تأملات عبر رحلة الخلاصالاثنين - يسوع والسوط والحمام
ولمّا دخل الهيكل إبتدأ يخرج الذين يبيعون ويشترون فيه
قائلا لهم: مكتوب أن بيتى بيت الصلاة وأنتم جعلتموه مغارة لصوص
(لوقا 19 : 47-48)
لم يظهر يسوع غاضباً كما في مشهد تطهير الهيكل، ومن يقف أمام غضب الرب؟ من؟ هناك مخلوق ما من مخلوقاته بقي هادئاً مطمئناً، وعبر غضب الرب عنه!!
وهو لم يقف امام غضب الرب إلا لأن غضب الرب قد توقَّف أمامه!!!
فرغم قمة غضبه أظهر يسوع قمة رقّته في لفتة حانية جدا تجاه مخلوق وديع
وتفوت لفتة الرب هذه الكثيرين فى خِضَمّ الأحداث المتسارعة العارمة لليوم
نعم هناك مخلوق واحد وقف غضب المسيح الهادر أمامه
ليتحول لرقة وعناية
من هو يا ترى هذا المخلوق العجيب القادر على
إستظهار رقة المسيح من بين محاجئ جبل غضبه؟
   إنه الحَمَام!   
لاحظوا معى كلمات الإنجيل بدقة:
وصف تطهير الهيكل حسب إنجيل متى
ودخل يسوع هيكل الله وأخرج جميع الذين يبيعون ويشترون
فى الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسى باعة الحمام
(متى 21 : 12)
ومثله في إنجيل مرقس
ولمّا دخل يسوع الهيكل إبتدأ يخرج الذين كانوا يبيعون ويشترون فى الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسى باعة الحمام ولم يدع أحد يجتاز الهيكل بمتاع
(مرقس 11 : 15-16)
لاحظوا أن إنجيلى متى ومرقس لم يقولا إن المسيح
!قلب
"أقفاص"
الحمام بل
"كراسى باعة"
الحمام
ثم وصف يوحنا لمشهد تطهير الهيكل
لم يتعرض أنجيل لوقا لتفاصيل تطهير الهيكل أما أنجيل يوحنا فلم يورد
حادثة تطهير الهيكل فى الفصح الأخير إلا أنه قدم لنا وصف حادثة مماثلة هى تطهير الهيكل فى الفصح الأول لخدمة المسيح الكرازيّة في الجسد، ويصِفْها بتفاصيل تُعنينا وتُعيْنُنا كثيراً فى مبحث تأملنا
صعد يسوع لأورشليم ووجد فى الهيكل الذين كانوا يبيعون بَقَراً وغَنَماً وحماما والصيارف جلوسا فصنع سوطاً من حبال وطرد الجميع من الهيكل الغنم والبقر . وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم وقال لباعة الحمام ارفعوا هذه من ههنا لا تجعلوا بيت أبى بيت تجارة
(يوحنا 2 : 13-17)
يزيدُ يوحنا إشارتين أخريين قويتين
:لقد سبقَ فوَصَفَ المشهد قبل تطهير المسيح للهيكل هكذا
"كانوا يبيعون الغنم والبقر والحمام"
ولكنه عندما تكلم عن تطهير الهيكل قال إنه:
"طرد الجميع الغنم والبقر"
وتوقف عن ذِكْر الحمام!
(وتوقفتُ معه بوضع الخطّ تحت النقطة في النَصّ)
فالحمام إذاً لم يكن من "الجميع" المطرودين
ثم يتوفَّر مزيد من التأكيد والإحاطة للمعنى في نصّ أمر يسوع لباعة الحمام:
"إرفعوا هذه (أقفاص الحمام) من ههنا"
فيُرَى هنا فوق ستر الرب للحَمامِ من غضبه الجارف، يُرَى أيضاً عنايته بطريقةً رقيقة لإخراجهم من الهيكل..
إذاً تتفق الأناجيل بلا جدال على هذه اللفتة
وتُنَوِّه لها بطريقة ملحوظة للمتأمل
فهل لها مفاد ويُرَى فيها قصد؟
إن استيعاب دلالة وتأثير هذه الحادثة،
br>
يحتاج لاستحضار المشهد في مخيِّلة القارئ من بدايته:
* المسيح غاضب جداً.. لم يجسر أحد أن يقف فى وجهه،
رغم شراسة الباعة واحتمائهم بالرؤساء ورغم أن هذا مالهم وتجارتهم،
* لقد طرد المتاجرين وطرد أيضا الغنم والبقر وبالتأكيد حدث هَرَج فى الداخل،
فالكل يطارد خروفه أو بقرته،
* كما منع الداخلين ببضائعهم مما زاد المشهد إرباكاً واختناقاً عند الباب
بين الممنوعين من الدخول والمطرودين للخارج،
* ولم كيفه كل ذلك فزاد بأن قلبَ موائد الصيارفة بكل ما عليها من أموال وصكوك
فتناثر الإله المعبود دون الرب، ولا يُنتَظَر الآن من عابديه إلا التكالب على العُمْلات المُلقاة على الأرض،
* فالصيارفة الآن، ولا عجب، تحت الأقدام يحاولون إنقاذ ما يمكنهم من بين أيدى المئات
بينما الذين يُلاحِقون أغنامهم يدهسون الذين يجمعون الأموال!
* والرب لا يبالى بهذا بل يواصل عمله فى تطهير الهيكل
ممسكا سوطه بحزم..
هل تتخيَّلون المشهد حتى قبل بلوغ الرب لأقفاص الحًمام؟
،،،،،،،
إلا أن الرب عندما بلغ أقفاص الحمام فعل شيئا لا يتفق مع إيقاع الحدث، إذ قلب كراسى باعة الحمام وأمرهم برفع أقفاص الحمام من المكان
نتوقَّف هنا مع توقّف غضب الرب ونسأل
ألم يكن المتوقَّع حسب الإيقاع الهادر أن يَقلِب الربُ الأقفاص مثلما قَلَبَ الموائد؟
ومثلما ساق الغنم والبقر خارجا؟
كان هذا هو اللازم حسب توقّع البشر استكمالاً مُحتَّماً لِما فعله للتوّ،
ولكنّ الرب بدلاً من هذا المُتوقَّع البشريّ لدى الناظرين، فإنه قلب كراسى باعة الحمام وليس أقفاص الحمام..
وأما الحمام نفسه فقد أظهر إعتناءً بأقفاصه عندما قال لهم إرفعوا هذه من ههنا
ولم يكن يُعجِزه أن يطيح بأبواب الأقفاص أو يكسِّر ذات الأقفاص!
ألا يجب علينا أن نقف مع الرب ونتأمل:
ما الذى رآه الرب فى الحمام فأوقف غضبه؟ وحوله لرقة وعناية؟
وهل هناك من يقدر أن يغلب الرب أو غضبه؟
تستطيع عين المتأمِّل الرابط للشواهد الكتابيّة أن ترى ثلاثة أمور
حين تستدعي المشاهد بعضها من الكتاب المقدس:
(1) لنظر إلى الرب بوداعة وتسليم لمشيئته
يعطينا سفر النشيد السطر الأول فى الإجابة
حولى عينيكى عنى فقد غلبتانى
(نشيد 6 : 5)
وماذا فى عينيى العروس؟
يواصل سفر النشيد إجابته فيقول
عيناكى حمامتان
(نشيد 1 : 15 و4 : 1)
(إضافة لاحقة:
وكم من البديع مُلاحَظَة كيف تُشبه العينان معاً منظر حمامتين متقابِلتين في تكوينهما الانحنائيّ،
ومن الأبدع أن تصيران كالحماتين في اتفاقهمها ووداعة نظراتهما،
وأُشير على من لم يرَ هذا المشهد أن يطلبه،
ليتحقَق من بدائع خليقة الرب في التوافق بين منظر الحمام ومنظر العيون الهادئة)
إذاً ففى مواجهة تأديب الرب وغضبه هناك طريق واحد للتعامل معه
أن ترفع النفس إليه عينيها كحمامتين وديعتين مستسلمتين لعمله ومشيئته
فيرى الرب فى العينين حمامتين وادعتين
فينغلب غضبه ويظهر رقته ويقول للنفس المتضرعة بصوت حبه
حولى عينيكى عنى فقد غلبتانى
ثم يأمر الباعة أمرا نافذا برفع النفس بعيدا عن مكان الإضطراب والهياج
وتأمينها من الإزعاج والأذى
أما التذمر فليس هو على الإطلاق الرد الصحيح على تأديبات الرب أو غضبه، إن غَضِبَ، بل يزيد التذمّر الإضطرابَ هياجاً، والإزعاجَ ضجيجاً
ويبقى النفس فى طاحون التخبّط
(عبرانيين 3 : 7-11)
(2) النظر إلى الرب بإتضاع وإعتراف بالحاجة إليه
ويقدم لنا سفر التثنية سطرا آخر فى الإجابة هو بمثابة الوجه الآخر للعملة
ففى (لاويين 12 : 8) نعلم أن زوج الحمام هو ذبيحة الفقراء
وقبل أن نفهم دلالة ذلك تماماً ينبغى أن نتذكر ثلاثة أمور عن الرب
الأمر الأول: ذبيحة الفقراء هى ذاتها الذبيحة التى قدمتها العذراء مريم عند ميلادها للطفل يسوع
(لوقا 2 : 24)
والأمر الثانى: والرسول يقول عن الرب
الذى من أجلكم إفتقر وهو غنى لكى تستغنوا أنتم بفقره
(كورنثوس الثانية 8 : 9)
والأمر الثالث: وفوق هذا يختصّ الفقراء أولئك الأصاغر بالتذكرة بأنهم إخوة له، وهو الأخ البكر لكل المؤمنين،
(متى 25 : 40)
فما هى ذبيحة الفقراء التى تقدمها النفس للرب كيما تتمتع بغنى الرب الذى أفتقر لأجلها
وبالاحتماء بكرامة أخوّة الرب لها؟
هذه هى: أن ترفع النفس للرب عينين معترفتين بالخطأ والعوز والحاجة إلى سروره ورضاه
فتقول مع المرنم
إليك رفعت عينى فهاهما مثل عيون العبيد إلى أيدى مواليهم
ومثل عينى الأمة إلى يدى سيدتها
(مزامير 123 : 1)
فالرب الذي ذكَّر قساة القلوب أن الأصاغر إخوةً له، ألا يتذكَّر هو نفسه ذلك حين يرى ذبيحة الفقراء في صورة عيون الحمام مرفوعة تجاهه؟
بلى يتذكَّر ولا يهدأ حتى يتمِّم الطلبة حين يرى الرب فى العينين الوديعتين حمامتين هما ذبيحة الفقراء الذى إفتقر هو نفسه ليغنيهم فيتحنن ويجيب أن لا أعود أسميكم عبيدا وإماء بل أحباء وأخوة صغار
فيُشبع النفس الفقيرة الجائعة بخيرات رحمته
أما الذين يصرون على استغنائهم بغناهم، فتنقلب موائدهم وتطرد ذبائحهم ويصرفهم فارغين
(لوقا 1 : 53)
(3) النظر إلى الرب وحده دون سواه
لم يتكلم سفر النشيد عن عين واحدة على الإطلاق بل دائما العينين معا
العينيان معا حمامتان
تثبيت العينين معاً على الرب، كمثال الحمامتين، يغلب غضبه يقيناً!
وسِفْر اللاويين أيضا يتكلم عن ذبيحة من فَرْخَى حمام،
وليس حمامة واحدة!
فواحدة تُقَدَّم عن الخطية
(الإعتراف بالخطأ ومن ثم الإحتياج للتأديب)
والأُخرى تُقَدَّم محرقة
(إلتماس رضا الرب ورفع غضبه)
ما دلالة ذلك؟
أمام غضب الرب أو تأديبه لا يُجدى النظر للرب بعين واحدة
بينما الأخرى تبحث عن مخرج أرضى وتلتمس حلّاً بشريّاً سواء بقدرة الذات أو بالتوسل للآخرين..
فقط النفسُ التى تقرّ بحاجتها للرب وحده وترفع عينيها الإثنتين معا،
فتتكلما بالنظر قائلتين:
"ليس فينا يا رب قوة ونحن لا نعلم ماذا نفعل ولكن نحوك أعيننا"
(اخبار الأيام الثانى20: 12)
هى وحدها التى تحول سوطه عنها وتنتزع رقته من بين ثنايا غضبه..
أما من يوزع رجاءه بين الرب وغيره،
"فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئا من عند الرب"
(يعقوب1: 7)
وبعدُ،
فقد كنّا ننظر في تفاصيل المشهد الأشهر والأظهر لغضب الرب المتجسِّد،
فرأينا الرب العجيب حتى فى غضبه
رأيناه قادراً على التحكم فى غضبه فلا يتجاوز به حدود ما يريد إعلان الغضب لأجله
قادراً على التمييز حتى فى قمة غضبه فلا يؤذى طائرا وديعا كالحمام
مكتوب:
إعضبوا ولا تخطئوا
(أفسس 4 : 26)
والرب أرانا هنا قمة تطبيق المكتوب..
أما نحن فغالباً إذا ما أمسكنا بسوط غضبنا نلهب به الظهور دون تمييز ونسئ لأبرياء ربما يكون غضبنا من أجلهم فى الأصل
ثم نعود فنتحجَّج بالغضب الذى أعمانا كعذر لأسائاتنا!
فلعلّنا، مع النظر لهذا المثال الربّانيّ، إذا أضطررنا للغضب أن نتنبه فنتبع مثال الرب فى غضبنا، فنغضب حين يلزم، ولا نُخطئ،،،،،
,P. Eng. Basil Lamie
,Idea: 1997, St. George Church, Agouze, Egypt
,Main Page Setup: 2001, Reston, Va
! First Posted: Holy Week, 2003
|
| |