تأملات عبر رحلة الخلاصالثلاثاء - لم يجد شيئاً إلا ورقاً
وَفِي الصُّبْحِ إِذْ كَانَ رَاجِعاً إِلَى الْمَدِينَةِ جَاعَ فَنَظَرَ شَجَرَةَ تِينٍ عَلَى الطَّرِيقِ وَجَاءَ إِلَيْهَا فَلَمْ يَجِدْ فِيهَا شَيْئاً إِلاَّ وَرَقاً فَقَطْ. فَقَالَ لَهَا: «لاَ يَكُنْ مِنْكِ ثَمَرٌ بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ». فَيَبِسَتِ التِّينَةُ فِي الْحَالِ
(متَّى 21: 18-19)
وَفِي الْغَدِ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ بَيْتِ عَنْيَا جَاعَ فَنَظَرَ شَجَرَةَ تِينٍ مِنْ بَعِيدٍ عَلَيْهَا وَرَقٌ وَجَاءَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا شَيْئاً. فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهَا لَمْ يَجِدْ شَيْئاً إلاَّ وَرَقاً لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ التِّينِ. فَقَالَ يَسُوعُ لَهَا: «لاَ يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْكِ ثَمَراً بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ
(مرقس 11: 12-14)
موضع ورق التين هو عن الشكل الكاذب
المُتلِف
لا أظنّ قارئاً للكتاب المقدَّس لا يتذكَّر مع مشهد الشجرة واتقراب يسوع منها مشهد اقتراب الرب من آدم حين تغطَّى بورق التنين كما تغطَّت تلك الشجرة أيضاً
ذات الورق قد أورق قديماً ليصنع شكلاً أيضاً ليطلب ىدم وحواء التغطّي به..
ورق التين هو أول شكل كاذب قد ظهر!
الشكل مستور والمضمون عريان :(
الورقة تحمل قيمة ماليّة والرصيد مكشوف والحساب مَدين،
الكفارة (تغطية) تعمل والمغفرة غائبة،
المفرش موضوع والمنضدة قبيحة،
الورق ظاهر والثمر غائب :(((
لم يلعن الرب آدم لأنه كان موضوع بركته، ولأنه كان حديث خبرة بالعري،
ولكنه يعود في ملء الزمان ليفتقد ورق التين،
والآن يلعنه!
لُعِنَت التينة يوم اثنين الأسبوع المُقَدَّس صباحاً قبل تطهير الهيكل (مرقس 11 : 12-17)،
(الأرجح أن وَضْع متَّى لتطهير الهيكل بمجرد دخول الرب فيه (متى 21 : 12-19) في أول يوم هو ترتيب موضوعيّ وليس زمنيّاً)
كأنما الرب يضعها سابقةً ومثالاً للشكليّات الغشّاشة التي استوطنتها قاذورات دخيلة في بيته،
والتي هو في طريقه للتوّ لإخراجها خارجاً!
مع نصّ الإنجيلينٍ تامليّااً، فالتينة:
يبست في الحال = ذبل ورقها، وزال شكلها
يبست من الأصول = انقطع رجاؤها في الثمر
ضُرِبَت التينة: الورق مع الثمر جميعاً!
(هذه هي وظيفة الكلمات وقصدها في نقل المعنى، وهكذا تعمل اللغة
أما الحَرفيّون القلقون من مظنّة التضارب، فالحرف هنا يقتل ظنونهم غذا انتبهوا له كما يليق بحرفيّين :)
لأن كلمة "حالاً" لا تفيد الحال اللحظيّ، وإنما عدم الإبطاء،
ومثال على ذلك (أعمال الرسل 16 : 33): عندما اخذ حارس السجن بولس وسيلا لبيته في الليل واعتمد هو واهل بيته في الحال، وبديهيّ ان المعموديّة احتاجت لجلسة وكرازة
وبديهيّ ان المعموديّة احتاجت لجمع أهل البيت ورواية ما حدث لهم وجلسة كرازة من جانب بولس، شرطاً ان يكون اهل البيت في يقظتهم الكاملة، فلا يبقى من قصد كلمة "في الحال" إلا الإفادة بعدم التأجيل والانتظار بغير سبب، وليس إلى فوريّة إتمام العمل..
وبذات المعنى فإن تيبُّس تينة مُورِقة جداً في مجرَّد يومٍ واحد هو بلا شك قد حدث "حالاً"
ويرى البعض أن مرقس لم يعيّن أن التيبّس قد حدث في اليوم التالي،
وإنما أشار إلى حديث التلاميذ في اليوم التالي بعد إمعانهم النظر في التينة..
وليس عجيباً أن معجزة مذهلة كهذه تسترعي حديث من شاهدوها معاً كُلَّما مَرُّوا بها..
العجيب هو التعجّب من ذلك ،
كل هذا صحيح في حدود نص الجملة المقصودة، على أنه بمزيد من مراعاة النصّ فإن إنجيل مرقس في بناء روايته يفيد بعدم مشاهدة التيبّس في نفس اليوم،
بل في إشارته: "وكان تلاميذه يسمعون" (مرقس 11 : 14) يُظهِر أنه يصف حدثاً سيعود للبناء على ما توقّف عنده في جولته الأولى
عندما يربط ما سمعه التلاميذ بما تحقّقوا منه في اليوم التالي،
فمن كل الوجوه قد تيبّست التينة حالاً وحتى الأصول، والتلاميذ سمعوا ورأوا وعادوا ليتحقّقوا في اليوم التالي من ثبات الأمر
فوجدوا ما سمعوه أمساً (سواء قد رأوا بوادره أم لم يَروا، قد تحقّق تمام التحقّق حتى الأصول..
ولم يُخالِف إنجيل إنجيلاً آخر في ذلك،
ولكن حتى يهدأ الحرفيّون أصير حرفيّاً لهم
فأتبنّى ترجيح هذا الترتيب الذي يجد المكان الثابت بين "حروف" الرواية بلا أدنى إشكال في نصوص الإنجيلَين:
لقد لعن الرب التينة وسمع التلاميذ،
وفي اليوم التالي تذكَّر بطرس وقال للرب عن التينة..
فأما مرقس فقد سجّل حَرْفيّة ترتيب الأحداث، وأما متَّى فقد وَصَل أمر الرب بتحقّقه فمتّبِعاً ترتيباً موضوعيّاً،
وتاركاً لنا كلمة "حالاً" التي تستقيم حرفيّاً مع تيبّس الشجرة في ظرف يوم واحد، كما تزيد فتوُحِي للقارئ بالتأمل في ارتباط الفوريّة ببدء ظهور الذبول على الورق
من حيث أن الأمر يُرَى أولاً في ظاهره الخارجيّ!)
لم يكن وقتُ التين (مرقس 11 : 13) فليس عجيباً أن التينة لم يكن بها ثمر،
ولكنّه لم يكن وقت كثافة الورق، فلماذا أورَقَت هكذا؟
بل وأورقت ورقاً كبيراً غطّاها حتى أنه رُئِي من بعيد(مرقس 11 : 13)!
التين به مثال عظيم من حيث أنّ ورقه ينمو بعد ثمره،
كأنما يقدِّم لمن يريد ان يتعلَّم من الطبيعة عينها مثالاً لخط عمل النعمة باتّباع الخارج للداخل
اثمر في قلبك فالخارج يصير لك مُورِقاً أيضاً
ثم أن بقاء الورق بغير تقليم يضرّ بالشجرة الصالحة، بمنع النور عن الثمر، فما بال الشجرة التي ظهر عليها علامة تلف في تلك السنة؟ وكان حريّاً تقليمها بالأكثر
الرب وجد في هذه الظاهرة المألوفة في الطبيعة للشجر المورِق على غير الوجه النافع مثالاً يعلِّم به.. فطلب أن يأكل منها ليُرِي تلاميذه
ولم يجد فيها شيئاً.. ولا حتى ثمار مبكِّرة..
كانت فاسدة في تلك السنة..
وكان يمكن أن يتركها هذه السنة أيضاً،
ولكنها كانت تُخبِّئ عوارها بورق كثيف،
وهذه هي النقطة كلّها
هذه مجلبة اللعنة السريعة..
اللعنة قد تتمهّل لتفسح مجالاً للنعمة سنة واثنتين حتى الثالثة،
ولكنها تأتي "حالاً" لذوي الأوراق الكاذبة
هذه التينة الكاذبة الكسول
وجدت فى لعنة الرب عذراً لنفسها لكى لا تعطى ثمراً بعدها
وكان الحريّ بها أن تذكر من أين تيبَّست، من أي كرامة وحلاوة وفضل كانت عليهم،
فتتوب..
ولكنها كأنما استسهلت وتحالفت مع اللعنة على نفسها وأفسحت للتيبّس سريعاً
إنه الشكل المُهلِك
المتواطئ مع الحرف القاتل
الشكل في أصله مُقَدَّس والحرف والنقطة لا يسقطان من كلام الرب
ولكن نفس الشكل ونفس الحرف عندما ينقلبان لدى الغبيّ إلى خلايا سرطانيّة،
فيبدأ الشكل في التهام المضمون، الذي هو (الشكل) نفسه قد جُعِل ليُظهره ويخدمه
ويظلّ الحرف يُطفِئ الروح، بينما هنو (الحرف) كان خادماً للروح وحاملاً لمعناه
وهكذا كان ورق التينة في هذا التمثيل الذي أظهره الرب:
ورق يخرج ليدعو الناس للفرح بالتينة ويبشّرهم بثمرها،
ولكن عندما تكون بشارة كاذبة فإنها تقلب فرح الناس بالتينة لإحباط وغضب،
لأنها كلّفتهم عناء السير وعناء التفتيش على ثمر، قبل أن تنزع منهم استبشارهم،
وألا تبشِّر خير من أن تبشِّر بشارة كاذبة!
ثم هو يعوَّق نمو الثمر طالما لم يُقَلَّم أو يتساقط من نفسه في وقت تقليمه،
إن الشكل الكاذب هو عدوّ لذات صاحبه قبل أن يكون خادعاً مؤذياً للناس..
هو أعرض لمرض تضخمّ لا علامة صحةّ..
ولكن يبقى له مدافعون من المتغطِّين بأوراق التين، بل ومن آكليها، يتَّهمون من يراجع الشكل الورقيّ بالعداوة للقداسة
قال الرب:
"كان ينبغي ان تفعلوا هذه ولا تتركوا تِلك" (متى 23 : 23..
فنقول يقيناً بالإجماع إن الشكل مقدَّس،
ولكن:
انتبهوا هنا لموطن الآفة:
الشكل مقدس ليس من ذاته ولا لِذاتِه، ولكن لانه انعكاس لرصيد المضمون أو كما يُقال اصطلاحاً "الجوهر"..
فعندما يُقدِّس واحد الشكل لمجرَّد الشكل، فكأنه ينتظر من الورق القيمة الغذائية والحلاوة للثمر،
ويبقى ياكل الورق حتى يتمرَّر ويموت مريضاً وجائعاً!
ولأن الشكل يسلبه وعيه، فإنه يقلبه كسولاً تجاه المضمون لأنه لم يعد يرى قيمته،
ويُحوّله عنيداً تجاه أي محاولة للتراجع وترتيب فهمه ووضع الشكل في موضعه الصحيح والحرف معه..
وهذه الثلاثيّة الشكليّة العِنَديّة الكسليّة تظهر في التينة:
التينة كانت عنيدة مع الدفاع عن شكل اوراقها وقيمته لديها من أكثر من وجه..
كيف كانت عنيدة؟
كانت كسول (باعتبارها لن تثمر في سنة إوراقها السابق لأوانه)،
والكسل عِنْد مع وصيّة الرب مهما تحجَّج
وكانت ذات مظهر كاذب،
والشكل الكاذب عِنْد مع التعلّم من ذات ما يبشِّر هو به من مضمون ورصيد
ونهاية الشكل الصحيح بغير مضمون كنهاية التينة بغير أصول صحيحة
يتغيّر الشكل نفسه ولا يبقى صحيحاً
وتداخُله الخرافات حتى يصير، إن لم يُنتَبه له، موطناً لكل روح نجس
وكيف به أن يقاوم الحرب الخارجيّة من عدو كل خير،
بينما هو شكلاً ضعيفاً منفصلاً عن عصير الصحّة أي اتصاله برصيده من المضمون الآتي بنعمة الرب؟
يفقد صحّته وسلامته فلا يعود حتى شكلاً صحيحاً، :
لا هو صحيح مُعافَى قويّ محتفظ ببهائه،
ولا هو صحيح بمعنى سليم بحسب أصله
ويبقى احتجاج الحرفيّين الشكليّين-- فريسيِّي كل زمان، دفاعاً عن الشكل، بالتنبير على قداسته باصوات متهو‘ة ملتاعة،
وكأنما من يتكلمون عن المضمون يحاربون الشكل النقيّ الصحيح،
أو كأنما يكرزون بأن تفعلوا هذه وتتركوا تلك
ولكن يُعطي الروح فماً وحكمة لا يستطيع كل شجر التين الفريسيّ أن يقاومها:
* ألم يذهب الرب للتينة بحسب دعوة ورقها؟ هو ليس ضد الشكل إذاً!
* لماذا لا يظهر الورق إذا توفر الثمر؟
الثمر ليس ضد الورق إذااً بل صديقه الوفيّ وسبب وجوده النافعً :)
* بل، جدلاً وإن لم يظهر الورق، فلماذا تعبأ التينة ويعبأ آكلو ورق التين بالورق والشكل أصلاً طالما توفَّر الثمر والمضون
الورق والشكل والحرف هو غاية من يحاربون مراجعة أنصار الشكل إذاً
على أن التينة أراحَت نفسها من عذاب مواجهة هذه الاسئلة بقبولها التيبّس سريعاً، بدلاً من أن تزيد في رونق ورقها تحديّاً كما يفعل البعض لِحين،
التينة ظنّت أنه بتيبّس اصولها تنجو من عذاب مواجهة أسئلة الرب الضمنيّة هذه،
والكثيرون ىكلي ورق التينة لا يتعلّمون من مثل التينة ويبقون منتظرين مواجهة لعنة الرب، ويجلبون على انفسهم تيبّساً رديّاً
كانت هذه إشكاليّة التينة،
ولكن، أخيراً، كيف تُسَمَّى تينة وليس بها من التين ثمرا وحلاوة وشفاء إلخ
إنه اسم شكليّ أيضاً!br>
ومن حيث الشكل:
فالاسم لا يُخلِّص، والزيّ لا يُخلِّص، والموضع لا يُخلِّص،
وكله مقدس وجيد وكريم طالما كان تعبيراً صادقاً عن الخلاص لا متنطّعاً بادّعاء جلبه
واسمعوا خُلاصة الأمر كلّه:
خط سير النعمة من أعلى لداخل الإنسان لخارجه،
العشّار المُبَرَّر افتقدته نعمة السماء فشعر في داخل قلبه بوجع الخطيّة فظهر هذا عليه في صورة قَرع مُرّ على صدره في محاولة لبتبديل موضع الألم تعبيراً طبيعيّاً تلقائيّاً عن وجعه الداخليّ كما هو معروف في الطبّ
Pain Reverse
ولكن بعض الفريسيون إذ يسمعون تبريبر الرب للعشّار، وإذ هم لم يُرَوا من المشهد إلا خارجه، فيبدئون في قرع صدورهم،
ظانين ان التوبة تدخل بالقرع من خارج لداخل،
ولعلّ بعضهم، وهو الأشرّ، يظنون ان الرب يعدّ القَرْعات دون أن يطّلع على رصيدها الذي هو توبة قويّة نابعة من القلب
بولس أخذ موهبة من السماء في داخل نفسه فظهرت خارجاً في صورة سلطان على الأرواح النجسة
ولكن أولاد سكاوا إذ رأوا الخارج،
وهم كما يظهر من سلوكهم فريسيّون أُصَلاء من النوع الردئ، وإن لم يكونوا بالرتبة،
فإنّهم ظنّوا الطريق يسر عكساً، فيبدئون بالمشسهد
الخارجيّ ليصلوا لأصل السلطان
فهزأ الروح الشرير بهم بقوله:
"أما يسوع فأنا أعرفه وبولس أنا أعلمه" (أعمال الرسل 19 : 15)..
وكانما يُسمِعهم في هزئه أنهم هم لا يعرفون يسوع ولا بولس
لم يعرفوا إلا شكلاً وألفاظاً ولو عرفوا لفهموا وبدئوا الطريق من أوله بطلب نعمة السماء من أعلى
للنفس من داخل
فتظهر الثمار حتماً
مَرّة أُخرى:
خط سير النعمة من أعلى لداخل الإنسان لخارجه،
وأما محاولة السير عكساً فهو سير مخالف يؤذي ضلوع صدر الإنسان بغير انتفاع..
هذه ليست دعوى لكي يكفّ الإنسان عن العمل،
ولكن لكي يعمل في خط السير الصحيح، مع الرفيق الصحيح..
هذه ليست دعوة للتينة لكي لا تُورِق، ولكن تنبيهاً لها ألا تُورِق ورقاً كاذباً فتجلب اللعنة عِوَض البركة!
,P. Eng. Basil Lamie
,Thought of and Set Up: Reston, Va, 2001
! Published: Holy Week, 2003
|
| |