطوطة، ومخطوطات مشابهة كتبت
بلغة مشابهة ونسبت للبابا ثيوفيلوس بالمثل، وحَوَت بدع خرافية حاربتها
الكنيسة؟ (يُراجَع هنا الكتاب التاسع من
مجلد الدر الثمين للأنبا ساويرس أسقف الأشمونين، في القرن العاشر.. وتُراجَع
مكتبات الأديرة القبطية المليئة بمخطوطات مرفوضة بالإجماع ومحكوم عليها
بالتخريف)..
* يقولون مذبح كرَّسه المسيح بيده، فكيف
يتجاسرون على تعديل وضعه وتغطيته بلوح رخامي لعدم كفايته للأواني؟ وإذا عُلِم أن
المخطوطة تنسب "للعذراء" قولها أن "المسيح أحضر بغير
يد بَشَر كافة الأواني"، تزداد الأسئلة: أكانت تلك الأواني ناقصة؟ أم
وُضِعَت على مذبح آخر؟ أم أن "أول قداس في العالم" واجه خطر
انسكاب الأوان، وبعده كل القداسات على ذلك المذبح لحين استدراك الوضع في القرن
العشرين؟
* يقولون دير لم يخل من الرهبان إطلاقاً،
فماذا عن كتاب صادر باسم ديرهم، وبطلب من رهبانه، كتبه أسقف البحث العلمي وقتها،
والمترهب هو نفسه بهذا الدير، يسجل فترات خلا فيها الدير تماماً من رهبانه؟
(الكتاب هو (م1) من مراجع هذا
المقال)..
* يقولون لم تنقطع الذبيحة عن مذبحه، فكيف
كانوا يقدمون الذبيحة يومياً في فترات خلو الدير من الكهنة أحياناً،
بشهادة نفس الكتاب السابق (م1)، ومن الرهبان على
الإطلاق أحياناً أخرى؟
* مكتوب في ميامر
يقرأونها طقسياً يوم 7 برمودة أن من يزور هذا المكان يعود طاهراً كيومه، ويكتفون
بنشر هذا الكلام بين طيات صفحات الكتب، ولكن لا يجسرون على الترويج له شفاهةً،
فلمَ هذا التناقض؟
* وهناك ما نُشِر في كتاب إصدار جامعة
مرموقة يقتبس فيه جزءً لا يُنشّر من المخطوطة، تصل فيه الادعاءات لحد الفكر
الغنوسي، فهل من تكذيب لهذا؟ أو شرح له؟ أو تعليق بأي نوع
* وهذا السؤال الأخير لرؤساء الإكليروس (بكل
الاحترام اللائق بالمركز): أنتم لا تقبلون فكرة تكريس المسيح للمذبح المذكور،
لاعتبارات كثيرة، وكتب البابا شنودة بقلمه ما يؤكد عدم قبوله لهذا الجانب من
الخرافة، فلم تصدقون باقي الخرافة، من شأن زيارة العائلة المقدسة للمكان؟ بينما
المرجع الوحيد لهذه الزيارة المزعومة هو ذات المخطوطة؟ أنا أفهم أنكم تتناولون
نقدكم بطريقة هادئة لاعتبارات مفهومة لن أضعها محل سؤال، ولكن لماذا وبأي حجة
تروِّجون بإصرار لنصف خرافة تنكرون وتحاربون "بهدوء" نصفها
الآخر؟ ولماذا تشيرون في بعض إصداراتكم للمخطوطة على أنها أهم المصادر التاريخية؟
هل هزل التاريخ عندكم لهذا الحد المخجل؟
* وهذا السؤال بعد الأخير والأول مكرر، لأنه
تكرار للسؤالين الأول والثاني الذين ألخصهما في قول العامة حين يريدون فحص شئ مهم
فيقولون: إيه أصله وفصله؟ يحق للجميع معرفة أصل وفصل تلك المخطوطة.. الأصل (النص
المكتوب باللغة الأصلية اليونانية على الأرجح).. والفصل (أي التفاصيل أي النص
الكامل لتلك المخطوطة البركة).. عيزين نعرف أصلها وفصلها من فضلكم بل من واجبكم بل
صار لزاماُ عليكم أو تسكتوا وتتركون أصحاب الغيرة يهشون ذباب تلك الخرافات دون
تدخل من جانبكم.. هذا وإلا أصلها وفصلها..
هذه عينة من الأسئلة البديهية الغائبة التي
سيأتي تفصيلها حالاً.. وهذه حالة انحدر إليها أبناء الكنيسة أجيالاً متعاقبة، حتى
أنهم في القرن الواحد والعشرين يصدقون مخطوطة بلا نسخة مكتوبة بلغتها الأصلية، ولا
نص كامل منشور، وبمحتويات تفوح برائحة الارتزاق على حساب سذاجة المشاعر الإيمانية،
و و و، وأن مبنى بالطوب والأسمنت في أرض مكشوفة وبعيدة عن الجبل هو مغارة(!)..
وهذه مخطوطة ما يذاع منها يحرك أي مؤمن
غضباً على الانحراف العقيدي، وإفساد الذوق الروحي والكتابي، وإساءة الأدب بالسخف
تجاه الرب والعذراء "الحزينة بعد القيامة على آلامها في جبل قزقام"، و
و و.. وماخفي منها يخرج عن باب الإيمان السليم، ويدخل في باب البدع..
وقد سُئِلت مرة: ألا تخشى من إيقاع حكم
بالحرم عليك جراء هذا الكلام؟ وكانت إجابتي: بل يسرني أن أواجه المجمع كله بهذه
الأسئلة، ففي هذه المواجهة ضمان وصول الرسالة..
لقد طلب مني بعض المهتمين تسجيل هذه
الأسئلة، وها قد سجلت أهمها.. ولكمال التوثيق، أتقصَّى تفاصيل الأسئلة واحداً
فواحداً.. وتحت كل سؤال سأضع الاقتباسات الخاصة بالسؤال، ثم ما يلزم من التعليق،
مع تعقب الردود المتوقعة أو الحاصلة.. وفي بعض الأحيان سأجنح رغماً عني لأسلوب
الدعابة الساخر، وهو أمر لازم في خضم هذا الهزل لأتذكر أنني لازلت أنتمي لعالم
العقلاء، ثم أن لطف الدعابة تعالج سخونة الغضب، وحسبي هذا مكافأة إجبارية على
تمقيق عيناي وإرهاق ذهني في شوهدة وتحليل هذا الهراء..
فحص مُفَصَّل للمخطوطة وتوابعها
أسئلة نقد خارجي حول المخطوطة
أين
أصل المخطوطة؟
"ويقول المسيو اميلينو Amelineau أن ميمر البابا ثيؤفيلوس لا يوجد منه الآن باللغة العربية إلا
ثلاثة مخطوطات أحدها محفوظ بمكتبة الفاتيكان والثاني بالمكتبة الأهلية بباريس
والثالث بمكتبة الدير المحرق" م1 ص 114 - الهامش..
ليس للمخطوطة أي
أصل يوناني أو حتى قبطي.. موجود لها فقط ثلاث نسخ باللغة العربية بحسب الاقتباس
السالف، ولو وجد لها أصل لذُكِر بكل عناية..
ولها ترجمة
بالأثيوبية، ولكن الترجمة الأثيوبية مأخوذة من النسخة العربية حتماً، وإلا فهل ضاع
الأصل من الأثيوبيين بعد ترجمتهم إياه مثلما ضاع من الدير؟ كما أنه ليست هناك
إشارة لاهتمامهم بالدير قبل القرن الثامن عشر (م2 ص47
يحدثنا عن اهتمام الملكة منتواب بالدير في ذلك القرن ولا يمدنا بأي إشارة سابقة)
، وهذا العصر قريب نسبياً، فلو كان الأصل المفترض باقياً وقتها لما ضاع، أو على
الأقل كان قد استُدِلَّ على سابق وجوده، ولو كان قد سُرِق وقتها لسُمِع عنه، بل
لحُفِظَ، بدليل وجود نسخ عربية أخذها المستشرقون في وقت قريب من هذا وحفظوها في
مكتباتهم، ولو كانوا قد عثروا على الأصل لما تركوه، ولما أضاعوه..
ويجوز السؤال: هل يلزم لتصديق كل مخطوطة أن
يكون أصلها موجوداً؟ لا يلزم هذا بالضرورة، ولكن في حالة غياب الأصل ينبغي أن
تتوفر لدى الذين يقبلون بالترجمة المتاحة أسباب معقولة لضياع الأصل، وأسباب قوية
لتصديق أن النص المتاح ترجمة دقيقة لهذا الأصل.. أما في حالتنا، فليس هناك ما يدعو
لافتراق الأصل عن ترجمته، ومن ثم ضياع الأصل وبقاء الترجمة.. كما أن هناك شواهد
قوية من ذات نص المخطوطة أنها عديمة الأصل.. أن أصلها اليوناني المطلوب لم يكن قط
موجوداً، وأنها مكتوبة أصلاً بلغتها العربية الركيكة..
ولا يبقى للتحايل
على هذا السؤال إلا افتراض أن الآباء خبَّئوا الأصل حرصاً عليه من السرقة.. وما
كان أحراهم لو كانوا كلفوا أنفسهم بنسخه بدلاً من تخبئته، فكان النسخ يحفظه مثلما
حفظ النسخة العربية..
متى زار البابا ثيوفيلوس المكان؟
البابا ثيوفيلوس شخصية بارزة جداً في تاريخ
الكنيسة، واهتم المؤرخون بسيرته نظراً لاشتباكه في أحداث لها شأن في تاريخ
الكنيسة، لاهوتياً وسياسياً وإدارياً، فكيف غاب عن تاريخه المعروف قصة مهمة وخطيرة
كهذه؟
ثم متى زار المكان؟ يفيدنا أنبا غريغوريوس
بسنة 380
كتاريخ زيارته وشروعه في تكريس المكان أثناء عودته من أسوان، دون أن يمدنا بمرجعه (م1
ص108
وص109
ومثله نقلاً عنه م2 ص17)..
ولكن ارتقاء البابا ثيوفيلوس للبطريركية كان سنة 385..
ولن أكون متعسفاً فأتمسك بهذا التناقض الرقمي، فهناك احتمالات الاخطاء المطبعية،
أو حسابات التحويل من تقويم لآخر، ولكنه ليس تعسفاً أن أسأل: متى تمت الزيارة؟ وما
المرجع؟ وما هي أدلة مصداقيته إن وُجِد؟
ما
علاقة هذه المخطوطة بمخطوطة مماثلة تحوي بدع خرافية حاربها أنبا ساويرس أسقف
الأشمونين؟
إلى الآن قد يبقى سؤال يلح في ذهن الجميع
تقريباً: هل يمكن أن تُكتَب مخطوطة بهذه الجرأة في ادعاءاتها، وتنتشر هذا الانتشار
وتحصل على هذه المصداقية؟ السؤال هنا عن إمكانية الحدث التي تبدو بعيدة الاحتمال..
وأنا أعلم من واقع سابق حديثي مع الكثيرين أن هذا السؤال الذي يمثل خط الدفاع
الأكبر عن الخرافة في ذهن الجميع.. وإجابة السؤال: "هل يمكن هذا؟"
هي ببساطة: نعم يمكن.. وقد أمكن فعلاً.. ليس مجرد هذا بل ما هو أفدح من هذا..
فالسؤال ينبني على افتراض خاطئ في خلفية ذهن
السائل الذي يتصور الماضي مشابهاً للحاضر.. في عصرنا هذا فإن تلفيق شئ كهذا يبدو
صعباً.. ولكن هل كان هذا هو حال الماضي؟
في المقال التاسع في مجلد الدر الثمين
لإيضاح الدين لأنبا ساويرس أسقف الأشمونين نعرف أن هناك مخطوطة تحوي بدعة خرافية
عن الملاك موريال، ملاك الموت في زعمهم، والمخطوطة نُسِبَت للبابا ثيوفيلوس أيضاً
وينقل فيها حواراً بين الرب والرسل! نفس ملامح ومرجعية مخطوطة قسقام..
والذي يتهمهم بالتأليف والتلفيق في النسب هو
أنبا ساويرس: "... ألفوا ميمرا ونسبوه للقديس ثيؤفيلس بطريرك الإسكندرية
ذكروا فيه أن أنبا ثيؤفيلس وقف على كتاب قديم عن الرسل القديسين ... سألناه (يقصد
الرسل سألوا الرب) ... أجابنا (يقصد الرب أجاب الرسل) ... " ص240
–
طبعة
1925
(المقال محذوف مع الإشارة لحذفه في طبعة دير مار مينا)
ولم تكن هذه المخطوطة الموريالية فريدة في
نوعها، فلنا شهادة على انتشار هذه الآفة، آفة تلفيق مخطوطات ووضع أسماء البطاركة
والآباء عليها، من نفس كتاب الدر الثمي، ونفس المقال التاسع: "... ميامر
كثيرة كذابة أبطلها الأب القديس أنبا يوحنا اسقف البرلس وأخرجها من الديار
المقدسة" الدر الثمين ص246
–
طبعة
1925
وهنا يُلاحَظ جرأة كاتب مخطوطة موريال في
ابتداع ملاك من أساسه، ملاك لا إشارة إليه في الكتاب المقدس، ولا الخولاجي ولا
غيره.. وهذا واضح أنه تلفيق أكثر جرأة من تلفيق مجرد مكان لإقامة العائلة المقدسة
أثناء زيارتها لمصر الثابت حدوثها كتابياً وبالتقليد، فيكون دس مكان إقامة جديد في
زيارة ثابتة الحدوث وفي مكان قريب من المسار التقليدي أمراً أكثر يسراً لاسيما في
عصور الجهل..
ويُلاحَظ أنه تعدى حدود الجرأة لحدود
الاستباحة الوقحة بنسبة هذه الخرافة لحوار بين الرب والرسل.. وكأنه كان ثالث عشر
الرسل!
يُلاحَظ
أيضاً النسب المزور للمخطوطة للبابا ثيوفيلوس..
ثم يُلاحَظ سطوة الخرافة التي تحملها مخطوطة
موريال هذه حتى أن أنبا ساويرس أسقف الأشمونين يفرد لها كتاباً بين كتبه عن أمور
العقيدة الخطيرة مثل الثالوث والتجسد، وهذا يرد على القول بأن مخطوطة قسقام ما كان
يمكن تصديقها على هذا النطاق الواسع لو احتوت خرافات..
ويلاحظ أيضاً زمن رواج مخطوطة موريال تلك،
وهو القرن العاشر عصر اضمحلال اللغة القبطية كما يقول أنبا ساويرس نفسه في المقال
الأول، ويعود ليكرره في المقال العاشر من ذات مجلد الدر الثمين، مفسراً بذلك سبب
ضعف العقيدة في الأفهام.. وكتاب الدر الثمين، المكتوب في القرن العاشر، هو نفسه من
أوائل الأعمال اللاهوتية القبطية المكتوبة بالعربية للتعامل مع الوضع الجديد..
ويُلاحَظ، مع كثرة ما يُلاحَظ، أنه كانت
هناك "ميامر كثيرة كذابة"..
وأخيراً يُلاحَظ أن الملاحظات كثيرة!.. ألم
يلحظ أحد هذا؟
إذن إمكانية التلفيق حاضرة وقائمة بدليل
مادي، وإمكانية الرواج والتصديق حاصلة، والموضوع يتعدى مجرد إمكانية التلفيق إلى
وجود خط فولكلوري عام له سمات أساسية يتبعها ويخلص لها كل ملفِّقينا الظرفاء،
وتتمتع المخطوطات الملفقة بها جميعاً..
خلاصة الأمر أن مخطوطة كانت معروفة وقتها
وتمس العقيدة وتحدث سجساً، وتصادف انتشارها مع وجود عالم هو أنبا ساويرس، فحاربها
وسجل رده، فوصل ذكرها وثبوت تلفيقها إلينا.. وأُخرى حوت تلفيقاً وانتشرت في مكان
مغمور، وبين كثيرات من المخطوطات الملفقة التي أغرقت السوق والتهمت قدرة العلماء
المدققين على المقاومة، وفي ظرف أعطى فيه الآباء الأولوية لما يمس العقيدة ومخطوطة
قسقام هذه لا يظهر مخالفتها للعقيدة إلا بالفحص الدقيق، فتوارت بخبث خلف زميلاتها
الأكثر سذاجة وانكشافاً، ومرَّت من بينهن دون فحص وجازت.. وها هي تواجَه بالفحص
والأسئلة على كل حال.. جاء دورها..
وقبل أن أغادر هذا السؤال بإجابته المفصلة
تامة الموضوعية، يقفز هذا التحليل الطريف على القلم حول فنية تلفيق المخطوطات تلك،
من واقع ما تحويه المخطوطة الموريالية.. فالكتاب المزعوم فيها المنقول عن الرسل
كان ينبغي أن يمر بين يدي البابا ثيوفيلوس ليحصل على فيزا المرور لعقول البسطاء
الذين لا يصدقون كتاباً عن الرسل إلا باعتماد البابا ثيوفيلوس، لأنهم ليسوا من
السذاجة بقبول أي شئ يُنسَب للرسل دون مرجعية كنسية.. ولكن ماذا يثبت أنه نال
اعتماد البابا ثيوفيلوس؟ بل ماذا يثبت أنه كان هناك كتاب أصلاً؟ وهو كل حاجة
هيسألوا فيها؟ الملفق يفهم جيداً أن الزبون يسأل سؤالاً واحداً فقط لإثبات عدم
سذاجته ولكنه لا يسأل سؤالاً ثانياً بسبب قوة إيمانه.. وهناك بالمناسبة كثير من
مثل هذه المخطوطات التافهة التي تحوي خرافات تنتسب في وقاحة لأسماء معروفة
تاريخياً حتى مثل البابا كيرلس الكبير، وعن هذه الأسماء تنقل كلاماً عن الرب
والعذراء، وتتجرأ مادتها على أسماء الملائكة والقديسين، ولا مانع من أن تطال
العقيدة، وأي جرأة في هذا؟ إذا كان كاتبها هو أنبا فلان أو بابا فلان فلم لا تكون
العذراء قد ظهرت له؟ وإذا كان كيرلس الكبير لا يشرح العقيدة ويأتي فيها بالقول
الفصل فمن تراه يفعل؟ منطق متسق مع نفسه.. ولكنه برمته لا يتسق مع الشرف ولا معي..
وأثق انه لا يتسق مع أكثر من يقرأون هذه السطور.. وقد وقع من مثل هذه المخطوطات تحت
نظري عرضاً ما يفوق إمكانية الحصر هنا.. وشكراً للرب أنها باقية كجثث مشوهة مضحكة
لا يلتفت لها أحد.. عقبى لكبيرتهم..
لماذا لم ترد القصة في سفر أعمال الرسل؟
كيف يهملها مؤرخ مدقق وكفء هو لوقا الطبيب؟ لاسيما أنها تدخل في نطاق اهتماماته
بشدة، وأنها أخطر من أن يتجاهلها (بفرض حدوثها)
الإجابة على هذا السؤال هي: لم ترد القصة في
سفر الأعمال لأنها لم تحدث.. ومع هذه البداهة في الإجابة فلن أحرم السؤال من نصيبه
في الفحص..
إن قصة تكريس المسيح لأول مذبح، في رحلة
سياحة خاصة مع الرسل، لو صحت، لوجب تسجيلها في سفر أعمال الرسل.. والأحداث المهمة
تُفحَص بحكم المنطق ومبادئ التأريخ البديهية، في ضوء حضورها في شهادة المعاصرين،
فإن غابت عن شهادتهم وجب الشك فيها.. وسفر أعمال الرسل، أهم شاهد للتأريخ لبداية
الكنيسة، لم يذكر أية إشارة لا قريبة ولا بعيدة عن مثل هذه الخرافة، بل به إشارات
تناقضها كما سيظهر من فحص محتواها الداخلي في الأسئلة التالية..
ولا يجوز الرد على هذا بأن الكتاب المقدس لم
يسجل كل شئ.. فهل قصة بهذه القيمة المُفتَرَضة هي "أي شئ"؟ إنها
قصة تدشين "أول كنيسة"، بيد الرب نفسه.. وقد ذكر كاتب سفر
الأعمال أن الرسل كانوا يجتمعون للصلاة والشركة وكسر الخبز، دون أن يذكر شيئاً عن
تدشين الكنائس والمذابح، فهل كان يفوته تسجيل قصة مثل هذه المزعومة لو كانت قد
حدثت؟ أم ينكص عن تسجيلها لمجرد أنه لا يسجل "كل شئ"؟ هي قصة
سياحة جماعية فريدة، وقد سجل كاتب سفر الأعمال اختطاف روح الرب لفيلبس الشماس (8:
39)، فالذي سجل سياحة شماس ما كان أحراه بتسجيل سياحة كل فريق الرسل مع الرب
نفسه والعذراء بالمرَّة.. وفوق منهم قداس واواني ومذبح وتكريس..
إن مؤرخاً يهمل قصة كهذه في سياق بداية
الكنيسة يتركنا أمام ثلاثة احتمالات: الأول أن مصادره نسيت أن تمده بقصة بهذه
الأهمية، وهذا يشكك في حدوثها، لأن أول قداس سياحي مثل هذا، وأول تكريس، وأول هيكل
بغير يد، وما إليه، أمر لا يُنسى.. والاحتمال الثاني أن لوقا الطبيب المؤرخ المدقق
المتيقن من معرفته (لوقا1: 1-3)
اطمئن لسبق تسجيل هذه القصة المُدَّعاة في مصدر آخر، فاكتفى به، وهذا غير حاصل،
فهذه القصة ليس لها مصدر كتابي ولا رسولي ولا قريب من الرسل.. ليس لها مصدر إلا
المخطوطة.. بل المخطوطة ذاتها تعفينا مشكورة من الجدال مع من يفترض وجود مصدر لم
يصل إلينا، لأنها تشير من اولها للجهل البابا ثيوفيلوس بكل شئ، واحتياجه لرؤية
العذراء لتنبئه به.. والاحتمال الثالث الباقي هو احتمال أن العقل زينة، وأن
الإيمان ثمين يجب أن يتنزه عن الهزل والتهريج..
أسئلة نقد داخلي لمحتوى المخطوطة
هل
لغة المخطوطة مترجمة أم أصيلة؟
الاقتباسات المتاحة من المخطوطة، تدل على أن
الكاتب كان يكتب أصلاً بلغة عربية ركيكة، كانت شائعة ومعروفة في الألفية الثانية
التي ابتدأ الأقباط يكتبون فيها بالعربية.. ولا تظهر فيها سمات اللغة المترجمة من
أصل يوناني أو حتى قبطي.. وبديهي أن المترجم يتأثر بلغة وخلفية ما يترجمه، مثلما
يتأثر بخلفيته الخاصة والمحيطة به.. ولكن المترجم المُفتَرَض للمخطوطة غارق في
البيئة المصرية المُعَرَّبة، وفي مصطلحات لاهوتية وروحية متأخرة عن عصر البابا
ثيوفيلوس، ولا نجده "يخطئ" مرة واحدة فيتأثر بالنص اليوناني
الماثل أمامه لا في تعبير ولا في اسم مكان.. فإن كان هذا حكماً تقديرياً من جانبي،
فما هو تقدير القارئ أمام بعض هذه الجمل من المخطوطة:
"أقول لكم أنا الحقير ثاوفيلس" م2
ص65
أمامنا مخاطبات آباء هذا العصر، ومنهم مراسلات
البابا ثيوفيلوس نفسه مع جيروم مثلاً، فأين كانت تستخدم هذه الصياغة؟
"يا ثاوفيلس خليفة ابني الوحيد، النور
المضئ في وسط البيعة" م2 ص65
كان يمكن لكاتب المخطوطة، لو صح أنه البابا
ثيوفيلوس، أن يتنازل عن مديح العذراء له، ليسجل ما يفيد منفعة القارئ.. ولكن
هيهات.. فهو يتضع باسلوب غير أسلوب العصر، ويثبت مديح العذراء له بأسلوب لا يليق
بأي عصر..
"... إلى نقطة تدعى المحمة ... حتى
منية جناح ... إلى موضع يدعى المطلع ... حتى نقطة بلاد السباخ ... ثم إلى فسطاط
مصر ... إلى جهات الوجه القبلي ..." م2 ص65 نقلاً عن المخطوطة
يكفي هذا.. المترجم المُفتَرَض لأصل يوناني
يكتب أسماءً عربية لا شبهة فيها لم تظهر في مصر إلا بعد انتقال البابا ثيوفيلوس
بحوالي 150
سنة..
المترجم المُفتَرَض يستخدم تعبيرات عربية وافدة لمصر لا يمكن أن يستوحيها وهو يكتب
مخطوطته، من ترجمة يونانية مائلة أمامه.. فصعيد مصر هو في اليونانية طيبة Thebais، وأي مترجم يجد كلمة طيبة أمامه لسجلها إما كما هي، أو كتبها
الصعيد للتوضيح للقارئ غير العارف، ولكن أن يضع تعبيراً عربياً صرفاً بكلمات مزيدة
عن حدود الترجمة المُفتَرَضة، مثل قوله جهات الوجه القبلي فهو ينشئ من عندياته
بالعربية أصلاً.. ثم أن نفس المترجم لا يسجل مرة واحدة أصل الاسم في أي مدينة، بل
كلها أسماء عربية صرفة.. ولو كان يترجم لوضع الاسمين لإضفاء المصداقية على عمله،
أو للتوثيق كعادة المترجمين المدققين.. ولكنه في كل مرة يضع أسماءً عربية للمناطق
مثل المحمة والطلع ومنية وسباخ.. على أنني سأتوقف مع كلمة "فسطاط
مصر"، لوضوح دلالتها..
لم تكن هناك مدينة باسم الفسطاط في القرن
الرابع ولا الخامس، وظهرت هذه المدينة كأول عاصمة للعرب انشأها قائد الغزو العربي
عمرو ابن العاص قريباً من بابليون، وحقاً قد تسمت منطقة بابليون أحياناً باسم
الفسطاط.. ولكن ولا يجوز الاحتجاج هنا بأن
المترجم المُفتَرَض للمخطوطة بدَّل الأسماء اليونانية التي لم تعد تُستَخدَم
بالأسماء العربية التي صارت تُعرَف البلاد بها، لأن بابليون كانت معروفة باسمها
الأصلي عند كل الأقباط، بل كان هذا الاسم هو الأشهر والأكثر تداولاً عندهم،
لارتباط هذا الحي بالكنيسة المعلقة مقر البطريرك لأزمنة طويلة، ولاشتهارها
بضيافتها للعائلة المقدسة.. إذن يبعد جداً عن التصَوُّر أن مترجماً قبطياً يجد
كلمة بابليون بحروفها أمام عينيه، فيحولها في ترجمته لكلمة الفسطاط.. وإنما الأقرب
للاحتمال أن الكاتب ينشئ مخطوطته من الأصل بعربيَّته الركيكة، وأنه بعيداً عن
الخلفية التاريخية الحقيقية، وغير متأثر بأصل يوناني أمامه، فإنه يسجل الاسم
التجاري والاداري الشائع للمنطقة..
"واعلمي يا مريم" م2 ص12
هذا الكلام يُفتَرَض
أن المسيح خاطب به العذراء بحسب المخطوطة.. وهناك كل أسباب للشك في أن يخاطب
المسيح العذراء باسمها هكذا.. فلا هذه عوائد الشرقيين قداء كانوا ام محدثين.. وليس
له أي مثيل لا في العهد القديم ولا الجديد.. ولكن المعقول أن يستخدم هذا التعبير
إنسان على معرفة بالتسبحة القبطية، وبالمدائح القبطية الشعبية.. والمعقول أيضاً أن
كاتب ملفق ومزور اعتاد على هذا التعبير، يتورط ويكتبه بحكم العادة، ناسياً انه
ينسبه لمن لا يُحتَمَل ان يستخدمه..
"وكل إنسان يكون في شدة أو ضيق من أمور
هذا العالم الزايل أو غرامة أو شيّا مما يعرض المبشرين وياتي إلى هذا البيت ويسجد
فيه ويسالني باسمك بامانة عظيمة فأنا أخلصه من شديده وإن كان صاحب زرع أنا أبارك
في حقله وإن كان راعي أبارك في رعيته" م2 صورة لصفحتين من المخطوطة بين ص28
وص29
أين تخليص التاجر من شدائده؟ لماذا يدور
الكلام حول بيئة فلاحين ورعاة فقط؟ الواضح أن الكلام يخص بيئة محلية غُلِب أهلها
على أمرهم، ويخص مكان ليس له زبائن ولا يترجى بركته إلا الفلاحون وزوجاتهم متعسرات
الولادة، ولا ينتظر زيارات عظيمة من التجار وأهل الأماكن البعيدة، وليس عظيماً
ومشهوراً للدرجة التي تجتذب البابا ثيوفيلوس بنفسه لزيارته وتدشينه والتفكير في
بناء كنيسة عظيمة تليق به..
ويبقى سؤال بعد عرض هذه الدراسة الموجزة
جداً، ينبغي أن يواجهه من يشكك في هذا العرض: فلتكن دراستي الموجزة المتواضعة هذه
غير مرضية، فأين الدراسة التي تثبت أن المخطوطة مترجمة لا مكتوبة أصلاً بالعربية
الركيكة؟ هذه الدراسة يلتزم بتقديمها بداهةً من يدافعون عن أصالة المخطوطة لاسيما
وأنها في أمس الحاجة لهذه الدراسة لمواجهة أسباب الشك فيها بسبب غياب أصلها
المُفتَرض..
وها هو نص طويل من المخطوطة أسوقه كاملاً
وأتركه لمن يحب التمعن بنفسه دون تداخل من معلق أو دارس:
"فلتدم
بركة أبى الصالح و الروح القدس فى هذا البيت إلى الأبد
إن
هذا المكان الذى ترينه يا امى القديسة ستقام فيه كنيسة
والذين
يقربون سيظلون ثابتين على الإيمان الأرثوذكسى إلى مجيئي الثانى
وكل
من يأتى إلى هذا البيت بإيمان و عبادة سأمنحه مغفرة خطاياه إذا اعتزم على عدم
العودة إليها
وكل
من كان فى شدة أو مرض أو هوان أو ضيق و أتى إلى هذا المكان المقدس
وسجد
فيه و صلى و طلب أمرا بحسب مشيئة الله فإنى سأقضى جميع حاجاته وأستجيب كل طلباته
إكراما
لاسمك الطاهر يا والدتى العذراء
واعلمى
يا مريم أن هذا البيت الذى نحن فيه الآن سيكون مأوى للغرباء وسيصبح بيتا يضم
رهبانا قديسين
لا
يستطيع حاكم على الأرض أن يؤذيهم بشر
لأن
هذا البيت قد صار مأوى لنا
و
أى امرأة عاقر تتضرع إلى بقلب طاهر و تتذكر هذا البيت سأعطيها نسلا
وكل
امرأة تتعسر فى الولادة و تسألنى باسمك وتتذكر اتعابك معى تخلص سريعا
وكل
الذين يأتون إلى هذا المكان بنذورهم وقرابينهم بإسمك الطاهر فسأكتب إسمى على
قرابينهم" م1 ص83 وص84 وص85
أين
المغارة؟
"هيكلها هو نفس الغرفة أو المغارة التي
سكنتها العائلة المقدسة..." م2 ص16"
"الكنيسة صغيرة الحجم هيكلها (الكلمة
وردت بالخط البارز في الأصل وما يبرزونه بالخط سيبرزه الفحص بالأسئلة أكثر وأكثر)
كما قلنا هو ذات المغارة التي سكنتها العائلة المقدسة وأقامت فيها..." م2
ص20"
"الكنيسة الأثرية....هيكلها هو ذات
المغارة التي أقام فيها الرب يسوع ..." ص30"
أين المغارة؟ بل أين الجبل؟
بالبلدي كدة: فين المغارة يا ناس يا عُقلا؟ المبنى أبو اربع حيطان ده مغارة؟ أم
لعل الإجابة: "مش شايف جبل اعمل ان فيه مغارة J".. سأعمل شيئاً أفصل: سأعمل أن الكلام جد وأناقشه بالطريقة
العلمية.. نرجع للجد:
هذا السؤال يناقش ادعاءً هزلياً، بلغ من
هزله أنهم يتكلمون عن مغارة في مكان مكشوف للعيان، ليست به أية مغارة، لسبب بسيط،
وهو أنه ليس هناك جبل..
وقد توجد مغائر تحت رمال الصحراء، والأرجح
عندي انه يقصد مغارة من هذا النوع، لأنه في موضع يدعوها "غرفة"
ويشير لصعود العذراء على "سطحها" (م2
ص11)..
ولكن مثل هذه المغارات تكون نُقَراً في هضاب أو جبال صغيرة مدفونة تحت الرمال،
ولكن رؤوسها ترتفع ارتفاعاً واضحاً وتكون المغائر نقرة في هذه الرؤوس، وبخلاف ذلك
تدفَن النُقَر كلياً تحت الرمال وتصير جزءً من باطن الأرض.. وأقرب مثل معروف ويمكن
التحقق منه لهذا النوع من المغائر هو مغارة البابا كيرلس قرب دير البراموس.. و
طبيعة هذه الأرض التي بها مغائر من هذا النوع تكون واضحة وضوح الجبل، لأنها ببساطة
طبيعة جبل.. فهل هناك جبل تحت الرمال أو فوق الرمال نجحوا في إخفائه في أرض مستوية
مكشوفة لا يمكن إخفاء شئ فيها ولا حتى مخطوطة؟..
وإن كان هناك شبه عذر لغياب الأسئلة السابقة
والآتية العلمية والإيمانية، عن ذهن البسطاء، فأي بساطة تلك التي تسوقهم للحديث
مغيبين عن مغارة مقدسة في مكان حديث البناء، في أرض مكشوفة يبعد عنها الجبل مسافة كبيرة؟
وهناك دليل بسيط.. ومباشر.. الدير موجود،
والهيكل موجود وبه جدران مدهونة وحنية وما إليه.. فهل الحوائط المبنية بالطوب
والأسمنت هذه جدران مغارة؟ وقد تُدهّن المغارة من الداخل وقد تُكسَى بطوب وأسمنت
من الداخل، خلينا نذهب للآخر، ولكن كيف يتم تسويتها من الخارج؟ هدموا الجبل من
حولها؟ ودليل أبسط وقد يكون أقرب لمن أسعده الحظ مثلي باقنتاء الكتاب (م2)،
فلن يحتاج لأن يروح بعيد.. الكتاب (م2)
في يدي وبه صور للهيكل والكنيسة..
وملاحظة للأمانة والدقة هي أن الحديث عن
المغارة يرد على ألسنة الشُرَّاح وفي كتبهم، ولكني لم أعثر على نص ينسب الحديث عن
المغارة للمخطوطة ذاتها.. فلعل ذكر المغارة غاب عن الأجزاء المعلنة من المخطوطة
ولكنه مستمد من بقيتها الخافية، ولعل المخطوطة بريئة من الحديث عن
"مغارة" براءة الذئب من دم يوسف (التفتوا: فهو ذئب وإن كان بريئاً من
جريمة محددة).. ولكن الحاصل أن الشرح المترتب على خرافة المخطوطة المكتوب والمنشور
والسائر يتحدث عن مغارة.. للأمانة والدقة لزم لفت الانتباه لهذه الملاحظة، وعلى
صاحب الحديث عن مغارة إن كان كاتب المخطوطة أو الشارح لمعانيها تقع تبعات اللوم
والتوبيخ.. ولكني لا أترك هذه الملاحظة قبل أن أبني عليها ملاحظة ثانية: لو صح أن
المخطوطة بريئة براءة الذئب من ادعاء وجود مغارة في مكان بلا مغائر، فما هو السبب الذي
دعا كاتب م2 إلى تكرار وصف الكنيسة الأثرية بال،"مغارة" ليس وصفاً
عارضاً بل بالثلاثة؟ والإجابة عندي هي ما سبق وبدأت به كل البحث: الغجابة هي الخطر
الذي تمثله الخرافات على العقول حتى أن الراهب القس الكاتب الكائن في ذات عين
المكان يردد ما يسمعه دون حتى مراجعة لمصدره الزائف نفسه.. يعني الخرافة غلبت حتى
مصدرها فلم يعد أهلها يعودون لذات مصدر خرافتهم.. وشكراً..
إن سخف الكلام يلجئ الباحث لمحاولة إثبات
البديهي الظاهر.. ما الحاجة لإثبات ما يمكن رؤيته بالعين المجردة، إلا أن تساعد
هذه المحاولة العبثية في إظهار السخيف انه سخيف جداً.. فلا جبل هناك ولا مغارة..
ومع ذلك يتكلمون عن مغارة مكثت فيها العائلة المقدسة، ثم دشنها المسيح فيما بعد
لتكون أول كنيسة.. (أ. هـ.).. يعني انتهى الجد..
وحان وقت الدعابات.. مكافأة زيارة مجانية كل
سنة لمن يعثر على المغارة.. وخضوعاً لحكم الهزل، ألجأ راضخاً لتقديم الدليل على عدم
وجود جبل،
ومتنازل عن المكافأة:
"وفي غرب الدير
تمتد الصحراء والكثبان الرملية لمسافات بعيدة" م2 ص14
إذن
ليس هناك جبال بل رمال لمسافات بعيدة.. فكم يبعد الدير عن المغارات التي هي مغارات
بجد؟ أترك (م2 ص42) يجيب:
"البابوات البطاركة الذين تخرجوا من
الدير ... البابا متاؤس الأول ... مضى إلى دير المحرق ... كان يعتكف كثيراً في
مغارة لا تزال تُعرف إلى اليوم باسمه وهي تبعد عن الدير بمسيرة ساعة تقريباً غربي
الدير" م2 ص42
بين
الدير والمغارات ساعة سيراً على الأقدام.. ولا يُظَن أن البابا متاؤس تجاوز مغارات
أقرب من هذه لأنه غاوي مزيد من النسك والتعب الرهباني، لأن الرمال تمتد كما قيل "لمسافات
بعيدة"..
وحَبَّة جد بعد هذا.. من الوجهة النظرية
البحتة، فإن هناك احتمال يجدر مناقشته، وهو أن المخطوطة كانت تشير لمكان آخر غير
مكان هذا الدير، وتبناها سكان هذا الدير فيما بعد بكيفية غير معروفة.. وإن مخطوطة
مزيفة لا غرابة في أن يدعيها زوراً آخرين غير أصحابها المزورين الأصلاء..
(في محاولة لاحقة لكتابة هذا البحث، ومتأخرة
لإصلاح بعض ما فسد، عرض برنامج تليفزيوني تسجيلي في قناة أغابي عن مسار العائلة
المقدسة شيئاً عن الدير المحرق، فتجنب الحديث عن المغارة وقال أنه أقامت في بيت
أصلحه يوسف البار (ماهو نجار بقى J).. ومع احترامي للتعقل الذي اظهره المسئول عن البرنامج فإن هذه
ليست هي الطريقة لحل الخرافات.. هذه طريقة التغطية عليها لتزداد تعفناً.. وللدقة
فهي طريقة التغطية على الجانب المفضوح بالزيادة لعل الزبون يبتلع البيعة على بعض..
وهنا تظهر مهارة المصلح الذي ينسج بذات طريقة الشطارة إياها: فالطبيعي أن يقيموا
في بيت حيث لا مغارة، والطبيغي أن يكون البيت منهدم حيث أن المكان خَرِب، والطبيعي
أن يوسف النجار يصلحه.. تمشي كدة L.. ومع هذه الطريقة أصر
على الاختلاف وعلى صحة طريقة الكشف والعلاج أولاً بأول.. وإن كان للأسف في حالتنا
المتأخرة هذه فالعلاج أولاً بآخر.. أُضيفَت هذه الفقرة بعد كتابة المقال بسنوات)
أول
كنيسة في العالم!؟ ("مقلب" الرسل المنتقلين J)
"جاء فى كتاب الدفنار تحت اليوم السادس
من هاتور وقدس هيكل ذلك البيت قبل جميع الكنائس
الكائنة فى المسكونة" م1 ص 107
"ها أنا أمضي لتكريسها بيدي قبل تكريس
أي كنيسة باسمي على الأرض" م2 ص18
"قدس هيكل ذلك البيت قبل جميع الكنائس
الموجودة في المسكونة" دفنار 6 هاتور بحسب م2 ص54
متى تم هذا التدشين العجيب؟ السؤال عن
التوقيت لازم لبناء الأسئلة التابعة.. المخطوطة تقدم إجابتان متناقضتان.. بعض
الإشارات تفيد أنه تم بعد الصعود، وإشارات أخرى تفيد بأنه تم بعد القيامة
مباشرةً.. وفي الحالتين تصطدم ادعاءات التدشين العجيبة بما يفضحها..
أولاً هناك إشارات أن "التدشين"
تم بعد انتقال بعض الرسل.. ومن ثَمَّ يكون "التدشين" قد حدث بعد الصعود بفترة كافية.. وهاهي هذه
الإشارات مُثبَتة باقتباسات من المخطوطة:
"بعض الرسل الذين كانوا رقدوا حضروا
بأمر الرب و بسلطان لاهوته" م1 ص105
"... ركب على سحابة مع السحابة الخفيفة
... والرسل الأحياء وأمر لنفوس التلاميذ الذين رقدوا على التقوى أن يحضروا من
أقاصي الأرض ... " دفنار 6 هاتور بحسب م2
ص 54 ..
ويمضي البابا ثاوفيلس ليروي على لسان
العذراء أن بعض الرسل الذين كانوا قد رقدوا وبعض القديسين حضروا بأمر الرب ...
""م2 ص17
"وأمرهم أيضاً ان يذكروا الذين تنيحوا
ورقدوا فلما ذكروهم اجتمعوا منعا جميعاً" سنكسار مخطوط يوم 6 هاتور بحسب م2
صفحة 52..
تم التكريس الأول في التاريخ إذن بعد
الصعود، وبفترة طويلة تسمح بانتقال جمع من التلاميذ والرسل، من واقع كلام
المخطوطة، والمصادر التابعة لها المقتبسة منها، وهنا يلتزم من يقبل هذه المخطوطة
بإجابة السؤال: هل كان الرسل يقدمون الذبيحة على مذابح غير مدشنة؟ وفي هياكل غير
مُدَشَّنة؟ أم كانوا لا يقدمون ذبيحة مطلقاً؟ مع الاعتذار لسفر أعمال الرسل..
قد يجيب البعض إجابة معقولة وهي أن التدشين
كان يأخذ شكلاً بسيطاً غير طقسي.. ولكن اللجوء للمعقول لتبرير غير المعقول غير
معقول.. وهذه المحاولة في التوفيق بين غير المعقول والمعقول لها رد بسيط معقول:
طالما أن التدشين كان له شكلاً بسيطاً غير هذا الطقس المزوَّد، وأنه كان مقبول ولا
يطعن في صحة العبادة، فلم يفرغ المسيح نفسه لتلقين التلاميذ هذه الطقوس المطولة
فجأة والمعقول أن يترك الكنيسة تتدرج وتنمو في تنمية طقوسها بحسب تطور الاحتياجات
والثقافات؟ الذي يقبل المعقول في البداية لا يحق له أن يقفز لغير المعقول فجأة
ليتصور تغيراً جذرياً في تطور الطقس حدث بظهور ورحلة سياحة لتطييب خاطر العذراء..
وعلى من يتبنى افتراض التدشين بعد الصعود أن
يعلن صراحةً وبجرأة أنه يكذِّب مخطوطة أخرى تحوي ما يُسَمَّى ميمر أنبا قرياقوس
يقول فيه أياً كان كاتبه:
"...حيث فيه قدم أول قربان على الأرض بعد
قيامتي" م2 ص67
واحتياج
من بقول بالتدشين بعد الصعود للجرأة في ادعائه وفي تكذيبه لميمر قرياقس أن هذا
الميمر يُقرأ طقسياً في السابع من برمودة (م2
ص66)..
والغريب، الذي هو غير غريب في هذا الهزل
الغريب، أن البعض يفترض افتراضاً جريئاً- ولم لا يكون وهو يدور في فلك مخطوطة
الجرأة بداية فيها من أول سطر- أن التكريس المزعوم حدث قبل الصعود، وكان جزءً من
عمل المسيح التعليمي للرسل أثناء الأربعين يوماً التالية للقيامة.. ويؤيد هذا
الافتراض مخطوطة "ميمر أنبا
قرياقوس" السالفة الإشارة إليها.. وهذا الافتراض يُوقِع من يفترضه في شر
افتراضه؛ أولاً في مشكلة مع المخطوطة الأم إذ يكون على صاحبه تفسير "نياحة
بعض الرسل" قبل الصعود، وثانياً في مشكلة أخرى حقيقية وخطيرة، فعليه أن
يواجه تبعات تصويره للعذراء حزينة في وقت قريب جداً من القيامة، وقت لا يزال
المسيح يظهر فيه..
ويبدو أن البعض قد تنبه لهذه المشكلة، فيقرر الراهب القس دانيال المحرقي
الآتي:
"يرى البعض أن ذلك التكريس تم بعد قيامة
مخلصنا وقبل صعودة (صعوده) ويذهب البعض الآخر إلى أن (هذا) تم بعد الصعود وهناك بعض المصادر
حددت أن سنة 40 م (حددت التاريخ بسنة...) ونحن نرجح أن تم بعد الصعود وفي
حيردو (ربما صوابها "وفي حدود")سنة 40 م..."م2 هامش
ص17..
وهذا اقتراح معقول.. أكيد معقول أن المسيح أخذ العذراء والرسل ودشن بغير يد
كنيسة جبل قوزقام وأول مذبح في التاريخ وبكامل أوانيه، والذي جعل الاقتراح بحدوث
هذا قبل الصعود وفي الأربعين المقدسة، ألا يجعل تأخيره لزمن غامض معقول وسيد
العاقلين؟ لاسيما وان هناك "مصادر".. حصل خير..
وبالعودة للجد، أسأل: هل ناقشت هذه المصادر الاعتراضات القائمة ضد
افتراضاتهم؟ والتي ألجأت المصادر الاخرى لافتراض آخر؟ وأين هذه المناقشة والتفنيد
والأدلة؟
الذي يحدث هو إحالة المشكلة إلى مصادر مُعمَّاة متضاربة التقديرات.. وأصفح
عن التعمية، مجتش عليها، وأشرح أن تضارب التقدير حق جائز في غياب المعطيات.. ولكن
مشكلتنا ليست في غياب معطيات، بل في حضور المعطيات المتناقضة التي يسلم بها معاً
كل القابلين لهذه الخرافة، صارفين النظر عن تناقضها فيما بينها، ثم ينتقلون
للاختلاف في تفصيلات ترجيح احتمال على الآخر.. أي أن حل المشكلة هو تمييع
المشكلة.. والمشكلة أن على كليّ الاحتمالين يواجه متبَنيِّ الافتراض مشاكل غير
قابلة للحل، فالاحتمالان غير محتملين، والافتراضان مفروضان.. والمشكلة قائمة..
والراهب القس الذي يرجح "أن تم بعد
الصعود وفي حيردو سنة 40 م"يضرب
صفحاً عن ميمر يقرأه مع إخوانه يوم 7 برمودة، هو "ميمر
الأنبا قرياقوس" السالف الإشارة له، وللراهب القس الحق في تجاهل مثل ذلك
التخريف، وياليته تجاهل البقية، ولكن بأي
حق يعود بعدها بخمسين صفحة في ذات كتابه ليبرز بالبنط الأسود الغليظ في عين القارئ
هذه العبارة القرياقوسية تحديداً: "حيث
فيه قدم أول قربان على الأرض بعد قيامتي"، بينما هو نفسه الذي يرجح "أن
تم بعد الصعود وفي حيردو سنة 40 م"..
إي أنه يرجِّح بالإبراز في عين القارئ عكس ما سبق له ترجيخه بالتصريح، وفي ص16
يتأرجح بين الترجيحين:
"وكما
تقول سيدتنا العذراء مريم للبابا ثاوفيلس أن هذا التدشين تم بعد قيامة الرب"
م2ص16..
هو يقول هنا "بعد القيامة"، بغير حسم إن كان قبل الصعود أم بعده،
وإن كان التعبير يميل بالإيحاء للإفادة بأنه قبل الصعود.. وبين ص16
وص17
وص67
يترك للقارئ التأرجح معه بين ترجيحيه، أو بين ضميره الذي تطَبَّع بالخرافة ويتألم
من محاولة تعديل أي من تفاصيلها، وبين عقله الذي يحاول إرضائه بلم الدور ولو
قليلاً باقتراح "معقول"..
هل
حقاً لم يمس أي حاكم رهبان الدير بِشَرّ؟
ينقل المرجع الأول من المخطوطة:
"و إعلمى يا مريم أن هذا البيت الذى
نحن فيه الآن سيكون مأوى للغرباء و سيصبح بيتا يضم رهبانا قديسين لا يستطيع حاكم
على الأرض أن يؤذيهم بشر لأن هذا البيت قد صار مأوى لنا" م1 ص84
ويعود ليقرر لاحقاً:
" يقول المؤرخون إن رهبان دير المحرق
قد هلكوا عن آخرهم في زمن الناصر محمد بن قلاوون" م1 ص292
إذن فأين الحماية المزعومة؟ وفي التاريخ
المعاصر لنا حادثة مشهورة لاستشهاد بعض رهبان هذا الدير.. لعله يقال أن قتلة هؤلاء
الشهداء ليسوا من الحكام، وأن الوعد يقتصر على الحماية من الحكام.. وهذا احتماء
تحت مظلة الحرف القاتل.. فليكن.. وماذا عن راهب منحرف تم اعتقاله واستُغِلَّت قصته
في مؤامرة معروفة للتشهير بالكنيسة؟ ألم يضلع من هم في موضع الحكام في هذا العمل؟
قد يقال أن الحماية لا تُبسَط على المنحرفين، بل على القديسين بنص المخطوطة.. صح..
هذه معهم حق فيها بجد.. فليكن.. وماذا عمَّن هلكوا عن آخرهم في عصر ابن قلاوون؟ هل
عدموا قديساً واحداً؟ لعل المخرج
الوحيد من هذه الورطة أن يُقال أن الحماية المقصودة هي الحماية الروحية الأبدية،
كقول الكتاب: "لا تخافوا ممن يقتلون الجسد ...".. ولو كان هذا هو
المقصود بالحماية الربانية، فما مغزى تحديد مصدر الشر بالحكام؟ الواقع أنه لا
مخرج..
ثم ما هو مغزى اختصاص أهل مكان محدد بهذه
الحماية الربانية لو كان المقصود هو الحماية الروحية؟ النتيجة التي أستخلصها من
هذا الادعاء أن أحد أغراض كاتب المخطوطة، إن لم يكن الغرض الأهم، هو بسط هيبة المكان على حكام زمانه، الذين عُرِف عنهم
الشراسة والظلم، وكراهة الأقباط.. ويبدو أن كاتب المخطوطة لعب بمهارة وحساسية على
الوتر الذي يفزعهم: حماية السماء التي يخشونها، وباسم تقليد قديم ينتسب للعذراء،
وهم ُيجِلُّونها، فوق أنهم أهل رهبة من الغريب لاسيما لو كان قديماً وسمائياً..
ولكن حيلته لم تشفع في رهبان زمن ابن قلاوون الذين "هلكوا عن آخرهم"،
وأقول استشهدوا، لأن الرب أراد لهم خلاصاً حقيقياً من زيف المخطوطات والوعود
الكاذبة، فأذن للحاكم أن يمد سيف الاستشهاد إليهم رغماً عن المخطوطة..
وسيكون للسؤال جولة أُخرى في الفحص الإيماني
للمخطوطة..
أسئلة فحص القرائن الجغرافية لادعاءات
المخطوطة
ما الذي يلجئ العائلة المقدسة لجبل "قزقام"
المحرَّق؟
"البرية الخربة التى أقمنا فيها"
المسيح للعذراء حسب ادعاء المخطوطة م2 ص66
الدير المحرق يقع أصلاً في برية خربة معروفة
باسم قسقام، لم تكن تصلها مياه النيل في عنفوان فيضانه إلا أخيراً، وتنحسر عنها
أول ما تنحسر فتتركها جافة مشققة، ويُرَجَّح أن هذا سبب أو أحد أسباب تسمية
المنطقة بالمحرَّقة، ومن ثم تسمية الدير بالمحرق (م2
ص15)..
أما تخضير وزراعة المنطقة المحيطة بالدير فهو عمل حديث يعود لأوائل الستينات من
القرن العشرين.. وأقرب منطقة أصيلة الخصب لدير المحرق بلدة معروفة باسم "مير"..
ومنطقة مير شديدة الخصوبة جداً حتى أنه يشيع في العرف الشعبي مثل يقول:
"الفقري فقري ولو زرع في مير".. والتقليد المعروف في مير أن العائلة
المقدسة أقامت في بلدتهم.. والطبيعة الجغرافية لخط الصعيد تمثل قرينة قوية في صالح
هذا التقليد.. والسؤال الآن هو: لماذا تترك العائلة المقدسة بلدة خصبة مثل مير
لتقيم في خرائب صخرية محرقة؟
وافتراض أن العائلة المقدسة لم تجد من يرحب
بها في مير لم يطرحه أحد، ولا أظنه يجسر بعد فوات أوان طرح الافتراضات.. وحتى في
حال حدوثه، فالطبيعي أن تتقدم العائلة المقدسة في مسارها جنوباً، أو تعود شمالاً
لمكان آخر رحَّب بها، لا أن تلجأ لبرية قاحلة..
يتحتم على من يصدق إقامة العائلة المقدسة في
ذلك المكان، أن يصدق أيضاً أنهم توجهوا إليه بدون داعٍ، وأنهم بقوا هناك شهوراً
بمفردهم، ودون أية وسيلة للإعالة، ولا مانع أن يفترض أن الملائكة أعالتهم بمعجزة،
وأنه كانت هناك بئر ليشربوا منها، وبالمناسبة تم افتراض البئر فعلاً (م2
ص11)،
ولكن أحداً لم يدل عليها أين هي، ولا على دليل سابق وجودها.. وأنا لست ضد مبدأ
المعجزات، ولكني ضد مبدأ الخرافات التي تعجز عن الدليل فتلجأ لافتراضات بدون دليل
تؤيد بها ما هو بدون دليل أصلاً.. وافتراض يؤيد افتراض، أو بالأدق خرافة تؤيد
خرافة، ويا قلب احزن على حال الشعب وإكليروسه جميعاً المحب للمسيح ولكن بدون فهم
ولا وعي..
أسئلة فحص إيماني وروحي ولاهوتي
للمخطوطة
عندما يحصل لي وقت فأظن أن الأسئلة الواردة
في هذا القسم تستحق تصنيفها لأسئلة عقيدة وأسئلة روحية وأسئلة أدب (أدب بمعنى ذلك
الذي فضلوه على العلم L) ولحين ذلك فإنني أجمعهم تحت عنوان
الفحص الإيماني عموماً بأوجهه العقيدية والروحية والأدبية.. ولنرى كيف شوهت
المخطوطة الإيمان بكل أوجهه:
"المسيح يرشم المياه بعلامة الصليب
فيصنع منها سفينة".. من يقبل هذا الكلام الغنوسي؟
"بعد أن تكلم ابني بهذا قمنا ونزلنا من
الجبل وبلغنا مدينة الأشمونين فاستقبلنا أهلها بفرح وترحاب عظيمين... وفي الصباح
حملت ابني بين ذراعيّ وأتيت إلى البحر (أي النيل) وانتظرنا سفن تقلنا فلم نجد أي
سقينة مستعدة للإقلاع فلاسم ابني علامة الصليب على المياه فتشكلت بشكل سفينة
فأقلعنا بها حتى وصلنا إلى الناصرة وشكرنا الـله "م5 تحت عنوان "العودة
إلى فلسطين"..
(المرجع
هنا يقتبس جزءً لا يُنشَر من المخطوطة)
وأنا أشكر الرب بدوري أن فضيحتنا مترجمة
باللغات (الشكر من باب على كل حال وفي كل حال).. فـ(م5)
هذا كتاب
تذكاري من إصدار الجامعة الأمريكية بالقاهرة باللغة الإنجليزية..شكر من باب على كل
حال وفي كل حال.. الكلام هذه المرة يخرج من باب الأبوكريفا ليقف على مشارف
الغنوسية.. التي تنكر ناسوت المسيح.. المسيح طفلاً يرسم المياه بعلامة الصليب؟
الصليب كان علامة لعنة بحكم الناموس، والمسيح أتى مولوداً تحت الناموس، وإلى أن
ارتفع على الصليب كان خاضعاً للناموس متمماً له، حتى رفع لعنته بالصليب.. فكيق
يبارك وهو تحت الناموس بعلامة اللعنة؟ وحتى بعد الصليب يبقى السؤال: هل المسيح
يبارك بالصليب؟ أم الصليب هو الذي تبارك بالمسيح وصار لنا علامة بركة نبارك
ونتبارك نحن بها؟ وأين في العهد الجديد بارك المسيح بعلامة الصليب؟ قبل أو بعد
الصليب؟ وسؤال آخر: المسيح الذي أخلى ذاته من المجد وافتقر لاجلنا وجاع وعطش ولم
يكن له أين يسند رأسه، ماباله يتضجر من عدم وجود سفينة فيبادر بصنع سفينة من
المياه؟ لم يستعفي من الألم؟ هل من أجل العذراء؟ يا سلام؟ تتحمل السفر لمصر ولا
تتحمل انتظار سفينة؟ نتحمل هزل الأبوكريفا لأن بها فولكلور يضحك أقله.. ولكن من
يتحمل بدع الغنوسية؟
لم أضع هذه القصة أمام اكثر الأذهان
انغلاقاً إلا وفزع أصحابها.. لذلك أقول أين النص الكامل من المخطوطة.. هذا ما
ظهر.. وما خفي كان أبدع..
هل
تحزن العذراء بعد القيامة؟ وعلامَ؟
"ولما كان في بعض الأيام وأنا جالسة في
بيت مريم أم يوحنا إذ كان بعض التلاميذ يتحدثون بآلام ابنى الحبيب" م2 ص66
تخت عنوان "مقتطفات من ميمر للبابا ثيؤفيلس يقرأ في السادس من هاتور"
"ما سبب بكائك يا والدتى ، افرحى
وابتهجى ولا تحزنى فإن آلامى وصلبى وموتى كان سبباً لخلاص الخليقة باجمعها ... أما
إن كان كدرك بسبب ما قاسيتِه من التعب من نحو هروبك بى من مكان إلى آخر فحتى
البرية الخربة التى سكناها مدة من الزمن فها أنا امضى لتكريسها..." م2 ص66
"يالها من رهيبة أحزان البرية الخربة.. التي أعمت عيني العذراء
عن فرح القيامة.. التي إذ غمَّت بها على أفراح القيامة وأعادتها لما قبلها، فإنها
لم تمهلها لتتوقف عند أحزان الصليب السابقة على القيامة، بل عادت بها عشرات
السنين، ولم تكتف بأن تظل مجرد أحزان حية تتذكرها العذراء في كل حين، بل أنها ألحت
عليها، وحاصرتها، ولم ترحم دموعها.. دموع مرَّة وليست أية دموع".. إن هذه
الصورة الغبية الشريرة بها إساءة للعذراء، والقيامة، والصليب.. وأدعو من لم ير هذه
الإساءات بعد أن يتابع..
العذراء تحزن؟ ومتى؟ بعد القيامة؟ وكيف؟
تبكي بكاءً مُرَّاً.. هذا الكلام به إساءة أدب تجاه العذراء.. ولا أظن إطلاقاً أن
أحداً من قائليه يقصد هذا.. ولكن العبرة في فحص ادعاء أو فكرة، لا تكون بقصد
القائل، فالفحص الموضوعي يأخذ الحاصل بالفعل لا بالقصد.. والحاصل بالفعل أن هذا الادعاء
السخيف يصور العذراء حزينة باكية تتذاكر أحزانها فتبكي بكاءً مرَّاَ.. مثل النسوة
التافهات روحياً، الشغوفات بالحزن ومفرداته ويجدن لذَّة في التعديد وهو فن شعب
شرقي معروف.. أي إساءة هذه للعذراء؟ دعنا من أن الإساءة تشمل مع العذراء الرسل
وباقي حضور المشهد المزعوم..
وتزداد الإساءة في حق العذراء عندما نفكر أن
العذراء ليس فقط تحزن هكذا ، ولكنها تحزن بعد القيامة.. وقريباً منها.. وبحسب
الأرجح عند أنصار المحطوطة، يحدث هذا بينما كان المسيح لا يزال يظهر.. لأن هذا
يعني أن العذراء لم تمتلئ بفرح القيامة.. وتضعها في مرتبة أنقص من التلاميذ الذين
فرحوا إذ رأوا الرب (يوحنا20: 20)..
ولم ينزع أحد فرحهم منهم (يوحنا16:
22)..
ولكن العذراء نزعت ذكريات أحزان قزقام فرح الرب وقيامته منها، فصارت تبكي بين
التلاميذ..
والقصة السخيفة تحمل إساءة متلازمة من الوجه
الآخر للقيامة نفسها..
ثم إستخفاف ضمني بأحزان الصليب.. فهي تبكي
بكاءً مراً على أحزان قوزقام المبارك، متجاوزة أمامه أحزان الصليب.. ولِمَ لا
والذي جعلها تتجاوز أفراح القيامة قدير بجعلها تتجاوز أحزان الصليب..
وإساءة
فوق إساءة للعذراء! هل تتناسب كرامة العذراء في الكتاب مع كرامتها في المخطوطة؟
تقول العذراء في الإنجيل:
هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني(لوقا1:
48)
ولكنها تقول في
المخطوطة:
"و كل من كان فى
شدة أو ... و أتى إلى هذا المكان المقدس وسجد فيه وصلى وطلب ... سأقضى جميع
حاجاته و أستجيب كل طلباته إكراما لاسمك الطاهر يا والدتى العذراء ... وأى
إمرأة عاقر تتضرع ... و تسألنى بإسمك و تتذكر أتعابك معى تخلص سريعا"
م1 ص83 وص84 نقلا عن المخطوطة
فهل من تطَوِّبها الأجيال، يكرمها المسيح في
ظهوره الاستثنائي الفريد بأن يقبل نذور من يذهبون لجبل قزقام؟ هل التناسب هنا
معقول؟ وكأن تطويب الأجيال والسماء والملائكة نافلة بجانب هدية الظهور العظيم
الفريد والرحلة السياحية لجبل قزقام، عيب.. كلام يدين كاتبه دينونة رهيبة، ويعيب
من يصدقه عيباً مخجلاً..
هل
التقريب في كنيسة جبل قزقام تُثَبِّت الإيمان إلى النفس الأخير؟
"فلتدم بركة أبى الصالح و الروح القدس
فى هذا البيت إلى الأبد إن هذا المكان الذى ترينه يا أمى القديسة ستقام فيه كنيسة
و الذين يقربون سيظلون ثابتين على الإيمان الأرثوذكسى إلى مجيئى الثانى" م1
ص83 نقلا عن المخطوطة
لا طائلة في قول أنه من غير المنطقي أن
يتكلم المسيح عن الإيمان الأرثوذكسي في القرن الاول الميلادي بينما الكلمة ظهرت
كمصطلح في القرون المتأخرة أمام ظهور الهرطقات، وأن الكتاب المقدس يخلو من هذه
الكلمة.. لا جدوى في ذلك مع فقدان المنطق وسهولة الادعاء بأن المسيح كان ينبئ
بالمستقبل أو أنه يسبق فيستخدم الكلمة قبل ظهورها وشيوع تداولها، أو أنه يستخدم
الكلمة بمعناها وليس كمصطلح (وبالمناسبة معناها الحرفي العبادة المستقيمة يجعل
الجملة بلا معنى).. أعترف بعجزي عن مجاراة هذا السخف وأسَلِّم به مرغماً..
ولكن فحص القضية
إيمانياً وروحياً ممكن وجائز بل واجب.. ما علاقة "التقريب" في
كنيسة محددة بالوعد بحفظ الإيمان؟ هذا كلام من لا يفهم معنى الإيمان، ويهزل به،
ولا يفهم معنى التقريب إن كان يقصد به التقدم للتناول..
ومع تسليمنا بأن
هذا المكان ينتمي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية وأن سكانه ينتمون للمذهب
الأرثوذكسي، ومع تسليمي واعتزازي الكبير بأن بعض رهبانه في القديم ذهبوا وكرزوا
حتى صحراء أوروبا، يكون السؤال: ما هي ميزته عن غيره من آلاف آلاف الأماكن
الأرثوذكسية عبر التاريخ والجغرافيا؟ يكون للكلام معنى لو مَرّ على المكان وقت كان
يمثل فيه أمل الأرثوذكسية في البقاء، أو يكون سكانه قد احتفظوا بالإيمان
الأرثوذكسي حيث عَزّ الإيمان في المكسونة.. ولكن ما معنى أن ديراً بعيداً بين مئات
الاديرة في الصعيد، فضلاً عن مئات آلاف الكنائس والأديرة في العالم، يكون صاحب وعد
من المسيح بحفظ الإيمان الأرثوذكسي "للذي يقرب" فيه؟
ثم عليّ أن أعترف بأن كاتب المخطوطة
أرثوذكسي متحمس، ولكنه يلجأ لأساليب غير أرثوذكسية (مستقيمة) لإثارة حماس الشعب
نحو إيمانهم، أو لتشريف مكانه بالإيمان الارثوذكسي.. وكان الحريّ به أن يوُفِّر
حهده لفهم الأرثوذكسية، والدعوة إليها، بدلاً من إنشاء القصص المخجلة لكنيسته
الأرثوذكسية.. وللمكان الذي أراد أن يشرِّفه..
هل
زيارة جبل قزقام تًطَهِّر النفس كيومها؟
"و كل من يأتى إلى هذا البيت بإيمان و
عبادة سأمنحه مغفرة خطاياه إذا اعتزم على عدم العودة إليها" م1 ص83
نقلا عن المخطوطة
هل زيارة الأماكن تمنح غفران خطايا؟ هذا
كلام لم يقله ولا حتى فريسيي العهد القديم عن هيكلهم.. ولا يقوله إلا غير المؤمنين
عن طقوسهم وتطهيراتهم.. وربما ظن كاتب المخطوطة انه حمى نفسه باشتراطه "إذا
اعتزم على عدم العودة إليها".. ولكن فاته أن من "اعتزم عدم
العودة إليها" له وعد من الرب بالمغفرة، ولا يحتاج لزيارته ولا
مخطوطته..
هذا ما جاء في المخطوطة الأم، أو الميمر
الأب.. وفي مخطوطة تابعة لميمر تابع نجد أن الأبناء وصلوا إلى... مفاجأة.. بلوة
سودة.. داهية منزلة:
"...
السيدة العذراء طلبت من ابنها الوحيد أن يبارك من يأتى إليه ويطهره من آثامه حتى
يصير نقياً كأنه ابن يومه" م2ص67 نقلاً عن "ميمر للأنبا
قرياقوس"
هذا الكلام ينبغي أن يُحاكم كنسياً من
يقوله، ويُحرَم حرمان غير المؤمن.. هذا
كلام يقوله غير المؤمنين عن طقوسهم.. كيف تُعِيد زيارة مكان إنسان لحالة الطهارة
الفائقة هذه؟ وحتى لم يكلف الكاتب خاطره عناء لصق شرط التوبة.. سطر واحد من مئات
السطور التي تجشم عناء كتابتها..
هذا الكلام قرينة قوية على أن كَتَبَة هذه
البلاوي عاشوا في مصر المُعرَّبة وتأثروا بأمراض العته الروحي..
القصد لم يَعُد بعد إثبات بطلان هذه الأهازيل،
فهذا مطلب تجاوزه المقال منذ السؤال الثاني أو الثالث على الأكثر، بل السؤال الآن
هو: كيف يُقرأ هذا الخبل في كنائسنا؟ بل ويُعَيَّد به؟ بل وتُطلَب بركته وبركة من
يروجونه؟ إن كاتب المخطوطة الأم، في حدود ما يُنشَر منها على الأقل، لم يتجاسر
لهذا الحد في الكلام.. ولهذا لم يمكنني محاسبته إلا على حدود ما قال.. ولكن هذا
المبدع الجديد كاتب المخطوطة الإبنة أكمل مكيال أبيه..
هل
النذور تعطي بركة أكثر في جبل قوزقام؟
"و كل من كان فى شدة أو مرض أو هوان أو
ضيق و أتى إلى هذا المكان المقدس وسجد فيه وصلى وطلب أمرا بحسب مشيئة الله فإنى
سأقضى جميع حاجاته و أستجيب كل طلباته إكراما لاسمك الطاهر يا والدتى العذراء ...
وأى إمرأة عاقر تتضرع إلى بقلب طاهر وتتذكر هذا البيت سأعطيها نسلا وكل امرأة
تتعسر فى الولادة و تسألنى بإسمك و تتذكر أتعابك معى تخلص سريعا" م1 ص83 وص84
نقلا عن المخطوطة
"و كل الذين يأتون إلى هذا المكان بنذورهم
و قرابينهم باسمك الطاهر فسأكتب إسمى على قرابينهم" م1 ص85 نقلا عن المخطوطة
هذه الاقتباسات خفيفة الظل لولا أنها تصوَّر
العذراء وهي تتوسل النذور بالبركات، ولولا أن الشعب تزوَّد في تصديقها فكانت سبباً
فوق أسباب لحبسه في فخ التطفل الروحي السمج.. وقد سبق فحصها كمادة تشي بلغة
المخطوطة الأصلية.. والآن تُفحَص إيمانياً..
واضح أن الكلمات في الاقتباس تتاجر بأحزان
الناس ومتاعبهم.. والإيحاء قوي في الربط بين من يأتي ليطلب رفع متاعبه، ويأتي
بالنذور و القرابين، فالاقتباسان يأتيان متتاليين في المخطوطة..
ومثلما لا ينسى كاتب المخطوطة الأريب أن يضع
شرط التوبة لمغفرة خطايا الزائر، فإنه يضع شرط أن توافق الطلبات مشيئة الـله حتى
تُستَجاب.. والشرط الأول للحماية اللاهوتية.. أما الثاني فله غرض عملي حصيف.. وتفسير
ذلك أن المغفرة شئ غير مرئي لا يملك أي واحد دليلاً مادياً على تكذيبه، أما متاعب
الناس فمائلة أمامهم وفيهم، والحالات التي لن تشفع فيها بركة المكان ستكون ظاهرة،
وينبغي إيجاد شرط حصيف لتبريرها.. ولكن السؤال نفسه يبقى: وطالما وافقت الطلبات
المشيئة الإلهية، أليست شرطاً كافياً؟ فما جدوى زيارة المكان؟ ولم هي شرط لازم؟
هل تصنع العذراء دعاية ممجوجة بهذا الشكل
لمكان ما؟ وتغري الناس بالبركات مقابل القرابين؟ أفهم و أقبل أن يشجع الرب الناس
على فضيلة العطاء بتقديم القرابين و العشور للكنيسة عموما، وأفهم أن تتمتع أماكن
ببركة خاصة وكرامة ظاهرة شهادة لحدث تم فيها، أو لإنسان عاش فيها، وليس للمكان
ذاته.. ولو صح أن المكان كانت له كرامة استضافة العائلة المقدسة، لكانت البركات
تظهر أولاً في صورة شعور الزائر بالارتياح الروحي غير المُفتَعل، وثانياً في
افتقادات نورانية، فتتفق شهادة السماء مع الافتقاد الداخلي للزائر.. هذا أفهمه
ولكن لا أفهم هذه المحاباة المادية لدير بعينه، والتوسل والإلحاح فيها إلحاحاً
ممجوجاً من كاتب المخطوطة، هذا لا أفهمه لا من الرب و لا من العذراء، و لكن أفهمه
من كاتب المخطوطة المجهول..
أين هذه المبالغات الممجوجة لقداسة مكان
بعينه من قول الرب للسامرية: "صدقيني أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا
في أورشليم تسجدون للآب" (يوحنا4:
21)..
أين هذا من طمع كاتب المخطوطة في أن يرث موضع السجود وينقله لجبل قزقام وريث جبل
السامرة؟
نعم هناك أماكن نالت كرامة و تشع بالبركات
بسبب سكنى القديسين فيها، ولكن بلا دعاية و لا وعود تخرج بالقصة عن حدود الإيمان
توسلا وتسولاً للقرابين.. نعم كان هناك ملاك كان يحرك الماء فى بركة بيت حسدا و
لكنه لم يكن يشجع الناس على الإتيان بالقرابين.. نمع حيثما حل الرب تقدس المكان..
ولكن المؤكد أن الرب لا يقوم بالدعاية في المخطوطات، ولكن بالدعوة العلنية الحاضرة
أمام الناس.. وفي كل الحالات فهو لا يتوسل القرابي بهذه الإغراءات السخيفة..
هل
يَـعِد الرب بالحماية من الحكام لسكان مكان دون غيره؟
"و إعلمى يا مريم أن هذا البيت الذى
نحن فيه الآن سيكون مأوى للغرباء و سيصبح بيتا يضم رهبانا قديسين لا يستطيع حاكم
على الأرض أن يؤذيهم بشر لأن هذا البيت قد صار مأوى لنا" م1 ص84
هذا الكلام يعني أن الإنسان المترهب ذلك
الذي مات عن العالم قد لجأ لدير يعده فيه الرب بحماية الجسد!.. ويعني فوق هذا أنه لا
يضمن حماية الرب بالضرورة إلا في هذا المكان.. وبالتطبيق العملي يكون الغرض هو
حماية الجسد، ويكون المكان هو مصدر الحماية لا الرب، إذ أن الرب في كل مكان بينما
حدود الحماية قصرت على تلك البفعة.. هذا هو معنى الكلام عند الأمين في الفهم
والاعتراف بالخطأ..
ولا أظن أن أحدهم سيتجاسر ويشبه الوعد
بحماية ذلك المكان خصيصاً بحماية بيوت العبرانيين التي رُشَّ عليها الدم.. وأبادر
قبل أن يعملها "احدهم" هذا وأشرح: الحماية لم تكن في البيوت بل في الدم
المرشوش، كعلامة لعبور المهلك، وكان كل مؤمن بالنبوة يمكنه إعلان إيمانه والنجاة،
فالتحديد في الواقع لم يكن مكانياً وإنما إيمانياً، إذ حيث وُجِد الإيمان أمكن
للمؤمن إعلان إيمانه برش الدم فلم يوجد من ثَمَّ مانع لحماية المكان ولم تكن تلك
الحماية محدودة مكانياً بكل وضوح.. وأما في حالة مخطوطة الخرافات تلك فالحماية
فاصرة على مكان محدد بعينه.. لقد حوَّل كاتب المخطوطة وعد الرب بحماية المؤمنين
إلى مهزلة خرافة وطمع في نجاة الجسد.. لقد حدَّد غير المحدود وحوَّل الروحي إلى
جسدي.. فأي إهانة لوعود الرب التي بلا ندامة؟
وفي التاريخ مثل يضبط أمور هذه المخطوطة في
ذات الفعل: "وأما أسماء الشهداء التي وصلتنا عن هذه الحقبة فهي: ...... 7-
أرسانيوس الحبشي ... وكان مترهباً بجبل قسقام" (إيريس حبيب المصري، قصة
الكنيسة القبطية -ك3، فق 351).. ولن أتماحك وأبحث إن كان ألشهيد أرسانيوس هذا قد
ترك الجبل فاستشهد بعيداً خارج مقر الحماية أم قد استشهد في مكان عبادته فيلحق على
هذا بالأمثلة التي سبق إيرادها عن تكذيب التاريح لادعاءات المخطوطة.. قضيتي هذه
المرة ليست فضح الغلط بالتاريخ، ولكن فضحه بالفيمة الإيمانية.. فهذا مثل لشهيد من
جبل قسقام لم يتمحك في خرافات مخطوطات ولكنه قدم روحه للرب رغماً عن سخف كاتب المخطوطة
وجهل أو تجاهل من صدقوه..
كان الصحيح لكاتب المخطوطة أن يوفر جهده
لتشجيع الناس على احتمال الشر الجسدي من الحكام الذين ليس لهم أكثر.. بدلاً من أن
يطمئنهم بنبوات كاذبة، وهذا دليل كذبها:
" يقول المؤرخون إن رهبان دير المحرق
قد هلكوا عن آخرهم في زمن الناصر محمد بن قلاوون" م1 ص292
يقول كاتب المخطوطة:
"و إعلمى يا مريم أن هذا البيت الذى
نحن فيه الآن سيكون مأوى للغرباء و سيصبح بيتا يضم رهبانا قديسين لا يستطيع حاكم
على الأرض أن يؤذيهم بشر لأن هذا البيت قد صار مأوى لنا" م1 ص84
ويقول الرب يسوع:
"لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد وبعد
ذلك ليس لهم ما يفعلون أكثر" لوقا12:
4
للتأمل ويكفي..
أسئلة فحص كتابي
لمحتوى المخطوطة
خلط
واضح وساذج في فهم قصة المجوس
"أما ما كان من أمر هيرودس الملك فإنه
أقام سنتين كاملتين ينتظر عودة المجود" م2 ص65
واضح هنا أن النص يقدم تعليلاً ساذجاً لأمر
هيرودس بقتل الاطفال من سن سنتين فما دون، والتعليل ساذج لأن هيرودس الذي تحرك
فوراً فجمع الكهنة متحققاً منهم عن المكان، ثم دعا المجوس سراً ومتحققاً منهم عن
زمن النجم، لا يُحتَمَل أن يبقى "في كسل" سنتين "ينتظر
عودة المجوس" حتى يظهر له الشيطان بحسب باقي ادعاء المخطوطة..
كما أن هذا التصوير الساذج للأحداث يتضارب
مع قول الإنجيل: "جينئذٍ لما رأي هيرودس أن المجوس سخروا به غضب
جداً فأرسل وقتل جميع الأطفال ..." (متى2:
16)
..
الإنجيل يقول حينئذٍ والمخطوطة تقول "أقام سنتين ينتظر عودة المجوس".. وبيت لحم قريبة من مكان حكم هيرودس ولا تحتاج
لسنتين حتى يتحقق من سخرية المجوس منه..
وأما التعليل السليم
لأمر هيرودس فيظهر من إفادة الإنجيل أنه تحقق من المجوس من زمن ظهور النجم..
وبديهي أنه من زمن ظهور النجم انقضى وقت في دراسة المجوس لامره وتشاورهم في رحلتهم
ثم مدة السفر.. وهذا يتفق بارتياح مع مدة السنتين..
علينا أن نختار بين الإنجيل والمخطوطة..
لو
صحت المخطوطة لكانت طعناً في كفاءة كاتب سفر أعمال الرسل
سبق مواجهة المخطوطة بشهادة سفر الأعمال في
باب فحص المخطوطة بالشواهد الخارجية.. وكان سفر الأعمال وقتها شاهداً تاريخياً
فحسب.. وهنا نتناول المشاكل الكتابية المترتبة على تصديق المخطوطة.. فلو صحت هذه
المخطوطة لا يبقى عذر لكاتب سفر الأعمال في عدم تسجيلها.. ولا يُحتَج هنا بأن
الكتاب المقدس لم يسجل كل شئ.. لأن أول قداس وأول مذبح وأول وأول ثم ظهور المسيح
نفسه ليس أي شئ..
فعبنا أن نختار بين كاتب المخطوطة ولوقا
الإنجيلي كاتب سفر الأعمال ككاتب من كُتَّاب الكتاب المقدس يًوثَق به وبعمل الروح
القدس معه..
المخطوطة
بين لغة الكتاب المقدس ولغة الأبوكريفا
كتب أبوكريفا العهد الجديد لها أنواع متميزة
ويمكن تصنيفها بحيثيات متنوعة.. تصنيف نوعي، وزمني، ومن حيث اللغة، والغرض
العقيدي.. وهو موضوع بحث كبير يمكن مراجعة مقال متواضع فيه بعنوان "الأبوكريفا..
منجم للاخطاء الشائعة"..
وهذه المخطوطة تتمتع بوضوح بكل سمات الأعمال
الأبوكريفية التي تنتمي لمدرسة أناجيل الطفولية.. وهي امتداد أمين يحتفظ بسمات
أصالة الانتماء لأعمال الطفولية الباكرة.. فهي رغم ظهورها متأخراً وبين أنواع
أُخرى تتميز عنها في التركيب الفني، وإن تأثر في أسلوبها ولغتها بالشائع وقتها،
ولكن مخطوطتنا الامينة احتفظت في تركيبها بالسمات الأصيلة لأناجيل الطفولية
الزائفة، وهي إجمالاً:
- نسب الكتاب لشخصية معروفة في التاريخ
المسيحي (في حالة الأبوكريفا المبكرة لشخصية كتابية، وفي خالة المخطوطات المتاخرة
للبطاركة البارزين في تاريخ الكنيسة)..
- يتم إعلان هذا النسب بإعلان الشخص
المُفتَرَض عن نفسه في بدء الكلام..
- نسج الأحداث انطلاقاً من نقطة مسكوت عنها
في حادثة كتابية أو تاريخية معروفة..
- الشغف بمعجزات المسيح طفلاً..
- الشغف بوضع مبادئ الإيمان بسطحية وسذاجة
واضحة على لسان المسيح في حديثه مع العذراء..
- الجرأة والخيال الواسع في الادعاء..
وتتفوق مخطوطتنا
على أناجيل الطفولية في انحيازها لمكان بعينه وغمره بالبركات والوعود كما رأينا
وسنرى.. وللاستزادة في موضوع الأبوكريفا يمكن مراجعة مقال "الأبوكريفا.. منجم
للاخطاء الشائعة"
سؤال فحص طقسي
لادعاء الرحلة السياحية للتدشين
من
يدشن المذابح؟
"جاء فى كتاب الدفنار تحت اليوم السادس
من هاتور وقدس هو البيت بيده الإلهية العالية" م1ص107
وجاء في (م3)،
بقلم البابا شنودة الثالث:
"ومن أشهر كنائسها، كنيسة الدير
المحرق، التي دشنت في عهد البابا ثاؤفيلس (23) في بداية القرن الخامس (6
هاتور)" م3 ص6..
ولا
تعليق!
وجاء، بعد ما سبق مما جاء، جاء في الفهم الإيماني
والعقلاني معاً لجزهر الطقس سؤال: من يدشن المذابح؟ ومن يحول القرابين؟ أليست اليد
ذاتها؟ والروح عينه؟ فما هو احتياج الرب للظهور للتدشين؟
فإن تغاضينا على الأسئلة السابقة واللاحقة،
وقبلنا أن الرب دشن هذا المذبح مراضاة لأحزان العذراء، لظل السؤال باقياً: ما
امتياز هذا المذبح عن غيره وكلها بيد الرب؟ ألعل الذبيحة المقدمة عليه تكون أعظم؟
وقد تعلمنا بحق أن الذبيحة واحدة وأنها هي ذاتها ذبيحة المسيح الذي قدمها بيديه
ليلة آلامه، وقدمها بإرادته على الصليب..
وهل، بعد هذا العرض وهذه المنقولات الواضحة
التي وردت بلا تعليق من جانبي، لا يزال
يرى أحد تعدياً من جانبي في الصياغة الضاحكة للعنوان، أعني تعبير "التدشين
السياحي"؟
فحص للأدبيات الطقسية المُرَتَّبة لدعم
المخطوطة
هل
هذا المنتج الـ"قبطي" من إنتاج قبط ما قبل الاستعراب؟
قد يحتج بعضهم بوجود ذكصولوجيت قبطية يرتلون
بها، أو حتى إن كانوا يهملونها لا فرق، ووجه احتجاجهم هو أن وجود هذه الآثار
القبطية التي تؤيد مزاعم المخطوطة يعين الادعاء بصحتها..
والواقع أن هذه "المنتجات"
المكتوبة باللغة الفبطية تحوي من "الملاحظات" ما يكفي لفلب الدليل
ضدهم..
الملاحظة الأولى
هي العيوب النحوية المكشوفة لكل من حاز الدراسة المبدئية للنحو القبطي.. ومن ذلك
استخدام "ماران" وهي أداة الدعوة أو الحث للجمع المتكلم حين كان المدعو
هو مفرد مؤنث ولا يصح معه من صيغ تلك الأداة إلا "مارا" (م2 ص11 من
ملحق الذكصولوجيات – انظر الهامش1).. والسؤال هنا: ألا يكفي هذا كدليل أن كاتب
تلك "المنتجات" لم يتمتع بالحديث باللغة القبطية كلغة أصلية، أي أنه
كتبها بعد تعريب لسان القبط، والحاصل من ذلك هو أن تلك "الذكصولوجيات"
متأخرة ولا تدل على أية أصالة إن لم تدل على اصطناع الخرافة واصطناع الذكصولوجيات
لها بالمرة..
الملاحظة الثانية
الهزل في ذلك اللفظ السابق، والذي بعد أن أخطأ ناظم "الذكصولوجية" في
الصيغة النحوية فيه، فإنه لم يكتف بالخطا النحوي وإنما تناول نطقه وشمله ببركته وحوَّل
الـ"مي" إلى "بي" فجاءت "باران" بدلاً من ماران..
ويحتج مؤلف (م2) له بأن الناظم قصد الحفاظ على ترتيب الحروف!.. والحاصل أن تغيير
نطق كلمة هو أمر غير مسبوق ولا معهود ويدل حتماً على التظرف الخارج عن اللياقة
الطقسية.. وحتى إن كان بدعوى الحفاظ على ترتيب حروف بدء الأرباع، فإن الناظم الذي
يحترم المناسبة لا يحشر فيها هذا الهزل.. وأقصى ما فعله النُظَّام القبط الأُصلاء للحفاظ
على ترتيب الحروف هو وضع حرف له نفس النطق مكان آخر مثل كتابة دميانة بالـ"دلتا"
أو بالـ"تي" (كلاهما يُنطَق ذالاً بحسب النطق القبطي الأصيل)، فتظل
الكلمة محفوظة بنطقها السليم ويلحق التغيير بالهجاء فقط، والقياس لا يخرج عن هذا..
وأما وضع البي مكان المي فهذا غير معهود ولا مقبول لذوي الذوق..
الملاحظة الثالثة
هي كتابة تلك الذكصولوجيات باللهجة البحيرية للغة القبطية.. وهذه اللهجة لم تسد على
كل مصر إلا بعد تعريب اللسان القبطي.. ومرة جديدة فإن الدليل يدل على تأخر زمن تلك
المنتجات لا أصالتها..
الملاحظة الرابعة
بعد هذا هي تقييم شخصي مني عن أسلوب تلك الـ"ذكصولوجيات" والذي أحكم
عليه بكل ثقة وعلى مسئولية اسمي المتواضع بالضحالة والركاكة والتخلف عن الأسلوب
المعتاد للذكصولوجيات والتسابيح القبطية الأقدم عصراً.. وأطالب هنا بإحالة كل هذا "المنتوج"
لدراسة علماء اللغة القبطية وإبداء الرأي العلمي فيه..
الملاحظة الخامسة والأخطر
هي خلو كل الطقس القبطي (خارج نطاق الدير المحرق) من أي إشارة طقسية أو قطعة
منظومة باللغة القبطية (أو حتى بالعربية) لجبل "قوزقام" هذا..
وأختم بالمطالبة بوضع تلك
"المنتجات" المتمسحة بشكل الذكصولوجيات
ويحق الادعاء بأن الطبيعي أن كل الكنيسة
تتبع اللهجة البحيرية وأن نُظَّام تلك المتجات المكتوبة بالقبطية اتبعوا القاعدة
السائدة في الكنيسة ولا غبار على ذلك.. نعم يحق هذا الكلام ولا غبار عليه، ولكن
ذلك الذي لا غبار عليه لا دليل فيه أيضاً..
أسئلة
فحص للخرافات اللاحقة بخرافة المخطوطة
نظراً لغياب النص الكامل للمخطوطة، فإن كل
اقتباس لم يرد صراحة أنه في المخطوطة، اعتبرته لاحقاً عليها حتى لا احمِّلها ما لا
تحمل وتحتمل..
من كان يرفع الذبيحة؟
الذبيحة لا تنقطع في ص19:
"ويروي بعض شيوخ الدير أيضاً ان واحداً
من قديسي الدير قد وصل إلى درجة السياحة ... سأل الرب مرة وهو يصلي مع السواح عن
سر إقامة الذبيحة يومياً في كنيسة العذراء الأثرية فسمع صوتاً يقول "إن
الذبيحة لا تنقطع من فوق مذبحي" ..." م2 ص 19
ومثلها:
"نقش فوق المذبح تغظى بلوح رخامى يقول
النقش: لا تنقطع الذبيحة من فوق مذبحى" م1 ص114
بينما ينقطع الكهنة والرهبان جميعاً في ص195:
" وصلوا فى القرن 19 قريبا إلى 12 بلا
كاهن ... كلف البابا كاهن من السراقنا للصلاة" م1 ص195
وفي ذات الصفحة يسجل شهادة القمص عبد
المسيح صليب المسعودى:
" وصل العدد إلى اثنين يخدمهما قمص
علمانى من القوصية يدعى عبد المسيح القصاوى" م1 ص195
ومثلها:
"صار يقوم بخدمة الأسرار المقدسة كهنة
من السراقنا" م1 ص294
ويغلق
الحالة في وجه أي مغالطة في صفحة 292:
" يقول المؤرخون إن رهبان دير المحرق
قد هلكوا عن آخرهم فى زمن الناصر بن قلاوون" م1 ص292
والحصيلة من السابق أن الدير خلا من الكهنة
فترتين على الأقل في تاريخه، بجانب فترة خلا فيها من الرهبان على الإطلاق.. ومع ذلك تروج خرافة أن الذبيحة لم تنقطع قط من
على المذبح هناك، ويستندون في هذا لنقش برئ الكلمات، وقصة لا تعني شيئاً مما وصل
لأفهامهم.. فأين المخرج هذه المرة؟
هذه حالة لا يبق لها إلا نجدة الافتراض، فلم
لا يكون السُوَّاح قد تعهدوا بإقامة القداس في أوقات خلو الدير من الكهنة؟ فنثبت
الافتراض بافتراض آخر.. وتبقى القصة من الأصل بلا دليل..
الدليل على الافتراض افتراض آخر هو ما نصل
إليه حتما إذا بدأنا بالخرافة، وقطعاً أنني لا أنكر وجود السُوَّاح، ولكن حتى
السُوَّاح لنا على وجودهم ادلة منطقية و مشاهدات مثبتة، و لم نبن قناعتنا بوجودهم
على افتراضات مطلقة..
على أن كلمات النقش في ذاتها، أو قصة السائح
المصلي بريئة من هذه الخرافاة، وهي في ذاتها لا خطأ فيها لو فُهِمَت على الوجه
الصحيح.. فالكلمات تقول: "الذبيحة لا تنقطع من فوق مذبحي"،
وكل مذبح في كل كنيسة هو مذبح للرب، أم أن مذبح هذا الدير قد اختصه الرب وحده
بكونه مذبحه؟ وبهذا المعنى، لا تنقطع الذبيحة من فوق مذبح الرب، المذبح بفهمه
الجوهري، المذبح كاسم هيئة لا تنقضها ولا تقوى أبواب الجحيم عليها، المذبح الواحد
في جوهره في كل مكان، لا المذبح في كاسم مرَّة، أعني المذبح المكاني المحدد
المصنوع بحجارة أو خشب.. ولعله كانت تبقى لهم حجة في سوء الفهم، لو قال النقش أو
الصوت أن الذبيحة لا تنقطع من فوق هذا المذبح تحديداً.. ولكن الكلمات لم تقل هذا،
وإنما (الأفهام) التى أَسَرَتها الأوهام تقول..
وهذا بعينه هو أحد أبعاد مشكلة التسليم
للخرافة، راجع مقال "زيارة العائلة
المقدسة لمصر بين الحاضر والمأمول"، أن جو الخرافة
يُعطَّل الذهن ثم يُعمِيه، فيبحث في كل كلمة وإشارة على معنى خرافي، فحال وقوع
أعين هؤلاء على هذا النقش ترجموه الترجمة الخرافية مباشرةً دون تمهل للفهم..
وربما، أقول ربما، لمجرد الاحتمال النظري،
أن الذي حدث هو العكس، أي أن جو الخرافة أوحى لأحدهم بهذا المعنى فسجل النقش بحسب
الفهم الخاطئ.. ولكن في كل الحالات فالمحصلة واحدة.. خرافة دليل بطلانها ظاهر من
ذات مصادر الدير، ولكن سحقاً لمن يفكر ويبحث ويطلب كلاماً صحيحاً مشرفاً لكنيسته..
ولكن لو صح أن صاحب الصوت أو حتى كاتب النقش
هو القمص ميخائيل البحيري، فإن عطر سيرته يجعل هذا الاحتمال منتفياً..
فهل من حل، أخيراً، لورطة الادعاء بتقديم
الذبيحة يوميا على المذبح؟ بينما يقرر المحقق التاريخي للدير، وهو أسقف بحاثة و من
أبنائه، أن التاريخ عرف وقتا لم يبق فيه ولا راهب.. وأوقاتا أخرى خلت تماما من
الكهنة؟
ما هو وسط أرض مصر؟
"والمتأملون فى وضع المذبح كنيسة
العذراء الأثرية بدير المحرق يجدونه أنه حقا "في وسط ارض مصر"، (الكتابة
من هنا بخط بارز) وعليه ينطبق حرفيا وليس معنويا فقط قول الله على لسان نبيه
اشعياء "في ذلك اليوم يكزن مذبح للرب في وسط ارض مصر ..." م2 ص18
"فمذبح الكنيسة فى وسط ارض مصر وهو
علامة وشهادة لرب الجنود فى مصر فالناس يأتون إليه للبركة من مختلف بلاد
العالم" م2 ص18 وص19
بالعين المجردة، يحكم الرائي أن المنتصف
الطولي لحدود مصر يقع في الشمال القريب لمدينة اسيوط.. ولأن عين الخرافة متحفزة،
فتسرع لربط مكان هذا الدير بنبؤة إشعياء: ويكون
مذبح للرب في وسط أرض مصر (إشعياء 19:
19)..
وهذا السخف في التفسير يفرض أسئلة سخيفة بالمقابل: إذا كان إشعياء يقصد الوسط
القياسي للمسافة، فماذا كان يقصد القائل في موضع آخر: في وسطك حرام يا إسرائيل
(يشوع7:
13)..
هل قاس إسرائيل طولاً وعرضاً، وحدد مكان الحرام؟ أم ليس لوسط اسرائيل نصيب من
التفسير الحرفي مثل وسط مصر؟ ثم لو كان المقصود كذلك، فأين كانت تقع حدود مصر
الجنوبية وقتها وقد تغيرت مرارا عبر التاريخ؟ بل وماذا عن حدود مصر الشمالية؟ حيث
يزحف البحر على الدلتا و يأكل من أرضها؟
هل
هذا الوسط محسوب فى إشعياء كاتب النبوة؟ أم زمن مجيء المسيح؟ أم زمن البابا
ثيؤفيلوس؟ أم زمننا الحالى؟ و ماذا عن الوسط العرضي؟ فحدود مصر الشرقية متعرجة
بحسب ساحل البحر الأحمر، فهل هذا الموقع يقع فى الوسط فى خط وقوعه تماما؟ أم الوسط
محسوب كمتوسط بين أطول عرض وأقصر عرض؟ فأين هذا الحساب؟ وما هي حدود مصر الغربية
التي حُسِب هذا الحساب غير المحسوب على أساسها؟ هل هي الحدود الحالية؟ أم حدود
زمان إشعياء؟ وما هي تلك الحدود القديمة وما مصدر المعرفة بها؟ وسؤال أخير: أما
هو كلام؟ (صموئيل الأول17: 29)..
عذر جنوحي نحو السخافة في هذه الأسئلة هو أن بذرة السخافة في هذا (التفسير) الذي
أفحصه.. و على أية حال فمن يرى وجاهة في هذا (التفسير) ليس له أن يرى سخفاً في
الأسئلة، ولا أن يتهرب من تقديم الإجابة عليها..
لزَمَ احتمال سخف هذه الأسئلة لكشف سخف "التفسير"..
والآن دور التفسير السليم المقبول للعقل والضمير والذوق.. أما التفسير السليم
المريح للذهن، والنافع للروح، والمتفق مع سياق النص، وبساطة الإيمان، فهو أن الوسط
كناية عن موضع الرسوخ، والتملك، أي يشير لنفاذ مذبح الرب في أرض مصر، وتملكه
إياها، بقرينة أنه يقول بعدها: وعمود للرب عند تخمها (إشعياء19:19)،
والتخم هي الحدود والعمود يوضع على الحدود لإعلان الملكية.. بنفس روح التفسير
السليم، يكون المذبح هو مفهوم المذبح في عمومه، لا خصوصية مذبح واحد وحيد محدد
ومصنوع بحجارة او خشب.. بل مذبح كاسم هيئة لا اسم مرَّة، وتتمثل هيئته
في الواقع في آلاف المذابح التي تملأ أرجاء مصر، كلها مذبح للرب، لا يمتاز أحدها
عن الآخر.. وتقام عليها ذبيحة واحدة هي عينها ذات الجسد والدم، لا تمتاز واحدة عن
الأخرى..
شاهد قبر يوسي الذي كتبه الشيخ يوسف!
ورد هذا في مخطوطة "ميمر أنبا
قرياقوس":
" إن أعظم دليل على زيارة السيد له المجد ذلك الجبل الطاهر هو الشيخ
البار يوسف على قطعة حجر وُجدت هناك وعليها يقول:أنا
يوسف النجار من الناصرة المدعو أب السيد المسيح بالجسد وخادم هذا السر العظيم أقول
لكم إننى وخطيبتى العذراء وسالومى وسيد المجد قضينا مدة من الزمن بذلك الجبل
الطاهر" م2 ص67
ويعطي هذا الاقتباس تفاصيل أكثر:
"يذكر بعض
المؤرخين أن رجلاً من سبط يهوذا اسمه يوسى ... أمكنه بعد تعب كثير ان يصل لمقر
العائلة المقدية في جبل قسقام ... ثم قال (أي الطفل يسوع) ليوسى استرح أنت وهنا
يمكنك أن ترقد فأطاع ... فنهض يوسف النجار ومعه سالومى وقاما بدفن جثة يوسى ...
ووضعا على القبر حجراً مربعاً وكتب عليه يوسف باللغة العبرانية : "أنا يوسف
النجار الذى من الناصرة خادم هذا السر العظيم أقرر أننى وخطيبتى مريم العذراء
وسالومى ورب المجد قضينا فى هذا المكان ستة أشهر وعشرة أيام بذلك الجبل الطاهر مدة
من الزمن بذلك الجبل الطاهر وأنه فى هذا المكان يرقد يوسى" . ويروى تقليدنا
الكنسى (تقليدكم وليس التقليد الكنسي، لا أتدخل برأيي في قلب الاقتباس وأترك
تعليقي خارجه ولكن هذه المرة لم أملك) أن قبر يوسى موجود بالدير المحرق وإن
كان غير ظاهر على وجه الأرض، وينص المخطوط المخفوظ بالدير والذي يشمل على طروحات
وأناجيل احد الشعانين ... (حسب ترتيب دير سيدتنا العذراء المعروف بدير المحرق) على
أن يمر الكهنة والرهبان فى المحطة التاسعة من الدورة على قبر يوسى" م2 ص11 وص12
كاتب مخطوطة "ميمر أنبا
قرياقوس" مدِّع متحمس لدعواه حتى أن الحماس أخذه بعيداً عن الترو ووزن
كلماته، فكتب دون تفكير.. ورأى في نقش على حجر "أعظم دليل" على
صحة محتوى النقش.. ما وجه الدلالة في نقش مكتوب على صدق محتواه؟ فكروا فيها.. الذي
يزوِّر مخطوطة يزوِّر شاهد قبر.. صعبة؟ بفرض وجوده أصلاً..
وكاتب النقش، بفرض صحة وجوده، يقع في أخطاء
ساذجة تشبه خطأ من زيّف عملة يونانية قديمة وطبعَ عليها أدمغ الأدلة على أصالتها: "صُكَّت
بأمر الإسكندر المقدوني سنة 300 قبل الميلاد".. كاتب النقش إرتكب مثله "أعظم الادلة"، فيوسف النجار
يتكلم عن السر العظيم بقوله: "هذا السر العظيم"، ولكنه لم يحدثنا عن
أي سرٍ هذا، مفترضاً معرفة القارئ بسره.. علماً بأنه يكتب هذا الكلام في السنة
السادسة الميلادية على الأكثر، ولم يكن يعرف سر التجسد إلا العذراء وهو وقلة محيطة
بهما..
ودعوة العذراء "خطيبة"
ليوسف هو استعارة لتعبير شاع بين عوام الأجيال اللاحقة استخدمه المعلمون لإزالة
اللبس من أذهان العوام ونفي ممارسة الزيجة الطبيعية بين يوسف والعذراء.. ولكن يوسف
الحقيقي، حيث لا لبس عنده، ولا حاجة لتقليد أساليب معلمي آخر الزمان، كان يعرف أن
العذراء تعدت مرحلة الخطبة الشرعية، وصارت امرأته بالشريعة، بأمر الملاك: يا
يوسف بن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك (متى1:
20)..
ثم تصحيح من جانبي.. يقول كاتب (م2)
أن "تقليدنا الكنسي" يروى أن قبر يوسي موجود إلى آخره.. هذا تقليدكم
ولكنه ليس الكنسي.. هو تقليدكم وحسب.. أنا من الكنيسة ولا أقبل هذا
الهزل المخجل..
وملاحظة نافلة في هذا الخضم من الهزل.. أن
كاتب م2 يدعو أصحاب قصة يوسي "بعض المؤرخين".. عيب..
وملاحظة أخيرة.. لعل كل من يتابعني لاحظها..
أن كل أصول وأدلة هذه الخرافة الجامعة، مختفية، أو تحت الأرض مثل قبر يوسى.. ثم
أين هو هذا الشاهد المكتوب؟ أين اختفى أعظم الأدلة؟ أين قبر يوسى؟ والاهم من أين..
لماذا اختفى؟ لماااذا؟ ابحثوا عنه لعلنا نجد أصل المخطوطة مدفونة فيه! أية "بركة"
تحيط بهذه القصة وتتوعدها بإخفاء كل أدلتها؟
أيقونة لوقا الطبيب؟ أم أنسطاسي الرومي
المقدسي بتمويل السيدة ماريِّة؟
وهل بقى وقت أو جهد أو ذهن للتساؤل عن
الأيقونة المزعوم رسمها بيد لوقا الطبيب؟ ولكن ينبغي أن نكمل ما بدأناه.. وهذا هو
ما جاء عن الأيقونة في مصادر الدير:
م1
يسجل
المكتوب على صدر الأيقونة ويقدر عمرها بمئات السنين فقط:
"تعد نسخة من إحدى الصور الثلاث
الأصلية التى رسمها القديس لوقا الإنجيلى و ليس فى الصورة ما يدل على تاريخها و
لكن بأسفلها كتابة بالخط العربى تقرأ وقف مؤبد و حبس مخلد على كنيسة الست
السيدة بالدير المحرق المعروف بجبل قزقام عوض يا رب من له تعب ..." م1 ص124
ثم يكمل سرد المكتوب على الصورة بعد وضع صور فى الصفحتين التاليتين:
"أذكر
يا رب عبدتك مارية فى ملكوت السموات ينيح نفسها فى فردوس النعيم و يجعل لها حظ و
نصيب مع قديسيه بشفاعات العذرى و طلبات أباينا القديسين فى كل حين آمين و المصور
هذه القونة المقدسة الحاج أنسطاسى الرومى القدسى طالبا غفران خطاياه بشفاعت
العذرى أذكر يا رب عبدك القمص جرجس الجرجاوى خادم العذرى ... من المتواتر أن
هذه الصورة ترجع إلى 650 سنة تقريبا" م1 ص 127
و رغم تضارب هذا "التقدير المتواتر" مع تاريخ
أنسطاسي الرومي، إلا أنه معقول من حيث المبدأ..
ولكن م2
المرجع الثاني يتجاهل المكتوب على صدر الصورة، ويميع تاريخ الصورة بقوله:
"على حائط الجهة القبلية من الكنيسة
(فى الجانب الأيمن للهيكل) و فى الخورس الأول توجد صورة هامة مثبتة على الحائظ
للسيدة العذراء تحمل السيد المسيح على يسراها و ليس فى الصورة ما يدل على
تاريخها"م2 ص21
ووضع الخطوط في الاقتباسات من عندي
للتنبيه.. لن اسأل عن حل لتلك الأهزولة فشهادة كتاب أنبا غريغوريوس (م1)
قاطعة، ولكني سأسأل عن سبب الصمت وعدم مقاومة تلك الخرافات.. بل والأسوأ المساعدة
في ترويجها، فبعد كتاب أنبا غريغوريوس (م1) صدر كتيب لاحق (م2)
تكلم كاتبه عن هذه الأيقونة بكلمات مبهمة لا تخلو من إيحاء، كانما يعسر عليه أن
يعطى شهادة ضد هذه الخرافة فيكتفى بالقول أن الأيقونة ليس عليها تاريخ، وأنها
ايقونة هامة جدا.. ولم أفهم أي أهمية للأيقونة يقصد، فهي كلمة مبتورة بلا تحديد
للقصد.. بينما شرح هذه الأهمية ممكن وغير مُكلِف، عن كان للأهمية وجود..
كما لم أفهم لِمَ لَم يثبت ما أثبته الأنبا
غريغوريوس من المكتوب على المخطوطة بأن راسمها هو فلان، فمعرفة الرسام تدل على
التاريخ، وكتاب أنبا غريغوريوس (م1)
كان هو مرجعه الاساسي كما أقر في مفتتح كتابه: "رأينا ان نستقي
كل معلوماتنا بالكامل من كتاب نيافة الحبر الجليل العالم العلامة قطب جيلنا وفخر
كنيستنا الأنبا غريغوريوس أسقف ..." م2 ص5 إلى آخره من الألقاب
ثم يعود لامتداح مصادره ودقته في سطرين كاملين بعدها.. فهل فشل "العالم
العلامة القطب" في تحديد تاريخ للأيقونة؟ أم فشل الراهب القس في اقتباس
التاريخ الذي حدده "فخر كنيستنا وقطب جيلنا"، وفضل أن يقرر عدم
وجود ما يحدد هذا التاريخ، ويترك للخرافة أن تنتشر دون كلمة حق أمامها؟
إذن فالست مارية كلفت أنسطاسي الرومي القدسي
برسم أيقونة مهمة، وهي مهمة لأن الست مارية كلفتها شئ وشويات، ولأن الرسام خواجة
رومي مقدسي، وتزيد أهميتها في أن العوام يظنونها هي نفسها الأصل لا مجرد نسخة
مقلدة لصورة تقليدية تًنسَب للوقا الطبيب، وهل بعد قول العوام ما يقال؟ لذلك يرضخ
المسئولون بالصمت بل وبالتشجيع بالكلام المبهم، واذكر يا رب عبدتك مارية واذكر
الحاج أنسطاسي الرومي، واذكر ديارات الآباء الصامتين بالعشور والبكور والنذور
والستور والبخور، واذكرنا نحن البؤساء برحمتك..
وبعد فهذا أحد ما تنتهي به الخرافة
بأصحابها، أن يقرأوا ما هو مكتوب أمام أعينهم ولا يبالون.. ولكن ينبغي الإقرار بأن
حال الأيقونة أهون من حال المغارة..
ميمر أنبا قرياقوس
كل الاقتباسات في هذه الفقرة من (م2ص67)
في فقرة وردت في المصدر تحت عنوان: "مقتطفات من ميمر للأنبا قرياقوس يقرأ
في السابع من برمودة"..
والمخطوطة المنسوبة للأنبا قرياقوس هي ابنة
المخطوطة الأم المنسوبة للبابا ثيوفيلوس.. على أن كاتب المخطوطة التابعة
القرياقصية يتحلى بالجرأة الفائقة عن سلفه.. فهو يبدأ بالادعاء المباشر بأنه رأي:
"سيدتى ام إلهى السيدة العذراء جالسة على كرسى وابنها الحبيب بجانبها على
عمود نوراني يقول هكذا هذا هو مذبحي الذى اخترته وطهرته للأبد ... حيث فيه قدم أول
قربان على الأرض بعد قيامتي، وهذا آخر مكان
تُرفَع فيه القرابين على الأرض" م2ص67..
والادعاء بتقديم أول قربان سبق مناقشته في
السؤال عن زمن "التدشين".. أما الادعاء بالقربان الأخير فلا مجال
لفحصه الآن.. ونرجئه إلى المجئ الثاني.. والذي يعيش سيرى.. ويبقى الادعاء بتخريب
كل بيعة النصارى على يد الرجل الغشوم:
"الرجل الغشوم دقلاديانوس الذى سيهدم كل
بيعة النصرانية (يقصد المسيحية) ماخلا ذلك البيت المقدس فأنه سيدوم إلى
الأبد ويبلغ صيته السبع طباق لأنه..." م2ص67
وأترك
"لأنه" لمفاجأة النهاية، ولا أتوقف كثيراً عند السبع طباق، وأبدي
إعجابي بفكرة نبوة "الرجل الغشوم" الذي واجه ورطة فولكلورية
خطيرة، وتصدى لها بمنتهى الحكمة الشعبية.. وتبيان ذلك أن "الرجل الغشوم
دقلاديانوس" لم يهدم كل "بيعة النصرانية"(يقصد
المسيحية) كما هو بديهي من التاريخ.. كان ذلك هو مشروعه، ولكنه فشل، رغماً
عن شره، ورغماً عن كُتَّاب الفولكلور الذين يهوون المبالغة في شر الشرير لمداعبة
خيال ومشاعر الناس وجيوبهم.. ولكن إصرار رواة أقاصيص الفولكلور على هدم "كل
بيعة النصرانية" في عصر "الرجل الغشوم"ألقى بظلال
التكذيب عند الزبائن على مشروع دوام بقاء كنيسة قوزقام، لاسيما أن الزبائن
محترفي أساطير، ولن يقبلوا أسطورة جديدة تتعارض مع سابقتها المستقرة.. وها هي
أسطورة تتكلم عن بقاء بيعة بقاءً أبدياص محفوظة من أذى الحكام، فكيف يهنأون بعدها
بالطرب لسيرة الرجل الغشوم محطم كل البِيَع؟.. هنا، في تقديري، تتجلى براعة كاتب
نبوة الرجل الغشوم.. فهو لم يكلف نفسه عناء التفنيد التاريخي لقصة فولكلورية، يعرف
جيداً عبثيتها (أعني عبشية القصة وعبثية محاولة تكذيبها)، باعتباره من كتاب
الفولكلور المبرزين، ولكنه بادر برد
فولكلوري مضاد، وهو وجود نبوة تستثني بيعة قوزقام من شر الرجل الغشوم.. وبالمناسبة،
فلو صحت خرافة هدم الرجل الغشوم لكل بيعة النصرانية، فإن العاقل لا يحتاج لنبوة "ميمر
قرياقوس" ليتأكد أن بيعة قوزقام قد نجت، فكيف يمكن للرجل الغشوم أن يهدم
بيعة لم تكن موجودة في وقته؟ لأن المكان صار ديراً في القرن الخامس على يد تلاميذ
أنبا باخوميوس..
ومخطوطة ميمر أنبا قرياقوس مرَّت بنا في
الحديث عن حرافات أُخرى: قبر يوسي، وبلوة "التطهير كيومه"..
ولولا أن المخطوطة الأم سبقتها واستأثرت بجُلّ المجهود، لاستحقت المخطوطة البنت أن
يُفتَح لها ملف لا يقل عن ملف أمها..
مناقشة لموقف رجال الإكليروس المتصدين
للتعامل مع هذه الخرافة
بكل الاحترام الواجب لرجال الإكليروس،
وعلى رأسهم رئيس كهنتنا البابا البطريرك أنبا شنودة الثالث أتقدم بهذه الأسئلة:
1- البابا شنودة الثالث يكذِّب ويصدِّق
في آن
"ومن
أشهر كنائسها، كنيسة الدير المحرق، التي دشنت في عهد البابا ثاؤفيلس (23) في بداية
القرن الخامس (6 هاتور)" م3 ص6
(ليس
الشاهد هنا هو الخلاف بين تحديد التاريخ ببداية القرن الخامس، وبين التاريخ الذي
تحدده مصادر الدير بحوالي سنة 380 – شاهدي هنا والذي
أبني أسئلتي على شهادته هو ما سيأتي تفصيل شرحه:)
هنا تقرير واضح بقلم البابا شنودة الثالث أن
كنيسة الدير المحرق تم تدشينها "في عهد البابا ثاؤفيلس".. هذا
تكذيب واضح لا لبس فيه لادعاء المخطوطة..
والبابا
يتعدى حد قوله "في عهد"
ولا يقول "بيد"، ولعله يقصد أنه حتى زيارة البابا ثيوفيلوس
المزعومة لم تحدث.. هذا تكذيب آخر محتمل لجانب آخر من قصة المخطوطة.. على كل حال،
فلدينا تكذيب واضح لا سبيل لإنكاره أو المراوغة في تفسيره من جانب أنصار
المخطوطة..
ولكن البابا شنودة نفسه يصف الدير المحرق
بأنه قدسٌ ثانٍ.. ويدعو المتشوقين لزيارة أورشليم بالتوجه للدير المحرق بدلاً
منها.. ويوقع بإمضائه على خريطة مسار العائلة المقدسة التي تنتهي ذهاباً بجبل
قسقام، وتبدأ العودة منه.. ويكتب تقديماً لألبوم صادر عن دير مار مينا يصف
المخطوطة بأنها من أهم المصادر التاريخية.. نفس المخطوطة التي يكذبها تكذيباً لا
لبس فيه..
وملاحظة أسوقها متخفياً بصدق وراء دالة
الأطفال: ألاحظ أن البابا شنودة تجاهل الكم المخيف من خرافات المخطوطة، وأفهم أن
في هذا حكمة تدبيرية لا تخفى.. وألاحظ أنه يوافق على فكرة إقامة العائلة المقدسة
في جبل قسقام لعله ناسباً القصة للتقليد لا للمخطوطة.. فهو يقبل ما يقبل ويتجاهل
ما يرفض ولكن... الذي لم يتجاهله وعمد إلى يصححه بلطف في نبذته هو ما يتداخل مع
عمل وسلطان الكهنوت الذي يرأسه، ذلك المتمثل في تدشين المذبح.. هذا فقط ما اهتم
بمواجهته في التصحيح وتوافق مع البقية في ذات المخطوطة... مجرد ملاحظة أطفال..
2
– ألبوم دير مارمينا يتماشى!
واتفاقاً مع تقرير البابا بتدشين ذلك المذبح
بيد البابا ثيوفيلوس (على خلاف الادعاء العجيب للمخطوطة)، فإن عملاً ضخماً هو
ألبوم "العائلة المقدسة في مصر" (م4)،
لا يأتي بأي ذكر لادعاء المخطوطة بتكريس المسيح لذلك للمذبح، هذا
رغم احتفائه بالدير المحرق نفسه، بالمخطوطة عينها في عدة مواضع حتى أنه يعتبرها "أهم
المصادر التاريخية": "وحسب المصادر التاريخية وأهمها
ميمر البابا ثيؤفيلس (23)..." م4 ص15
ويصل لحد القول في استعراض مسار العائلة
المقدسة باللغة الإنجليزية:
“It
is a source which no Christian believer would question”
وترجمته
(والترجمة لي): "إنه مصدر ليس
محلاً لسؤال أي مسيحي مؤمن"..
وغير مفهوم أي "مصدر" يشير
إليه؟ المخطوط أم البابا ثيوفيلوس أم العذراء؟ لعله على الأرجح يشير للعذراء، ولكن
هذه القدسية يسحبها ضمناً على المخطوطة، التي رغم قدسيتها الفاائقة عنده لم يجسر
على موافقتها على ادعاء خطير ثابت أنه فيها..
والسؤال الواضح هو: لو كانت المخطوطة تحوي
ادعاءً يُكَذَّبه البابا بتقرير ما هو مضاد، ويتجاهله ألبوم دير مار مينا تجاهلاً
تاماً عن حرص واضح، فكيف تبقى للمخطوطة أية مصداقية عندهم!؟
وإن فقدت المخطوطة مصداقيتها، فكيف يصفها
الألبوم بأهم المصادر؟ والمصدر التاريخي الأهم لمسار العائلة المقدسة؟
وما نتيجة ذلك؟ إن هذا يسِم بالشك كل المسار..
والذي لا شك فيه أن كاتب المخطوطة سجَّل الشائع المعروف في وقته، ولم يأت بتائه أو
مجهول يحتاج لإعلان العذراء.. وبعض ما ذكره صحيح بالبداهة، وقد يكون بعضه خاطئ،
ولكن اعتبار المخطوطة، فاقدة المصداقية عند الذين يعتبرونها أنفسهم، هي المصدر
التاريخي الأهم، يظلم الصحيح مع الزائف، ويضع الجميع في خانة فقدان المصداقية
بالتبعية دون وجه حق..
وسؤال آخر لمن أصدر ألبوم العائلة المقدسة
في مصر: بأية ثقة تكتب قُدسَك عبارة متجاسرة مثل: "مصدر لا يمكن لأي مسيحي
مؤمن أن يشك به".. المعروف أن قوة السلسلة تقاس بقوة أضعف حلقاتها..
وسلسلة هذا المصدر المزعوم هي العذراء فالبابا ثيوفيلوس فكاتب المخطوطة فمن يخبئها
ويقتبس منها المقتطفات التي توافق غرضه.. وها أنا –الحقير بحق- مسيحي مؤمن لا أشك
في هذا المصدر، بل أكذبه تكذيباً صريحاً، وبعشرات الأدلة والأسئلة التي بلا
إجابة.. ذلك لأن أضعف حلقاته هو كاتب مجهول لمخطوطة بلغة عربية واهنة، ولا تخلو من
أغراض تظهر بجلاء من سطورها الركيكة..
(قسم
مُضاف من مادة عَرَضَت لي فيما بعد:
3
– ومطران دمياط "من جملة"
ورد
في "محاضرات تبسيط الإيمان – 7- سر التناول المقدس" هذه العجيبة:
"لقد
تكلّم المزمور عن ذبيحة
العهد القديم "أدخل إلى بيتك بمحرقات "أوفيك
نذورى" (مز66: 13) فهو هنا يتكلم عن الذبائح والمحرقات بصيغة الجمع، ولكن
عندما تنبأ اشعياء النبى عن ذبيحة
العهد الجديد فى مصر كان
دقيقاً جداً فى تعبيره "فى ذلك اليوم يكون مذبح للرب فى وسط أرض مصر وعمود
للرب عند تخمها. فيكون علامة وشهادة لرب الجنود فى أرض مصر.. فيُعرَفُ الرب فى مصر
ويَعرِفُ المصريون الرب فى ذلك اليوم، ويقدمون ذبيحة
وتقدمة، وينذرون
للرب نذراً ويوفون به" (أش 19: 19-21) المقصود بعبارة "وسط أرض
مصر" أى دير العذراء الشهير بالمحرق
في أسيوط حيث يقع
وسط أرض مصر وحيث الحجر الذى جلس عليه الرب يسوع، و"عمود للرب عند
تخمها" حيث كرسى مارمرقس على حدود مصر التخوم الشمالي."
إذاً يرى المفسر ويصمم على ملاحظة أن المذبح أتيا بالمفرد فهو من
ثَمَّ، عنده، مذبح واحد مفرد من حيث التحديد الماديّ، لا وحدانية النوع والمعنى في
العموم (أي بحسب اصطلاح النحويّين يأتي كاسم مرّة لا اسم هيئة).. ولكنه يغيّر ضيق
رأيه سريعاً ويتسع كرم سماحيته عندما ينتقل للحديث عن "الذبيجة" فيفول:
ومن
العجيب أنه يتكلم عن شعب مصر
كله ويقول
إنهم سوف يقدمون ذبيحة
واحدة، من
المنطق عندما يتكلم عن ملايين الناس، يقول يقدمون ذبائح ليس
ذبيحة واحدة ... والذى يؤكد أنه يتكلم بصيغة الجمع؛ قوله "يعرف المصريون الرب"
ويقول أيضاً "فى ذلك اليوم يكون فى أرض مصر خمس مدن تتكلم
بلغة كنعان وتحلف لرب الجنود يقال لإحداها مدينة الشمس" (أش19: 18) مدينة
الشمس التى هى "هليوبوليس" فهو يتكلم هنا عن العهد الجديد "
واضح أنه حين وحَّد الذبيحة في قيمتها ومعناها رغم
"امتداد" حلولها تقديمها في المادة، نسي أنه لم يفعل المثل في فهم كلمة
المذبح!
اللطيف أنه بدأ فقرته المتدارِكَة للورطة بقوله "من
العجيب" واستمر فيها حتى قال "من المنطق"، ونوافقه كل الموافقة على
أنه "من العجيب"، ونتحفّظ على "المنطق" في الفقرة كلها..
على أن "كاتب الفقرة" مشكوراً لا يفوته أن يثبت لنا مزيداً
من أحقيّتنا في موافقتنا له على التعجب، فيقول بين الفقرتين:
"ولو
فَهِمَ اليهود نبوة أشعياء عن إقامة مذبح للرب فى وسط أرض مصر، لعرِفوا أن العبادة
لم تصبح قاصرة على معبد اليهود (هيكل سليمان) لكنها سوف تنتشر وتكون متاحة فى كل
مكان،... "
بِجدّ؟ او بلغة "كاتب الفقرة": يا سلام! ألم يكن يقول منذ
سطور ان المذبح واحد بعينه، فمن أين أتى بـ"كل مكان" هذه؟
لو فهم اليهود، وفهم بالمرة كاتبُ الفقرة ما يقول، لفهموا أن الحديث
كله عن مذبح واحد من حيث المعنى والقوة، ولكنه متعدد من حيث التعيين ليجتمع
الكثيرون إليه ويأكلون منه الذبيحة الواحدة..
وفي موضع آخر يفيد نفس المفسر باحتفاظه بذات الرأي، فيذكره في مقال منشور
بمجلة الكرازة قرأته ولم أحتفظ بالعدد..
على أنه عندما تعرّض لنفس الشاهد مرة ثانية في كتابه الذي يُسَمِّيه "المسيح في سفر
إشعياء"، كما يظهر على موقعه، فإنه يغض الذكر عن هذه الخرافة:
"واختص
إشعياء فى نبوته؛ مصر وشعبها بنبوات رائعة مثل قوله: "في ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ
مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ
تُخُمِهَا" (إش19: 19)، وقوله "بِهَا يُبَارِكُ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلاً:
مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ" (إش19: 25). كان إشعياء شاعرًا وكانت حياته أنشودة حب؛ لذلك ظهر له
الرب فى رؤيا مع السرافيم أى المتقدين بالنار-نار الحب الإلهى. فالكاروب؛ معناه:
"الممتلئ أعينًا" أى الممتلئ معرفة. والسرافيم ومفردها
"ساراف"؛ معناه: "المتقد بالنار" أى بالحب."
لعلّه قد راجع رأيه وعدل عنه لتحاشي مثل هذا
النقد المتواضع له، ولا نشكّ ان كلامنا المتواضع يصله، ومشكور على التراجع، مع
العفو عن عدم الاعتراف بالخطأ، ومع التنازل بالمرّة عن حقنا في الشكر، ولكنه وإن
نجا من تكرار خطأ قبول الخرافة، فإنه عوّضها بخطأ في تفسير معنى الكاروب والسيراف،
فالكاروبيم ممتلئون أعيناً ولكن ليس معنى الاسم أنهم ممتلئون أعيناً (مثل القول أن
التفسير ممتلئ أخطاءً، ولكن ليس معنى كلمة "تفسير" هي "الممتلئ
أخطاءً").. بالمناسبة فالكلمة لا يظهر لها معنى في العبريّة، ولكن بمقارنتها
بأقرب جذر في الأشورية تفيد معنى "القدير"، وفي الأكاديّة "المبارك
– الملائم"..
ليس موضوعنا، ونرجع مرجوعنا..
وبعدُ، فيُحال كلام كاتب
الفقرات السابقة إلى كل ما سبق من أسئلة عن التفسير الصحيح لإشعياء 19،
وعن مفاسد التفسير المخطوطيّ العجيب على ذوق التفسير وعلى ذهن السامع الخاضع..
- انتهى القسم المضاف)
السؤال الأخير
أين النص الكامل للمخطوطة؟
الأسئلة السابقة، على كثرتها، ناقشت فقط بعض
محتويات المخطوطة، لا كلها.. وكان بوِدِّي ألا أُقَصِّر، وأن أتناول النص كاملاً،
فلم يمكنني.. والسبب أنني لم أعثر على نص كامل لها.. كل ما وجدته شذرات مقتبسة على
القدر.. ولعله كان هناك قديماً نصاً كاملاً لها متاح للتداول، ونفد.. ولكن لم لا
يكون الآن؟ إن امتناع الدير عن نشر النص الكامل والإفراج فقط عن مقتطفات تعزز
ادعاءهم بزيارة العائلة المقدسة، يثير شكاً بحق في ثقتهم بسلامة محتوى المخطوطة..
سبق السؤال عن أصل المخطوطة..وأسأل الآن:
أين نصها المتاح على الأقل؟ نصف المخطوطة ولا المخطوطة كلها.. الموجود.. راضيين..
ولكن نرى ونقرأ ليكون الفحص كاملاً.. إن إخفاء نصها والإفراج عن "مقتطفات"
على مقاس عقلية الزبائن وفي حدود "متزودوهاش"، يجعل أصحاب الشأن
من شهودي وفي صف كلامي.. ولو كانوا غير ذلك، وكانوا في صف مخطوطتهم، فلم لا يتيحون
للجماهير بركة نصها الكامل؟
دعابات
وكأن كل ما فات خلا من الدعابات.. في كل ما
سلف قاومت الرغبة في المزاح بقدر ما استطعت، فكان الجد الذي لم يخل من دعابات..
والآن دور الدعابة التى لا تخلو من الجد.. وإذا كان الجد قد أخذ في فحص أهزولة
نصيباً كبيراً،.. فليس هناك ضرر في أن تأخذ الدعابة النصيب القليل الباقي..
اقرأ كل مجموعة اقتباسات ثم اختر أصح إجابة
على السؤال التالي لها.. الجائزة الأولى نسخة من مراجع البحث.. الجائزة الثانية
نسختان من مراجع البحث.. الجائزة الأخيرة: خمس نسخ من مراجع البحث:
السؤال
الأول- المذبح الكبير:
اقرأ الاستشهادات التالية بعناية..
جاء في م2:
"وأقام مذبحها وكل آنيته وأمر الرسل أن
يرفعوا ذبيحة القداس" م2 ص17
وجاء بالمثل:
"ولما فرغ من
التكريس وجدنا هيكلاً مهيباً بغير يد بشرية وجميع أوانيه" م2 ص52
ولكن جاء هذا أيضاً:
"... أحد رؤساء
الدير في القرن العشرين رأى أن مذبح الكنيسة صغير جداً عن أن يتسع للذبيحة
المقدسة وأوانيها فرغب في إزالة المذبح ..." م2 ص18
"اكتفى أحد الرؤساء في عهد تالٍ بتثبيت
لوحة رخامية مناسبة على أعلى المذبح من فوق فصار سطحه كافياً للذبيحة وكل آنيتها
ومتعلقاتها" م2ص18
(يماثل
هذا ما ورد في م1 ص109
وص110)
ولابد
أنك لاحظت أن المذبح كان كافياً لكل الأواني وقت المسيح، ولكنه لم يعد!!!
اختر الآن الإجابة الأكثر ضماناً للخروج
من المأزق:
1-
المذبح اتسع لها في ذلك الوقت لحضور بركة المسيح والعذراء، ولكنه لم يعد يتسع، مع
قلة البركة في مساحة المذبح.. وليفتدِ سكان المكان خرافتهم باحتمال الغلط فيهم..
2-
بل على العكس، زادت البركة مع مرور الزمن.. الأواني في عصر المسيح كانت صغيرة
الحجم، لأنه لم يكن له ولا للتلاميذ ذهب ولا فضة، ولكن لما ملأت "البركة"
الموعود بها المكان، صار للدير ذهب وفضة، وأوان كبيرة، فقال رئيس الدير في نفسه:
علمت ماذا أصنع.. أهدم المذبح القديم وأقيم واحد أوسع (كل الاحترام الواجب للأب
رئيس الدير صاحب القرار السليم، ومفهوم أن الدعابة ليست عليه ولعله يشاركنا الآن
ضحكاتنا المتألمة لاسيما أنه سبقنا لفهم اللعبة وحاول هدم حجرها غير المدشن ولعل
ما دار في ذهنه هو إزالة رمز هذه الخرافة)..
السؤال
الثاني- شُلَّت يدي:
اقرأ القصة التالية وأجِّل الابتسامة
للنهاية:
"... أحد رؤساء الدير في القرن العشرين
رأى أن مذبح الكنيسة صغير جداً عن أن يتسع للذبيحة المقدسة وأوانيها فرغب في إزالة
المذبح ... فالراهب الذي تناول الفأس إطاعة لأمر الرئيس شلت يده عندما ضرب أو أول
ضربة فصرخ وامتنع عن مواصلة العمل ولم تعد يده إلى الحركة إلا بعد استرحام وصلوات
ودهنها بالزيت المقدس ... ولايزال أثر الفأس واضحاً في جانب المذبح فكانت هذه المعجزة عظة وعبرة فلم يقدم أحد بعد
ذلك على إحداث تغيير في المكان" م2 ص18
(نفس
القصة وردت في م1 ص109
وص110)
لاحظ الآن أنّ:
رئيس الدير انتبَه إلى أن المذبح صغير جداً،
وهو ما لم يلاحظه المسيح –بحسب كلامهم حاشا- فأمر بعمل معقول بل واجب عليه للحفاظ
على سلامة القرابين والأواني.. ولكن الرهبان الذين اشتهروا بالتمرد على الرؤساء،
منذ عصر أنبا أبرام إلى بداية عصر البابا كيرلس (ولم ينم لعلمي عمَّا بعدها)،
وقفوا صامتين مسالمين أمام هذا العمل الذي يهدم حجراً جلس عليه المسيح.. ولم ينقذ
الحجر إلا أن شُلَّت يد الراهب الذي أطاع الرئيس أكثر من الـله.. ولا يزال أثر
الفأس باقٍ إلى الآن..
والآن أجب على السؤال التالي:
ما هو أفضل تعليق توحي به هذه القصة التي
تذكرنا بالأفلام إياها؟
1-
رهبان الدير "اطمئنت قلوبهم" أن "للحجر رب يحميه".. لاسيما
وأن "الراهب" الذي أمسك بالفأس كان "محل ثقتهم".. والإيمان
هو الثقة بما يُرجَى، وهم "يرجون" حسن تصرّف الراهب J
2-
التمثيل فن جميل اشتهر كثير ممن بين رهبان هذا الدير في القرن العشرين به، مثلاً
أولئك الذين "تّبّلُّوا" على القمص بولس الدلجاوي رئيس الدير (أنبا
أبرام فيما بعد)، ومن بعده استفردوا بتلميذه الراهب القمص عطر السيرة ميخائيل
البحيري المحرقي و"مثلوا" كثير من الافتراءات ضده، وهذا ثابت
بكتب وأفلام تمثيلية صدرت بمباركة الدير وتمويله.. ماذا يمنع أن يكون هذا المشلولة
يده أحد أعلام رهبان الدير الفنية؟
3
– اصمت يا هذا واشكر الرب أن وصلت لحد كدة فقط وأن أحداً لم يقل أن أثر الفأس هو
أثر فأس الجنود الذين كانوا يطاردون يوسي.. اكفي على الخبر ماجور بقى..
4-
بلاش تكفي ماجور وإلا قال بعضهم إنه الماجور الذي خبزت فيه العذراء أثناء إقامتها
في برية قوزقام..
السؤال
الثالث- لا مساس:
اقرأ القصة السالفة في السؤال الثاني
والتفت بعناية لهذه الجملة فيها:
"... فكانت هذه المعجزة عبرة وعظة فلم
يقدم أحد بعد ذلك على أحداث تغيير في المكان" م2 ص18
ثم اقرأ هذا الاستشهاد بعناية:
"... يبدو أن
الحجاب الأصلي قد بلى أو أتلفته ..." م2 ص20
ثم راجع صورة للهيكل المُدَشَّن بغير يد (ص20
م2)،
وإليك هذا الوصف التفصيليّ لتستعن به:
نرى في الصورة الحجاب الأحدث عهداً، واللوح
الرخامي الذي تدارك ما فات تداركه في "التدشين الأعظم"، ونرى
فيها حائط الهيكل "المصنوع بغير يد" مدهوناً حتى منتصفه بدهان
لعله "مقدس".. نرى موكيت أحمر يليق قطعاً ببيت للرب بناه
المؤمنون به، ولكن لا يليق وضعه في هيكل بغير يد سبق الرب فدشَّنه كأول كنيسة،
لأنه يخفي الأرضية المقدسة عن أعين المؤمنين ويعزل أقدام الآباء المقدسين عن لمس
أرض البركة..
وأجب
الآن على هذين السؤالين:
1-
ماذا بقي من الهيكل، الذي لم تصنعه يد إنسان، لم تمسسه يد الإنسان والحيوان بكل
أنواع التعديل؟
2-
استخرج من الصورة مثالاُ واحداً على الأقل على:
- التعديل بالإزالة
- التعديل بالإضافة
- التعديل بالتجميل
- تعديل لا يمكن التراجع فيه والعودة لأصل
الحال
- تدخُلّ الحشرات لتعديل ما لم تصنعه يد
- خيبتنا...
بعد كل هذا.. ردود
بعد كل ما سبق، أعرف من حاصل نقاشي مع
الكثيرين أن ردوداً تظل في الأذهان دفاعاً عن الثابت لديهم.. وهذه طبيعة الضمائر
البشرية أنها تقاوم التغيير فيما سبق ترسيخه.. ويلي هذه الحجج وردها..
1 لو كانت ادعاءات المخطوطة، على رواجها وعمق
تصديقها بين الناس، كاذبة، فهذا سيقود هؤلاء لعدم تصديق أي شئ حتى الإنجيل...
هذا تجديف على الإنجيل!
وهذه
أكثر الحجج انتشاراً وقُرباً على الألسنة.. وهي أكثرهم دلالة على تدهور حال الجيل
الذي يقبل الإنجيل لا عقلياً ولا ضميرياً بل لأنه تم تسليمه من القديم، نشأوا
فوجدوه لا أكثر.. وعلى حال الجيل هكذا، فإنه يُخْشَى تقويض دعامة إيمانه الهشة
بفحص أي شئ حتى مخطوطة تافهة لمجرد أنه تم كتابتها قديماً ونشأ فوجد من سبقه
يرددها..
هذه إهانة للإنجيل وجهل من قائلها بل وعمى
ضمير.. الإنجيل جاز كل الأسئلة السالفة وأكثر منها، وخرج غالباً لأنه دخل صحيحاً..
والإنجيل لا يخشى الفحص بل يحبه ويدعو إليه: "فتشوا الكتب" .. "إن
بشرناكم نحن أو ملائكة" .. "امتحنوا الأرواح" ..
ومع هذا الحال، فلن أستغرب أن يصنّف هؤلاء
المهووسون هذا البحث المتواضع، بين أعمال هجوم النقاد غير المؤمنين على الكتاب
المقدس L..
2 إن باحثاً مدققاً مثل أنبا غريغوريوس أسقف
البحث العلمي كتب عن املخطوطة في كتابه عن الدير المحرق.. فهل
فاتت هذا الباحث الفذ أسئلة هذا البحث المتواضع؟
الحق أن أنبا غريغوريوس باحث فذ في توثيق ما
يقول، وفي سعة مراجعه.. بل وأن مرجعه هو أول مراجع هذه الورقة.. بل أحد فضائح تخريف المخطوطة قد فضحته دقة أنبا غريغوريوس نفسه حين تكلّم عن أزمنة خلا الدير فيها من الكهنة وبالتالي من الذبيحة على خلاف ادعاء خرافة المخطوطة.. فمن يستشهد بانبا غريغوريوس يستشهد بخيبة المخطوطة موثفة بفضل دقة أنبا غريغوريوس نفسه.. الحجة ليست فقط طائة ولكن مردودة على أصحابها وتشهد على إما ضعف عقولهم أو ضعف ضمائرهم.. ثم أنبا غريغوريوس باعتباره باحثاً فقد جارى مصدراً متوفراً ولم يتمم على موافقته الشخصية على محتواه الذي لم يعرضه كاملاً أصلاً ولا شك أن ترك المخطوطة بغير عرض كامل لم يفت دقته وإنما وجد فيها ما وجد واشمئزمنه، وفي هذا صفعة ثانية لمن يستشهدون به.. ثالثاً من يتابع منهج أنبا غريغوريوس في معالجة أخطاء ثابتة في النصوص الليتورجيّة فإنما يلاحظ أنه يثبت الصحيح أولاً ثم يبحث عن تفسير ادبيّ او افتراضيّ للنص الليتورجيّ مستصعباً ان يواجه الناس بأه خطا.. تلك نزعة رعويّة لا اوافقهها وإن كانت معهودة من أنبا غريغوريوس وغيره من رجال زمنه ومثال على ذلك محاولته لتسويغ خطأ قطعة صلاة الساعة التاسعة الواردة أيضاً في صلاة "أمانة اللص" في البصخا التي تقع في خطأ أن اللص شاهد كسوف الشمس وزلزلة الأرض فيعدما أقر بخطئها بحسب الإنجيل افترض أن اللص استشعر شيئاً بالروح أو شاهد إرهاصات مبكرة وهكذا.. رابعاً سأفترض ما يصعب تصديقه: أن أنبا غريغوريوس صدق المخطوطة ولم ينتبه أنه هو من كذبها ولا انتبه أنه لم يعرض نصها الكامل، فلو كان كذلك فإذاً لم يكن للأسف فذاً في فرضية البحث ذاتها.. فهو، تماشياً مع افتراض تصديقه للمخطوطة، يكون قد
افتراض مسبقاً priori
أن المخطوطة صحيحة، ولم يناقش صحة فرضه في أي موضع من كتابه.. أما هذا البحث
المتواضع فهو يتناول هذه الفرضية التي غابت مناقشة صحتها من عمل أنبا غريغوريوس..
ومن لديه شاهد على غير هذا من كتابه فليدل عليه..
أنبا غريغوريوس باحث أمين وله علينا أن نصدق
دقة نقله عن مراجعه، ةعة نا ساعد في فضح المخطوطة لا في دعمها، ولكنه على كل حال تحاشى أن يتناول المرجع بالنقد - ونقد
المراجع أمر معروف في البحث.. فالآن عندما يكون مرجع الكاتب مخطوطة هو لا يتعرض
لها بالنقد وإنما يكتفي برواية ما فيها مُصدِّقاً له، يكون قد أحالنا إلى مرجع يحق
لنا أن نراجعه بعده، ونحكم على "تصديقه" له سلباً أو إيجاباً، ونحيل احتمال تصديقه بالفعل للمخطوطة محل الاحتمال الضعيف لما توفر من شواهد مضادة، ونرجّح أنه تحاشى تخطئتها مراعاة لعدم إعثار الجمهور، فإن ثبت أنه صدقها كما هي يكون مخطئاً خطئاً كبيراً لا مفرّ وفي هكذا حالة فإنها تكون مثالاً جد مؤسف لتعمية المشاعر للذهن، وإنما تطل أمانته في النقل
مبعث احترام وثقة في شخصه.. والحاصل باختصار: أننا نصدق أن ما قاله جاء في المخطوطة، ونتشكك أنه هو صدق المخطوطة، ويقيناً لا
نصدق المخطوطة..
3
ولكن هناك مصادر أُخرى غير المخطوطة تؤكد ما جاء فيها
ها هي المصادر التي يستندون إليها بحسب
إيراد أنبا غريغوريوس لها (م1 ص85
إلى حاشية ص88)،
مشفوع كل منها بما يثبت اعتماده على المخطوطة أو مشابهته لها:
- ميمر البابا ثيؤفيلوس
(هو سبب المشكلة نفسها والمحتاج لمن يؤيده أو
بالأحرى ينقذه أو على الأدق يقيمه من الموت أو على الأكثر دقة يقتل عقل وضمير
السامعين ليبتلعوه)
- السنكسار القبطى تحت يوم 24 من بشنس
(ينقل من المخطوطة نقلاً صريحاً)
- الدفنار تحت يوم الثامن من برمودة منه
(ينقل مثل السنكسار من المخطوطة ويصرِّح بذلك)
- كنائس مصر وأديرتها لأبى المكارم
سعدالله جرجس المنسوب خطأ لأبى صالح الأرمنى
(واضح من عنوانه أن الكاتب يوثِّق حال الكنائس
والأديرة وينقل ما يُشاع عنها، وقد أشاعت المخطوطة ما يكفي، واجتذبت القرويين
المحيطين، وصار للموضع احتفال ورواية، فنقل الكتاب سواء كان أبو المكارم أو أبو
صالح واقع الحال.. ولو كان لديه مصدر مستقل عن المخطوطة فما هو؟ وأين هو إن كان؟
-- المهم أن الكتاب يتوقف في تأريخ كتابه عند مطلع المئة الثالثة، وهو يوافق تقديرنا
السابق أن الخرافة ظهرت بعد المئة العاشرة ويرفعه لمزيد من إزاحة القصة بعيداً
ثلاثمئة سنة كاملة –
وفوق ذلك فإنّ أحدث التواريخ الواردة في تاريخ
أبي صالح أو أبي المكارم هو سنة 924 ش الموافق
1208م – Evetts,
Abi-Salih, Pholio 52A)
- ميمر البابا تيموثيئوس فى كتابLegends
of our lady
(لم يُذكَر ماذا يقول هذا الآخر الوارد في
كتاب عنوانه أساطير سيدتنا؟
وعلى
كل حال فلحين الاطلاع عليه يُلاحَظ مشابهته للمخطوطة إياها من حيث عنوانه،
ويُلاحَظ أيضاً عدم شهرته وعدم احتفاء أصحاب المخطوطة إياها به، وأعفو عن كلمة "Legend" التي تعني خرافة، لأنني لا أستشهد برأي شخصيّ غربياً
كان أم شرقياً وإنما اكتفي بالعودة للمصادر الأصلية لأصحاب الخرافة وأدينها من
فمهما ومن فم المنطق..
- مخطوطات مزيدة
(وأضيف فوق ما اورده كتاب انبا غريغوريوس
كادلة مساندة للمخطوطة التيوفيلية بحسب الزعم، أضيف من عندي حتى لا أكون شبه
مُقَصِّر في استكمال عرض "كل المصادر"، أضيف ما يُشير إليه أصحاب الخرافة مراراً باسم "مخطوطة
أنبا قرياقص" و"مخطوطة أنبا زكريا".. وبالبحث المدقق عن الأنبوين
المقصودين، تحقَّق ما توقعته عن أحدهما، أي أنبا زكريا: ظهر في النصف الثاني من
القرن السابع اثنان باسم أنبا زكريا أحدهما أسقف سايس والآخر أسقف سخا، وكلاهما
تركا مؤلفات بالقبطية (أي كانا معاصرين لدخول العرب مصر ولم يكن المصريون قد
تكلموا العربية بله أن يكتبا بها، علاوة على أن أول من كتب بالعربية أنبا ساويرس
أسقف الأشمونين في القرن العاشر)..
وأما أنبا قرياقص المشار له فقد وجدتُ فصلاً
مستفيضاً عنه، في كتاب "سلسلة تاريخ البابوات بطاركة الكرسي الإسكندري"،
جمع الشماس كامل صالح نخلة، الحلقة الرابعة، الطبعة الأولى، 1954، الفقرة 6 من فصل
"البابا غبريال السادس – 91"، صفحة 48:
"6- مشاهير الرجال في هذا العصر
وكان في هذا العصر رجلاً (هكذا – وصحتها رجل)
اشتهر في وضع وتأليف الميامر وهو الانبا قرياقص أسقف البهنسا الذي عاش في القرن
الخامس عشر أما الميامر التي اشتهر هذا الأب في وضعها فهي خاصة بمديح العذراء
وقيامة السيد المسيح وهرب العائلة المقدسة إلى مصر ومديح القديس بقطر الشهيد
(المخطوطات العربية ص170)"..
إذاً المخطوطة القرياقصيّة تحمل هذه السمات:
1) مكتوبة في المئة الخامسة عشرة وليست أصيلة.. 2) كاتب المخطوطة مدَّاح.. 3)
ووضَّاع للميامر يتطوّع بوضعها دون ذِكر مرجع لما يكتب! 4) وبعد ذلك فمع تذكَُّر
أن محتوى المخطوطة القرياقصيّة، كما مرَّ في النظر إلى الآن، تبدأ بمبالغة معتبرة
تحرج موقف المخطوطة الأم أكثر مما هي في حرج، فالآن لا يبقى وسيلة للاحتجاج بهذه
المخطوطة إلا الاستغفال والطبع السوقيّ البغيض في مزاحمة الإيمان والعلم معاً)
- شهادة الشماس موهوب ابن منصور ابن مفرج
في تاريخ البطاركة
(وزيادة إمعان في جمع كل ما يمكن تسميته
دليلاً، أضيف شهادة عَرَضت لي بدون توثيق، منسوبة للشماس موهوب ابن منصور ثالث
كُتَّاب مجلد "تاريخ البطاركة"، والذي ختمه بقوله:
" وفي
تكملة الكتاب كتب موهوب سيرة البابا كيرلس الثاني البطريرك (67)، وذلك في برمهات
سنة 804 ش ( مارس 1088م)، وفي خاتمة هذه السيرة ذكر لنا هذا المؤرخ كشفاً
بالمزارات وآثار العائلة المقدسة التي زارها ورآها في أيامه، فقال عنها: وأنا أذكر
ما رايته وتباركت منه :…. واثارات سيدنا المسيح ووالدته السيدة مرتمريم العذرى القديسة في عدة مواضع بأرض مصر منها كنيسة
المعروفة بالمعلقة، وكنيستها المعروفة بالدرج بمصر ببنى وايل، وكنيستها بالمرتوتي ، وفي بسطا ومنية طانه،
وسمونيه، وجبل الكهف، ودير بيسوس، والأشمونين وفيلس وقوص قام.. هذا ما تباركت أنا
الخاطى منهم"..
هذه أقدم "شبه
إشارة" من حيث الظاهر، وهي أسهلهم في وضعها تحت الحكم بالاختلاق من أوجه
كثيرة، أو عدم الملائمة في أفضل الأحول، فأولاً، و قبل بذل العناء في فحص أصالتها،
فإن ذات محتواها لا يلائم إثبات الخرافة إذ يُلاحَظ فيها أن متنها يخلو من اسم "الدير
المحرق" وأقرب موضع في القائمة المذكورة للدير المحرق هو مدينة قوص قام..
وكان الأولى والأقرب للتوقُّع من الكاتب أن يسمي الموضع باسم الدير المحرق لو
قصده، بدلاً من تسمية قوص قام، بدليل أنه ذكر قبلاً الكنائس بصفتها ككنائس، ودير
بيسوس بصفته كدير..
وثانياً، ومن حيث الزمن فحتى لو ثبت أصالة
هذه الشهادة في نسبتها لصاحبها، فإنها تبقى متأخرة عن المئة العاشرة بمئة سنة..
فالفصل الذي يظهر فيه هذا التذييل هو سيرة البابا كيرلس الثاني (المتنيِّح سنة 1092م
بحسب ورقة 100، مخطوطة رقم ِArabe302، محفوظة في المكتبة الوطنية بباريس، توافقها كل نسخ تاريخ الكنيسة
بلا استثناء)..
وأما نسبة هذا التذييل للشماس منصور ابن
موهوب فهو محل طعن قاطع، لأن اسم الشماس منصور ابن موهوب لا يظهر قطّ في تدوين
سيرة البابا كيرلس الثاني، ويظهر بدلاً منه في بدايتها "ابو اليمن ابن
ذوين" (ورقة 90، مخطوطة رقم ِArabe302، محفوظة في المكتبة الوطنية بباريس) ، وفي ختام القصة يظهر اسم
"يوحنا بن صاعد بن يحي ابن مينا المعروف بابن القلزمي الكاتب" (ورقة
100، مخطوطة رقم ِArabe302،
محفوظة في المكتبة الوطنية بباريس)، وواضح من طريقة الكتابة أن أسماءً كثيرة
تتداخل في نقل القصّة، وأفهم جيداً كيف يمكن أن يكون الناقل ليس هو الكاتب والكاتب
ليس هو الكاتب الأصليّ إلى ىخر هذا، ولكن النقطة ان اسم الشماس موهوب ابن منصور
والذي ظهر قبل ذلك بوضوح في كتابة سيرة البابا خريستوذولّوش (ورقة 70، مخطوطة رقم
ِArabe302، محفوظة في المكتبة الوطنية بباريس) لم يظهر في سيرة البابا كيرلس الثاني! والمخطوطة
302 التي تكرَّر الإشارة إليها تتوافق لدرجة عالية جداً مع كل النسخ المطبوعة
حديثاً سواء بالعربية رأساً أو ترجمةً للإنجليزيّة..
إذاً يبقى على من يستشهد بهذه الشهادة ثلاثة
أمور: أن يلتزم بتأصيلها (أي تحقيق نسبتها لكاتبها المُفتَرَض بإظهار المخطوطة
المنقول عنها هذه النسبة إلى الشماس منصور)،
ثم يبحث عن شهادة تسندها أسبق منها لتأخّر
زمنها لنهاية المئة الحادية عشرة،
وأخيراً محاولة الإجابة عن سبب عدم ذكر
الدير المحرق فيها،
ولحين ذلك يبقى حال "قصة" مخطوطة
الدير المحرق بلا شاهد يمكن إثبات قِدَمه ومعاصرته لزمن "القصة" فضلاً
عن أن تثبت مصداقيته أصلاً..
وبعدُ، فقد كانت هذه ما أسماها أنبا
غريغوريوس في (ص85) إجماع
"كل المصادر الكنسية
و التاريخية على أن دير المحرق هو آخر بقعة فى صعيد مصر بلغتها العائلة المقدسة".. وقد
زدتُ عليها حتى ما لم يذكره لاستكمال الغرض.. وليس فيها مصدر واحد باللغة
اليونانية، ولا القبطيّة.. وليس فيها مصدر واحد أقدم من المئة الحادية عشرة.. وحتى
المصدر الأقدم لم يذكر الدير المحرق، وإن استبعد يبقى أقدم مصدر يعود للمئة
الثالثة عشرة..
ثم هنا مكان هذا السؤال لذمة المحبوب
والمُكَرَّم الراحل أنبا غريغوريوس، تضطرني ضرورة إكمال البحث إلى إثباته، إذ هو
نفسه يذكر في (ص87) أن "هناك تقليد شفاهى يروى أنها قد
اختبأت وقتا ما فى مغارة بجبل أسيوط هي المشهورة الآن بدير العذراء بجبل
أسيوط".. وأسأل:
لمَ لم يعتبر التقليد مصدراً؟ أليست كنيستنا كنيسة تقليد سليم؟ إن كان يقبل هذا
التقليد كصحيح، فإنه ملتزم من ثَمّ بضمه للمصادر التي سبق وصادر على إجماعها بأن
"قسقام" هو آخر ما وصلت إليه العائلة المقدسة.. وأما لو كان يشك في
سلامته، فلم يسوقه دون استدراك بالفحص؟ أظنه أورد التقليد على أنه صحيح وعليه فلا تكون
المصادر قد "أجمعت"، وعلى "عليه" يكون من غير مجانبة
الصواب وضع كل العمل محل المراجعة والمطالبة بنشر المصدر الأصلي (المخطوطة)
لفحصه..
4 ألا يعثر هذا الكلام، بصرف النظر عن صحته،
ألا يعثر البسطاء؟
يعثرهم صرف النظر عن صحته؟!.. فكيف يُصرَف
النظر عن الصحة خوفاً على المريض؟ ولكن الحق أن هذا الاعتراض به وجاهة.. وأتفق مع
المعترض أن التشهير مرذول والتناول الحكيم مطلوب.. ولكن المعترض ملتزم بالمقابل أن
يتفق معي على هذا المطلوب: والمطلوب هو الالتفات إلى المشكلة، وعلاجها بحكمة..
وأنا لا أقبل للكنيسة أن يخرج مجنون يبشر في القرى بسقوط المخطوطة التافهة.. ولكن
أفهم أن يُعَقَّم الجو الذهني والروحي ضد ميكروبات الخرافة.. كيف؟ أن يتوقف
الإكليروس والخدام، بدءً بإكليروس ورهبان الدير المحرق أنفسهم، بترديد هذه
الخرافات.. ويلتفتون لتعليم الناس مبادئ التفكير.. أسس الفحص.. عموماً كمبدأ.. ولو
بقى من المخطوطة وأمثالها ذكر بعد جيل أو جيلين على الأكثر، فسيكون ذكر المتاحف..
فهل في هذا إعثار للناس؟ أم إنقاذ لعقول وضمائر أبنائهم من لسعات وحمى الخرافة..
5 دعنا من خرافات المخطوطة عن تدشين المذابح
والأواني وما إليه.. لم لا يكون خبر مكوث العائلة المقدسة في المكان، وهو جوهر
دعوى المخطوطة، صحيحاً.. وأن يكون له مصادر أُخرى مثل التقليد أو مخطوطات أُخرى
بلا خرافات؟
ليست لدىّ أية مشاكل مع مكوث العائلة
المقدسة في أي مكان.. مشكلتي تحديداً هي مع خرافات المخطوطة
من ثلاث وجهات: من حيث مضمونها الفج المخالف للإيمان والذوق، ومن حيث تعامل
الرسميين معها كحقيقة، ثم من حيث سطوتها على الأذهان البسيطة التي تتقبلها دون
فحص.. وقلت مرَّة لمن سألني هذا السؤال أن المسيح وأمه العذراء إن لم يمكثا في
غرفتي، بل في قلبي بالأحرى، فلا معنى عندي لمناقشة أين مكثا، هنا أو هناك.. كما
أنه ليست لديّ أية خصومة مع مكان أو مع سكانه.. والدير مكان تُرفَع فيه القداسات
ويحضر فيه جسد المسيح ودمه يومياً.. فهل يزيد أو ينقص بحضور ذات الجسد مرةً منذ
ألفي عام؟ لا مشكلة عندي.. فليكن بكل سرور، لو كان!.. وإنما من حيث البحث المجرَّد
الراغب في تكريم الكنيسة بنفض الخَرَف عنها أقرر الآتي:
التقليد هو الخبر الشائع
الذي يسلِّمه عموم جيل كامل لجيل تالٍ له مباشرةً.. وقد يكون صادقاً او دسيساً,
والتقليد الصحيح الجدير بالتصديق هو التقليد المبني على جيل شهد عياناً وجيل
تسلَّم مباشرة ومن جيل إلى جيل.. ويسهل ترجيح التقليد أو تضعيفه بحسب فحص الشواهد
التاريخيّة والقرائن الجغرافية وفحص الخلفية الثقافيّة والمحتوى الداخليّ لمضمون
التقليد.. وفي العموم فكلما كان التقليد بسيطاً كلما زادت درجة رجحانه..
وهناك فرق بين وجود تقليد لا يحمل
درجة مصداقية عالية، وبين عدم وجوده أصلاً.. والبحث هنا قد يتسامح مع التقليد إن
وُجِد، ويأخذه كقرينة لصالح الرواية رغم كل شئ.. ولكن ما الدليل على وجود التقليد
أصلاً؟ هذا هو السؤال!
ثم هناك فرق بين خرافة ثانويّة لاحقة
لصقت بتقليد ما، بصرف النظر إن كان التقليد يحمل رواية صحيحة أم لا، وبين خرافة
كبرى أصيلة تنشأ من أصل ظاهر الفساد لمن قام بتصنيعها.. والفرق أن الخرافة اللاحقة
لو قُنِّدَت وحُذِفّت فلا تؤثر على أصل التقليد وتتركه بريئاً دون شبهة من ناحيتها
ضده - عكس الخرافة الأصيلة التي لا تنشأ أصلاً في وجود تقليد، فإن ظهرت فإنها
تغطّيه وتفسد الاستدلال عليه..
مثال
على الخرافة اللاحقة أن يوجَد تقليد يفيد بأن العذراء أقامت في موضعٍ ما (قد يصحّ
ما يخبر به التقليد أو لا يصح، ولكنه على كل حال موجود).. والآن فبناء على هذا
التقليد شاع بين الناس أن ماجوراً قديماً في المكان عجنت فيه العذراء، وطبعاً سهل إثبات
أن هذه الإضافة خرافة لأن المجاور لا يعيش ألفَي سنة.. هذه خرافة لاحقة لاصقة، لو
نُحِّيَت جانباً لعاد التقليد لأصله دون أن يلزم تكذيبه بسبب ما زاد من خرافة.. ومثال
على الخرافات الأصيلة التي لا تستند لأي أصل سابق خرافة مهاجمة لصّين للعائلة
المقدسة أثناء هروبها، والانتهاء بافتراض أنهما هما اللصان اللذان صُلبا جانبه، فالتصنيع
من لا شئ ظاهر هنا والسبب الظاهر هو انتشار نزعة تأليف الأدب الأبوكريفيّ وقتها،
بصرف النظر عن غرض المؤلف وطيب نيّته من عدمها..
وبملاحظة هذه الفروق في حالة المخطوطة
القوزقاميّة هذه، يظهر دون حاجة لتحديق أنها تصطنع قصة لمكان لم يعرف قطّ تقليداً
يفيد بأي شئ مما ورد في المخطوطة عنه.. الأمر لا يتعلق بتقليد، صحيح كان أم غير
صحيح، بل بعدم وجود تقليد أصلاً.. ولا يتوقَّف عند حد خرافات لاحقة التصقت بأصل برئ،
بل بخرافة أُمّ مُصَنَّعة، هي نفسها الأصل لخرافات لاحقة.. وإثباته تالٍ:
أول ما تبدأ المخطوطة حديثها، تكرمنا بإثبات
أنها نشأت في حال اطمئنان من غياب أي تقليد تفصيليّ يحجِّمها، وأنها ظهرت أصلاً
لتعوّض هذا النقص وتحل محل غياب أي تقليد تتمحّك فيه لتُضّخِّمه، ذلك أنها تُحيل
خبر زيارة المسيح ومباركته للمكان وسط دموع العذراء إلى رؤية للبابا ثيوفيلوس الذي
عاش في المئة الخامسة.. المخطوطة تبدأ بالاعتراف ضمناً بغياب التقليد المُقتَرَض
عند البعض، وإلا فلماذا لم تأت "العذراء في حديثها للبابا ثيوفيلوس على أي
إشارة لمعرفته بالتقليد؟ لماذا كان كل الحديث كأنه إخبار بالمجهول لدى المستمع
(الذي هو البابا ثيوفيلوس حسب الادعاء؟).. الخلاصة تقتضي إحالة كل تفاصيل المخطوطة
جانباً كادعاءات مخطوطيّة مبنية لا على تقليد بل على رؤيا لم تثبت أصلاً بعد..
إذاً خفّت الحمولة من كل تفاصيل الدموع
والعطش وجنود هيرودس واللصين وإلخ إلخ إلخ.. فماذا يبقى؟ نتابع:
عندما تذكر المخطوطة أن البابا ثيوفيلوس
يشير لكرامة المكان قبل شروعه في تدشينه، فإنه لا يظهر أنه يعرف وقتها أي شئ مما
ورد في المخطوطة، ولا أيٌ من المحيطين به يعرفون، باستثناء أن العائلة المقدسة
أقامت في ذلك المكان.. ويحاول البعض، إنقاذاً لهذا الموروث الهائل من التخريف،
التمسك بأن هناك تقليد يفيد بإقامة العائلة المقدسة في المكان، وأن البابا
ثيوفيلوس رأى رؤيا متصلة بموضوع التقليد، وإن زادت الخرافات عليه.. ولقد سبق أن
تنازل المتابع معنا كل التفاصيل المضحكة الزائدة في "الرؤيا" محاولةً
لتبرئة الرؤيا منها.. فماذا يبقى إذاً في الرؤيا؟ أن العائلة المقدسة أقامت في ذلك
المكان؟ ولكن بحسب نفس الافتراض فإن ذلك يخبر به التقليد أي أمر سابق على الرؤيا، ول
كانت الرؤيا هي التي أفادت بذلك لكان المدافع يتنازل بوضوح عن وجود التقليد وتنتهي
نقطة البحث للنتيجة سريعاً، ولكن سأكون كريماً وأفسح للمعترض فرصة افتراض أن
التقليد سابق على الرؤيا، ولكن أي جديد أفادت به الرؤيا إذاً إن لم تأت بأكثر مما
كان في التقليد؟ لا شئ يبقى إلا القول أن العذراء ظهرت للبابا ثيوفيلوس وقالت
له كلاماً لا نعرفه J.. فلندع الرؤيا جانباً طالما لا نعرف ما دار فيها! ولا يبقى إلا
افتراض وجود التقليد الخالي من الخرافات قبل أن تلحق به وتشوِّهه.. نتابع...
تُكرِمنا المخطوطة القوزقامية مرة ثالثة في
رحلة البحث عن تقليد سابق عليها، وتثبت لنا أن هذا التقليد لم يُوجَد قَطّ! وذلك
بمنطق بسيط جداً وقاطع: لو وُجِد التقليد الذي يفيد بإقامة العائلة المقدسة في
المكان، هل كان جو المكان الذي بالضرورة يعج بالزائرين وبالعارفين لحدود ذلك
التقليد، هل كان جو مكان كهذا يسمح بانتشار ما زاد من خرافات مضحكة المبالغة في
توسّعها واستهتارها بعقول الناس؟ إن هكذا خرافات لا تنشأ إلا في أصل فقير حيث تأخذ
راحتها، وتجذب أناساً لم يسمعوا بالأمر من أصله فيقبلونه كاكتشاف جديد، ويبتلعونه
من ثَمَّ تحت أثر الافتجاء به، ولكن بين العارفين بتقليد تزداد ممانعة ظهور
الخرافات، ولا تتعدى حدود إضافات تافهة مرتبطة بمعالم المكان الجغرافية
والتاريخيّة، كالقول بمجاور عجنت فيه العذراء وبئر شربت منه..
لم تخذلنا المخطوطة الكريمة وتكفَّلت لنا بإثبات
(1) غياب تقليد يحمل تفاصيل خرفها، (2) وغياب أي معرفة لما دار في الرؤيا المفترضة
إن كانت، (3) ثم غياب خبر زيارة العائلة المقدسة للمكان ولو دون مزيد من تفاصيل
خرافات لاحقة! شكراً بتثليث الشكر للمخطوطة الكريمة..
وما أثبتته المخطوطة بنفسها على نفسها ما
كان له حاجة لو أعملنا شواهد المنطق:
-
فهل رؤيا بهذه الأهمية،
ومع رجل بهذه الحيثيّة، هل كانت لتُتْرَك لعبث الخرافات الهائل، دون الاحتفاظ
بنسخة صحيحة أو شبه صحيحة؟
-
مع ملاحظة أن التقليد
نفسه، إن كان موجوداً بصرف النظر عن صحة خبره من عدمها، بقي مفتقراً لأية إشارة من
أي نوع وأي جهة حتى المئة الثالثة عشرة (وقت تسجيل "تاريخ أبي صالح" أو
"أبي المكارم"، لا يعنينا حسم مؤلفه الآن – وإن كنت أرجح أبا صالح
الأرمني) وهو زمن كانت المخطوطة العربية لاشك قد ظهرت وصادرت على إثبات أو حتى
ترجيح نسبة القصة إلى تقليد مفترض وإن لم يصل إلينا..
-
ثم كيف يمكن للتقليد أصلاً
أن يحدد عين مكان إقامة العائلة المقدسة في برية خربة أقامت فيها بمفردها؟ هل هو
شاهد قبر يوسي؟ راجع مناقشة
السؤال.. ألم يكن لهذا السبب ان مؤلف المخطوطة النابه أحال الرواية
كلها إلى رؤيا؟ J
-
ثم حتى لو وُجِد
التقليد المنشود، بعيداً عن المخطوطة، فيلزم فحص هذا التقليد مثل غيره، ويلزم
تقديم سبب مقنع لمكوث العائلة المقدسة في برية خربة.. راجع مناقشة تفاصيل السؤال..
وعلى سيرة التقليد، وبعد هذا الفحص اللطيف
المتأني مع محاولة الدفاع الأنيقة بافتراض وجود تقليد غطّته هذه المخطوطة، أقدِّم
هذا الاحتمال القويّ للدراسة والتفكير، والذي يستند لتقليد متوفِّر بالفعل، أغنى
أصحابه عن ادعاءات المخطوطة الزائفة، مصداقاً للقول أن النفس الشبعانة تدوس العسل
- فما البال بالرمرمة؟ وأعني التقليد القائل بمرور العائلة المقدسة على بلدة "ميرة"،
وهو تقليد بسيط لا تعقيد ولا شبهات فيه، وإن وُجِدَت خرافة معه فهي ثانويّة لاحقة
له لا فوقيّة تصادر عليه.. والاحتمال المتوفِّر عندي في هذا الصدد هو ما يمدّه
تقليد بلدة "ميرة" من إيحاء أن كاتب المخطوطة كان يتطفل على كرامة بلدة "ميرة"
القريبة، إذ كان لديه دير له كرامة الأديرة - ولكن بلداً مجاورة تسبقه في الكرامة،
فوجده منطقياً عنده أن الدير أحق بالكرامة، فساق ادعاءاته تطفلاً على سمعة
مكان قريب هو بلدة "ميرة".. احتمال تصوريّ أعدو للتأمل والبحث خلفه..
وختام لهذه النقطة أسوق هذا الأمر المؤسف
بحق.. أنه لو صح وجود التقليد ينبغي الإقرار بأن المخطوطة اغتالت التقليد
المُفتَرَض وسلبته أية حجية أو دليل.. لقد صادرت المخطوطة على حجة التقليد، لأنه
أي تقليد يخص المكان ويفيد بمكوث العائلة المقدسة فيه، يمكن أن يُعزى منشأه
للمخطوطة ذاتها، فيظل احتمال بطلانه عالقاً به بقوة، ولا يحل الأمر إلا تقليد يثبت
بمصدر سابق على المخطوطة، فيُتَناول كتقليد برئ من المخطوطة ويُفحَص في سياقه
بعيداً عن ذنب المخطوطة.. لا أرى أن تقليداً كهذا كان موجوداً، لبطلان أصل الرواية
من عدة وجوه كما سبق، ولكن أتكلم من حيث المبدأ فأضع خطاً تحت هذه المضرة الكبيرة
للخرافة أنه لو كان التقليد موجوداً فإن المخطوطة أتت واجتثته، وصارت هي الأم لأي
تقليد ينشأ بعدها، وهذا هو عين شر الدفاع الفاسد عن القضايا العادلة، إن كان ثم
قضية عادلة في هذه الخرافة..
6 تفاصيل البحث كثيرة وأسئلته متداخلة
ومتلاحقة.. وتشتت الذهن.. ومن غير المنطقي أن تُبنى الاحكام على تشتيت ذهن..
من تاه بين التفاصيل، يمكنه العودة لخلاصة
الأسئلة..
وبعد كل هذا.. لا مجادلة في الإقرار بأن هذه
المخطوطة، وأمثالها، تضع نفسها أمام الاختيار بينها وبين العقل.. وبينها وبين
الإيمان السليم.. وبيننا وبين الكرامة.. وبينها وبين سمعة كنيستنا.. وبينها وبين
مسئوليتنا أمام أجيال لاحقة.. اختيار استبعاديّ mutually exclusive choice حيث لا يمكن الجمع..
أُقِرّ وأعترف
أن دير العذراء مريم المعروف بالمحرق هو دير
مقدس لا يقل في قداسته عن كل دير وكنيسة قُدِّست لمجد اسم المسيح.. وأن مذبحه هو
مذبح مقدس كقداسة كل مذابح الرب لا زاد ولا نقص حيث لا تقبل القداسة السماوية قياساً
بِكَمّ، وأن أكثر من أثَّر في تنشئتي الروحية في فترة صباي المتأخرة هو الراهب
الملائكي القمص ثاوفيلس المحرقي العملاق الروحي مُكَرَّم السيرة.. وأن من أكثر
التذكارات التي أعتز بالاحتفاظ بها هو صورة لأنبا أبرام أسقف الفيوم كانت
مُعَلَّقَة فوق رأس جدتي المباركة طيلة مرضها، وأنبا أبرام كما هو معروف ترهَّب
بذلك الدير وترأسه حتى تآمر ساكنوه عليه وعزلوه.. وأن ما أكتبه هو دفاعاً عن القداسة
الحقيقية للمكان لا تلك الزائفة المخجلة.. وأنني أكتب لوجه الغيرة على الكنيسة،
على إيمانها ونزاهة أذهان أبنائها ومصداقية تعليم أحبارها.. وأنني اكتب هذا لا لشئ
بيني وبين الدير أو غير الدير، والذي لم أزره أصلاً طوال حياتي إلا مرتين، إذ ليس
بيني وبين أي مكان أو شخص أو شئ في هذا العالم إلا الحق ومجد المسيح.. وأنني
بانتمائي للكنيسة التي ألازمها في الصلاة والخدمة (مع تغيُّرها عبر الزمن)، فإنني
أنتمي قبلها وبعدها للكنيسة القبطية، والذي انتمائي لها هو صورة انتمائي للمسيح
وجسده أي كنيسته الجامعة.. فيكون انتمائي نهاية وبداية هو للمسيح، وغير هذا
الانتماء لا أعرف، وبعيداً عنه لا أنتمي.. ومن أجله أهزأ بكل خرافة تُدَنِّسه!
C. Mark,
Idea, September 2001
Implementation, 2006
Final Editing, January 2012