+
حياة أخرى
Another Life
مُلَخَّص مسرحية
"حياة أُخرى" هي آخر ما شرعت في إخراجه مما كتبت للمسرح الكنسيّ، وكان ذلك في
الشهور الأولى لسنة 2000 وبإلحاح من "رجاء" حتى لا قطع عادة إخراج
مسرحية كبرى كل سنتين بغد نجاح رجاء وإستير.. ولكن ليس كل ما يشرع فيه المرءُ يُتِمُّه..
أتيتُ للولايات وأنا لم أزل أكتبها وأعمل على إخراجها، وأتت أوراقها معي على وعد
بموافاة الفريق بالنَصّ الكامل عبر الإيميل.. ولم أف بالوعد.. وبقيت الأوراق على
حالها بلا اكتمال.. وإذ فقدتُ بسوء تقدير هذه الأوراق، فإن ذاكرتي لم تفقد
محتوياتها التي سألخّصها في هذا المقال..
فادية ومفديّة
القصة
فكرتها بسيطة وليست جديدة تماماً.. ولكن في تنفيذها بعض عناصر الجَدَّة.. فتاة
مستهترة (اسمها مفديّة) تُبحِر في رحلة بحرية، وتفسد في أول مشهد طوق النجاة المُعلَّق
على سريرها باستهتار وخلاعة مبديةً سخريتها من احتمال موتها..
وتجد
زميلتها في الكابينة (فادية) فتاة بارة ملتزمة.. وتبدآن في التعارف.. ويُظهِر
الحوار القصير بينهما اتجاه كل فتاة وقناعاتها وطبيعة حياتها.. واحدة تلهو مع
أصدقاء سوء وتضيع حياتها في التفاهة فضلاً عن النجاسة.. والأُخرى غارقة في الكتاب
المقدس والخدمة المسيحية.. ويمثل هذا الحوار الأساس الذي ستتعرف فيه مفديّة على كل
تفاصيل حياة ومعارف فادية.. وينتهي الحوار بسؤال مفديّة لفادية بسخرية: "أنا
مش قادر اتخيّل بطريقة حياتك دي بتصحي الصبح ليه؟ فيه إيه في حياتك ممتع أو يستحق
يتعمل علشان تصحي له بلاش أقول تعيشي له؟".. ويكون هذا السؤال مفتاح فادية
لإبلاغ مفديّة بخطتها وطموحاتها الباقية في الخدمة، من ذلك مشروع لتعليم الفتيات
حرفة نافعة، ومشروع لاجتماع تأمل ودراسة كتاب يكون اسمه "ساكبات
الطيب"..
الشرط
وفي نقاشهما
تُفاجئان بجرس الإنذار، وصوت المذيع يطلب التعلق بأطواق النجاة لإيشاك السفينة على
الغرق.. تتلقى فادية الإنذار بهدوء وتشرع في إنزال طوق النجاة من جانب السرير،
بينما تنوح مفديّة.. تشفق عليها فادية وتتفق معها على أمر غير متوقع لها.. أن
تعطيها طوق نجاتها بشرط واحد: إنها لا تحيا حياة نفسها هي، بل تحيا حياة فادية
صاحبة الطوق لأنها لن تعود تملك بقية عمرها.. إنه عُمر وحياة فادية صاحبة طوق
النجاة.. ويكون ىخر ما تقوله فادية لمفدية وصوتها يضيع في الماء: "بقية
طموحاتي أمانة في إيدك.. ربنا رتّب إن أنا احكي لك رغم إني كنت باحاول اتجنّبك..
وده علشان تعملي اللي كنت هاعمله لو عشت.... انتي عايشة ببقية عمر فادية افتكري،
فتعملي اللي كانت هتعمله فادية........."
مفارقات الخلاف
تخرج
مفديّة من البحر حية، وهي ممتلئة وفاءً لفادية، وعازمةً على استكمال حياة من
افتدتها ومشاريعها.. وفي ذلك تكتشف الفارق الأصيل بين حياتيهما.. وصعوبة الانتقال
والتكيّف.. وتحدث مفارقات بين زوار مفديّة زوار فادية.. بين التزامات مفديّة
والتزامات فادية.. وتبقى متشبثة مع كل ذلك بإقناع نفسها بعدم لزوم تخليها عن
حياتها السابقة، مع التزامها بحياة فادية.. ولكنها تعجز.. شعار هذا الفصل هو:
"أية شركة للنور مع الظلمة؟"
الطبيب النفسي
عندما تبدأ
مفديّة في الشعور بازدواج حياتها، تذهب لطبيب نفسيّ، وهذا أمتع مشهد من ناحية
الحوار في المسرحية.. وبعد أن حكي له تجربتها يكلّمها الطبيب عن مرض
السكيزوفرينيا.. يسألها أولاً:
- كم عدد
سكان مصر؟
= خمسة وستين
مليون
- ميّة
وتلاتين مليون.. على الأقل.. كل واحد عايش بشخصيتين إن مكانوش تلاتة أو أربعة..
ويستفيض في
الشرح (والقصد إيصال رسالة نقد أخلاقيّة للمتابعين في صورة غير واعظة).. يشرح لها
أنه في حالته العادية فإن مرض السكيزوفرينيا ليس خطيراً، لأن أكثر الناس يحيًون
بهذه الدرجة البادئة منه، وذلك في صورة ما يسمونه اللباقة الاجتماعية، ويسميه
الوعّاظ بالنفاق،ويسميه هو، كمتخصص في علم النفس، بالدرجة الأولى للسكيزوفرينيا..
بعد
الشرح، تسأله عن العلاج.. فيقول لها:
- علاج وحيد
فقط.. واحدة لازم تموت.. اختاري تقتلي فادية...
= (تفاطعه
بنبرة قلق ضمير) لأ
- (يكمل
بهدوء) أو مفديّة.. لكن واحدة لازم تموت علشان تعرفي تعيشي من غير ألم مرض ازدواج
الشخصية..
= طيب
اختار مين اخلص منها؟
- ده
اختيارك انتي.. أنا طبيب نفسي مش كاهن.. أقول لك مرضك وعلاجه.. ماعرفش مين هيروح
السما ومين هيروح جهنم.. دي مش شغلانتي.. وماليش أقول لك تروحي انتي نفسك فين.. أنا
خلّصت جلستي معاكي في حدود تخصصي وبكل شرف المهنة..
وبينما تغادر
مفديّة العيادة يعلو صوت الطبيب: "الاتنين اللي بعدها يتفضلوا"..
ولم أكمِل
وللأسف حتى
لم أداوم على الاحتفاظ بالورق الذي انتهيت منه، وذلك لضيقي من أي مما لم يرق لكمال
الرضا لديَّ مما أُنتِجه.. وكان هذا من سوء التقدير من جانبي، لأنني لم أحسب وقتها
حساب عجزي عن كتابة العمل كما ينبغي، وأنه وقتها لن يبقى لي منه إلا ما أسلفتُ كتابته..
وها إنني
أعوّض بعض ذنبي تجاه الفصول المفقودة بتلخيصها..