لقاء مع يسوع

 

لماذا تبكين؟

 كُتِبَ خصيصاً تلبيةً لطلب من مجلة رسالة الشباب الكنسيّ،

ونُشِرَ فيها أولاً ضمن سلسلة لقاء مع يسوع

     وطَلَبَت السلسلة وأعادت نشر بعض مقالاتها مجلة:
'St. Mark church, D. C.' Bulletin


غلاف عدد 'رسالة الشباب الكنسيّ' المنشور فيه "الِّلقاء"


صورة "اللِّقاء" بالمجلة                             الصفحة الثالثة "للِّقاء"


صورة المَقال بمجلة       'St. Mark D. C. Church' Bulletin

تقديم "للِّقاء" على صفحة    Christopher Mark on FB


 

 

     marym1.jpg

 

يسوع : يا امرأة لماذا تبكين؟ من تطلبين؟

مريم :  يا سيد إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه

يسوع :  يا مريم

مريم :  ربونى

 

لا أظنني بحاجة لتقديم نفسي..

فالحوار القصير الذي قرأته هو أشهر حوار في أشهر لقاء لإنسان مع الرب يسوع..

إنه أنا مريم المجدلية أول إنسان التقى مع الرب بعد قيامته..

لم يجل بخاطري أبدا وأنا ذاهبة للقبر أنى سألقى الرب قائما..

قد تحكم على بعدم الإيمان وتسألني:

ألا تتذكرين أن الرب قد سيق فأنبأ بصلبه وقيامته؟

لا أنكر ضعف إيماني آنئذ،

ولكن ما رأيك أن ضعف إيماني هذا قد استخدمه الرب لإثبات

قيامته..

لقد قال "رينان" أحد الفلاسفة غير المؤمنين أن خيالات امرأة متشنجة - يقصدني -

قدمت للعالم إلها قائما من الأموات..

وأنا أقدم لهذا الفيلسوف ضعف إيماني بالقيامة دليلا على بطلان إدعائه..

فمن أين تأتيني "خيالات" القيامة وأنا ظللت أطلب بدموع جسدا ميتا لتكفينه

وتضميخه بحنوط الموتى؟.. فضلا عن براهين عديدة عن قيامة الرب..

 

ولكن هذا ليس موضوعي.. لا علينا من حديث عدم الإيمان هذا..

فحديثي إليك اليوم ليس حتى حديث إيمان بل حديث عيان..

وإن كان إيماني بالقيامة غائبا فلقد كان لدى ما هو أعظم من الإيمان..

كان لدى المحبة القوية كالموت.. المحبة التي لم يقف أمامها:

ظلام الهزيع الأخير من الليل.. ولا برودة الفجر..

ولا وعورة الطريق.. لا أخطار لصوص..

ولا تحرش واضطهاد من اليهود.. ولا أختام الدولة الرومانية..

بل ولا حتى الحجر الضخم الذي لم نكن نعرف كيف نحركه أنا ورفيقاتي

ومن صحبنا من الرجال الذين دفعتهم شهامتهم لمصاحبتنا في الرحلة الخالدة..

 

أن عدم قدرتنا على تحريك الحجر الضخم لا يكفى للتغلب على محبتنا

التي كان لها منطق واحد فقط:

أن الرب قد دفن دون أن نقوم بواجب تطييب جسده ووضع الحنوط عليه كما ينبغي..

ألم يقم يوسف الرامي بالواجب ؟ أن هذا سؤال من يستعفى وليس من يحبّ..                               

وهكذا خرجت والظلام باق لأقود موكب المحبة نحو القبر..

 

لن أطيل عليك بسرد قصة تعرف تفاصيلها جيدا..

كنت قد سبقت مع النساء إلى القبر وإذا الحجر قد دحرج والقبر فارغ

ورجلان بمنظر ملائكة يخبراننا بأن الرب قد قام..

عدنا لاهثات ولم نلتفت لأحد في الطريق رغما عن العيون التي لاحقتنا،                                                               

إذ كان باديا علينا أننا متحيرات وخائفات..

وصلنا للعليّة حيث كان التلاميذ مختبئون،

وأخبرناهم أن القبر فارغ وأن الرجلين قالا هكذا..

لم يصدقوننا فالخبر عجيب عجيب وغير متوقع..

 

ولكن إلحاحنا وما نحن فيه من حيرة وخوف شجعتا بطرس ويوحنا على المغامرة..

ركض بطرس ويوحنا إلى القبر.. وركضت أنا الأخرى خلفهما بقدر ما تسعفني قدماي، 1

وأنا أفكر متحيرة وجزعة.. لم أكن أصدق ما سمعت..

كل ما أعرفه أن جسد الرب قد اختفى..

 وكل ما أفكر فيه هو أن أجده وأسكب عليه طيبي..

لو كان قد قام حقا لكان قد انتظرني بنفسه عند القبر.. هكذا فكرت..

إن رؤية ملائكة لا تشبعني ولا تصرفني عن البحث عن جسد سيدي..

ولو أوهمت نفسي بصحة الخبر الذي سمعته لجلست في بيتي دون أن أفعل شيئا..

 

وصلت إلى القبر وقد خارت قواي تماما بعد ثلاث رحلات شاقة..

كان يمكنني احتمال هذا المجهود في وجود الرب..

ولكن بعد أحداث الصليب المفجعة ثم كارثة اختفاء الجسد فقد انهارت مقاومتي تماما

ولم تقو قدماي على حملي.. فانحنيت بأسى ويأس نحو القبر وألقيت نظرة متحسرة

حيث كان جسد سيدي موضوعا والدموع تملأ عيناي..

لم يكن القبر فارغا هذه المرة لأنني نظرت به رجلين مرة أخرى ..

من هما؟ ومن أين جاءا؟..

 هذه ليست قضيتي..

فعندما لا أجد جسد سيدي لا يعنيني أحد حتى ولو كان ملاكا..

سألاني:

يا امرأة لماذا تبكين؟

ربما يعلمان شيئا.. وقد يشفقان على بكائي ويدلانني.. فقلت بتوسل:

إنهم أخذوا جسد سيدي ولست أعلم أين وضعوه..

ولكن تبدد أملى سريعا.. إذ لم يبد أنهما يعرفان شيئا..

لقد أرادا مواساتي فقط لما رأيا بكائي الحار.. ولكن هيهات من المواساة..

فلن يمسح دموعي إلا أن أجد جسد سيدي وأسكب عليه طيبي..

 

marym1.jpg

 

 

 

أشحت بوجهي يأسا عنهما والتفتُّ للوراء..

ما الذي دفعني لهذه الالتفاتة؟ يأسا منهما؟

هروبا من رؤية القبر الفارغ من جسد السيد؟

أحسب الآن أن مغناطيس محبتي هوالذي جذب عيناي بعيدا عن القبر..

القبر الفارغ.. ففي القبور يدفن الموتى.. أما عيناي فقد التفتتا بعيدا وتلقاءً

نحو القيامة والحياة لتنظرا الحيّ إلى أبد الآبدين..

تبيّنت عند التفاتي وجود رجل واقف خلفي بقامته المديدة..

 

MagdaleneTomb1.jpg

 

لم أتبينه جيدا فقد كنت مطرقة الرأس وكانت دموعي تملأ عيناي..

بادرني بالسؤال:

يا امرأة لماذا تبكين؟

تكرر هذا السؤال كثيرا حتى كرهت سماعه..

أنا لا أحتاج لمن يواسيني.. أحتاج لمن يدلني..

ولكن الرجل أكمل بلهجة ذات سلطان وثقة واضحين:

من تطلبين ؟

لا يسأل هذا السؤال إلا ذو صفة في المكان.. ربما كان البستاني المسئول..

خشيت للحظة أن يطلب منى مغادرة المكان،

وهذا لن يكون حتى أجد جسد سيدي أو أدفن في قبره..

ولكن حنانا مشجعا في صوته شجعني على سؤاله وقد تجدد بداخلي الأمل:

يا سيد إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه..

إذا كان هو البستاني حقّا فلا شك أنه هو الذي أخذه، أو على الأقل يعلم من أخذه وأين ذهب به..

وأنا لم أغال في طلبي لكي أسهّل عليه أن يجيبني.. فلم أطلب أن يذهب معي أو يحمله..

وانتظرت إجابته بكل ما أملك من قدرة على التوسل..

ولكن هل حقا ما سمعت؟ إنها كلمة واحدة أجابني بها.. فقط اسمي..

مريم.. 

وعندها عرفته.. إنه هو هو..

 

كيف قالها؟ وبأي لهجة؟ نداء؟ معاتبة على عدم معرفتي لشخصه؟

لا أدرى.. إنما أدرى شيئا واحدا.. إنه هو..

ألم يقل من قبل أن الراعي يدعو خرافه الخاصة بأسماء و الخراف تتبعه لأنها تعرف صوته..

وأنا عرفت صوته عندما دعاني باسمي..

أجبت أنا أيضا بكلمة واحدة:

ربونى.. يا معلم..

وأرجو أن تلاحظ الكلمة هنا ..

إنها "ربونى" وليست "راباى" التي اعتدنا أن نخاطب الرب بها،

والتي كنت أستخدمها أنا نفسي قبل لحظات..

أما "ربونى" فهي الكلمة التي اختصت بداية بالله فقط ثم استمرأ اليهود استخدامها

لتكريم رؤساء الكهنة وكبار المعلمين..

ولكن أي كلمات يمكن أن تصف يسوع الحبيب القائم من الأموات؟؟؟!!!

أنه وحده هو الراباي والربوني والرب والإله..

والآن ضع نفسك مكاني..

امرأة ملتاعة تطلب جسد سيدها ميتا فإذا بها تجده حيا أمامها..

امرأة لم يقف أمام محبتها شئ طلبا لجسده الميت..

فكيف بهذه المرأة الملتاعة أذا وجدته حيا أمامها على بعد خطوات ودون أي عائق..

ماذا تتوقعها أن تفعل ؟ أتفعل أقل مما فعلت شُولَمِّيث عروس النشيد

التي قالت عندما وجدت عريسها:

"أمسكته ولم أرخه"..

 

Magdalenatouch.jpg

 

هممت بالهجوم على الرب والبكاء عند قدميه لأخرج عندهما كل انفعالاتي

وأمسح فيهما دموعي.. هممت أيضا بالتشبث به حتى لا يتحرك

فمن يدرينى أنه لن يختفي ثانية؟ لقد تذكرت كلامه الآن..

ألم يكن يقول أنه إلى الآب يمضى؟

فهل أتركه يصعد هكذا سريعا دون قبل أن أجلس معه

وأنال كل ما أحتاجه من العزاء عما مر بي ؟ وأسأله عن كل ما أريد فهمه ؟

هكذا اندفعت نحوه أهم بالتشبث به دون أن أسأل نفسي إن كان هذا لائقا أم لا..

ولكنه أوقف اندفاعي بصوته ذي السلطان الوديع:

لا تلمسيني..

 

قد تطلب منى تفسيرا لهذه الكلمة التي أعيت المفسرين أكثر من 1900 سنة

منذ كتب يوحنا إنجيله.. أخشى أن أخيّب رجاءك..

فبالنسبة لي فقد قال لي سيدي لا تلمسيني وكفى، ولا أملك إلا الخضوع..

ولكن الرب أدرك مخاوفي بشأن صعوده فأردف مطمئنا و مهدئا من روعي:

لأني لم أصعد بعد إلى أبى ..

وكلّفني برسالتي الخالدة إلى التلاميذ :

إني أصعد إلى أبى وأبيكم وإلهي وإلهكم ..

 

عدت مسرعة لأخبر التلاميذ برسالة الرب لهم،

وقريبا جدا من القبر وجدت مريم أم يعقوب وخالة الرب قادمة..

لم أدر أن كانت قد شاهدت ما شاهدت أنا..

ولكن فيما نحن في الطريق نراجع ما حدث وما شاهدته كل منا

ظهر الرب لنا في الطريق وكنت قد هدأت وجفّت دموعي،

فسمح لنا بالاقتراب منه كما يليق فأمسكنا قدميه وسجدنا له..

 

والآن أيها الحبيب لي كلمة معك .. لقد كرز الملائكة لى ولرفيقاتي بالقيامة ..

وكرزنا نحن بها للرسل.. وكرز الرسل بها للعالم..

وأنت.. ألا تشتاق لأداء دورك في الكرازة بالقيامة؟ ما أروعها كرازة..

 

 

P. Eng. Basil Lamie
Cairo, 1999



Site Gate         Main Table of Contents         Interview with Jesus         Guest Book