+
تأصيل ثيولوجيّ
كتابيّ للدراما
مع ملحق
"مُلَخَّص لأصول الإخراج المسرحيّ"
تأصيل ثيولوجيّ كتابيّ للدراما
الربُّ مُقَدِّساً لفن المسرح
ملحق – مُلَخَّص لأصول الإخراج المسرحيّ
تأصيل ثيولوجيّ كتابيّ للدراما
ربما لم يعتد ولا حتى يتصور الكثيرون هذا الكلام.. ولكن:
الدراما لها أصل إلهيّ ولا تنفصل في جوهرها بل تصل
بالناظر في أمرها إلى الثالوث والتجسد!
وتعود فتقف مع المتأمّل فيها في قلب سمات الخدمة المسيحية!
الدراما هي عمل أدبيّ يتم تمثيله بأشخاص، عامله المشترك
هو تفاعل المشاعر الإنسانية (التي يظهرها الممثلون)، وما تقود له من أحداث (يصوغها
خيال الكاتب).. الشخص إذاً وليس الموضوع المُجرد هو مادة
الدراما.. وكان الممثل يًسًمّى "مشخصاتي" والتمثيل يُسمّى تشخيصاً"..
إذاً التمثيل تشخيص من الشخص.. والشخص مفردة خطيرة في الثيولوجي وفي المعنى المسيحيّ عموماً..
وليس هذا مجرد اختطاف من كلمة اختصت بها الثقافة المصرية في تعبيرها عن الدراما..
ولكن كل أصول الدراما قد نشأت من كلمة "شخص".. الممثل في الدراما
ذات التقنين اليونانيّ أصلاً كان يرتدي قناعاً يُسَمَّى وجهاً
أو شخصاً.. كل هذه المعاني لها كلمة واحدة تعبّر عنها لتقاربها الذي يقترب من التطابق..
والكلمة اليونانية (التي تعني شخص أو وجه) هي: بروسوبو το πρόσωπο.. نعم هي الكلمة الشهيرة في الثيولوجي،
والتي تُكتَب "فرصوف" في كتب الثيولوجي إياها..
وفي اللاتينية فإن الكلمة قد ظهرت بكل معانيها
بصيغة Persona، والتي منها قي الإنجليزية
Person.. وزاد اللاتينيون
فنحوا بالكلمة نحو تخصيصها للشكل الدراميّ من حيث تخصيصها
لتسمية القناع بها..
السلسة الآن: الممثل كان يرتدي في العصر اليونانيّ قناعاً يعبّر به عن شخص.. والشخص ووجهه والقناع
الذي يعبر عنه، كلهم يُسَمَّوْن بروسوبا.. وفي انتقال المعنى
للاتينية صار قناع الممثل بــِرسونا.. وعاد ليظهر في الإنجليزية ليفيد كامل الشخص بنطقه بــِرسـِـن.. وعندما
عرف المصريون عمل الممثل أسموه المِشَخَّصاتي..
موضوع واختصاص وغرض الدراما السليمة هو الشخص الإنسانيّ..
وهو نفسه المخلوق على صورة ومثال الرب الإله (تك1: 26، 27؛ 1كو11: 9)، وموضع
لذّاته (أم8: 31)، وموضوع محبته (وهل تكفي الصفحات للشواهد؟)..
وليس قول ولا كلام.. لأن الكتاب المقدس نفسه، وعلى فم الرب أحياناً، وليس فقط
ثيولوجيّو المئة الرابعة، يضع
το πρόσωπο في بعض المواضع العالية جداً:
1 الآب
"انْظُرُوا لاَ تَحْتَقِرُوا أَحَدَ هَؤُلاَءِ الصِّغَارِ
لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ مَلاَئِكَتَهُمْ فِي السَّمَاوَاتِ كُلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ
وَجْهَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ." (متى18 : 10)..
فالآب له وجه يُنظَر من الملائكة، وسينظره المؤمنون
عندما يصيرون كالملائكة في الأبديّة السعيدة.. والنظر للوجه يعني التعرّف الشخصيّ بالرؤية..
2 الابن
"لأَنَّ
الإلَهَ الَّذِي قَالَ أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ، هُوَ الَّذِي أَشْرَقَ فِي
قُلُوبِنَا، لِإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ الإلَهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ."
(2كو4: 6)..
وأما الابن فلأنه تجسد فإن وجه لاهوته صار ظاهراً
في وجه ناسوته مع كل مجد الآب
الواحد معه في المجد..
3
الروح القدس
" أَيْنَ أَذْهَبُ
مِنْ رُوحِكَ وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ؟" (مز139:
7)..
فالوجه المذكور إما هو الروح القدس نفسه، أو وجه الروح
القدس.. والمعنى في النهاية سيان.. فالروح القدس (وجه - شخص - أقنوم)..
والآن وقد صَحّ وثيت بالكتاب تسمية الثالوث "شخوص"
للإله الواحد، فإن التجسد هو "تشخيص" له..
التجسد تمثيل، ولكنه ليس تمثيل خيال بل تمثيل حق وحقائق،
وإن كانت غائمة روحياً وغائبة مادياً.. الرب يمثل فيه نفسه، أي يظهر بقدر طاقة الاحتمال
الإنسانيّ ما اختفى من لاهوته من "الحجاب أي جسده" (عب10: 20)..
ويمثل أبيه: "من رآني فقد رأى الآب" (يو14:
9).. ويمثل فيه شكل الإنسان كما أراد الآب للإنسان أن
يكون: "هوذا عبدي الذي أعضده مختاري
الذي سُرَّت به نفسي" (إش42: 1)..
من الثالوث للتجسد للخدمة.. الخادم يتمثّل بالمسيح فيمثِّل المسيح كما يقول
المسيح نفسه: "لأني أعطيتكم مثالاً حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون
أنتم أيضاً" (يو13: 15).. وهو في تمثله وتمثيله
أي تصويره أي تشخيصه للمسيح لا يفعل أكثر من أن يكون مسيحياً فحسب.. كل مسيحيّ هو خادم
يمثّل ويشخّص المسيح وإلا فلن ينفعه المسيح شيئاً بل يكون اسم مسيحيته دينونة..
من الثالوث للتجسد للخدمة بل الإيمان في العموم، يجد الناظر أن التشخيص شئ خطير جداً..
الربُّ مُقَدِّساً لفن المسرح
والآن في الخدمة الكنسية المسيحية، عندما ينتقل عمل
التشخيص لعمل درامي محدد فإنه ينتقل بكل ما بمعنى التشخيص من خطورة في أصله، ليستودعه
أداة منبثقة من هذا الأصل ولا تفترق خطورة.. إن تأثير التشخيص أقوى وسائل الإيضاح..
لأن الوجه المتكلم أقوى مؤثر على حواس الإنسان.. به سمع
ورؤية.. وبه شخص حيّ.. وهل يلزم الاستفاضة في إيضاح الواضح
بشرح خطورة هذه الثلاثة المؤثرات؟
وكما سبق البلوغ إلى سماء السموات لتحرّي أصل معنى الدراما، وظهر أن الأصل هو
الرب الإله نفسه كشخص، فإن متابعة وضع الدراما في طريقة الأداء المسرحيّ تحديداً بفنيّاته
امعروفة سيصل بالناظر إلى مفاجئة ثانية لا يلتفت لها الكثيرون:
لقد قدّس الرب
بنفسه أسلوب المسرح وأدواته، إذ مارسه بنفسه في تجسده..
نعم مارسه الرب نفسه في عظاته وفي تعامله.. إن فن الوعظ يتقاطع في مصيب كبير
مع فن المسرح.. وفن المسرح يأخذ كل شئ من فن التعامل الإنسانيّ
وإن تغيّر عنه فهو تغيّر الإضافة لزوم خصوصية العمل المسرحيّ..
لا يبتدع الممثل الخادم في الكنيسة إذاً عملاً، بحصره
كل ما سبق من خطورة معنى التشخيص وتقديمه في شكل مسرحيّ.. هذا الأداء التمثيليّ ليست بدعة على أي نحو من وجهة النظر المسيحية..
وفي عدة أمثلة سأعرض كيف مارس الرب فن الأداء المسرحيّ
بكل إتقان ولطف وقوة تأثير.. وأما محاولة إظهار عناصر المسرح
في الكتاب المقدس في عمومه من حبك الرب للأحداث، ومن إلهام الروح القدس بالشعر ومن
أدبيات التعبير، فكلها ظاهرة وتفوق الحاجة والحصر.. فالآن مع الرب:
كلما حاولتُ تخيُّل منظر من في عينه خشبة (قطعة نشارة تطايرت أثناء العمل
فلا ننس أن الرب عَمِل نجاراً يستوحي الصور من واقع أمور المعيشة اليوميّة) كلما حاولت
تخيّل منظر ذاك وهو يمسك بآخر ويقول له أرني كيف أخرج القذى من عينك لم أتمالك نفسي
من الضحك.. إنه لأن اعتياد القارئ على قراءة النص الكتابيّ
بكل الجدية الخالية من تَوقُّع الابتسام أنه تغيب عن ذهنه كيف قال الرب المَثَل وقت
أن لم يكن نصاً كتابياً يُقرَأ في الكنائس ويُستَخدَم في عظات المنابر بعد.. واما الصورة التي قالها الرب فحتماً قد دعت السامعين للضحك، ولكنه
اشرف أنواع الضحك الذي هو الضحك على عيوب الذات بدلاً من الضحك على عيوب الآخرين أو
ذلك الهازئ بالسفاهات.. إن الناظر في طريقة تصوير الرب للمعاني يجد حساً فكاهياً عالياً وممتلئ جِدِّيَّة أيضاً بل يثحَبِّب السامع في الجديَّة وفي سماع عيوب نفسه واستقباحها..
والكوميديا الراقية الهادفة هي الوجه الأيمن ذو القناع الضاحك للمسرح..
في مسرح الموعظة على الجبل (مت5-7) يجد المتابع عدة عناصر مسرحية عالية..
اختيار الخلفية التي تساعد على التواصل بما تمد الجالس به من ارتياح بصريّ، واختيار موضع خطاب الرب (ما يقابل خشبة المسرح)
على جبل عالي حتى يتوزّع الصوت على الجميع.. وحتى ترتيب جلوسه جاء بعناية لخدمة النظام،
إذ "لما جلس جاء إليه تلاميذه" (مت5: 1) وتَقَدُّم التلاميذ هو علامة
منظورة للجموع للاستعداد لبدء المحاضرة ليصمتوا فلا تضيع بداية المحاضرة في إسكاتهم..
ثم أداء العظة نفسه الذي كان حتماً بمهارة صوتية تصل لمسامع
خمسة آلاف رجل عدا النساء والأطفال منتشرين في سفح الجبل بعيداً عن موضع صعود الرب..
وأخيراً وأولاً وفوق الكل عنصر التأثير العالي الذي جعل الجموع الجائعة تنسى جوع البطون، وتشبع بالكلام..
طالما توقّفت بالابتسام عند مطالعة مثل الكرّامين
الأردياء مستفكِهاً كيف قاد الرب
خصومه للاندفاع بالشهادة على أنفسهم مأخوذين بقوة حَبك المثل ويقيناً طريقة أدائه..
كان ذلك عندما تقدّم للرب رؤوس الكهنة وشيوخ الشعب (مت21: 23) فقال لهم مثل
الكرّامين الاردياء، وصاغه لهم
حتى إذ سألهم: "متى جاء صاحب الكرم ماذا يفعل بأولئك الكرّامين؟"
(مت21: 40)، فإذا بهم يندفعون في الإجابة بلغة مبالَغ في حنقها على الكرّامين: "أولئك الأردياء يهلكهم
هلاكاً ردياً ويسلِّم الكرم إلى كرّامين آخرين يُعطون الأثمار في أوقاتها" (مت21:
41).. ولا يمكن أن يقولوا هذا كتحدِّ أو لامبالاة أن يكون الكلام عليهم، وإلا ما
كانوا أفاضوا لدرجة الاقتراح بنزع الكرم منهم وتولية آخرين.. كما
أن الإنجيليّ يوضِّح أنهم عرفوا مقصد الرب بعد أن قال صريحاً: "لذلك أقول لكم
إن ملكوت الإله يُنزَع منكم ويُعطَى لأمة تعمل أثماره" (مت21: 43).. هذا
الحبك والإتقان في الأداء يتعدَّى أعلى القمم المنشودة لأي ممثل، لأنه يُنطِق أعتى المتعصّبين بشهادة على أنفسهم، لاسيما وهم يقفون موقف مستعد
سلفاً ومتحفز، ولاسيما وهم خصوم حاسدون.. ولا عُشر هذا التأثير يصل له أبرع الممثلين! وكان هذا مثلاً واحداً
ومثالاً بالتأكيد على طريقة الرب في تقديمه لأمثاله التي لم تخل مادتها قطّ من عنصر
أو أكثر من عناصر التأثير الدرامي التي منها في الصورة والألفاظ وتتابع أحداثها القصيرة..
والىن هي دعوة لكل هواة المسرح الكنسيّ لغعادة قراءة أمثلة
الرب بعين فنية مسرحيّة..
وأما مشهد تلميذَى عمواس
(لو24: 13-32) فهو استثناء عجيب.. وليحاول واحد من
هواة المسرح أن يترجم المشهد للغة الدارجة، ويتخيله مؤدَّىً على المسرح.. ولن يمكن
لأيّ من يتصدى لإخراجه إلا أن يقدمه ممتلئاً بالكوميديا الجادة الطاهرة الممتلئة بقوة
القيامة والحياة وهي تسخر من خوف الموت.. المشهد كله أكثر من بديع دراميّاً يبدأ بإخفاء
الرب لنفسه عن أعين تلميذيه، فيتكلمان هما دون دراية، ويسحب الرب منهم مزيداً من رأيهما
في الصليب وفي خيبة أملهما، وفي عدم تصديقهما مع بقية الرسل لشهادة المريمات، وأخيراً يعطيهما "مفتاح" أن يُلِحّا عليه
بالبقاء معهما غذ يتظاهر بالانطلاق لأبعد.. ولا ينتهي المشهد بدون عنصر درمايّ شائع الاستخدام، إذن يُنَبِّه الرب تلميذيه لحقيقة نفسه
بـ"لزمة" من لوازمه
بكسر الخبز بطريقته..
ثم أخيراً فليصعد المشاهد على مسرح جبل الزيتون (أع 1: 9-12)،
وليَشْخَص إلى مشهد وداع الصعود ويمتلئ بمشاعره: فرح قمة الفرح، وإيمان أقصى الإيمان،
وأسى لا يخلو منه المشهد على مفارقة الرب بالجسد.. هل أروع من هذا صناعة لمشهد مسرحيّ؟
وهل أبدع من هذا اختيار لموقع الأداء حيث أشجار الزيتون طويلة
العمر التي تغذِّي إيمان الناظر بطول أمانة الرب وصدق موعده بالرجوع؟ وحيث الجبل الذي
يتوافق مع صلابة الإيمان التي أودعها الرب تلاميذه والتي
يتطلّبها انتظارهم لعودته؟ ثم في نهاية المشهد يجد الناظر عنصراً لا يمكن للمسرح تقديمه،
ولكن السينيما تقدمه دوماً، وهو عنصر "الانتقال" من مشهد لما بعدهTransition ، ولقد قدمه الرب
بصورة بديعة، إذ "ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم" (أع1: 9)
وهذا أقرب ما يكون إلى وأبدع من "التلاشي" Fadeout.. لَكَمْ تمنيتُ أن أحضر المشهد، وكم قلتُ إن عيد الصعود أقرب الأعياد
لنفسي، ولم أكن أدرك وقتها أن هذا بعمل الشغف بالدراما الذي كان ينتظر وقته ليملك علىّ
فترةً ثمينة من عمري المتواضع..
ولأن الرب هو الشخص المثال الأصل لكل شخص، لاسيما المسيحيّ، فإنه يعتني بالشخص،
وعندما يظهر شخصه فإنه يحسن تشخيصه، وعندما يخلق الشخوص على صورته فإنه يجعل في كيانهم
تأثراً أصيلاً غريزياُ بالتشخيص، حتى يمكنه أن يكلّمهم ويُودٍع بكلامه فيهم الأثر المطلوب،
وحتى من ثَمَّ يكلمون الواحد أخاه بحسب مشيئة الرب فيصنعون معاً كنيسة واحدة متحدة
في جسد واحد بقوة شخص الرب وصورته في أعضائها.. ولذلك كله، وما أخطره، فإن الذي يقوم
بعمل التمثيل فإنما يُظْهٍر على المسرح أخطر الأدوات الإنسانية المستودعة أمانة من
الرب لصورته ومثاله الذي هو الإنسان.. وكلما زادت خطورة الأداة زاد لزوم إتقانها..
فهل تخيّل واحد ممن يهوون التمثيل على المسرح الكنسيّ خصوصاً
(وفي العموم الإنسانيّ أيضاً) خطورة ما يملك وما يصنع؟
ملحق
مُلَخَّص لأصول الإخراج
المسرحيّ
حمّلت هذه الورقة المكثفة خلاصة عشرة كتب وأكثر في فن الإخراج المسرحيّ.. قرأت
هذه الكتب أيام إخراجي لمسرحية "رجاء محبة" في نوفمبر 1995، وباعد الزمن
بيني وبينها كثيراً، ولم يبق في الذاكرة إلا رؤوس العناوين من الكتب والخبرة الشخصية،
وأكثرها بديهيات، ولكن يحسن أن يطالعها من يزمع القيام بعمل إخراج حتى يستحضرها في
ذهنه ولا تغيب قيمتها عن عمله.. وقد استحسنت بعد جمعها في
كتيّب صغير إلحاقها بمقال "تأصيل ثيولوجيّ كتابيّ للدراما" لتوفير
الجهد على الهواة من خدام المسرح الكنسيّ..
أوضاع الوقوف بحسب ترتيب قوتها في لفت النظر
=> وضع
مواجهة الجمهور هو أقوى الأوضاع ويُستَخدَم في المونولوج، وفي أخذ المعنى من الحوار
والاتجاه به للجمهور، كإلقاء محاضرة داخل المسرحية أو فقرة
وعظية.. ولكن
بقدر ما يحدث في هذا الوضع من إسراف بقدر ما يفقد العمل طابعه المسرحيّ..
=> وضع
إعطاء الظهر، وهو وضع شاذ ويساوي في قوته وضع المواجهة، وقد يفوقه قوة لو كان الممثل
المولي ظهره ينفرد بهذا الوضع بين مجموعة.. وأقوى استخداماته هو إعطاء التشويق المطلوب
قبل استدارة الممثل لمواجهجة الجمهور.. وقد يُستَخدَم لسبب
تبرره الأحداث.. ولا يحسن غطالة
وقت استخدامه لما به من استفزاز ومنافاة للذوق الطبيعيّ..
ولا يحسن استخدامه إلا بسبب تبرره الأحداث،
=> الوضع الجانبيّ (بروفايل) هو أقوى الأوضاع درامياً.. ويفيد التصادم بين الشخصين
في الحدث أو بين أفكارهما في المعنى..
=> زاوية
45 درجة هو الوضع المحايد المعتاد والذي يُؤخّذ به لو
لم توجد أسباب واضحة لاختيار وضع قويّ آخر..
=> الجلوس أضعف من كل أوضاع الوقوف..
ويعوّض ضعف وضع الجلوس قوة الحوار الذي يتطلّب جلوس قائليه..
أماكن الوقوف بحسب ترتيب قوتها
ينقسم المسرح في عُرف المشتغلين به إلى تسعة مُربَّعات
بتقسيم ثلاثيّ طولاً وعرضاً.. والاتجاهات تُنسَب لرؤية المشاهد..
=> عرضاً: وسط المسرح على الإطلاق أقوى من أجنابه..
=> عمفاً: أسفل المسرح أقوى من وسطه أقوى من أعلاه (عمقه)..
وعلى ذلك تكون أقوى نقاط المسرح وسط أسفله.. وهي البقعة الأفضل
لإلقاء المونولوجات..
ووسط عرض المسرح (بين اليمين واليسار) يأخذ أكثر قليلاً
من درجة قوة واحدة زيادة بالنسبة لأوضاع القوة الطولية.. فإذا حدثت مفاضلة بين "أسفل
يمين" أو "أسفل يسار" وبين "وسط وسط،"
فإن الأخير الوسط يأخذ أولوية فوق الأول.. أما لو زاد عمق وقفة الممثل فإن "اسفل يمين" و"أسفل يسار" يكونان قوى من "أعلى
وسط" المسرح.. القوة عرضاً وبقي الوضع وسطاً (أعلى وسط)
فإنها تقل قليلاً عن أسف يمين..
الكلام والصمت
بداهةً أن المتكلّم أقوى من الصامت.. ولكن تحدث مفارقة
إذا أخذ الممثل قوة الكلام دون قوة الوضع.. وهذه تكلّف المشاهد
نوعاً من التعب لأن قوة الكلام تشده وضعف الموضع يدفعه، فالأفضل لإراحة المشاهد تناسب
قوة الموضع مع المتكلم لو طال كلامه..
توزيع الحركة
المتحرك أقوى من الواقف.. ومن ثَمَّ فالحركة
كأي أداة قوية الفعالية تحتاج لعناية زائدة في استعمالها حتى لا تنقلب لمضرة زائدة
من التشتيت وإصاية المشاهد بالدوار والتغطية على قوة الكلام
في الحوار..
وتزداد متاعب الحركة في وجود المجموعات.. وتوزيع المجموعات
هو أكبر مشاكل الإخراج المسرحيّ، لأنه مع المجموعات تختفي بعض الشخصيات خلف بعضها،
وهنا تبرز مشكلة التوفيق بين من يظهر ومن يختفي، فإذا لم تمكّن الأحداث من قبول اختفاء
البعض يقع المخرج في مشكلة حقيقية.. هذا بجانب زيادة تعقيد حساب التوفيق بين مواقع
القوة على المسرح وبين أهمية الأدوار.. وليس ثمة قواعد محددة لغدارة الازمة لسبب بسيط هو اختلاف طبيعة مشاكل المجموعات مع اختلاف المشاهد
والروايات..
واعتاد المحترفون في المسرحيات الكبيرة أن يكتبوا
نسخة يسمونها "نسخة الحركة" تحمل مع النَصَّ المكتوب نَصَّاً موازياً به تفاصيل الحركة المتابِعَة..
أنواع الحركة ولمساتها
حركة الممثل على المسرح ليست مثل حركته الطبيعية في الشارع.. لأن المسرح
لا يحاكي الصورة محاكاة عمياء.. ففي الطريق أو المنزل لا
تتابع الواحد كل عيون المحيطين مثلما هو على المسرح.. لذا
يلزم للمثل أن يعتني بأن يضيف إلى حركته ما يلزم من شد الانتباه مع عدم إزعاج ذوق المشاهد..
هذا بصفة عامة مع خصوصية كون الحركة في أصلها تعبّر عن القصد المكتوب في النَصّ..
وبصرف النظر عن المشاهد الخاصة التي بها حركات تحتاج
لمران خاص مثل مشاهد معركة أو مشاهد مبارزة، فإن الحركات المعتادة على المسرح هي:
=> الخروج من المسرح: ينزع بعض الممثلين عند خروجهم للانصراف بخطوة رزينة تميل للتعجّل بدافع
تلقائي من إحساسهم بفراغهم من الأداء.. ولكن وقع هذا على المشاهد منفرة.. لأن الممثل في حركته نحو الخروج يأخذ وضع قوة باعتبار الحركة أقوى
من الوقوف، ويأخذ بقوة حركته أنظار المشاهدين معه، فيشعرون بالملل من اضطرارهم لمتابعة
حركة بلا معنى أو إضافة.. لذلك فإن حركة الخروج يحسن أن تحدث
بالتدريج مع جزء من الكلام.. أو يكون الممثل أقرب ما يمكن قبل انتهاء كلامه من موضغ خروجه بحسب احتمال الرواية.. أو يضيف لكلام كلمة وداع تدعو
لالتفاته قبل الخروج.. كل هذا من عمل المخرج، ويراعيه المؤلف
لو كان ذا خبرة في متطلبات الإخراج.. وأما الممثل نفسه فعليه أن يقطع رتابة خروجه بوقفة
قصيرة قبل الخروج، مع التفاتة خلفية..
=> المَقَصّ: هذا أكثر ما يشغف به المبتدئون.. وهو حركة
تبديل الأماكن بين اثنين من الممثلين.. ويسرفون في استخدامه
لقطع ملل طول الحوار.. ولكنه كأي حركة ينبغي ان يعطي معنى،
لان الحوار أصلاً لا ينبغي له أن يكون مملاً..
=> الوقوف من وضع الجلوس: هذه تشبه
في متطلباتها حركة الخروج من المسرح.. فهي حركة تنقل الممثل
من وضع ضعيف لوضع قويّ.. ومتطلّبات تلطيف هذه الحركة أبسط كثيراً من حركة الخروج بسبب
قصرها الزمنيّ.. فلو وضع الممثل يده على فخذه، ثم مال قليلاً
في جلسته على أحد فخذيه وقام بغير اندفاع لكانت حركة قيام نموذجية بسيطة..
=> تبقى
الحركات الانتقالية المعتادة: وهذه لا يلزمها من عناية إلا الاهتمام العام بطريقة
خطوة الممثل، والتي ينبغي ألا يشوبها عيب ظاهر يفسد الذوق البصريّ في المتابعة.. ولا
تتطلب استقامة المشي إلا تمرين هين وانتباه أثناء الأداء..
وزن المسرح
اختصاص جانب من جانبيّ المسرح بقطع اظهر من الديكور يعطي انطباعاً غير مريح
للمتفرج بأن المسرح يميل نحو الجانب المكدس.. ولوزن المسرح ينبغي مراعاة ذلك في الديكور..
وأيضاً توزيع مجموعات الممثلين على المسرح يلزم أن
تراعي قاعدة وزن المسرح.. فعند اختيار مكان لوقوف مجموعة
(أو فرد) يؤخَذ في الاعتبار توزيع الديكور وتوزيع بقية المجموعات..
تدريب الإلقاء للمسارح فقيرة التجهيز
فن الإلقاء موهبة وقدرة مولودة مع صاحبها في الأصل، ولكن يمكن اكتساب بعض منها
بالمران، والذي به يمكن فوق ذلك معالجة كثير من عيوب مخارج
الألفاظ أصلاً، أو عيوب السرعة الزائدة، أو اللعثمة..
ولكن حتى لو توفرت هذه القدرة، فإن الممثل على المسرح
يحتاج لمزيد من القدرات الصوتية الخاصة، لاسيما لو كان من الهواة على المسارح الصغيرة
غير المجهزة بميكروفونات شخصية.. وهذه القدرات الخاصة في
الإلقاء برع فيها الخطباء قديماً في الملاعب والمحاكم والكنائس فيما بعد..
وفوق الكل، فلدينا في عظات الرب نفسه أمثلة تؤكد أن المتكلم كان يُسمِع عشرات
آلاف الناس الذين يمتدون في جلوسهم إلى بعد كبير بلا شك..
والمطلوب من المُتَمَرِّن أن يوسّع تجويف حلقه بتدريب
حركة لسانه، ويخرجه كمن يدفعه لبعيد بقوة الهواء.. هذا التمرين يعرفه جيداً المغنّون
الشرقيون عندما يتحولون لأداء الألحان الغربية، إذ يدركون فوراً الفارق في طبيعة استخدام
جهاز الفمّ وعناصره، وأنهم ينتقلون من أداء من عمق الأحبال
الصوتية والحنجرة لأداء حلْقيّ بعيد المدى.. وهذه نفس سبب استخدام الطبول للإعلان عن
القدوم من بعيد، ويلمكن بسهولة اختبار أن الطبلة في القريب قد يكون صوتها خفيض نسبياً،
ولكنه مع ذلك يُسمَع في مواضع أبعد من تلك
التي تتوقف عندها أصوات اكثر علواً في أصلها من صوت الطبول..
وهذه ظاهرة معروفة ومشروحة في الفيزيا، فإن تردد الأصوات
الجوفية منخفض، وطولها الموجيّ عالٍ، وفي وسط غازيّ مثل
الهواء فإن الأطوال الموجية العالية تفقد قوّتها بمعدل أبطأ
عبر انتشارها.. والجهاز الصوتيّ عند الإنسان قادر في العموم، وقابل للتكيّف بالتمرين،
على إرسال الصوت الذي يملأ القاعات الكبيرة..
وينبغي على المتمرّن في العموم، وعلى طريقة الإلقاء
السالفة بالأكثر، أن يتعوّد عدم التسرع في ملاحقة المقطع بغيره، حتى في الكلمة الواحدة،
ليسهل تفسير الكلام، خصوصاً لو كان المسرح يحتاج ل.. والمران يحسن
كثيراً من هذه المهارة.. صحيح انه قل العوز لها مع تقدم وتوفر
الأنظمة الصوتية للمسارح، ولكن اقتناء هذه المهارة يجعل المتكلّم حتى مع الميكروفون
أوضح وأكثر تأثيراً..
يبقى عيب واحد يقع فيه الممثلون مثلما يفع فيه المذيعون
والواعظون.. ولكن النسخة الخاصة بالتمثيل من هذا العيب تكون مضحكة بالأكثر.. وأقصد
ماسمونه بالتهوّع.. أي المبالغة
في محاولة إتقان مخارج الألفاظ.. ولأن المذيع والواعظ يكون من طبيعة عملهم التأنق والعناية
باللفظ، بينما الممثل وإن كان يعتني بالضروروة، ولكنه ملتزم
في ذات الوقت بالمحافظة على إقناع الناس انه لا يعتني ولا يمثّل أصلاً.. ولذلك إذا
وقع الممثل في التهوّع كان مضحكاً ومفسداً لعمله.. هذا ما
لم يكن دوره أصلاً يقدذم شخصاً متهوّعاً..
وأخيراً يفضل جداً لو راعى المشرف على المسرح تخفيض تواجد الخشب بقدر إمكانه،
والذي يوجد عادةً في تجليد الحوائط والأعمد، وفي الاثاث مثل الدواليب.. وأما المقاعد فلا تؤثر كثيراً، إذ يخفِّض
تأثيرها جلوس المشاهدين عليها..
إعداد الممثل وبروفا
الترابيزا
في كل ما قرأت من كتب مصرية عن المسرح تكرر اسم ستانيسلافسكي
بكثرة كثيرة، وهذا مرده فيما أتصوّر لكون المسرحيين المصريين من أبناء حقبة عبد الناصر
كانوا تلاميذ لمدرسة موسكو في المسرح.. ومع ستانيسلافسكي
ونظريته تقوم نظريات مضادة أو مكمّلة، لبريخت ومييرهولد
وجورتوفسكي.. ولستُ أشاء أن أكون قاضياً لتفاصيل هذه الخلافات
لاسيما في هكذا كتيّب مُلخَّص.. ويكفي تحديد محور الخلاف، وتلخيص منطق ترجيحي لمنهجي..
إن محور الخلاف الرئيس في نظريات إعداد الممثل يدور أولاً حول وعي الممثل (إلى
أي درجة ينبغي له أن يعي أنه يمثّل)، وبالتالي يدور ثانياً حول طرق تدريبه المثلى للوصول
لقصد صاحب النظرية..
وأنفع ما في كل هذا الصراع هو تقدير ستانيسلافسكي
أن الممثل عليه أن يقتني دوافع الشخصية قبل أن يقلّد ظاهرها.. وان
الدوافع لا يتملّكها الممثل عَرَضاً، أو في برهة فحص محدودة، وإنما ينبغي تربية الممثل
أصلاً وتنشئته بوعي فاهم للمجتمع الذي سيمثّل شخوصه على المسرح..
هذا الفهم يتفق اتفاقاً روحياً وبقوة مع مفهوم الخدمة المسيحية أصلاً.. ويتفق
مع التأصيل الفلسفيّ عندي لمفهوم الدراما بحسب أصلها الكتابيّ (كما سبق الشرح في مقال
"مقدمة للدراما المسيحية").. أن يفهم الممثل دوافع
الشخصية كأن يفهم الخادم دوافع أفعال من يخدمهم كأن يفهم القارئ ما يقوله الكتاب المقدس
عن الأشخاص الذين يعرضهم الكتاب كنماذج للتعليم.. هذا اتفاق مدهش أن يأتي من مخرج مسرحيّ
ولكن ستانيسلافسكي ذهب في مطالبه أبعد كثيراً مما يكفي لعمل مسرحيّة كنسيّة محدودة، بل وحتى ابعد مما يتطلّبه التمثيل عموماً، فكأنه كان يطلب إعداد جاسوس ينتحل شخصيّة، لا ممثل يقدم الشخصيّة في إطار الاتفاق الضمنيّ مع المشاهد أنه عمل تمثيليّ ممتع..على أنه لا تخلو نظريّة تانيسلافسكي من مفارقة، فهو طالما يطلب الوصول للشخصية من جذور منابعها والمثِّرات عليها، فبهذا المذهب ستكون الشخصيّة المملة غير محتملة من المشاهد والشخصية المزعجة ستزعج المشاهد وهكذا، وأفضل مثال أن فن التمثيل لا يوافق الانحصار في هذه النظريّة هو عمل الماكياج.. مثلاً إن كان هناك شخصية قبيحة المنظر فهل يتم تشويه الممثل حتى يؤديها بصدق أم يتدخل عمل الماكياج لتصويره في صورة الشخصية؟ وهل يحتمل المشاهد صورة قبيحة أصيلة ام يكون العمل أنجح بممثل معتاد زاد عليه في ظهوره أدوات ماحياج تفي باتفاق الإيهام الضمنيّ مع المشاهد؟ على هذا القياس فغير نافع ولا مقبول ذلك الإغراق في طبيعة الشخصية موضوع التمثيل على خقيقتها، دون مزجها بأسلوب تقديم تمثيليّ محسوب ومتقن، ويكون أن التباين الطفيف بين الشخصية على حقيقتها وبين تقديم الممثل لها يتلاشاه ذلك الاتفاق الضمنيّ على الإيهام الذي يعيه المشاهد بلا إشكال والذي هو لُب القيمة الإمتاعيّة في الأعمال التمثيليّة التي بدونها يُفقَد ا لتواصل مع المشاهد وتسقط رسالة العمل التمثيليّ لسقوط اتصا له بجمهوره أصلاً!!
نظريّة ستانيسلافسكي كأنما هي دراسة نفسيّة أكاديميّة أو عمل مخابراتيّ يعدّ جاسوساً لانتحال شخصيّة، بدعمها لوجه في عمل الممثل على الآخر.. إن إغراقه في التركيز على تقمّص الشخصيّة موضوع التمثيل يتضارب مع
العنصر الرئيس الآخر في العمل الفني الذي هو تقديمها للمشاهدين في صورة عمل تمثيليّ ممتع..
وإنما مذهبي المتعقِّل أن التمثل مزيج بين عنصرين: عنصر واقعيّة الشخصيّة وعنصر تقديمها في قالب مقبول لدى المشاهد..وهذا لا يخفِّف من عبء الممثل بل يثقله بما يتطلّبه من مزيد الكفاءة حتى يكون قادراً على تمييز العنصر الواقعيّ والعنصر التمثيليّ ويزيد بقدرته على مزجهما المزيج الدقيق كمثل الطبخة المتقنة التي تجمع القيمة الغذائية ولذة المذاق..وغاية مذهبي هذا أن الممثل يتدرّب على النص مع طريقة إلقائه التي يتصوّرها مؤلِّف النص، كوجه أصيل من ذات نصّه، كأنما الإلقاء التمثيليّ جزء من النص المكتوب، ولبس معنى هذا تعسّفاً أن الممثل أو المخرج أو أيّاً من كان من المتداخلين يكون له رأي واقتراح، وإنما القصد أن ما تم الاتفاق عليه في إلقاء النَصّ بما يوافق ضبط مزيج واقغيّة الشخصيّة مع الاداء التمثيليّ لها، ما تم الانتهاء للاتفاق عليه يكون ثابتاً كألفاظ النصّ ذاته..
nbsp;
إذاً ستانيسلافسكي ذهبَ
أبعد كثيراً مما يكفي لعمل مسرحيّة فنية ولاسيما إن كانت كنسيّة محدودة، ويكفينا من رأيه الاتفاق مع مبدئه،
بجانب ما يتمتع به شباب كنائسنا تمتّعاً مشهوداً (يزيد حتى
عن اللزوم) بالانفتاح على المجتمع والتشرّب منه، وأخيراً فإنه يُضاف عادةً لهذه البنية
الأساسيّة من الاستعداد لدي ممثلينا تلك الجلسات المكثّفة التي يقومون بها في مطلع التجهيز لكل مسرحيّة مع المؤلف والمخرج فيما يُسَمَّى
"بروفا الترابيزا"
وهي تلك الجلسة السابقة للبروفات على المسرح.. فيها يجلس
الجميع معاً، ويطرح الممثل تصوره لشخصيته، ويناقشه المؤلف، ويستمع بقية الممثلون ويستفهمون،
لأن شخصياتهم تفهم شيئاً (صحيحاً أو مغلوطاً) عن الشخصيات التي ستتعامل معها في المسرحية..
ولقد جرّبت بنفسي قيمة هذا النوع من البروفات في مسرحية "إستير،" ولمست قيمته الفنية العالية في تأهيل الممثل وجدانيّاً،
حتى انه لو سرح في فقرة وفات منه ما ذكرته عن "النص المصاحب،" فإن نبرته
تخرج صحيحة تلقائياً لاقتنائه دوافع الشخصية..
وخبرتي الشخصية المتواضعة تفيد بكفاية بروفا الترابيزا مع نظرية "النص المصاحب" في ضمان تقديم عمل
يرسخ في ذهن القائمين به قبل المشاهدين.. لأنني إذ لم تتوفر
لي بروفات ترابيزا هادئة في رجاء فقد عانيت من متاعب جمّة
في إدارة بروفات الخشبة.. وأما مع "إستير" فكلما
تذكرتها قفزت في المقدمة ذكريات الترابيزا قبل غيرها من
الذكريات، حتى قبل تلك الذكريات الأثيرة التي ارتبطت بيوم العرض نفسه، وليس أدلّ من
هذه الخبرة العمليّة على خطورة أثر بروفا الترابيزا..