نوفمبر
1999 – عدد 143
يسوع: هو ذا إسرائيلي
حقا لا غش فيه..
نثنائيل: من أين تعرفني؟
يسوع: قبل أن دعاك فيلبس
وأنت تحت التينة رأيتك..
نثنائيل: يا معلم أنت
ابن الـله.. أنت ملك إسرائيل..
هل تحب أن تعرف قصة هذا الحوار القصير
جداً
و الذي بدأ من جانبي بسخرية وخشونة
وسرعان ما انتهى بخشوع وخضوع وإيمان؟
إذا أردت أن تعرف قصة لقائي مع الرب يسوع
حيث دار هذا الحوار الخالد فأدعوك لتقرأ
قصتي من البداية..
اسمي نثنائيل ومعناه "عطية
الله".. وكعادة زماننا فقد كان لي لقب هو "برثلماوس"..
كان عمري يقارب الثلاثين عاما عند ظهوري
على صفحات الكتاب المقدس..
أبرز صفاتي هي الغيرة الدينية والوطنية.. اهتمامي المشترك مع
أصدقائي
الذين أدقق جداً في اختيارهم هو التفتيش
في الكتب المقدسة والحديث الذي
لا ينقطع عن رجائنا الواحد في ظهور
المسيَّا الذي سيخلص الشعب..
أقرب أصدقائي لقلبي وأكثرهم اشتراكاً معي
في اهتماماتي المقدسة
هو فيلبس الذي سيكون له شأن في القصة..
دعني أحدثك عنه قليلاً..
هو متدين بحق وغيور ولكن ينقصه ما أتمتع
به أنا من تدقيق..
طيب القلب جدا ومنكر لذاته.. صاحب صاحبه
كما يقال ويحب الخير للجميع..
و لكن للأسف يسهل التأثير عليه وخداعه..
هذا هو صديقي فيلبس أو إن شئت الدقة هذا
كان رأيى فيه
قبل لقائي مع بسوع..
آه.. نسيت قصة مهمة..
سراً لا يعرفه أجد إلا ثلاثة فقط:
أنا وأُمِّي والرب الإله المطَّلع على كل
الأسرار..
سأقصها عليك فهي لم تعد سرا بعد لقائي مع
يسوع..
حدث عند مولدي أن هيرودس الملك أصدر أمراً
بقتل كل الأطفال الذكور من سن العامين
فأصغر..
و كان أمراً ملكيا واجب النفاذ لم ينج منه
إلا القليلين
الذين شاءت العناية الإلهية أن تحفظهم
لحكمة ما..
و كنت أنا أحد هؤلاء إذ خبأتني أمي تحت
أوراق شجرة تين..
و ظلت ترقبني من بعيد وهى تضع يدها على
قلبها
حتى لا يسمع خفقاته الجنود العتاة الذين
يقطعون الطريق
بحثا عن أمثالي من رضعان بيت لحم
وتخومها..
المهم أنني أُنقِذْت من هذه المذبحة
بمعجزة
و ربما لهذا كان اسمي "عطية
الله"..
و اعتادت أمي أن تحكي لي هذه القصة منذ صباي
و اعتدت أنا أن أتأمل في عناية الله تحت
شجرة التين..
و رسخ بداخلي إيمان أن لي رسالة عظيمة
الشأن في الحياة
حفظني الـرب لأقوم بها..
و صرت من ثم أزداد في الغيرة والتدقيق..
أعود لصديقي فيلبس..
أتاني ذات يوم ملهوفا ليزف لي الخبر الذي
لا خبر بعده..
وجدنا الذي كتبَ عنه موسى.. يسوع الذي من
الناصرة..
آه.. يا للخيبة والإحباط..
فما أكثر الذين يدعون أنهم المسيح هذه
الأيام مستغلين الحالة المتردية روحيا وماديا للشعب..
وجميعهم سُرَّاق ولصوص..
إذن فلدينا مُضِلّ جديد من الناصرة..
الناصرة؟!!.. المدينة الشريرة المجاورة
للسامرة؟
و التي يعنى اسمها "المنقطعة"
نظراُ لشر أهلها وتجنب واحتقار الناس لهم؟
ناصرة الجليل حيث لم يخرج من هذا الجليل
الذي صار مرتعا للأمم أي نبي من قبل؟
ثم أن المسيح ينبغي أن يخرج من اليهودية
ومن بيت لحم تحديدا كقول النبي ميخا..
ألم أقل أن صديقي طيب القلب وسهل التأثير
عليه..
أجبت صديقي فيلبس بإحباط وسخرية مريرة :
مجرد شئ صالح وليس المسيح نفسه!
تعال وانظر..
بكلمتين فقط ملؤهما الرجاء والثقة أجابني
صديقي
و هو يظن أنه يقدم لي هدية ثمينة..
على كل حال فإن منطقه بسيط وقوى.. تعال
وانظر وأحكم بنفسك..
و هكذا قررت أن أذهب ليس فقط انصياعاً
لمنطق فيلبس
و لكن لكي أكشف تضليل ذاك المدعى وأخلص
الناس من خداعه..
و هكذا ذهبت إلى حيث دلني فيلبس على مكان
لقائه..
و في الطريق كنت أفكر في أي شخص يمكن أن
يكون يسوع ابن يوسف
حتى يتسلط هكذا ببساطة على فيلبس وغيره؟
لابد أن يكون ذا فراسة وسرعة بديهة ومعرفة
عميقة بالكتب المقدسة..
و لكن مهما بلقت مهارته في خداع الآخرين
فما ينطلي على فيلبس وأصدقائه
لا ينطلي على نثنائيل..
أخيراً ها هو..
لابد أن يكون هو المُلتَفّ حوله فيلبس
ورجال آخرون أعرف بعضهم نوعا ما..
إن اغلبهم فيما أذكر من صيادي بحيرة طبرية
أي من العامة كسالى الذهن وعديمي
الاكتراث بالعلم..
ليس غريباً إذن أن يسهل خداعهم..
لقد أتى نثنائيل بكل ما حباه الرب به من
علم وتدقيق وغيرة
ليخلص هؤلاء المخدوعين البسطاء..
بادرني يسوع وأنا مقبل من بعيد بصوت لا
أنكر أنه في منتهى الحنو
وبه نبرة مرح ظاهرة مكلما أصدقائه عنى:
هو ذا إسرائيلي حقا لا غش فيه..
أجبته بخشونة واستفزاز :
و بدأت أتحفز له.. فها هو قد بدأ لعبته
مبكراً..
يريد أن يوحي لي بأنه يعرفني دون أن
يراني..
ولكن حيلته مكشوفة..
فلابد أنه استدرج فيلبس ليحكى له كل ما
يعرفه عنى..
وبالتأكيد فقد أخبره عن اعتزازي بإسرائيليتي وتدقيقي الزائد في
هذا الشأن..
و توقعت أن يستمر في لعبته ليقول لي
بابتسامة غامضة :
آه.. إنني أعرف أشياء كثيرة يا عزيزي..
و أعددت نفسي لأرد عليه بأكثر خشونة:
تعرف أشياء كثيرة؟ أم تعرف فقط ما قاله لك
عنى فيلبس؟
و فيما أنا أجهز نفسي للرد توقف بداخلي كل
شئ عن العمل..
أتسألني لماذا؟ إذن فاسمع معي ما سمعت..
لقد سمعت نفس الصوت المملوء حناناً ومرحاً
بقول:
قبل أن دعاك فيلبس وأنت تحت التينة
رأيتك..
و تحولت إجابته القصيرة إلى عظة طويلة
بقلبي..
و صوته الرقيق إلى صوت مياه كثيرة
تغسلني..
لا يا حبيبي نثنائيل.. لا أحتاج فيلبس
لأعرف عنك أي شئ..
فأنا أعرف ما لا يعرفه أحد عنك.. أنا
رأيتك تحت التينة حيث لم يرك جنود هيرودس
فورق التين قد يحجبك عن الجنود ولكن لا
يحجبك عن عيناي اللتين تخترقان أستار الظلام..
بل أنا الذي وضعت يدي على فمك حتى لا تصيح
مثلما يفعل الرضعان وتكشف عن وجودك..
أنا خبأتك وحفظتك لأنني أردت أن ألتقي بك
بعد ثلاثين عام عندما تكون قد أصبحت رجلاً كاملاً
غيورا مهيئا لحمل رسالتي للعالم..
انفكت فجأة عقدة لساني لأهتف بما لا ينطقه
يهودي عادي لا حتى تقي إلا إذا انفتحت أمامه أبواب السماء:
يا معلم أنت ابن الـله.. أنت ملك
إسرائيل..
و شعرت أن كل دراستي وكل عبادتي وكل رجائي
المختزن طوال ثلاثين عاما
كل هذا يتلخص في العبارة التي هتفت بها..
شعر يسوع بما أنا فيه من انبهار و خوف و كيان مزلزل
فأراد تهدءتى و قال بصوته اللطيف :
هل آمنت لأني قلت لك قد رأيتك تحت التينة ؟
ثم أردف مداعبا :
سوف ترى أعظم من هذا ..
ثم أكمل :
من الآن ترون السماء مفتوحة و ملائكة الله يصعدون و ينزلون
على إبن الإنسان ..
التفتُ في عبارته الأخيرة لكلمتين :
لفت نظري قوله عن نفسه "ابن الإنسان"..
لقد قلت أنا له "أنت ابن الله" فأكمل لي
إيماني بقوله عن نفسه "ابن الإنسان"
ليعلمني الدرس الأول في التجسد الإلهي
..
وكان هذا الدرس هو البداية لدروس كثيرة مبهرة
..
لقد علمنا يسوع كل ما هو مختص به في الكتب المقدسة
ولاسيما بعد قيامته وقبل صعوده ..
لفت نظري أيضا أنه قال
"سوف ترون" .. لقد قال "ترون" بعد أن كان يقول
"ترى"..
إذن فقد صرت واحدا من هؤلاء الذين سخرت
منهم قبلاً..
صرت واحدا من تلاميذ إبن الله.. يالقلبه
الواسع..
و عندما شكل الرب أخطر وأنجح فريق عمل ظهر
في التاريخ
لتسمع كل الأرض منطقه وتبلغ أقواله كل
أقطار المسكونة
كنت أنا المعاند قبلا أحد هؤلاء الاثنى
عشر..
و إذا قارنت يوحنا1 ومتى10 ومرقس3 ولوقا 6
ويوحنا21
لعرفتَ أن يسوع صنع من فيلبس ومني ثنائياً
جديداً..
فبدلاً من أن نبحث عن المسيَّا معاً كما
اعتدنا في الماضي
فقد صرنا نطوف العالم لنبشِّر الناس به..
عندما دعانى فيلبس قال لي:
وجدنا الذي كتب عنه موسى..
قال "وجدنا" ولم يقل
"وجدت".. إذ أراد أن يشركني معه في اكتشافه..
أراد أن يبشرني أن يسوع لنا جميعا.. وأن
الجميع مدعوون للقائه..
و الآن فأنا لا أملك إلا أن أدعوك دعوة
فيلبس لي..
فأقول :
وجدنا المسيَّا.. يسوع الذي من فوق..
تعال وانظر..
وابدأ معه لقاء لا ينتهي........