& كيف تتفق صحة تَزمِيْن Chronology الكتاب المقدس للتاريخ
البشريّ
مع التزمين الأكاديميّ لكثير من الآثار (الأهرام مثلاً) الذي يزمّنها بنحو ألف سنة
قبل الطوفان في آخر التقديرات؟!
& هل الحل
هو في النسخة السبعينيّة التي تقدِّم تزميناً أطول من المازوريّة بمئات السنين؟
& أم ما هو الموقف تجاه فجوة مريعة بين ناحيتَي التزمين
تصل حتى أربعة آلاف سنة عند البعض؟
& وبالمرّة: ما
هو حل لغز ظهور الحضارات القديمة في قمة تطوّرها فجأةً بغير فترة زمنيّة طويلة
مكافئة لاستغراق تطوّرها؟!
الإجابات في هذا البحث الذي سيوالي تحدِّي الفجوة بين التزمين الكتابيّ والاكاديميّ،
بادئاً من أوسع تقديراتها
القريبة من 4000 سنة، ليُظهِر كيف تضيق وتتآكل من طرفيها،
بإضافة أجيال وسنوات في
تزمين الكتاب المقدس مخفيّة عن معلوميّته بفعل سوء التفسير المُزمِن،
وإظهار تراجع التزمين الأكاديميّ
بحثاً بعد بحث، مع فضح محاولات الغشّ الهادفة،
لعِلَّة، في توسيع الفجوة
التزمينيّة المصطنعة.. ولن يتوقّف البحث قبل أن تظهر الفجوة الموهومة
وكأنها لا شئ؛ ومع ذوبانها
حتى الانعكاس ستثبت هذه الحقائق:
^ تزمين الكتاب المقدس الصحيح يتفق مع تزمين الآثار المصريّة
الصحيح..
^ التزمين الصحيح للكتاب المقدس لم يسئ له إلا تفسير لم يثق
مفسروه في صحة
الكتاب الذي يفسرونه فتاهوا
وأتاهوا قارئيهم معهم..
^ وأيضاً أساء للتزمين العلميّ الصحيح رغبة الـ"علماء"
في المبالغة لحصاد الجوائز والتقدير الغاشّ..
^ أخيراً فهواة تقدير الترجمة السبعينيّة فوق الأصل العبريّ
ليس لفكرتهم السمجة موضع،
بعدما يثبت أن سبعينيّتهم
نزعَت لتطويل الأعمار مجاراةً لنزوع الفُرَقاء جميعاً للمبالغة في تزمين مجتمعاتهم..
تقديم
وإحاطة
ضبط حدود المشكلة
القراءة الصحيحة للنصّ الكتابيّ
مصداقيّة تزمينات الإيجبتولوجيّين
المفاجأة
الأخيرة! J
كلمات
للتشطيب
تقديم وإحاطة
تحاشياً لتواه الذهن
مسألة
البحث
مدعاة
القيام بالبحث والتوقّعات المُنتَظَرَة منه
تطوّر
تشكيل البحث
تحاشياً لتواه
الذهن
الخلاف بين تزمين الكتاب المقدس للتاريخ البشريّ والتزمين الورقيّ
المعتمد في المعاهد الأكاديميّة هو موضوع الورقة..
والبحث يمزج بين مفاربتين:
المقاربة الثانية الحاسمة تثبت أن الادعاءات "العلميّة"
المتضاربة مع الكتاب المقدس تخلو من البرهان، وبشوبها تعمّد التلفيق،
وتخالف تقديرات علميّة أسبق منها وافقت تلك الكتاب المقدس تمام
الموافقة،
وعلى ذلك فلا يقوم أصلاً برهان علميّ ضد تزمين الكتاب المقدس ويبقى
على العلم مواصلة البحث النزيه بمطلق التجرّد العلميّ
حتى يصل لنتيجة ثابتة ترضي محبي العلم الصادق الاسم..
وأما المُقارَبَة الأولى التي تبدأ الورقة بها فهي رحلة مثيرة تستعرض
تضييق الفجوة بين التزمين الكتابيّ والتزمين الأكاديميّ،
بادئةً بفجوة من آلاف السنين ومنتهية إلى ذوبان الفجوة، متقدمة عبر
الاكتشافات والنظريّات المتوالية بدأب نزيه..
فالمُقارَبَة الأولى وإذ كانت لا تكفي لإثبات نتيجة علميّة قاطعة،
ولكنها تكفي وتزيد لإظهار أن العلم متغيّر من جهة،
وأنه لا يبرأ من عدم كفاءة من يقومون عليه فوق عدم نزاهتهم على كل
حال،
فهكذا مثقارَبَة تزيح عن وهم المُتابِع مظنّة نزاهة كثير من
المدعوِّين "عُلماء" وثبات تقديراتهم، لتأتي المُقارَبَة الثانية حاسمة
قاطعة
في دلالتها العلميّة على انتفاء عنصر البرهان القائم ضد الكتاب، وتفيد
حتماً أن العلم لم يقل كلمته النهائيّة بعدُ،
لتلتئم المُقاربتنان في بحث واحد ورحلة واحدة متناسقة وشيّقة غاية
التشويق على ما بها من ثِقَل نظريّ،
لتصل للنهاية الصحيحة مدعومة بتوثيق مرجعيّ لم أعلم بحثاً مماثلاً قد
تمتّع به..
إذاً خلاصة خريطة المقال أنه يعرض قضية التزمين الكتابيّ مقابل
التحدي الأكاديميّ
كمثل شاهد موضوعيّ مستقلّ تمام الاستقال قام ليشهد لصحة رواية كاتب
ما،
وبقيت شهادته من حيث موضوعيتها ولعوامل فنيّة محضة محل عدم اطمئنان
لتمام دقتها،
وفي مقابله قام شهود آخرون من "شهود الضدّ" لم تخلُ شهاداتهم
من تضارب فنيّ،
فوق عوامل تشكك ظاهرة في أصل كفائتهم حتى أخيراً اعتراف بعضهم
بأنفسهم بتلفيقهم!
ويبقى في حساب من هذه الفقرة الاعتذار من ذوي النباهة الذين لا
يحتاجون لهذه الفقرة التي لا تعدو بداهات،
يعيها أي قارئ جادّ يعلم أين البرهان وأين الدليل وأين القرينة وأين
استعراض التاريخ ودلالته،
وعلام بدل كل شئ، ولكن لزم توضيح أين البرهان وعلام تحديداً يبرهن،
لضبط الأمر على من قد يتلبَّس الأمر عليه من ذاته أو من آخرين،
فما كان من داعٍ للتمهيد بهذا الفصل لهذا العمل الدقيق إلا لأن الخيرة الحاصلة من حال الناس في زماننا
تلزم الواحد بعمل حساب من يُلبِّس على البعض دليلاً موضع برهان
وقرينة موضع دليل وهكذا فيتوهون عن ضبط الاستدلال،
فلزم توضيح دور ودرجة دلالة كل برهان في خارطة العمل قبل السير في
طريقه الذي سيبدأ من السطر التالي بعون ربّنا،
فاربطوا أحزمة أذهانكم وانطلقوا عبر رحلة عجائب في غابات العلم
الكاذب الاسم
حين يؤول إلى البطلان بينما يبقى الكتاب المقدس بلا "شاهد
ضدّ" صامد حتى الآن:
مسألة البحث
قصة خلاف تزمين الكتاب المقدس مع التزمينات الأركيولوجيّة لتواريخ
الأمم العريقة هي مشكلة قديمة،
صار لها ما صار من جدل وحلول مُقتَرَحة تتضارب مع بعضها وأحياناً مع
نفسها،
وأيضاً مع الكتاب المقدس نفسه في مواضع لم يفطن لها أصحاب الحلول..
وفي هذا الخضمّ، فإن التاريخ المصريّ هو الموضع الرئيس في البحث
لأن تاريخ مصر هو الأقدم الذي تتوفَّر له "دلائل" علميّة بحسب الأكاديميا
الغربيّة
التي تخصص علماً كبيراً لهذا الموضوع وحده وهو الـ
"إيجبتولوجي"!
تَسنح في هذا الخضمّ فرصة لأنصار الترجمة السبعينيّة لادّعاء ملاءمتها
لحلّ المشكلة، إذ تُوَفِّر هذه الترجمة (السبعينيّة) فرصة إطالة تاريخ البشرية
بإزاحة سنة الطوفان 780 سنة للماضي أبعد من التزمين المقابِل في النسخة
العبريّة المازوريّة
(بإضافة مئة سنة لعمر كل أب عند ولادة ابنه، لستة آباء،
مع 50 سنة في حالة ناحور، وإضافة 130 سنة عمر قينان (الثاني) لدى
ولادته لابنه، وهو الذي لا يظهر أصلاً في المازوريّة..
فيكون الجموع 600 + 130 + 50 = 780 سنة)..
وتضيف السبعينيّة مئات أُخرى (نحو 800 سنة) من الطوفان حتى بدء
الخليقة.. وإن كانت السنوات قبل الطوفان لا تساهم في حلّ المشكلة الأركيولوجيّة
لأن التاريخ الحرِج الذي يلزم سبقه على نشوء الحضارات هو تاريخ
الطوفان وبالاحرى تاريخ تقسيم الأرض..
أما سنين ما قبل الطوفان، فإنها تُعني المشكلة في المقارَنَة مع
التقديرات الجيولوجيّة (وليس الأركيولوجيّة)،
وحتى في هذه فلا تقدِّم الترجمة السبعينيّة ميِّزة حقيقيّة في مناقشة
المشكلة،
لأن التحدِّي في تلك الحقبة الباكرة قائم أمام نظريّات علمية تفترض
تاريخاً سحيقاً لوجود الأرض،
ولا تُجدِي معه عدة مئات ولا آلاف من السنين أسبق من تاريخ الكتاب
المقدس..
وعلى كل حال، فمشكلة عُمْر الأرض ذاتها هي خارج البحث في هذا
المقال..
وأما موضوع البحث هنا فهو عُمْر المجتمعات البشريّة بعد الطوفان،
وأقدمها بحسب التعارف الأكاديميّ هو تاريخ الدولة المصريّة..
والمشكلة، بحسب النظرة الأوليّة والترويج الدعائي المعادي للكتاب
المقدَّس، هي كبيرة ظاهريّاً باتساع فجوة يصل طولها في أقصى التقديرات إلى 4000 سنة
(الطوفان 2000 قبل الميلاد في بعض الحسابات، وعصر ما قبل الاسرات في
مصر يبدأ من نحو 6000 سنة قبل الميلاد بحسب أقصى التقديرات الإيجبتولوجيّة)..
الحل الصحيح للمشكلة إذاً تواجهه خصومتان:
·
واحدة مع القراءة غير
الصحيحة لتزمين النسخة المازوريّة،
·
والثانية مع التزمينات المتعارف
عليها عند المختصين من الإيجبتولوجيّين..
وبدون حلّ قاطع أو حتى دلائل تقرِّب النتيجة من موضع الجزم، كما
هو ظاهر الحال الآن،
يبقى الإشكال بلا حلّ ويبقى تزمين الكتاب المُقَدَّس مخالفاً لتزمين
الجامعات،
ويبقى كل واحد مستحسناً ما يستحسنه بانتقاءٍ شخصيّ بغير مرجعيةّ
علميّة موضوعيّة قاطعة..
ويلزم الآن للحلّ الصحيح والمُصالحة الثابتة بين التزمينين أن
تكون نتيجة القراءة الحصيفة للنص العبريّ الأصليّ المازوريّ من جهة،
والتاريخ المصريّ من جهة مقابِلة، هي خصم ثلاثة آلاف وخمسمئة سنة من
فجوة التزمينات، وهذا هو موضوع التحدِّي في هذا المقال..
مدعاة
القيام بالبحث والتوقعات المُنتَظَرة منه
اشتغل بعدة مواضيع في وقتٍ واحد كلها التقت في استدعاء القيام
بهذا البحث لاستكمالها:
& مبحث شامل في دقة النص العبريّ المازوريّ بالمقابلة مع
السبعينيّة، ومع ادعاءات أخطاء التساخ،
أو حتى الادعاء الدعائيّ بالتلاعب المقصود فيه، ومن بين نقاظ البحث
المهمة
يأتي فحص المصداقيّة العلميّة لتزمين النص المازوريّ بالمقابِل
للتزمين المُصطلَح عليه في الاكاديميا..
& ومجلد لتجميع مجاوبات لطيفة لرد احتجاجات اللادينيين
واللاإلهيين واللاأدريّين..
& والبحث في ذاته هو موضوع شيّق وجدير بالقيام به لذاته!
وعندما عرضتُ على بعض المُتابعين خبر اشتغالي به، كان ردّهم ينبيء
برداءة الحال الدعائيّ وتعفّن الجوّ،
إذ ظهر أن كثير من المراهقين يملأون الساحات السهلة المنال بحوثاً
سوداء تجترّ وتنسخ من مواقع الإنترنت بأخطائها الظاهرة لذوي النظر،
تتقاذفها في وجه بعضها البعض.. وبمنطق أن "السيّئة تعمّ"
تشكَّك حتى بعض العارفين بتدقيقي المنطقيّ والبحثيّ،
ومع شغفهم وانتظارهم لما سأقدِّمه لم يُظهروا ثقةً بالغة في أن آتي
بجديد طيّب يمكن أن يُسمَّى علميّاً بحقّ!
ولم أقلق من العُمْلة الرديئة التي لا ينبغي أن تطرد العُمْلة
الجيّدة في هذا المجال العلميّ والإيمانيّ بالأحرى،
وإنما كل ما هنالك أن وجود عملة رديئة يتطلّب مزيداً من المراعاة
والتحصين لمصداقيّة العمل.. وهذا كنت أعمله أصلاً بالطبع ودون رد فعل..
& وإنما أضاف هذا التوجّس لدى المُتابعين المُدقِقين
في اعتماد أي مادة، وتأذِّيهم من أمر الجوّ العامّ غير المنضبط،
أضاف هذا مدعاةً جديدة للزوم القيام بالبحث لترك كلمة ذات معنى تتكلم
بصحيح العلم في حق الكتاب المقدس..
تطوّر تشكيل البحث
عندما بدأتُ في معالَجَة عرض البحث كتبتُ هذه الفقرة:
"والمقال لا يدّعي لنفسه الإتيان بجديد، ولكنّه سيراعي عرض
المشكلة بأوثق مرجعيّة ممكنة لفضح الزيف الدعائي،
ووضع الثقة في محلِّها الصحيح أي في الكتاب المقدَّس"..
كان قصدي أن أُغلِق على نفسي الطموح الزائد في النظر، بالاكتفاء
بانتقاء الردود الصحيحة المتوفِّرة طالما تكفي لإثبات المطلوب،
ولم يكن في رغبتي أكثر من عرضها بطريقة نقيّة من أي احتجاج غير سليم،
وتنسيق العرض بما يحقِّق طمأنة الحيارى بين إيمانهم والادعاءات الأكاديميّة،
ولكن عبر مواصلته، وبحكم النزعة الشخصيّة الغالبة، جُذِبتُ لفحص
وإثبات كل فكرة عَرَضـ أمامي او خطرت لي،
ولم أقبل أقلّ من إضافتها، مع ما في هذا من عناء، لتُريح ضميري من
الملفّ كله،
وتُثري العرض الذي أظنه يجمع الآن العتقاء المنضبطة مع الجدد التي
تستحقّ الانتباه إليها..
ولما كان بناء البحث أصلاً بسيطاً، للتوافق مع مقصده الأحقّ
والأوجب، وهو طمأنة القلقين من الدفع الأكاديميّ المُضادّ للكتاب المقدس مع إخجال
المعاندين
الذين يطنطنون بغير أمانة نظر أو كفاءة فهم، لما كان هذا هو القصد
الأعلى والأحق بالمراعاة وكان يستلزم البناء البسيط للبحث،
فلقد استحسنتُ أن أضيف الزيادة الأعمق بحثيّاً في ملاحق، لأترك المتن
في بساطته المُخطَّطَة من البداية،
ثم لتثرية البحث وإتقان إحكامِه وإشباع شغف المتخصِّصين
المتابِعين، أضفتُ ثلاثة ملاحق عن أسس التزمين الجارية:
وهي "السوثية" و"الاحتمال الشرطيّ" و"تصحيح
الـراديوكاربن"،
وكانت هذه أمتع أجزاء البحث لي، لما تطلّبته من استدعاء معارف قديمة
متروكة، والاطلاع الجديد على ما لم يسبق لي التعامل معه،
فكان من هذا المغامرة في "الغابات" للإلمام بحقل جديد من
المعرفة عن الشجر،
حتى أضع يدي على نقاط منطقية قاطعة تُقنِع مستوى المتخصصين او من هم
قريبون من ذلك، فكانت عدة بوستات على فيسبوك ألحقها بالبحث كملاحِق[i]
..
والنهاية أن هذا البحث، المتواضع أمام الرب، يحمل في متنه عرضاً بسيطاً بقدر إمكان التبسيط،
يُثبِّت ثقة غير المُتخصِّصين في العلوم المعنيّة في تزمين التاريخ،
مع وضع المباحث الأعقد تخصّصاً في ملاحق لإشباع شغف القادرين على النظر
في مواد متخصِّصة،
وأما وضع هذه المباحث في مَلاحِق فكان لتخفيف المتن من أجل القارئ
العامّ..
وبهذا أرى بثقة شاكرة للرب أن في هذا البحث المتواضع ما يجاوب
النظريّات الأكاديميّة الافتراضيّة التي تقوم ضد الكتاب المقدَّس..
ضبط حدود المشكلة
"فالج" هو نقطة البداية الصحيحة للجري في التحدِّي.. و"فالج"
هو الذي في زمنه
صحيح أن البدء من "فالج" يُوسِّع الفجوة بـ 131 سنة مزيدة
[ii] ..
ولكن المغالطة وعدم التدقيق ليس مبدأنا قطّ.. وثقتنا أن الصحيح يدل
على الصحيح لا نضعها محلّ مساومة أبداً..
وبضبط نقطة البداية الصحيحة تفقد السبعينيّة جزءً كبيراً من
"الميزة" التي "توفِّرها" بتضييق الفجوة بـ 780 سنة،
فما يزيد في سجلّ السبعينيّة على المازوريّة حتّى فالج هو فقط 350
سنة:
(فالج 100 سنة فارق مزيد في السبعينيّة، رعو 100 سنة، سروج 100 سنة،
وناحور 50 سنة فارق = 350 سنة فارق في التزمين بين زمننا وزمن فالج
من حيث فترة الاختلاف بين السبعينيّة والمازوريّة- تك10: 18-23)..
فإذاً حتّى ما تقدّمه السبعينيّة لا يقدِّم حلّاً تاماً على خلاف
ما يظن من يختطفون البيانات،
ولكن ما أغنى الحق عن التمحك في أية قراءة، فما يثبت هو ما يُقبَل،
وليس ما يحلّ المشاكل حلولاً ظاهريّة، ولو كانت حلولاً تامّة..
ومن الطريف أن ميزة السبعينيّة الجزئيّة في هذه المشكلة، والتي
تتضاءل أصلاً من 850 سنة
(بحسب زيادة جدول الأعمار فيها عن الأصل العبريّ منذ الطوفان وحتى
تقسيم الأرض)،
إلى 350 سنة فقط (فارق الأعمار فيها عن النسخة العبريّة الأصليّة في
الأجيال من فالج حتى ناحور)،
فإنه حتى هذه الـ 350 سنة، تقدِّمُها السبعينيّة بإضافة غير أصيلة[iii] بعجما تسبق وتسحب معظمها بإضافات
تفسيريّة
(أُشير بهذا إلى 215 سنة اقتطعتها السبعينيّة من طول إقامة بني إسرائيل
في مصر! [iv] )..
إذاً التحدي القائم أمام النصّ العبريّ المازوريّ هو فجوة تزيد
فوق الـ 3600 سنة من أقدم تقدير لعصر ما قبل الأسرات في مصر،
وبين تاريخ فالج الذي قُسِّمَت الأرض في وقته..
وهناك مُلاحَظَة سيتأجَّل وضعها في حساب التقييم، لتسهيل البحث،
وهي أن تقسيم الأرض قد بدأ قبل فالج إذا ما كان قد تسمى باسمه عند
مولده بحسب طبائع الأمور..
والفارق بين البدء في تقسيم الأرض وبين مولده يعمل على تضييق
الفجوة..
سيتأجَّل تقدير ذلك حتى النهاية وحينما يضيق الفارق وتصبح الفروق
الدقيقة محل اعتبار..
القراءة الصحيحة
للنصّ الكتابيّ
من
1986 --> 2202 --> 2247 --> 2417 قبل الميلاد --> على الأقلّ
الدرس المُستفاد من هذا التصحيح المتوالي في التزمين أنه:
1) يلزم عدم تجاهل أي بيان كتابيّ، 2) مع عدم التسرع في اختطافه
سأعرض، قبل التزمين الصحيح، عدة تزمينات لإبراز أثر مشكلة الوقوع
في أخطاء الحساب والقراءة،
وأيضاً لرفع ما يُريع الذين يخلطون بين تقديرات الباحثين التي تخطئ،
وبين أصل النصّ الكتابيّ الذي ينتظر من يدقِّق في حسابه أزمنته،
وسيتحقّق هذا حين يظهر ببساطة كيف أن التزمينات الخاطئة تتآكل وتقترب
للعودة من الأصل الصحيح مع ضبط وعزل كل خطأ توالياً..
لتسهيل العرض، سيكون تاريخ خروج بني إسرائيل من مصر هو نقطة البداية،
فيكون تزمين ولادة فالج (بافتراض عدم إغفال الكتاب لأجيال وسيطة) هو
مجموع:
تاريخ بناء هيكل سليمان:[v]
+ 480 (= تاريخ خروج بني إسرائيل من مصر (امل6: 1)
+ فترة إقامة بني إسرائيل في مصر
+ عُمْر يعقوب وقت دخول مصر
+ عُمْر إسحق وقت ولادة يعقوب
+ عُمْر إبراهيم وقت ولادة إسحق
+ عُمْر تارح وقت ولادة إبراهيم
+ عُمْر ناحور وقت ولادة تارح
+ عُمْر سروج وقت ولادة ناحور
+ عُمْر رعو وقت ولادة سروج
+ عُمْر فالج وقت ولادة رعو
وبهذا الجدول الكتابيّ الدقيق الجامع بعناية للفترات المتتابعة
البادئ من نقطة يمكن تعيين تاريخها بأكبر دقّة ممكنة،
لا يبقى للتفرقة في التفضيل بين حساب وآخر إلا النظر في دقة تزمين كل
حدث من هذه الأحداث بحسب الثابت في الكتاب المقدس:
التزمين الأقصر:
فالج - 1986قبل
الميلاد
مع ثلاثة اعتبارات خاطئة يحصل تزميناً قصيراً جداً يبدو داعياً
لليأس في بداية الحلّ:
& اعتبار الخروج سنة 1290:
للأسف طالما تبنّت الكتب المُعتَمَدَة من كنائس كُبرى وطالما تكرَّر
على ألسنة "علماء كتاب" أن خروج شعب إسرائيل من مصر كان في زمن رمسيس
الثاني..
وعلى هذا فحساب الأزمنة القديمة يتوافق مع اعتبار خروج شعب إسرائيل
من مصر سنة 1390 قبل الميلاد..
&& اعتبار فترة إقامة بني إسرائيل في مصر 215 بحسب
السبعينيّة:
ثم اعتاد الأكثرون تبنّي الرقم السبعينيّ في تحديد فترة إقامة بني
إسرائيل في مصر (215 سنة)،
بدلاً من (430 سنة) وهو الرقم الظاهر صراحةً، والصحيح، في النسخة
المازوريّة[vi] ..
&&& اعتبار إبراهيم مولوداً في عمر 70 سنة لأبيه
تارح:
وأخيراً يُغفِل بعض الحاسبين للتزمين نفاصيل سِيَر شخصيّات الكتاب
ويخطفون بياناتهم،
وفي حالتنا هذه فإبراهيم يُحسَب خطئاً عند البعض أنه أول مواليد أبيه
تارَح في عُمْر 70 سنة لتارح اختطافاً لقراءة (تك11: 26)،
بينما الصحيح أنه وُلِد في سنة 130 من عُمْر أبيه تارح[vii]..
وبجمع كل هذه الأخطاء في حسابٍ واحد، وخصمها من الحساب الكتابيّ
الصحيح (الذي سيُعرَض في ختام الفصل) ينتهي ذلك التزمين الأقصر إلى:
فالج من مواليد سنة 1986 قبل الميلاد!
التزمين الـ"نصف سبعينيّ"
السطحيّ
فالج
- 2142 قبل الميلاد
ليس هناك مصدر معيّن يتبنّى هذا التزمين،
ولكنّه محصِّلة التفاسير الشائعة والحسابات الخاطفة..
أسمِّي
هذا الحساب "نصف سبعينيّ لأنه يوافق السبعينيّة في اعتبار زمن الـ 430 سنة
لإقامة بني إسرائيل في مصر تبدأ بخروج إبراهيم من أرضه
(بناء
على ما شاع من تفسير يستوجب المراجعة) فيضيع من التاريخ الكتابيّ بهذا 215 سنة [viii]..
ولكنّه
لا يستمر في اعتماد أعمار الآباء الزائدة في السبعينيّة، فحقّ بذلك تسميته نصف
سبعينيّ..
وأسميّه "سطحيّاً" لأنه يحسب إبراهيم أنه المولود الأول لأبيه وهذا لا
يقطع به الكتاب ومن حساب شامل من التواريخ الثابتة في الكتاب
(كما
سبق عرضه في الفقرة السابقة) يظهر أن إبراهيم مولوداً بعد أخيه بـ 60 سنة..
وبهذا يخصم هذا الحساب 215 + 60 = 275 سنة مخصومة دون وجه دقّة من التزمين
الكتابيّ الصحيح،
ولكنه يقلِّل خطأ التزمين السابق بإضافة 156 سنة في عُمر خروج بني إسرائيل من مصر
(1446 بدلاً من 1290)،
وبذلك
يضع ولادة فالج في سنة 2142 قبل الميلاد..
واضح
من البداية أنه كلما زادت الدقة ضاقت الفجوة بين تزمين الكتاب المقدس وتزمين
العلم..
التزمين الـ"نصف سبعينيّ"
فالج - 2202 قبل الميلاد
سأعتبر هنا عنصر الخلاف السبعينيّ الكبير
فقط (فترة إقامة بني إسرائيل) دون اعتبار اختلاف أعمار الآباء عن النص العبريّ،
فيكون تاريخ ميلاد فالج هو 2202 قبل الميلاد..
والبعض يأخذ بهذا التزمين لان القراءة السبعينيّة تجد طريقها ليس
باعتبارها تستند للنص السبعينيّ، بل باعتبارها تفسيراً للنص المازوريّ،
وهذه الطريقة الخاطئة في التفسير هي نفسها، في تقديري، ما دفع
القدماء لإضافة مقطعهم التفسيريّ في النصّ السبعينيّ نفسه[ix] ..
تزمين "أُوْسشر" الأشهر:
فالج - 2247 قبل الميلاد
رئيس الأساقفة جيمس أوسشر لأرماغ- إيرلاند
هو صاحب العمل الرائد حين قدَّم أشمل تزمين للكتاب المقدس في وقته،
وبقيت طبعات الملك جيمس تُلحِق تزمينه في هوامشها حتى تَقدَّم النقد
له وحانت مراجعته..
ينتبه تقدير أوسشر لعُمْر تارح وقت ميلاد إبراهيم بالحساب المُدقِّق، [x]
على أنه يعتمد النصّ السبعينيّ بخصم 215 سنة من فترة إقامة بني
إسرائيل في مصر، [xi]
ويضيف تضييقاً للفجوة محلّ البحث هنا بإرجاعه تاريخ بناء الهيكل فترة
45 سنة قبل التاريخ الأضبط (يعتمد تاريخ 1011 قبل الميلاد لبناء الهيكل)، [xii]
ويقيم هذا التزمين على حساب تاريخيّ أقدم[xiii] لا حاجة للخوض فيه،
ورغم توفيره لـ 45 سنة لحساب تضييق الفجوة، فالحساب المستقرّ أكثر
ضبطاً في تقديري (وضع أساس بناء الهيكل 966/965 قبل الميلاد)،
وعلى كل حال فلن تتغيّر النتيجة كثيراً مع هذا التزمين أو ذاك..
فتكون خلاصة تزمينه أبعد بـ 45 سنة من التزمين المُسمَّى هنا بالـ
"السبعينيّ/السطحيّ"، وأقلّ من الحساب المبدئيّ الدقيق بـ 215 – 45 =
170 سنة!
يُضيِّق أوسشر إذاً الفجوة بـ 45 سنة مزيدة، وهي زيادة غير مشكورة في
النهاية،
إذ يضيف نحو الأقدم 45 سنة من وقت بناء الهيكل (نقطة بدء خلافيّة
وتحتمل الآراء) ولكنه يأكل مقابلها 215 سنة..
ولو قُبِلَت إضافته لتاريخ بناء الهيكل فهذا يضيّق الفجوة،
على أن النظر المتمعِّن لحساب سنة تاريخ وضع أساس بناء الهيكل
تُرجِّح تاريخ 966 قبل الميلاد أكثر من 1011 قبل الميلاد،
ولكنها على كل حال نقطة جديدة تقود للإدراك أن التقديرات
الاحتماليّة للتاريخ تضيِّق الفجوة
أو على الأقلّ تتركها كما هي في انتظار مزيد من الدقة..
ونواصل النظر بمزيد من الدقّة:
الحساب الدقيق مبدئيّاً
فالج – 2417 قبل الميلاد
إذا أُسقِطَت إضافة أوسشر، بطيب خاطر ضميريّ، يرجع البحث لمعاودة
الرحلة من نقطة لتزمين المُسمَّى هنا "نصف سبعينيّ": 2202 سنة قبل
الميلاد..
الموقف ليس بهذه الفجوة فمعنا الـ 215 سنة التي يواصل المُزَمِّنون إسقاطها من
فترة إقامة بني إسرائيل في مصر،
وقد تكرّر إضافة إشارة للبحث القاطع لصحة الرقم (430 سنة)،
كما ظهر في الكتاب المقدس دون أي إضافة أو تفسير محشور.. ولا مانع من
الإشارة له مرّة جديدة في هامش[xiv] ..
والآن بعد شمول
كل الفترات المُسقَطَة بتفسير خاطئ،
أو غير المسحوبة بدقة، يمكن ملء الجدول التزمينيّ الذي يصل لميلاد
فالج، والذي افتُتِح الفصل بطرحه:
(كل الأرقام في الجدول هي تواريخ قبل الميلاد بالسنة)
تاريخ بناء هيكل سليمان (966) + 480 (تاريخ خروج بني إسرائيل من
مصر 966 + 480 = 1446) (امل6: 1)
+ فترة إقامة بني إسرائيل في مصر (1446 +
430 = 1876) (خر12: 40-41)
+ عُمْر يعقوب وقت دخول مصر (1876 + 130 =
2006) (تك47: 9)
+ عُمْر إسحق وقت ولادة يعقوب (2006 + 60 =
2066) (تك25: 26)
+ عُمْر إبراهيم وقت ولادة إسحق (2066+ 100
= 2166) (تك21: 5)
+ عُمْر تارح وقت ولادة إبراهيم (2166 + 130
= 2296) (تك11: 26، 32، 12: 4)
+ عُمْر ناحور وقت ولادة تارح (2296 + 29 =
2325) (تك11: 24)
+ عُمْر سروج وقت ولادة ناحور (2325 + 30 =
2355) (تك11: 22)
+ عُمْر رعو وقت ولادة سروج (2355 + 32 = 2387)
(تك11: 20)
+ عُمْر فالج وقت ولادة رعو (2387 + 30 = 2417)
(تك11: 18)
تاريخ فالج المبدئيّ بحسب التواريخ المذكورة في الكتاب:
1446 + 430 + *215 (130 + 60 + 25) + 75 + *130 (70 + 60) + 29 + 30 + 32 + 30
= 2417 قبل الميلاد
وبالمرّة، يكون تاربخ الطوفان:
سنة مبلاد فالج + 34 + 30 + 30[xv] + 35 + 2 = فالج + 131 = 2548 على
الأقلّ..
الفجوة التزمينيّة، وبالنظر في ناحية التزمين الكتابيّ فقط، وقبل
النظر في مبالغات الناحية الأكاديميّة،
ليست بالبشاعة التي يصوّرها البعض ويتصوّرها البعض الآخر،
وعندما يتقدَّم البحث للنظر في بيانات الناحية الأكاديميّة سيظهر
الانهيار تلو الانهيار في هذه الفجوة المصطنعة..
المهم أن ميلاد فالج بحسب هذا التزمين الدقيق
"مبدئيّاً" وصل إلى 2417 سنة قبل الميلاد..
وأُضيف وصف "مبدئيّاً" لهذا التزمين لأن هناك عامل أخير
يضيّق الفجوة أكثر وأكثر، فإيه:
الحساب النهائيّ
فالج- نحو 2500 قبل الميلاد (2417 قبل الميلاد *على الأقلّ*)
لا تزال هناك زيادة ممكنة تُضيّق الفجوة.. فالـ 2417 سنة قبل
الميلاد التي توقّف البحث عندها في المحطّة السابقة،
هي سنة ميلاد فالج *على الأقلّ*
كيف "على الأقلّ"؟ هل هناك شئ ضائع من الكتاب المقدس؟
لا، ولكن هناك من عَمَد الكتاب المقدس لإغفال ذكرهم:
- قينان ابن أرفكشاد، [xvi]
- أخزيا، [xvii]
- يوآش، [xviii]
- وأمصيا، [xix]
- عدّة آباء لموسى بينه وبين عِمرام وبين عمرام ولاوي! [xx]
هذه بعض الأمثلة البارزة التي ظهر إغفالها
في بعض كتب المواليد عبر العهدين،
ومن هذه الأمثلة الظاهرة ترجح علّتان لإغفال الذِكر في جداول
المواليد: التجاهل الأدبيّ والاختصار للصق أسماء كُبرى ذات دلالة معاً..
إذاً تتوفَّر أمثلة تفتح الباب باتّساع لقبول احتمال أن غيرها من
مثلها هناك، وإن لم يظهر دليل على وجوده..
الاحتمال موجود، وبلزم لإحكام المنطق في توصيف تزمين الكتاب
المقدس هو القول أن تزمين سنة ميلاد فالج هي 2417 على الأقلّ،،،
*** إذاً تاريخ تقسيم
الأرض وتفرّع الشعوب هو 2417 سنة قبل الميلاد على الأقلّ ***
وللتسهيل في المتابعة يمكن اعتبار التاريخ "نحو 2500"
بدلاً من "2417 على الأقلّ"..
كان هذا عرضاً لأبرز طرق الحساب، مع الإعراض عن حسابات أُخرى
شهيرة ومتداوَلَة، حتى لا أربك سلاسة العرض..
وكان غرض العرض الموجز قدر الإمكان، لهذه التزمينات، هو لفت نظر
القارئ لأثر مُشكِلَتَيْ إسقاط بيانات كتابيّة أو اختطافها دون تدقيق..
وإثبات أن كل الإشكال يقع في رَوْعِه بسبب، وفقط بسبب، شهرة حسابات غير
دقيقة..
الآن أظنّ أن من كان قلقاً أو متحيّراً من التزمينات الرائجة قد
زال قلقه وهو يراها تتساقط تباعاً ليقترب التزمين الدقيق من نقطة الحلّ بقدر
مطمئن،
في انتظار حساب علميّ دقيق في النقطة المقابلة التي هي تاريخ مصر
الأقدم أثراً في العالم القديم..
ومن هذا التاريخ نستودع بثقة الكتاب حسابنا هذا
الذي يُثبِت أن تقسيم الأرض وتشتت الشعوب بدأ من نحو 2500 سنة قبل الميلاد،
وننتقل من ثمَّ لفحص نقطة التحديد المقابلة: المأخوذة من البحوث الأثريّة..
لقد ضاقت الفجوة المريعة نحو 300 سنة، لتقترب تجاه إغلاق الفجوة
شيئاً ما،
وربما تُغلق الفجوة تماماً إذا ما توفَّرت في الناحية الأثريّة
المُجرَّدَة أدلّة كافية، وهذا ما سنراه:
مصداقيّة تزمينات
الإيجبتولوجيّين
طول عصر ما قبل الأسرات
التقدير القافز في تزمين الأسرة الأولى
عدم ثقة العلماء أنفسهم في التقديرات العلميّة!
تدخّل عوامل شخصيّة، بل ونفسيّة، في موضع وموضوع
علميّ:(
التشكيك يتطوّر من البحوث الورقيّة حتى النتائج
المعمليّة!!!
إلام
وصلنا حتى الآن؟
طول عصر ما قبل الأسرات:
1100 سنة --> 600 سنة --> احتمال 68% --> النتيجة
مفاجِئة للعلماء
الدرس المُستفاد من هذا التنازل المتوالي في التزمين والإقرار بالمفاجأة أنه:
من قصة الكتاب المقدس الخالدة، وبكل بساطة، يشعّ التفسير والتوفيق وتزول الحيرة..
إن وقوع كارثة طبيعيّة كُبرى في مجتمع بشريّ ذي خبرة حضاريّة طويلة بالفعل يفسِّر ويوفِّق الأمرين معاً!!
فالخبرة السابقة الموروثة من ألفي سنة لدى الناجون من الطوفان
تفسِّر سرعة استرجاع ونمو الحضارة،
والكارثة الطبيعيّة تفسِّر ظهور فترة بدائية قريبة من وقت ظهور الحضارة..
ما حدث أن كارثة الطوفان أعادت البشر للحالة
البدائيّة، ولكن سابق الخبرة من آدم إلى نوح ساعدهم على سرعة الارتقاء،
في وقت قصير جداً يُقرّ به أخيراً بحث من جهة لا تضمر أي نيّة تواطؤ مع المؤمنين الكتاب المقدس..
يقولون إنها نتيجة مفاجِئة – ولكن مُفاجِئة لمن؟ ليست للقارئ الفاهم والمؤمن بالكتاب المقدس!
بريستد Breasted
1100 سنة سابقة على الأسرة
الأولى[xxi]
وهناك ملاحظة مزيدة تجعل تقدير بريستد أكثر تطويلاً لفترة ظهور
الحضارة،
لأن هناك بين الأسرة الأولى والأسرة الرابعة التي ظهرت معها حضارة
البناء الجبّارة،
المتمثّلة في بناء الأهرام، وعلى ذلك ففترة اكتمال الحضارة حتى
قمتها، بحسب بريستد، احتاجت لنحو ألفَي سنة في الحقيقة..
دوريّات المجمع الملكيّ البريطانيّ[xxii]
600 سنة قبل الأسرة الأولى
تخفيض مفاجئ نحو 50% من التقدير الأشهر
السابق!
هذا البحث كما يظهر من باينه في الهامش حديث جداً، قبل وقت الكتابة بنحو شهرين
لثلاثة)،
ولكنه
كان ذا دويّ كبير حتى أن صحف التبابلويد (الصحف الصفراء كما تُسمَّى في مصر)
التي
لا تنشر إلا الأخبار المثيرة لعوام الناس أشارة لنتيجة البحث، ومنها هذا العنوان
في الـ "ديلي ميل":
"الأثريّون البريطانيّون وجدوا ... جدول تاريخيّ جديد يُظهِر أن الدولة
الموحَّدة الأصليّة تطوّرت من البدايات البدائيّة في زمن قليل بقدر ستمئة
سنة"[xxiii]
مدرسة
أوكسفورد للآثار
احتمال 68%..
"ضبط" نتائج اختبار الـ"راديوكاربُن" بالنتائج الأثريّة
المسبقة!
تنشر مدرسة أوكسفورد للآثار تلخيصاً لبحث "الجمعيّة المَلكيّة" السابق،
ويظهر فيه أن النتيجة المُعلَنَة للإعلام هي احتمالية بنسبة 68%،
وذلك
حتى بعد "ضبط" نتائج اختبار الـ"راديوكاربُن" بنماذج رياضيّة
وبيانات أثريّة مسبقة:
"الدولة المصريّة تُعرَّف عادةً على أنها بدأت عندما ارتقى الملك
"عجا" العرش.
وطبقاً
للنموذج الجديد، فإن هذا يُحتَمَل حدوثه بين سنتَي 3111 ق.م. و3045 ق.م. (بنسبة
احتمال 68%)[xxiv]
إن وجود احتمال غير صغير لخطأ النتيجة (100% - 68% = 32%) يجعل
التمسك بها كحد أدني لتخفيض التزمين أمراً غير جدير بالثقة..
وأما سبب مزج
اختبار الـ"راديوكاربن" بنماذج رياضيّة وبيانات أثرية سالفة فهو أمر ليس
فوق مستوى الشك،
وسيأتي مناقشته
ببيانات أخطر في فصل
"اختبار الـ"راديوكاربُن
المثير!"
إذاً فالتضخيم في المبالغة في عصر ما قبل
الأسرات ينكمش مع مزيد من الأبحاث، ولا يزال الأمر لا يمنع من مزيد من الانكماش
كما سنتابع..
فلمّا كان حال المُمْسِكين بالمؤسسات العلميّة "آخِرَهُ"
التراجع عن تقديرات متسرِّعة سابقة والإقرار ببقاء احتمال، لما كان ذلك كذلك،
فإن إغفال النظر لرواية الكتاب المقدس ما عاد ممكناً بناءً على الاحتجاج
المنتفخ بثبات النتائج الأكاديميّة!
يروقني الآن تكرار الملاحظة الافتتاحيّة الوارة على شمال رأس هذا
الفصل، والتذكرة أن رواية الكِتاب عن التاريخ القديم تمد الباحث، أي باحث،
بفكرة خطيرة جداً تُفَسِّر منطقيّاً ما بقى العلماء متحيّرين فيه،
أُعني طول الزمن السالف
والوقت المطلوب لاستكمال نشوء الحضارة من الحالة البدائية لحالة لا يمكن إلا
الانبهار أمامها عبر كل الأزمنة،
كما هي حالة الحضارة المصريّة القديم..
إنه التساؤل الذي طالما بقي قائماً في مضمار البحث التاريخيّ في هذه
المسألة:
ما هو الوقت المطلوب لنمو مجتمع من حالة بدائيّة لحضارة فائقة
الإذهال كما هي الحضارة المصريّة القديمة؟
كانت تزميناتهم القديمة طويلة جداً، وأحد أسباب ذلك إفساح الفترة الزمنيّة لنمو
الحضارة.. ولكن المُكتشفات الماديّة تُلزِمهم، كما ظهر، بتخفيض هذه الفترة..
وهذا جعل الأخبار التي تظهر لا تخلو من التعبير عن التعجّب..
أليس الكتاب يفيد بأن المجتمعات البشريّة التي تأسست أولاً لم
تبدأ خبرتها بالحضارة من نقطة الصفر..
لأنها كانت وريثة لعلوم متطورة من أجيال ما قبل بلبلة الألسنة،
ثم ما قبل الطوفان، التي بلغت نحو ألفي سنة سابقة على تشتتهم في
الأرض!
أليست قصة الكتاب المقدس تفسِّر عودة حالة المجتمعات البدائيّة
رغم سبق الحضارة قبلها بسبب الطوفان؟
أليست القصة الكتابيّة عن الزمن القديم توفِّق بين الحالين الظاهِرَي
التناقض والذَين حيّرا العلماء وجعلاهم يتضاربون
بين افتراض وقت طويل سابق على عصر الأسرات، حتة عادوا مؤخراً
"لاكتشاف" ضآلة هذا الزمن!!
ونتابع على هذا الانهيار المتوالي في تزمين الأسرة الأولى، بحسب
العالم الأكاديميّ، بغير عبء مُبالَغ فيها سابقةً عليها:
قفزات تقدير التزمين لبداية الأٌسَر:
التقديرات المتوالية عبر الزمن من "إيجبتولوجِسْت" لآخر:
5500 - 3400 - 3200 - 3100
مع اعتراف شبه دائم بالشكّ من أبرز العلماء في ذات تقديراتهم!
فلندرز - 1896
5500 سنة قبل الميلاد[xxv]
ثم تنهار المبالغة في أقل من عشر سنوات:
بريستد – 1905، 1912
3400 سنة قبل الميلاد[xxvi]
وتزداد الفجوة تضاؤلاً:
سيريل ألدريد – 1968
3200 سنة قبل الميلاد[xxvii]
ويستمر التضاؤل:
التزمين المستقرّ لفترة طويلة
3100 سنة قبل الميلاد[xxviii]
هذا هو التزمين الأطول استقراراً لأكثر عقود المئة العشرين، ولكن
السؤال: إلى متى؟!
ثم ليس بعد ذلك بكثير، وقبل زمن كتابة هذا المقال بأكثر من شهور:
الجمعيّة الملكيّة البريطانيّة وأوكسفورد - 2013
3045 سنة قبل الميلاد[xxix]
التخفيض ليس كبيراً هذه المرّة ولكن مبدأ التخفيض يتواصل، ليقدم
علامة أن البحث على طريق واعد..
وهناك سرّ في هذا التخفيض الأخير – لأنه قائم على بحث يقوم
بـ"خلطة"Mix تجمع الـ"راديوكاربُن" والنماذج
الرياضيّة![xxx]
وإلى الآن فاختبار "راديوكاربُن" لا يتم الاعتماد عليه
منفرداً لضبط أو على الأقلّ لتقريب تاريخ الاختبار
مع التواريخ المُتعارَف عليها أثريّاً وفلكيّاً من الطرق التقليديّة
القديمة! لماذا؟
يبدو أن هذه مزحة في السياق العلميّ، وهي حقاً جديرة بأن تكون كذلك،
ولكن لستُ أنا من يمزح..
في فصل "اختبار
الـ"راديوكاربُن المثير!" سيظهر مصدر هذه
"المزحة" العلميّة الأكاديميّة!!
عدم ثقة العُلماء
أنفسهم في التقديرات العلميّة!
أننا
إننا نحمل سلفاً معنا ... الهامش المتّسع من عدم اليقينيّة بالنسبة للدولة القديمة
جيمس هنري بريستد
فيلوكوفسكي Velikovsky تزمين
جلاسجو Glasgow Chronology ديفيد
رول David Rohl
مئات السنين المحشورة تدور حولها أبحاث فيلوكوفسكي وجلاسجو وديفيد رول..
وإسقاط هذه السنين (خمسمائة سنة) يحلّ المشكلة دون أي جهد مزيد..
ولكن طوال البحث المتواضع، وحتى أحفظ تجانس خط المتابعة، وضمان عدم دخول نزعة
دعائيّة تتسم بالخفّة فيه،
لم
أخرج عن متابعة تقديرات العلماء المعتبرين جداً من عموم المجتمع الأكاديميّ،
ولم
أجنح لتقديرات مرفوضة من عموم المجامع العلميّة مثل فيليكوفسكي وتزمين جلاسجو
وديفيد رول،
التي
بعضها يخصم خمسمائة سنة من التزمين وبعضها أقل قليلاً من أربعمئة سنة..
(كما
يقوم تحفّظ آخر لديّ شخصيّاً بوجود ما أخالفه في تفاصيل أبحاثهم)..
ولكن وإن تحفَّظت منطقيّاً،وبحثيّاً، على ضم كل تقديراتهم في التزمين في الفصول
السابقة التي تبحث تعيين التزمين،
فإن
كونهم علماء أكثرهم مختصّين وبعضهم (فيلوكوفسكي) من الهواة المبرزين،
يجعل
الإشارة لتشكيكهم في التزمين كلّه جديرةً بأن تحوز موضعاً في فصل يجمع عوامل
التشكّك..
وأتصوّر (وهو مجرد تقدير يحتاج إثباته لبحث مدقق في أعمالهم على كل حال) أنهم
بحسٍّ علميّ يشعرون بالفجوة،
ولكنهم
يموضعونها في غير موضعها من التاريخ.. ويكفيني هنا الإشارة لأسمائهم لاستكمال قصد
الفصل،
وعلى
كل حال فهم يضمون أصواتهم لصراخ ننتائج الـ"راديوكاربُن" الزاعقة بأن
هناك مئات السنين محشورة في التاريخ!!
وأما
من يريد قراءة أبحاثهم المثيرة للتفكير، فعنوان الفقرة يقدِّم له الأسماء التي
يمكنه البحث عنه أعمالها على الشبكات وفي المكتبات الكُبرى..
مانيتو في تقدير بريستيد
في الفصل
السابق الذي تابع تدهور المبالغة في تطويل العصور السابقة لأزمنة سحيقة القِدَم،
كان أول انهيار
قابل القارئ المتابِع هو تخفيض بريستد لتقدير فلندرز،
و لكن كيف خفّض
كل هذا التخفيض؟ واضح أنه لم يقبل إضافة الدورة النجميّة الكاملة التي أصرّ عليها
فلندرز،[xxxi]
وتمسّك بتقدير
متحفِّظ لإشارة تاريخ برديّة إيبرز،
وخَصْمَ مزيداً
من مئات السنين من حسابات ماينتو بعد أن وَصَفَهُ أوصافاً ترقى لمستوى الشتائم باللغة
الأكاديميّة، مثلاً:
"... مانيتو، الذي لا يعرف شيئاً عن استقلال طيبة" [xxxii]
ساخراً ضمناً من تأريخه للأسرة الثانية عشرة ولاسيما
رأس الأسرة (حسب تقسيم ماينتو) رمسيس الثاني عشر!
وفي كتابه اللاحق "تاريخ المصريّين القدماء" يُفرِد
فقرة مطوّلة في المقدمة لإعلان نقده لجداول مانيتو فيقول:
"إن قيمة العمل (يقصد التاريخ المنسوب لمانيتو) هيّنة، حسبما هي مبنيّة على حواديت فولكلور وتقاليد شعبيّة عن الملوك القدماء. ...
وبالرغم من أننا نعلم أن كثيراً من تقسيمه
(أي للأسرات) متعسف وأنه كان هناك كثير من التحوّل الأُسريّ بينما لا يفيد مانيتو
بأي شئ من ذلك، ... ومع ذلك فإن تقسيمه للأُسرات لمجموعات سهلة، والذي بقي طويلاً
مُستعمَلاً في الدراسات الحديثة للتاريخ المصريّ، حتى صار غير ممكن الاستغناء عنه" [xxxiii]
هذا رأي بريستد في موثوقيّة تاريخ المنسوب لمانيتو!
ولديه أكثر ليقوله عن ثقته في التاريخ الذي يقرّره هو نفسه (!!!) بناءً على المُعطيات المتوفِّرة:
بريستدBreasted
والآن يتكلّم بريستد عن ثقته فيما يصنع هو
نفسه، فيقرّ أو بالأحرى يشكو، لاسيما فيما يخصّ "الدولة القديمة"
التي هي محلّ التزمينات الشائعة المُخالِفة لتزمين الكتاب المقدس :
"الدوريّات القديمة لحجر باليرمو تؤسِّس طول الأُسرتين
الأوليين بنحو 420 سنة، وتاريخ صعود مينا،
ووَحدة مصر على نحو 3400 ق. م.، على أننا نحمل سلفاً معنا،
من العصر الهيراكلوبوليسيّ، نفس الهامش المتّسع من عدم
اليقينيّة بالنسبة للدولة القديمة" [xxxiv]
"احتمال" التزمين المُطلَق
إن آخر الأبحاث على الإطلاق لتعيين
تزميناً مُطلَقاً Absolute Chronologyحتى كتابة
هذا البحث، خرجت باحتمال خطأ:
32%
"100% - 68 % (نسبة الصحّة
التي يُقِرّ بها متن البحث نفسه [xxxv] )" = 32% نسبة خطأ!
ها هو عامل شك منه فيه.. قبل أي تشكيك في المنهجيّة، أو
الاستدلال، وبغير جهد في تصنيف الأسباب بين موضوعيّة وشخصيّة..
وهذا يدفع للتساؤل: كيف يبني البعض ثقتهم التامّة في تزمين نسبة الخطأ فيه 32%؟
حتى
أنهم يقيمون عليه وعلى أمثاله حجيّتهم في رفض الكتاب المقدس بنسبة 100%؟!!
عوامل التفاخر الشخصيّ وقبلها
العرقيّ
الدرجة الأولى للنزعة غير الموضوعيّة:
إن نزعة العلماء الذاتيّة لتضخيم تواريخ ما يفحصونه لا ينكرها مُتابِع واعٍ أمين،
فهي نزعة بشريّة معروفة..
ويُفسِح
لعمل هذه النزعة طبيعة العمل التزمينيّ عينه،
فهو
بحث يقوم على الاحتمال! والبحث في أمور احتماليّة تفتح الباب للتقدير، والترجيح،
والميل نحو احتمال دون آخر،
وكل
هذا لا يضمن النجاة من النزعات الشخصيّة..
النزعة الشخصيّة للعلماء الرواد (فلندرز مثال جيّد لهم) الذين يعطون تقديرات في
ساحة بِكْر (وقت عملهم) لم يسبق لكثيرين الإسهام فيها،
مع
وقوع الأبحاث من أساسها في ساحة تزمينات احتماليّة،
الغامض
فيها أكبر من الواضح، ونقطة البداية التي لم يخرج عنها التزمين الرائج هي سجلات
قديمة، يجعل القلق أمراً علميّاً ألزم ما يلزم هنا..
الدرجة الثانية لتداخل النزعة غير الموضوعيّة
على أن الأخطر من كل ذلك، أن السجلّات القديمة التي قامت عليها أبحاث وتقديرات أوائل
الإيجبتولوجيّين
هي
ذاتها كانت فريسة نزعة التفاخر الشعبويّ، وتنافس كل شعب في محاولة إطالة تاريخه،
كما
سبق تبيان ذلك من شهادة هيرودوت، ومن منطق طبائع الأمور قديماً وحتى الآن!
هذا يُعني درجتان مُركَّبتان من النزعة الشخصيّة في بحث أمر احتماليّ هو أصلاً
فريسة سهلة لتلك النزعة بطبيعته!!!
هاتان المُلاحظتان هما الأساس الأكبر لشك العلماء في نتائج زملائهم و سابقيهم..
وهذه النقطة تستحق فصلاً مُفرَداً لإثباتها، ليكن الفصل التالي فوراً:
تَداخُل عناصر شخصيّة، بل ونفسيّة، في موضع وموضوع علميّL
شهوة افتخار علماء وشهوة افتخار شعوب
كثيراً ما تقوم المبالغة على شهوة افتخار "علماء" أنهم اكتشفوا شيئاً
بالغ القِدَم..
و على شهوة مؤرِّجي شعوب أنهم يؤرِّخون لشعوب أقدم من غيرهم..
فلندرز والمُحاباة
فلندرز هو صاحب أبعد التزمينات للتاريخ المصريّ،
أطول حتى من الكتب القديمة حين كانت الشعوب تتنازع دون مرجعيّة افتخارها بطول
التاريخ..
وهو يتهم من يرفض نظريّته بـالمُحاباة:
"إذا قبلنا الفترة القصيرة، فإن مانيتو
وبرديّة تورين ينبغي رفضهما – أي تقريباً كل الوثائق اللاحقة التي نملكها. أما، في
الناحية المُقابِلة،
لو قبلنا الفترة الطويلة، فليس هناك أي شئٍ إطلاقاً
ضدها ماعدا المحاباة،
فهي تنسجم بقوة مع مانيتو وتتفق مع كل شذرات برديّة
تورين." [xxxvi]
المُحاباة لمن وكيف؟ المحاباة تكون في التطويل
والمبالغة لا العكس.. المنطق أن المحاباة، إن كانت،
فهي تخصّه هو لا خصومه، أو، على الأقلّ، قبل
خصومه..
وهذا ما يظهر من ذات فقرة فلندرز التي تفيض محاباةً
وتهديداً!
فهو يهدِّد، بلغة غير علميّة،
قائلاً إن رفض مانيتو وبردية تورين سيُعني رفض كل المنقولات عنهما التي لا يمتلك
المجتمع الأكاديميّ غيرها! فليكن—
ما المشكلة العلميّة في رفض المشكوك فيه المنقول عن
مشكوك فيه؟
وفوق ذلك فلقد رفض كثيرون قبل فلندرز وبعده تصديق الفهم الشائع والقراءة الخاطئة
لوثائق مانيتو،
وأبرزهم
بريستد الذي أتى بعد فلندرز بعشر سنوات ليكتب أن مانيتو ليس محل ثقة! [xxxvii]
والمنطق (لا المُحاباة) يستدعي السؤال: هل قراءة فلندرز لوثيقة تورين وجد بها ما
يُلزِم بأن الملوك المذكورين مُتتابعين؟
على
كل حال، فالشاهد المقبول من كلام فلندرز أنه يعتبر وجود "مُحاباة" في
المجتمع الأكاديميّ،
حتى
أنه يقرِّر أن المُحاباة هي التي تدعو لرفض نظريّته..
وبالمثل
تكون الإجابة: نحن أيضاً نراعي أن المُحاباة هي التي دفعتك للتشبث بنظريتك كحقيقة
لا مجرد احتمال نظريّ في حساباتك..
وآخر ما ينتهي إليه فلندرز هو أنه لا شئ في الوثائق المتوفّرة
يخالف نظريّته ذات التزمين الطويل.. هذه نقطة وجيهة من حيث الشكل،
ولكن المشكلة ان الوثائق
القديمة المتوفِّرة نفسها ليست محل ثقة، كما أنه صياغة عشرات النظريّات التي لا
تناقض الوثائق المتوفِّرة أمر ممكن..
مثلاً يمكن افتراض ان فلندرز
قد قصَّر في الافتراض، واكتفى بإضافة دورة نجمبّة واحدة،
وكان يمكنه افتراض دورتين لا
دورة واحدة، وهذا لا يخالف أي شئ متوفِّر، وفقط سيحتاج الأمر لافتراض مضاعفة فترة
حكم أغلبية الملوك،
فمن سبق افتراض أنه قد حكم عشر
سنوات يمكن مع الافتراض الجديد افتراض أنه قد حكم عشرين، وهكذا..
هيرودوت والتفاخُر
إن عامل التفاخر الوطنيّ والعرقيّ كان داعياً بقوة في ذلك الزمان للمبالغة في ادِّعاء
قِدَم الشعوب وتفوقها بعضها على البعض في عراقة التاريخ،
ويظهر
هذا بقوة في عمل هيرودوت، الذي افتتح كتابه الثاني الذي خصّصه عن مصر بقصة [xxxviii]
لا
أَدَلَّ منها على أثر مدعاة التفاخر الوطنيّ في توسعة التزمين.. القصّة عن محاولة
الفرعون ابستماتيك معرفة أقدم الشعوب،
وصمت
الراعي الذي عُهِد له بإجراء الاختبار عن إبلاغ الملك بنتيجة الاختبار القاضية
بتفوق الفريجيّين على المصرين!
ورغم
أن القصة مضحكة وبلا منطق، ولكنها من حيث ذلك عينه تشهد بتعدي نزعة المبالغة في
ادعاء القِدَم لدى الشعوب كل حدود المعقول..
وربما تكون القصة كلها مُدّعاة بلا أصل حقيقيّ، سواء أتى الادّعاء من هيرودوت نفسه،
أو ممن روّجها بين العوام،
ولكن
هذا او ذاك يفيد بذات النتيجة التي هي تنافس الشعوب في ادعاء القِدَم عبر التاريخ
حتى على حساب المعقوليّة!
ولماذا الذهاب بعيداً، والحال كما هو حتى الآن، فالبَشَر لا يتغيّرون،
والمتابع
للخطابة السياسية لعلّه يتذكَّر رد أنور السادات على خصومه من رؤساء وملوك الدول العربيّة،
بافتخاره
عليهم أنهم بينما هم دول حديثة فهو رئيس لدولة عمرها "سبعة آلاف سنة"..
وهكذا
كانت الأغاني الوطنيّة تصدح بالنشيد: يا شعب عمره سبع آلاف سنة قبل الوجود بزمان،
دون
أن يعرفوا من هو صاحب هذه النظريّة وإن قيل لبعضهم إنه فلندرز القائل بذلك أولاً، لظنّوه
اسم ثلاجةJ [xxxix]
التشكيك يتطوّر من
البحوث الورقيّة حتى النتائج المعمليّة!!!
إذا وافق تقدير الـ كاربُن نطريّاتنا، فإننا نضعه في المتن.
إذا لم يناقضها تماماً، فإننا نضعه في الحاشية.
وإذا خالفت التاريخ تماماً فإننا نهملها وحسب
بروفيسور جون أوتيس برو
لا أفهم لماذا يثقون في الورق ولا يثقون في المعمل؟
بروفسور والتر كوتشيرا (حديث شخصيّ)
في هذه الفقرة يواجه الباحث تشكيكات مُريعة من عُلماء في زملائهم:
الشأن الفيلوكوفسكيّVelikovsy Affair !
سبق عرض فيلوكوفسكي كشاهد على التشكيك في الآراء
"الثابتة"..
وأما الآن فالاستشهاد به في نقطتنا الفنيّة الدقيقة عن غموض السبب في التحفّظ على
اختبارات "راديوكاربُن"..
عندما قدَّم فيلوكوفسكي نظريّته التي تقتطع من التزمين الرائج خمسمائة سنة،
طلب
كثيراً إجراء اختبارا الـ"كاربن 14" على عينات لإثباته أو نقضه، ولكن
قوبِل طلبه دائماً بالرفض الصريح أو الإعراض.. [xl]
ومن اللازم الانتباه لملاحظته أن كثير من اختبارات "راديوكاربُن"
قد أُجريَت بعد ذلك وبعد "اختراع" طريقة تعديل نتيجة الاختبار
بتكبيرها
بنحو نسبة 15% بمنحنيات "حلقات الشجر.. ولم يحتجّ أحد بعدم لزوم الاختبار
الآن!!
إنني لا آخذ بنظريّة فيليكوفسكي بجملتها، لاقتصارها على تصوّر يقوم في جانب كبير
منه على أدلة سلبيّة، مع تجاهلها لأدلّة أخرى،
وهو
كان يلحّ أصلاً من أجل إجراء اختبار على الدولة الوسيطة التي لا يمثل تاريخها
إشكالاً في تقديري، ولكن السؤال المبدئيّ يتكرّر:
لماذا
لم تُجرَ اختبارات كافية بالـ"راديوكاربُن" وقتها؟
ولماذا
يُجرَى الاختبار الآن بكل إفراط وبعد ضبط طريقة تعديله المثيرة للشكوك – العلميّة،
والأدبيّة أيضاً!؟
(لا
أقطع بحكم في هذه المرحلة من البحث، ولكن أطرح ملاحظات ثابتة، على الأقلّ تثير
الشك المحتمل)..
حُسن ظن في غير محلّه!
"وتُجرَى الآن مزيد من البحوث العمليّة لتحديد تاريخ وأعمار تلك الآثار – بالـ"كربون14"
[xli]
في بداية البحث كنتُ حقيقاً بأن أكتب تعليقاً على هذا السطر، الذي عبر بي مُبكِّراً
في مضمار التقدّم في البحث، كنت لأكتب تعليقاً مثل هذا:
"فلنرَ،
فالجميع في الانتظار بكل ترجاب وشغف، وبالنظر لإحكام الاختبار، فالانتظار هذه
المرَّة بغير سوء ظنّ"..
ولكن مع تقدّم البحث وتَكَشُّف اختبارات تالية لزمن كتابة "سيريل
ألدريد"، فإن سوء الظن قد حدث،
ولم
يكن بسبب تأخّر إجراء اختبارات الـ"راديوكاربُن"، بل بسبب التلاعب
بالنتائج؛
ولم
يكن سوء الظنّ ذلك من جانب الهواة مثلي، بل كان أصحاب الشك قبلاً هم العلماء
أنفسهم! الفقرة التالية تتكلّم:
سُخرية عالِم! Carbon and Crab
إذا وافق تقدير الـ كاربُن نطريّاتنا، فإننا نضعه في المتن.
إذا لم يناقضها تماماً، فإننا نضعه في الحاشية.
وإذا خالفت التاريخ تماماً فإننا نهملها وحسب! [xlii]
بروفيسور جون أوتيس برو (مدير معهد بيبودي، هارفارد)، ندوة نوبل الثانية عشرة
المنعقدة في معهد الفيزياء، جامعة أوبسالا.
لماذا يرفضون الكربون 14؟
حوار مع أستاذين جامعيَّيْن نمساويَّيْن
مع علماء في جامعات فيينا، وعلى أطراف رحلة أكاديميّة (2 فبراير 2010)، دار حوار
شخصّي مع عالم في الكيمياء، [xliii]
وآخر
في الفيزياء، [xliv] عن الجدل اللاموضوعيّ بين
نظرية التأريخ بالوثائق المكتوبة والتأريخ بنتائج اختبار ال،"راديوكاربن"..
وبعد أن أخذَتْ النزعة العلميّة دكتور كوتشيرا وأفاض في الإجابة ببعض التفاصيل،
ختم إجابته متعجباً، مع احتفاظه برزانة العلماء،
إنه
لا يفهم لماذا يصدق الكثيرون المكتوب على الورق إذا تعارض مع نتائج اختبار علميّ
ماديّ بلا آراء شخصيّة؟
وأضفتُ من ناحيتي أنه ربما كان التراجع عن التقديرات السابقة سيضرّ ضرراً ماديّاً وأدبيّاً
ما بأسياد المجتمع الأكاديميّ!
إلامَ وصلنا حتى الآن؟
من 4000 سنة إلى 700 سنة ولا يزال
التخفيض مستمراً،،،
From
4000 to 700 and yet, Way to Go,,,
لقد بدأت رحلة البحث بقبول أقصى التحدِّي، بالقبول المبدئيّ
الجدليّ لأقصى التقديرات المضادَّة للكتاب،
ورُوعِي في كل محطّة عدم إهمال أدنى عامل لتوسيع تلك الفجوة،
سواء حقيقيّاً أم حتّى عن طريق تقدير هنا أو هناك..
تمَّ أخذ كل العوامل المضادَّة في الاعتبار، مع التبرّع بالتنبيه
لأخطاء، من جانب الدفاعيّين، يخدم كشفها زيادة الفجوة، ولا ينتبه لها أحد تقريباً
(مثل الخلط بين نقطة البداية بزمن فالج الأحرى من إحالة البداية
للطوفان)..
ومع كل ذلك التحوّط، وبعد فحصه بكل أمانة، فقد ثبت تخفيض الفجوة
تخفيضاً كبيراً، حتى ضاقت من 4000 سنة إلى نحو 600 سنة
(بين زمن فالج— نحو 2500 سنة قبل الميلاد،
وزمن الأسرة المصريّة الحاكمة الأولى— أقل من 3100 سنة قبل الميلاد،
كما ظهر في البحث إلى الآن)!
(والفارق مع عوامل تشكيك في انضباط الناحية الأكاديميّة مذهلة
وباعتراف العلماء انفسهم كما ثبت بنصوص أقوالهم)
هنا يبدأ القلق للمرّة الأولى يظهر في ناحية المُعاندين للكتاب
المقدس من حيث المبدأ،
ولهم أتنازل عن الترخّص في أي تقريب وأعود للقيم المضبوطة.. فيصير
الفارق:
(3045 إلى 3100) – 417 (على الأقلّ) = 628 (أو أقلّ) إلى 683 (أو أقلّ)
واستمراراً للحفاظ على الثقة في النتيجة، فيمكن التبرّع بمئة سنة تكفي للترحال
والتوزع بين مملكتين في مصر، ثم قيام الحرب لتوحيدهما..
وهي حرب لا تتطلّب وقتاً كبيراً إذ سرعان ما سينشأ وينمو الانتباه
إلى خطورة تحكم المملكة الجنوبيّة في مياه النيل على المملكة الشماليّة،
وبالمقابِل خطورة تحكم المملكة الشماليّة في بوابة الدخول لأرض مصر
على المملكة الجنوبيّة..
الجغرافيا تحكم بتوحد المملكتين، ولن يتطلّب هذا زمناً طويلاً
كبديهيّات الجيوبوليتيكس J
* حتّى الآن ضاقت الفجوة وانحصرت بين:
+ التزمين الثابت من الكتاب المقدس،
- والتزمين الرائج من عموم التزمين الأكاديميّ
إلى:
فقط نحو 700 سنة..
فقط 700 سنة، أقل أو أكثر!
بعد
4000 سنة يحاول البعض الدَفع لزيادتها!
(وأكرّر -- الفجوة المذكورة يدفع للتشكيك في ناحية من يحاولون
توسيعها ما ثبت إيراده من فضائح علميّة)
ولا تزال الفجوة المصطنعة تنتظر مفاجأة تقضي عليها تماماً حتى
تختفي ويلتئم الحساب العلميّ الصحيح مع الكتاب المقدس..
فإلى المفاجأة الأخيرة:
المُفاجأة الأخيرة! J
اختبار الـ"راديوكاربن" المثير!
"المُحايلة"
الأخيرة: حلقات الشجر آخر حلقات المراوغة.
بين أقلّ وأكثر..
الإمَ وصلنا آخر الآخر؟!
اختبار الـ"راديوكاربن" المثير!
ظهر اختبار الراديوكاربُن (الكاربُن
المُشِعّ - راديوكاربُن) في خمسينيّات المئة العشرين للميلاد..
وبتبسيط غير مُخِلَ: فهو اختبار يقيس في أيّة عيّنة من الخشب
(جذوع وأغصان الشجر الميّت) نسبة مادة مشعة تتناقص بمُعَدَّل ثابت،
ونسبتها الابتدائيّة (قبل قطع العينة من اتصالها الحيّ بالأرض)
معروفة،
فيمكن استعمال نسبتها في أية لحظة زمنيّة كمقياس لعمر العيّنة منذ
قُطِعَت..
ما هي حدود صلاحيّة الاختبار؟ هي متسعة بقدر ما أن ظروف الغلاف
الجويّ لم تتغيّر فلم تتغيّر معها نسبة نَظيرَي الكربُن إلى بعضهما
الظروف الجويّة الكُبرى تتغير مع أحداث كونيّة كبرى،
مثل الطوفان ولذلك فمن يقبل حدوث الطوفان لا يصح له قبول نتائج
اختبار الراديوكاربُن لزمن سابق عليه،
ومن لا يقبل الإيمان بحدوث الطوفان فعليه أن يثبت عدم تعرّض الغلاف
الجويّ لحدث كبير في حدود الزمن الذي يقيسه هذا الاختبار..
وفي جميع الأحوال لمن لا يؤمن أو يؤمن فإن التاريخ المعروف (تأسيس
المجتمعات البشريّة وظهور الكتابة في بعضها) لا يسجِّل مشكلة كُبرى كهذه..
إذاً فمتى وُجِدَت آثار-- أي نتاج عمل مجتمع مستقر يسجِّل عصره بأنواع
التسجيل المختلفة،
فإن اختبار راديوكاربُن صالح لقياس تاريخها ونتائجه يلزم ان تكون
مقبولة من الجميع:
فمن يؤمن بالطوفان فبداهةً يعني وجود الآثار له حدث لاحق لزمن تقسيم
الأرض أيام فالج،
ومن لا يؤمن به فهو ملتزم بصحة نتيجة الاختبار طالما لا تُوجَد لديه
شواهد حدوث كارثة كُبرى تغيّر منه،
إذ لو وُجِدَت لكان تسجيلها لازماً..
باختصار: هو اختبار لا يمكن الاحتجاج به في الازمان البعيدة جداً
حيث لا تُوجَد لها خريطة مناخيّة عامّة، ولكن يلزم الالتزام به في حدود الزمن
المعروف..
هذا الاختبار خطير الاستعمال في الآثار، إذ يمكنه قياس عمر الآثار
التي يوجَد بها كثير من المواد الخشبيّة سواء في صُلب تصنيعها،
أو أن تكون مُلقاة وسط حفريّاتها بطريقة تشير لأصالة وجودها في زمن
إنشاء الأثر، ونتائجه هي أكثر النتائج دقّة بحكم ثباتها الكونيّ [xlv] ..
وحتى الستينيّات كان مؤرخّون بارزون للزمن الأثريّ يتشوقون
لنتائجه (ألدريد سيريل مثلاً كما سبق الإشارة)،
أو يستنكرون حجبه (فيلوكوفسكي مثلاً-- لمن يعتبره عالماً في المجال
على كل حال)..
ولم يطل الانتظار إذ توالت الاختبارات وأتت بأخبار مذهلة..... أي
لخصوم الكتاب المقدس:
الاختبار الأول على الأسرة الأولى!
وبالفعل فلقد تم إجراء الاختبار... وكانت نتيجته مفاجأة:
لقد خصم 600 سنة بحالها من الفجوة:
"تواريخ أقدم المواد المُقارَنَة المتاحة، القصب
المستخدم كدعائم بين الطوب اللبِن في مسارات مقابر المصريّين-
الأسرة الأولى، حوالي 3100 قبل الميلاد، يظهر أنها أحدث حوالي 600
سنة،
أي 12% حديثة بالزيادة (يقصد أكثر من المتوقَّع)" [xlvi]
بالعكس.. ليس "بالزيادة" كما يقول المرجع.. ولا أكثر من اللازم.. إطلاقاً..
بل بالضبط J
توقفنا في آخر مرحلة من رحلة البحث
بينما الفجوة تمتد حتى حوالي 700 سنة..
والآن مع الاختبار المعمليّ فإن 600 سنة واجبة الخصم من الفجوة،
فتصير:
حوالي 700 سنة – 600 سنة = حوالي 100 سنة J
وهذه الـ"حوالي مائة سنة" (فارق في التأريخ بين الكتاب
والمعمل) تعود إلى قبل 4500 سنة (2500 قبل الميلاد) ما يعني نسبة خطأ .212%
ونسبة الخطأ في الاختبارات المعمليّة المعتادة تزيد على ضعف ذلك،
وتثُبَل حتى 5%..
وعليه فيمكن عدم اعتبار الفارق أصلاً..
الفارق الآن بين تاريخ الكتاب المقدس وتاريخ الآثار بحكم معامل
القياس هو 100 سنة أكثر أو أقلّ..
وحكاية "أكثر وأقلّ" لها كلام
لاحق سيقود لمزيد من تضييق الفجوة حتى تنعكس
ويصير فالج سابقاً على نارمر،
كما ينبغي بداهةً في حال اعتبار صحة تأريخ الكتاب القدس..
ومع ذلك، فلن يُؤخَذ هنا بأي "اعتبار"، بل ستتم مواصلة
النظر:
واختبارات تالية
تخبر بالمزيد:
وعند إجراء الاختبار على "مصطبة" سقارة المنسوبة للملك
"كا عا" (آخر ملوك الأسرة الأولى)، ظهر أن:
"نتائج الاختبارات المعمليّة أظهرت أن تواريخ الراديوكاربُن،
باعتبار عمر النصف يساوي 5730 سنة،
تتفق جيداً مع التزمين التاريخيّ حتى زمن الملك سي-ان-أو-سِرِت
الثالث، أي حوالي 1680 قبل الحقبة الحاليّة
(يقصد قبل الميلاد وسبب تغيير التسمية شائع في الأوساط التي تنزع
لتغيير أيّة إشارة للإيمان المسيحيّ ومفهوم السبب)،
ولكن هناك افتراق كبير بين التاريخين (أي بين التاريخ الورقيّ الاعتباريّ وبين التاريخ حسب اختبارات
الراديوكاربُن)
في حالة العيّنات الأقدم ... " [xlvii]
التقرير العلميّ هنا يقرّ صريحاً أن الاختبار يتوافق مع المعروف
من التاريخ القريب ويختلف عن البعيد..
والتاريخ القريب يتفق كما هو معروف من الأبحاث مع ما ظهر منه في
الكتاب المقدس،
ولا تضارب بينهما، بينما التضارب الكبير هو بين التأريخ الورقيّ
الاعتبلاريّ وبين الكتاب المقدس،
والآن فنتائج اختبار الكاربُن تخالف التاريخ الورقيّ الذي طالما
عيّروا به الكتاب المقدس بلا أمانة علم أو نزاهة ضمير ..
معنا إلى الآن من اختبارات الكاربُن نتيجتان: أن التاريخ الموافق
للكتاب المقدس موافق لنتيجة الاختبار..
وأن الفجوة التاريخيّة المظنونة تزيد ستمئة سنة بغير وجه موافقة
للقياس المعمليّ..
وليس المُنتَهَى بعدُ، بل بقية الأخبار تتوالى:
ليس رأس التاريخ يقترب فقط بل الأزمنة البينيّة تضيق!!
وفي اختبار لمصطبة كاعا آخر ملوك الأسرة الأولى بحسب جدول مانيتو [xlviii] :
"... القصب الذي أُخِذ من "مصطبة" كاعا في
سقارة، الأسرة الأولى، تم تأريخه في معامل بحث المتحف البريطانيّ.
تاريخ الراديوكاربُن الذي حُصِل عليه هو 2450 + 65 قبل الحقبة
الحالية" [xlix]
النتيجة المزيدة الآن راديوكاربن يقضي بتضييق التاريخ الاعتباريّ
بينيّاً، وينزل بـ"ثلاثمئته-مئتيه" إلى مئة واحدة أو حتى نصف ذلك..
وهذا منطقيّ ومتوقَّع من حيث أن إبعادهم لرأس التاريخ اعتمد على تطويلهم
لفتراته البينيّة..
المحصلة من اختبارات الـ"راديوكاربن" بها ثلاثة نتائج
تزن الواحدة ثقل صخرة جرانيت تقوم بمسلّة كبرى على سيرة الأسرة الأولى:
1) رأس تاريخ الأسرة الأولى يقترب بـ
600 سنة..
2) التواريخ البينيّة للأزمنة الأبعد
تضمحل حتى الثلث..
3) كلما زاد بُعد التاريخ افترق حكم
المعمل عن حكم التقديرات الاكيديميذة الورقيّة ليوافق الكتاب المقدس..
إلى هنا وبعد عناية في التفسير وأناة في تتبّع رحلة "التأريخ
الأكاديميّ" فقد وصلت الرحلة والفجوة المظنونة
التي بدأت بطول أربعة آلاف سنة موهومة وتزيد،
حتى اضمحلت وهبطت تحت الصفر ولم يبق فيها حَجَر على حجَر، بل وتاركة
فسحة أيضاً لمزيد من الأجيال التي أهمل الكتاب ذِكرها،
لدواعٍ قدّرها كاتبه الذي هو الروح القدس في يقين المؤمنين..
كيف وصل البحث حتى تحقّق هذا الإنجاز؟ ليس إلا تفسير بسيط مباشر
شعاره الثقة في النص الكتابيّ،
وتقارير علميّة معمليّة هي يقيناً محايدة ولا تنحاز للكتاب المقدس
بالنظر للجهات المُصدِرة لها..
انتهينا؟! ليس بعد: تبقى جولة مع محاولة "أكاديميّة "
أخيرة!! وتلك ستبدو داعية لليأس أولاً،
ولكن... البحث يسير بذات الامانة والدقة،وسيظر ماذا سيكون:
"المُحايَلة"
الأخيرة The Last trick
حلقات الشجر آخر حلقات التحايل.
أقول "مُحايَلة" وليس "محاولة"
trick rather than try، فما سيُعرَض الآن هو احتيال trickery وليس مجرد محاولة trial..
ولا أتكلم عن نيّة العلماء، ولكن عن وصف موضوعيّ للعمل العلميّ نفسه..
بدأت محاولة كسر شهادة الـ"راديوكاربن" باستعجال لصيق بإعلان
نتائج الاختبار التي وافقت الكتاب المقدس،
وأطاحت بالتقديرات الأكاديميّة لتاربيخ "الورقيّ" الجانحة..
كانت البداية مع ملاحظات "دي فري" سنة 1955 بشأن مخالفة
تواريخ عيّنات من الشجر في كاليفورنيا "معروفة التاريخ" (بحسب تقديره)
للنتيجة الظاهرة من إجراء اختبار "الكاربُن المُشعّ" عليها،
وسُرعان ما انهمك غيره في محاولة إيجاد منحنى لتعديل قراءات اختبار
"الكاربُن المُشعّ" فكان عمل "ستُوفَر" سنة 1961 [l] ،
حتى بدأ استقرار أمرهم مع "مُعامِل تصحيح ستُوفَر وسويس"، [li]
الذي كان النموذج الأول فيما استمر بعدها من العمل في حلقات الشجر
لـ"تعديل" اختبار الكابربُن المُشِعّ"..
لقد سبق عرض عِدَّة شواهد، لمحاولات التحايل
على نتائج اختبار الـ"راديوكاربن"،
وعرض شهادات ثابتة لاستنكار تلك التحايلات من غير عالِم مشتغل بهذا
الموضوع،
وأما الآن فمع الوصول لهذا الفصل الخصوصيّ لمراجعة هذه القضيّة
فنيّاً فقد لزم التمعّن ببعض التركيز الأدقّ، وببعض التفصيل المتأنِّي،
في نقد تلك المحاولة "العلميّة" لتغيير نتائج اختبار الـ"راديوكاربُن"
التي صُدِّرَت من الأكاديميا كمسوِّغ للعصف بتزمين الـ"راديوكاربن"
الموافق للكتاب المقدس، واعتماد التزمينات الافتراضيّة المُبالَغ فيها [lii] ..
علماءٌ كاربُون من الكاربون
لما خالفت نتائج اختبار
"راديوكاربُن" ثوابت "ورقيّة" محل يقين في عُرف الأكاديميا،
وهي تحديداً تزمين الآثار والتاريخ الإنسانيّ القديم،
وقبله التواريخ بالغة القِدَم من عيّنات ما قبل التاريخ (وهو ما وافق
تزمين الكتاب المقدس في نفس الوقت)،
فقد اتجهت جهودهم لإثبات خطأ اختبار "راديوكاربن" واحتياجه
لمعاملات تصحيح أو معايرته على منحنيات تعيد تقييمه Calibration..
وانتهت المحاولات بـ"تعديل" قراءات الكاربون بناء على
منحنى تم تقديره من اختبارات قائمة على تزمين بعض جذوع الشجر!
وسأخفِّف عن متن النص بعض ثِقَل شرح نظرية أولئك بنقلها لمنطقة
الهوامش[liii] ..
وافقت تلك القراءات المنحنى التقليديّة
للـ"رايدوكاربًن" في الألفي سنة الأقرب،
وخالفته فيما قبلهما وتوالت المخالفة وتوسيع التزمين لأبعد سحيقة
كلما بعُد الزمن!!
وفي كل ذلك وافقت التقديرات الورقيّة التقليديّة!!! وعلامات التعجّب
ترصد عوامل تشكيك يفهمها الفهماء..
ليس قصدي علميّاً ولا حتى انحيازاً للكتاب المقدس، هو الدفاع عن
دقة اختبار الـ"راديو كاربُن" مقابِل التشكيك في منحنَى
"تعديله" ذاك..
فبداهةً لم يقل أي عالم بتمام دقة قراءة الـ"راديوكاربُن"،
بل لعل موافقته للكتاب المقدس تزيد ولا تقل كلما زادت دقّته،
فمثلاً إذا زادت دقته فالأرجح أن يزيد تقريب الزمن لا زيادة إبعاده،
لم لا؟
فأكثر عوامل عدم الدقة تنحو نحو إقلال معدل الإشعاع لعوامل تشبّع
الجو بإشعاعات خارجيّة،
ولكن على كل حال فإن "تعديل" دقة القراءة الإشعاعية تلك
بالنظرية البديلة،
التي قامت على استقراء أزمنة جذوع الشجر بها من عوامل التشكيك والفشل
ما يتجاوز المعقول علميّاً،
وسأظهر الآن أن هذا ليس تقديري وحدي، ولا كلام هواة، ولا ادعاءات ذوي
غرض:
عندما يختلف العلماء يظهر المسروق!
وقبل أن أعرض المشاكل الفنيّة الضاربة بحقّ في صُلْب هذه الطريقة،
وباعتباري هاوياً غير متخصِّص
رغم كل شئ،
ولفهمي لاعتمالات القلق لدى القارئ المتابع غير القادر على استيعاب
كل النقاط الفنيّة،
أرى الآن الانتقال المخالف للترتيب التاريخيّ لنقطة تطمئن أي واحد
ويفهمها الجميع،
وهي لطمأنة القارئ المُتابِع، حتى يتابع النقاط الفنيّة التالية
بأكثر اطمئنان لصحة النتائج التي تعرضها..
وهي النقطة التي طال ترقبي لها وتوقعي لحدوثها دون دليل عليها في
اليد إلا التوقّع، حتى ظهر سيد الأدلّة دامغاً إياها— الاعتراف بها!!
إنها نقطة هديّة أتت لي وأنا أنوي إغلاق هذا الملف مكتفياً بكل الدقة
الظاهرة فيه علميّاً،
تاركاً إثبات التلفيق لتقديرات منطقيّة لا يملك أحد معروف دليلاً تجريبيّاً
دامغاً Empirical
عليها..
ولكن ظهر البرهان وتوفَّرَت تلك النقطة واظن ان أفضل موضع لعرضها هو
هنا..
وأما تلك النقطة فهي أن العمل كله غير علميّ وغير بالغ الدقة ويشوبه
التلفيق إن لم يكن هو كل أساسه أصلاً..
إنها النقطة التي سبق وتوقّعت حدوثها، ولكن لم أتوقّع الاعتراف بها!!
إنها النقطة التي سبق وتوقّعت حدوثها، ولكن لم أتوقّع الاعتراف بها!!
الآن توفّر الاعتراف بها كهديّة مقبولة ومشكورة، ما يدعو بتقديمها هنا قبل خوض خضمّ الفنيّات، لإضفاء الطمانينة على عموم القرّاء،
،
لتوفير المتابعة الهادئة والتركيز الصافي في متابعة بقية النقاط..
ويلزم هنا الاستطراد في قصّة تبدو غير
مرتبطة، ولكنها تقود لنتائج ولا أقوى في ارتباطها، فاستسمح بعض الصبر:
في السنوات الأخيرة تفاقمت أزمة الاحتباس الحراريّ Global Warming،
وظهرت نظريّة تفيد بأن كثرة عمل المصانع الكبرى يطلق عوادم ساخنة
تزيد من درجة الحرارة من ناحية،
وتغيّر طبيعة الغلاف الجويّ الذي يتغيّر فيصير كجدار حابس للحرارة،
فتتزايد الحرارة أكثر وأكثر..
وتعالت التحذيرات من الدوائر العلميّة للخطر الحتميّ ما لم يتمّ
التدخّل السريع..
ولكن محاولة التدخلّ العلميّ لحلّ هذه المشكلة له أثار اقتصاديّة
وسياسيّة خطيرة..
فالإجراءات المُقتَرَحَة لن تخرج عن تقليل طاقة تشغيل المصانع،
وستتضرّر أكثر الدول الأكثر تصنيعاً..
ما علاقة ذلك بقيّة التزمين التاريخيّ التي هذا البحث بصددها؟
علاقة من حيث لا يتوقَّع الواحد.. كأي جريمة تنكشف من حادث يبدو غير
متعلِّق بها..
ظهرت نظريّة مضادَّة لافتراض تزايد درجة الاحتباس الحراريّ بسبب تشغيل
المصانع الكُبرى..
النظريّة المُضادَّة تقرِّر أن درجة حرارة الغلاف الجويّ لم تزِد
وأنها كانت كذلك طوال الأزمان الماضية..
ومفهوم أن صراع النظريّتين سيقع في حقل القراءات المعمليّة المحفوظة
في السجلّات القديمة..
ولم تُحسَم المعركة العلميّة المُساقة بالمصالح الاقتصاديّة رغم
ذلك..
حتى ظهرت فكرة لدى أحد المختصِّين بتحليل البيئة اسمه دوج كينان Doug Keenan ،
وفكرته كانت الاستعانة ببيانات الشجر هذه التي تواصل جمعها عبر 40
سنة حتى تم تأريخها بالطريقة السالفة الشرح..
فكرته بديهيّة ومُبَرَّرَة، فالشجر يحمل معلومات بيئته، ومتى صحّ
تزمين كل شجرة صحّ معه تزمين خريطة تحوّلات البيئة..
ورفضت الجامعة فرفع قضيّة كسبها، وحكمت المحكمة بتسليمه كل
البيانات..
وهنا اعترض أحد العلماء الذين رسموا تزمين عيّنات الشجر، وعدَّلوا
منحنيات اختبار راديوكاربُن بالتبعيّة،
وأصرّ انه لا جدوى من تلك البيانات للإفادة بمعلومات عن البيئة في
الأزمنة المُقرَّرة لكل عيّنة بحسب قراءته هو وزملائه عبر تجميع عشرات السنوات،
والعكوف على تزمين آلاف العيّنات طوال سنوات الثمانينيّات من المئة
العشرين!!!
العيّنات الشجريّة لا تفيد في دراسة البيئة في زمنها؟ كيف هذا عن لم
يكن زمنها غير صحيح! لا معنى آخر وإلا فليفِد أي متخصِّص بأي معنى آخر..
هذا تصريح يقلب كل موائد العمل الجبّار في تزمين عيّنات الشجر،
وبالتالي في "معايرة" اختبار الـراديوكاربُن..
ثم أضاف هذا العالم تعبيراً مثيراً بمثابة تسمير للموائد المقلوبة حتى
لا تقوم لها قائمة ثانيةً، فقال عن العمل "ملكيّة فكريّة"،
وشرح قصده، فظهر أنه ليس على سبيل المجاز، ولا بِقَصْد الاحتفاظ
بالحقّ الأدبيّ..
إنه يقصد صريحاً أن العمل المعياريّ والقراءات العلميّة هي تقدير
إبداعيّ للعالم "الدندرولوجيّ"!! [liv]
صاحب هذا التصريح الصاعق هو العالم مايكل
بيلي Michael Bailie ،
وهو نفسه M. G. L. Bailie
صاحب كتاب A Slice Through
Time, Dendrochronology and Precision Dating
فما
هي "الملكية الفكريّة" Copyright
التي وصف بها العالم الدندرولوجيّ منحنياته وتزمينه الذي يستندون إليه في تخطئة
الكتاب المقدس؟
بحسب تعريف مكتب براءة الاختراع والعلامة التجاريّة في وزارة التجارة
للولايات المتذحدة الأميركيّة،
فـ "الملكيّة الفكريّة تحمي المؤلَّفات، مثل الكتابات،
الموسيقى، والأعمال الفنيّة المُعبَّر عنها بشكل ملموس" [lv]
ولو كان قد قال "براءة اختراع" لما كان هذا مقبولاً، فما
الحكم وقد قال" ملكيّة فكريّة"؟؟؟
إن براءة الاختراع هي حماية للاختراعات والقياس المعياريّ ليس
اختراعاً،
وإنما عمليّة قراءة لعيّنات، فكيف بها تكون ليست حتى اختراعاً بل
"ملكيّة فكريّة"؟؟؟!!!
هل هذا معقول أن يقصد العالم صاحب العمل العلميّ القياسيّ والمعايرة
الكبرى التي تحدد عليها دليل "علميّ" أعلى لتزمين التاريخ القديم كلّه،
هل معقول انه يقصد بتعبيره هذا المعنى؟
بل لا يمكن أن يقصد غير ذلك، ففضلاً عن أنه عالم أكاديميّ وليس هاوً
يهرف بالألفاظ الاصطلاحيّة،
فخط سير كلامه أنه يدفع بعدم صلاحيّة العمل للتثبّت من طبيعة تطوّر
المناخ البيئيّ،
ويزيد فيؤكِّد: "هذا رأيي المُعتَبَر" ويتوقَّع: "رغم
أنه بلا شك قليلون هم من سيقبلونه" [lvi] ، ومعه حقّ بمعنى ربما لم يقصده هو نفسه:
فمن يقبل أن يقوم عمل علميّ قياسيّ لمُعايرة اختبار رئيس هو الـ"راديوكاربُن"
على إبداع شخصيّ للدندرولوجيّين؟؟؟
فإذاً ليس هناك احتمال آخر لقصده من الكلمة..
إنهم يبدعون قراءات للعيّنات الماديّة الحاضرة، لتوافق سابق
المطلوب؟!
نعم: إنهم يتنطَّعون على تاريخ الكتاب المقدس بناء على "كوبي
رايت" لعمل إبداعيّ..
أول النظرية مشاكل
والآن وبعد كشف الإشكال الأخلاقيّ بكلام واضح فادح فاضح، فأنني لم
أصل إليه في بداية القصّة،
بل بمتابعتها العلميّة المُدقِّقة المتجرِّدة وبإزاحة كل الهجوم
الأرعن والمنحاز مُسبَّقاً ضدها،
وصلت إلى أنه إما ان تكون صحيحة، وتحتاج لضبط وتدقيق لتفسير أوجه
العوار الظاهر فيها، وإما ان يكون هناك عمل خداع دفين..
فالآن بعد أن ترجّح قصد الخداع بقوة، فأتى دور ما بدأتُ به من انلظر
في أوجه الإشكال الفنيّ،
وهي ليست بقليلة ولا هينة وإن لم تقطع نظريّاً بخطأ النظريّة من
جذورها على كل حال..
وهذه هي أوائل النقاط التي سجّلتُها من النظر في الورقة الباكرة الأولى
بقلم العالم "سويس" نفسه، والتي تظهر فيها بسهولة نقاط الارتباك
التالية:
1) عدم مصداقيّة العيّنات بإقراره مع زميله "ستُوفَر":
تُقرّ
الورقة الأكاديميّة التي أنتجها "ستوافر" وسويس" سنة 1966 في
دوريّة "راديوكاربُن" بأن عامل التصحيح تبع نظريّتهما
بأن
قراءة العيّنات بعد تطبيق النظريّة عليها تعطي نتائج متشابهة لسنين طبيعية
متباينة،
أي
أن القراءة مثلاً تُزمِّن عينتين متباينتين بين تاريخيهما الطبيعيّ 70 سنة بأنهما
تعودان لنفس التاريخ[lvii] ،
2) والعكس صحيح أيضاً ما لم يملك صاحبا الورقة العلميّة إنكاره:
أي
أن قرائتين لعيّنتين من نفس السنة الطبيعيّة تعطيان نتائج متباينة في حسبان نظريّة
"تصحيح" قراءة الكربون!!
وهذا
نص ما تقول الورقة: "رغماً
عن أن كل سنة طبيعية لها عمر راديوكاربُن واحد،
فإن
العكس غير صحيح.على أن في بعض الحالات يحدث العكس ولاسيما في آخر خمسمئة
عام"[lviii] ،
3) الاختباريّة المريبة Suspicious
Non-verifiability
إن
ما انتهى إليه العمل واستقر عليه المنحنى إيّاه يعطي شكلاً مثيراً للريبة العلميّة
والأدبيّة جميعاً..
فإن
قراءة المنحنى تقترب كثيراً من التاريخ الطبيعيّ للعيّنات في التاريخ القريب حتى
1000 سنة قبل الميلاد،
بينما
تغيّر قراءة اختبار الكاربن المشع تغييراً كبيراً حين تكون قراءة الاختبار الأصليّ
قديمة جداً..
معنى
ذلك أنه حين يقرأ اختبار الكاربن المشع عينة ما بأنها تعود لتاريخ قريب حتى نحو
سنة 1000 ق. م.
فإن
"تعيدل" المنحنى للقراءة لا يكون ذا بال،
ولكن
حين تكون قراءة اختبار "الكاربُن المُشِعّ" كبيرة لعينة قديمة جداً فإن
المنحنى يغير القراءة تغييراً شاسعاً..
ويترتّب
على هذا أنه حين تكون العينة من تاريخ معروف له شواهده فإن المنحنى لا يبتعد عن
هذه القراءة الممكن إثباتها ورقيّاً،
ومن
ثمّ يمكن اتيقاف قراءة المنحنى لو شتّت،
فأما
حين تكون العينة تعود لتاريخ بعيد حيث يستحيل إثبات صحته ورقيّاً ولا يبقى شاهداً
عليه إلا تاريخ اختبار "الكاربُن المُشِعّ"،
فهنا
"يترخّص" المنحنى "التعديليّ" ويجعل القراءة بعيدة جداً جداً
جداً!!!
وشكل
المنحنى "التعديليّ" لقراءة اختبار الكاربُن المُشِعّ الذي استقرّ أمرهم
عليه " تُظهِر ذلك! [lix]
ولكن
في ورقة "ستُوفَر" وسويس" المبكرة فإنها لا تعرض إلا جزء المنحنى
الذي لا يشتّ بعيداً،
كانمايأخذ
مصداقيته من المنحنى الأصليّ الذي يزعم تصحيحه!! [lx]
كما
لا تعرض نفس الورقة من القراءات الرقميّة إلا ما يخص هذا الجزء "الآمن"
من المنحنى،
مع
زحف حريص للمنطقة الوسيطة حيث لا تبقى الفروق في حيّز التقريب غير المثير
للانتباه..
وتلك
كانت النقطة الأكثر إثارة للانتباه والريبة وهي ما بدأتُ النظر به في ترتيب قيامي
بالبحث!!! [lxi]
4) وتشكيك جادّ آخر في تلك الطريقة لـ"تعديل" قراءات
الـ"راديوكاربًن" لم يظهر في ورقة "سويس" الباكرة تلك،
ولكني توقعته وظهر بالفعل فيما بعد بإقرار
العالم "بيلي" وعلى مستويين،
وأعني به مشكلة "المنطق الدوريّ"
Cyclic (or Circular) Reasoning!..
ولكن الحكم برفض النظريّة بفعل اعتمادها على "المنطق الدوريّ" ليس صحيح
تماماً مثلما ليس هو خاطئ تماماً من حيث المبدأ..
وهنا لي استيقاف لتسرّع بعض "الدفاعيين
الاندفاعيين" الذين يستسهلون بعد علم وصبيانيّة القذف بعامل التشكيك هذا دون
تأنٍّ نزيه، [lxii]
وسأذهب لأبعد من هذا فأقوم، كما يحق علميّاً وضميريّاً، بتخفيف وطأة هذا العامل
على ذلك المُنحَنَى "المُعدِّل"..
فما هو صحيح القول؟ المنطق الدوريّ باختصار هو إثبات الشئ بنفسه،
وفي النظريّات العلميّة المعقدة فإن صورته لا تظهر بفجاجة هكذا ولكن تأخذ صوراً
جزئيّة يتوه في ثنايا تفاصيل النظريّة اتصال النتائج البينيّة
بافتراض صحة النظريّة كمعطيات لازمة للوصول للنتيجة..
ولكن عندما تكون هذه الظاهرة جزئيّة فإن المنطق الدوريّ لا يُدمِّر النظريّة تماماً،
ولكنه يضعها موضع الاعتماد على لون من ألوان "المنطق الاختطافيّ" Abduction..
مثال ذلك في حالتنا كما أتوقَّع مسبقاً أن بعض فقرات المنحى لا تجد أشجاراً تمتد
لزمان أبعد معينة التاريخ ببرهان أو حتى بمؤشِّر مستقلّ عن ذات النظريّة،
فيعتمدون على قياس زمن أول حلقات بعض العينات بإخضاعها للتزيمن
بالـ"ايدوكاربُن" ثم تطبيق ذات المُنحَنَى محل النظر هنا عليها،
ومن ثم يمتدون في تحديد المنحنى بناء على افتراض صحة تلك النتيجة وتوالي بقية
الحلقات عبر الزمن بناء على ما افترضوه لأول حلقات العينة..
هذا طبعاً يُضعِف بعض فقرات المنحنى منطقياً (بافتراض قوة بقية فقراته القائمة على
افتراض صحة إجراء الاختبارات التي هي محل النظر من الأصل)..
ولكن إن قُبِل افتراض صحة إجراءات التجربة وصحة نتائجها، فإن هذا العيب لا يقدح
تماماً في النظريّة،
وإنما وفقط يُحيل تلك المناطق من المنجنى إلى نفس درجة التشكك التي تعيب أصل
النظريّة ويعود السؤال لموضعه الأول..
ثم هناك درجة "دور" آخرى ظهرت باعتراف "بيلي" (السابق عرض اعترافه في الفقرة التي اتت كهديّة وأُضيفَت
مؤخراً للبحث) وسيلي عرضها في دورها..
في كل ذلك فإن الدليل الوحيد العلميّ الذي يطمئن لصحة تلك التجربة هي ما ينعكس في
إصرار "بيلي" على أن النتيجة ذاتها تكرَّرت ثلاث مرّات Replication
وتوافقت في كل مرة بين مجموعة كاليفورنيا ومجموعة إيرلندا ومجموعة ألمانيا،
ولكن هذا الدليل الوحيد علميّاً حتى الآن في القصة يعيبه مرة جديدة منطق دوريّ،
من حيث أن بعض فقرات المنحنى في عمل فريق عجز عن إيجاد العينات اللازمة له فاستعار
نتائج منحنى فريق آخر..
وهذه درجة سطحيّة واضحة للمنطق الدوريّ.. ومع
ذلك فأضع هذه الملاحظة موضع أنها تضعف من اعماديّة تلك النظريّة ولكن لا تحطمها..
وإنما مع بقية الملاحظات ثم مع التشكك الضميريّ في عمل القائمين عليها فإنها تفقد
اعتماديتها تماماً إلا لذوي الغرض والمرض..
علماء يعترضون وعلماء يعترفون
لم يحتج الأمر لمفاجأة مدويّة متأخِّرَة، كاعتراف
"بيلي"، ولا إشكالات الورقة الأولى، كما ظهر في الفقرة السابقة، لرزل
تلك النظريّة،
فمن يُمعِن متابعة القصّة من بدايتها حتى أواخرها يجدها تعجّ
بالإشكالات التي يزعق بها نقادها وتشي بها ردود المنحازين لها!!
من ذلك ما تحفّظ به العالم ديفيد ياماجوتشي David
K. Yamagutchi على تزمين عيّنات الشجر نفسها
(أي حتى قبل استخدامها هي في إعادة تزمين اختبار الـ"راديوكاربُن")،
ويقوم تحفّظه على اختلال أساس سبق توضيح أهميّة توفره في شرح نظريّة
حلقات الشجر أعلاه، كما سبق توقّع صعوبة توفّره..
وهذا الأساس اللازم هو "النمط لا يتكرّر في حلقات الشجر من في
زمانين مختلفين"..
ولكن ياماجوتشي فيشير لعدم تفرّد أنماط حلقات الشجر، النمط الواحد
لوقت واحد،
بل هناك عيّنات لُوحِظ تكرارها وتنتمي لزمانين مختلفين [lxiii]..
يقول ياماجوتشي في تقديم ورقته: "تحليل الارتباط (كوريليشن) يفترض أن
المُلاحظات المُفرَدَة مستقلّةٌ إحصائيّاً.
وبما أن فهارس (يقصد التسلسل الزمنيّ) حلقات الشجر مرتبطة حتماً على
التوالي،
فإن المُعامـِلات المُقارَنَة cross-coefficients المحسوبة بين سلاسل حلقات الشجر المعياريّة هي
زائفة وتعاني من التضخّم"
[lxiv] ..
زائفة وتُعاني من التضخّم!
وبعد عدة صفحات من شرح مثال لإشكالية برنامج الكمبيوتر الذي يحسب
تسلسل عيّنات الشجر المستخدَمَة، فإنه يقول:
"هذا المثال يوضِّح أن مُعامَلات ارتباط مُقارَن cross-correlation زائفة ومُتَضَخِّمة
تنشأ عندما تُحسَب بين سلاسل حلقات شجر مرتبطة ذاتيّاً autocorrelated.
إن الارتباط الذاتيّ هو ملمَح يعمّ بيانات حلقات الشجر من أكثر
المناطق (يضع ثلاثة مراجع – انظر الهامش التالي) ...
ولكي نوضِّح، فإن تزمين سنديان سكوتلاندا (بيلي 1977) ظهر به معامل
ارتباط ذاتيّ من الدرجة الأولى بقدر 0.544،
ومع ذلك فقد تم مقارَنَة ارتباطه مع كثير من التزمينات العائمة
(يقصد تزمينات لعينات أشجار غير معروف بداية زمنها ونهايته لكن
التزمين يقع على طول فترة عمرها البينيّة) (بيلي والآخرين 1985)" [lxv]
ويقترح في النهاية لتصحيح هذا الزيف والتضخّم استخدام برنامج كمبيوتر
مختلف ARIMA [lxvi]
ولكن من يتابع عمل بيلي ورفاقه يعلم أن برنامج CROS لم يتغيّر استخدامه J
ولم يُذكَر شئ عن تحوله لبرنامج ARIMA المُقتَرَح..
ما معنى كل هذا الكلام؟
معناه، لغير المتخصِّص بكل بساطة أن تحديد الزمن النسبيّ بين عيّنتين
يستلزم أن يكون تحديد زمن كل منهما أصلاً حُسِب مستقلاً عن الآخر..
ولأن حلقات الشجر يُحسَب زمن العيّنة فيها بناءً على قياس تشابهها
بعيّنة أُخرى،
فالنتيجة النهائيّة زائفة وقياساتها متضخّمة باعتبار تراكم الخطأ من
حلقة عبر أُخرى..
هذا أبسط ما يؤول إليه كل هذا التعقيد، ألخّصه هكذا على مسئوليّتي
العلميّة والأدبيّة..
وفوق ذلك العوار "الكيفيّ"، فهناك مصيبة
"كَميّة"،
إذ أن قيمة "مُعامِل الارتباط الذاتيّ" الذي أورده العالم ياماجوتشي
بمرجعيّة لكتب علميّة كبرى أُخرى، هو 0.544،
وهذا معناه نسبة خطأ عالية، وشرح ذلك أن السلسلة التي تتوافق مع نفسها
يكون معامِل الارتباط الذاتيّ مكافئ للواحد الصحيح،
بمعنى أن زيادة الزمن بين نقطتين عليها بينهما عدد معين من الحلقات
يكافئ نفس الفارق الزمنيّ بين نفس عدد الحلقات في جزء آخر منها،
ولكن عندما يكون المعامَل بنسبة 0.544،
فهذا يُعني أن الجزء المعنيّ بالقياس يقلّ الفارق الزمنيّ بين نقطتين
فيه
بينهما عدد من الحلقات بنسبة تقترب من النصف مقارنَةً بالجزء المتخذ كمرجع
للسلسلة،
أي أن ما أقيم على المرجع خالفه بنسبة النصف تقريباً عند مقارنتهما
بطريقة مستقلّة!!
هذا بتسمية منطقيّة أُخرى اسمه "منطق دوريّ" Cyclic or Circular Reasoning
أي إثبات الشئ بنفسه (وهو ما سبق توقعه
والإشارة إليه في بداية النظر الفنيّ)..
إذاً تم تحديد زمن عيّنة بناءً على الحكم بتشابهها مع عيّنة أُخرى
سابقة،
فكيف يُثبَت من النتيجة المُفتَرَضَة عمر العينة الأولى التي قيس
بناءً عليها أصلاً عمر العيّنة الثانية؟
هذا أسهل شرح لعنصر ضعف كل النظريّة المختبئ أو المتواري أو التائه
بين قياسات معقدة، ومقارَنَة بين عشرات آلاف العيّنات،
واستخدام نظريّات إحصائيّة واحتماليّة عالية التعقيد..
وبمناسبة "المنطق الدوريّ" فهناك عدة مراحل يضرب فيها
المنطق الدوريّ في عمليّة التزمين ومُعايرَة قراءات الـ"راديوكاربُن"،
أهمها الحلقة الكبرى في رسم الفقرات "العائمة" من منحنيات
أوروبا..
ولقد بنى العالم نيوجروش رده على مايكل بيلي بهذه النقطة بين غيرها..
[lxvii]
يُلاحَظ في كل ما سبق من احتجاجات ومناقشات علميّة، ظهور اسم
مايكل بيلي Michael Baillie في كل الاحتجاجات العلميّة
المُضادَّة،
وهو العالم الذي أقر أخيراً إقراره المذهل ان العمل كله "كوبي
رايت"!
ومايكل بيلي مشكوراً لم يترك الجدليذة العلميذة تمر بسمتها
العلميّ المعقد صامتاً عن تلك الإشكالات المتوارية،
حتى يفاجئنا بتصريحه الصاعق، لا بل قد سبق له وأقرّ برزانة وهدوء، في
زمن قريب من حراك المناقشة (1995)،
أن التزمين القائم على حلقات الشجر يعاني فعلاً من الاعتماد على دليل
دوريّ (أي ليس دليلاً مستقلاً قاطعاً)،
ويزيد أن دليله الآخر وهو التزمين الألمانيّ المنافس ثبت وجود خطأ
به [lxviii] ..
أما بقيت حجّة لحلقات الشجر؟
ألم تقم قياسات حلقات الشجر ومقارنة تزمينها بنتائج "راديوكاربُن"
الملازمة لها، على عيّنات شجريّة في أوروبا،
بغير ارتباط بالتاريخ المصريّ، وانتهت بالتوافق مع التاريخ التقليديّ
له؟
أليس توفّر شاهدين مستقلّين يؤكد بعضهما البعض؟
يعبِّر مايكل بيلي عن هذا المعنى البديهيّ، والذي لم انتظره
ليقوله حتى أثبته،
ولكن على كل حال فقد قاله في ورقة بعنوان: "منحنيات المُعايرة
مقبولة الآن من مجتمع الـراديوكاربُن".. [lxix] .
هذه حجّة ظاهرة القوّة، ولكن عليها ردود بعضها تجد تأصيلها في
كلام "بيلي" نفسه:
الرد الأول مثير في ثنايا الكلام عندما قال "بيلي" أن
تزمينَى الشجر "الإيرلنديّ" و"الأميركيّ" مستقلان عن التزمين
التقليديّ المصريّ ويتفقان معه..
ولكنه لم يقل ما كان يلزم قوله وهو أن التزمينَيْن الشجريّين هما
ذاتيهما مستقلَّين عن بعضهما البعض!
وذلك لأنهما ليسا كذلك كما لم ينكر هو نفسه.. وبذلك تنزل الشهادة من
قوة ثلاثة إلى اثنين مبدئيّاً وفي انتظار البقيّة..
الرد الثاني من حيث المبدأ، من ذات كلام بيلي، إذ قال إن هذا أمر
احتماليّ وإن كان احتماله كبيراً في تقديره..
الرد الثالث أنه إذا حدثت صدفة في اختبار دخلت فيه عوامل كثيرة
فالصدفة يزيد احتمالها باعتبار وجود عنصر انتقاء غير موضوعيّ،
وعنصر تنافس يتطلّب وجود أدلّة تنصر متنافس على آخر وميل المتنافسين
بالطبيعة إلى طلب مُساندَة أي دليل "مستقلّ"،
فلا يعود بعد الميل نحو موافقته مستقلّاً..
الرد الرابع أن "بيلي" ذاته أقرّ، فيما مرّ عرضه، أن علم
الـ"دندرولوجب" الحقيقيّ هو ما يقيس عمر العينات مستقلّاً عن أي اعتبار
آخر..
والمشاكل التي تواجه القراءات ونتائجها هي مشاكل موضوعيّة في انتظار
ردود عمليّة علميّة بغير استناد لطلب موافقة موضوع هو نفسه محلّ اختلاف قبلاً..
كل ذلك مع افتراض حُسن النيّة بالتأكيد..
ثم خامساً ليس دائماً اتفقت منحنيات "بريسلكون"
مع التاريخ المصريّ، بل في الدولة القديمة ظهرت في عدة مرّات مبكِّرة بمئات السنين.. [lxx]
وبهذا فكل شهادات حلفاء "حلقات الشجر" لا تتفق في كل شئ،
مع وجود شبهة "الطبخ"،مع وجود اعتراف بأن تعيين حلقات الأشجار مثل الـ"ملكيّة فكريّة" أي لعمل أدبيّ "يُبدِع" فيه "المؤلِّف" بما يوافق هواه!!
فلا أعرف الآن كيف يبقى ذلك الشئ علميّاً مُلزِماً إلا للمصالح
"غير العلميّة" للبعض؟
أظن واضح الآن أن القضيّة قد عادت وفقط للمقابلة بين تزمين ورقيّ،
عوامل التشكيك فيه ليست بقليلة مع ما ظهر فيه من اقترابه مع كل بحث
جديد من تزمين الكتاب،
مقابل تزمين كتابيّ يوافقه قياس الـ"راديوكاربُن" المبدئيّ
الذي إن تمت زيادة دقته فلعله يزيد من توافقه مع الكتاب..
وليس هكذا تزمين ورقيّ ذا بال علميّ مقابل تزمين الكتاب المقدس..
عندما يظهر خصم جديد نوليه العناية،
ولكن الآن فتزمين الكتاب المقدس بلا متحدٍّ حقيق بالنظر حسبما يرى من
له نظر..
وأخيراً استخساراً لإلقاء بعض الفقرات البحثيّة التي تراكمت لديّ
عبر النظر الدقيق في هذا المبحث المثير، وشفقةً على المتابع،
فسأحيل أبرز تلك الفقرات بشواهدها المرجعيّة لساحة الهوامش [lxxi] ..
بين أقلّ وأكثر،،،
ونعود بعد نظر طال لتعقيده الفنيّ في آخر املحاولات
"العلميّة" لحفظ التزمين الورقيّ الرائج المخالف للكتاب المقدس،
نعود إلى حيث توقّفنا في رحلة تضييق الفجوة المظنونة، والتي كانت:
مُجرَّد 100 سنة أقل أو أكثر لزمن يعود إلى 4500 سنة مضت..
فما حكاية "أقل أو أكثر" وما دلالتها؟
- إن عوامل "أكثر" تنحصر في تقدير طول فترة انتقال
المصريّين الأوائل من العراق إلى مصر بعد تقسيم الأرض،
وحرب التوحيد بعد استيطانهم الأرض البِكْر، حتى استقرار حكم الأسرة
الأولى.. وقد قُدِّر ذلك في البحث سابقاً بنحو 100 سنة وهو تقدير كافٍ جداً..
وما كان تقديره كافياً في 100 سنة، فإنه إن زاد أيضاً على ذلك تكون الزيادة
صغيرة نسبيّاً،
لأن ما تلزمه مائة سنة من سفر وصراع حتى الاستقرار قد ينقضي في مائة
سنة وعشرة أو عشرين مثلاً، لا مائتين أو ثلاثمائة..
ولذلك فإن ما استقرّ النظر عليه في طول الفجوة (100 سنة أكثر او
أقلّ) إن كان اكثر فهو ليس أكثر أيضاً بعقدين من الزمان..
أما عوامل "أقلّ" فمتعدِّدَة، وبعضها إن تحقّق، فإن الخطوة
فيه كبيرة نسبيّاً..
+ فأكبر عوامل تقليص الفجوة هو وجود أجيال لم تُذكَر في الكتاب
المقدس، والخطوة في هذه الحالة بثلاثين سنة،
وهي متوسط فارق توالد الأجيال في هذه الفترة الدقيقة بين تارح وفالج..
وإن ثلاثة أجيال لم تُذكَر تحسم الأمر تماماً، وجيليَن أو جيل يجعل
الفجوة هينة على أي عامل تضييق آخر..
++ وزمن تقسيم الأرض نفسه يسبق فالج، لأنه تسمّى عليه عند مولده،
أي انه وُلشد بعده، وتقسيم الأرض عمل كبير يستمرّ لموجات متعاقبة،
ويبقى أثره لسنين، وبالتالي ففالج نفسه مولود بعد هذا الزمن، فيمكن
العودة بنقطة البدء قبله بفترة تخصم من الفجوة..
+++ والمبالغة في فترة الانتقال حتى الاستقرار وقت تقسيم الأرض هو
عامل آخر،
فقد تكون فترة الانتقال والاستقرار أخذت أقل من 100 سنة (التقدير
الافتراضيّ من ناحيتنا)..
++++ ونتائج اختبار الـ"كاربًن 14" قد تكون خطئاً في
الناحية العكسيّة، ناحية زيادة التقدير لا نقصانه،
وهي الناحية التي لم ينظر فيها العلماء الذين كان كل همّهم تقريبها
من الثابت اصطلاحاً بحسب حسابات ورقيّة نظريّة سابقة كما صرّحوا غير مرّة..
نعم ماذا يمنع أن ما قدّره الـ"راديوكاربُن" بأربعة آلاف
وخمسمائة سنة يكون في حقيقته 4450 أو 4400؟ ماذا يمنع؟ لا شئ!
كل ما هنالك سيكون نسبة خطأ نحو -2%.. الخطأ وارد بنسبةْ ما في
الاتجاهين، وهذا احتمال لم يضعه أي واحد في حسبانه،
إذ كان الجدل في حال تعمية بين اختيارين: أن تتعدّل نتيجة الاختبار
حتى تتساوى مع التزمينات السابقة المحسوبة نظريّاً،
أو أن تُقبَل النتيجة دون تعديل..
ولو اختفت هذه المعركة ونُظِر في نتيجة الاختبار بموضوعيّة تامة لتذكَّر
الجميع أن نسبة الخطأ الطبيعيّة هي واردة في اتجّاه الزيادة والنقصان..
ونسبة الخطأ المُوجَبَة الاحتماليّة هذه، والتي إذا صُحِّحَت ستزيل الفجوة تماماً،
هي أقل كثيراً (1 إلى 6) من نسبة الخطأ السالبة المُفتَرَضَة من قبل
العلماء الذين ينزعون لتكبير نتيجة الاختبار بمعامل الـ"تعديل" حتى 12%
وأكثر..
تتوفَّر إذاً أربعة أبواب احتمالات مفتوحة لإنقاص الفجوة، إن
تحقَّق بعضها فقط فيكفي لإزالة الفجوة تماماً،
بينما لا يقوم مُقابِلها إلا باب احتمال واحد لزيادتها، وزيادة ليست
كبيرة، إن كانت..
إلامَ وصلنا آخر الآخر؟
توقفنا عند فجوة بدأت أكثر من 4000 سنة وانتهت إلى 100 سنة "أقل
أو أكثر"،
وحسابات أقل أو أكثر تزيد ترجيح أنها أقل وانها بتحقق اتحمالات أقلّ
فالفجوة تختفي أو حتى تنقلب..
وهذا قول العلم الصادق الاسم واحتمالاته الدقيقة..
كلمات للتشطيب
التساؤل الأخير :)
Disclaimer
خلاصة العمل كله في سطور،،،،،
التساؤل الأخير J
وتساؤل أخير.. إذا حدث التنازل عن هذه الفقرة السابقة، بكل حسابات
"أقلّ" و"أكثر" فيها،
وبقي الفارق في الحسابات هو 100 سنة عبر 4500 سنة من تقادم الزمن،
هل كان أي واحد سيعتريه أي قلق ويثير أي تشكك من نسبة فارق 2% عبر
آلاف السنين؟
أم كان سيعتبر من تلقاء نفسه نسبة الخطأ المعمليّ من جهة واحتمال
وجود أجيال لم تُذكَر من جهة، وما كانت لتصير هناك مشكلة أصلاً؟
Disclaimer
هذه ليست محاولة للتشكيك في قيمة العلم وآراء
العلماء، وكفاءة الإبصار لدى عينايَ تشهد على تقديريهما للعلم والبحث،
ولكنها دعوة منطقية بأدلّة ساطعة قاطعة لتفنيد ظاهرة مؤسفة في جيلنا
الردئ:
فإنه لجِدّ مؤسف أن ما يصطلح عليه أغلب العلماء، ولفترة، يصير
عقيدةً عند الناس، حتى إن غَيَّر العلماء رأيهم، لا يتابع المتعصِّبون ما يجدّ،
ويبقون يتشاحنون من أجل ما خالفه العلماء أنفسهم، أو فضح بعضهم بعضهم
الآخر فيه.. ويبقى غير العلماء أصلاً:
- يتشاحنون من أجل ما ثبت خطؤه،
- ويُشيحون به في وجه من يصحّحه لهم،
- ويَشيحون عن الإيمان نفسه بالكتاب الصادق، ومن أجل ما ثبت نقصان
مصداقيّته..
خلاصة العمل كلّه في سطور،،،،،
·
زمن فالج قريب جداً من
زمن نارمر..
·
هذا لا يقلِّل من عراقة
مصر، إذ تبقى أقدم الحضارات وأقرب المجتمعات في بطن التاريخ
إلى
عصر تفرّق المجتمعات البشريّة التالي للطوفان،
وتبقى
هي أول دولة وأقدم مجتمع له حضارة مسجَّلة في "آثار أجيال ملئوا الدنيا حضارة
وانتصار" J..
وليس
قليلاً النظر إلى شعب عمره "4500 سنة" بدلاً من "7000 سنة"..
والأهم
من الماضي "الأغرق و الأعرق" الحاضر "الأشْرَق"، وهو المرجو
بنبوّات ذات الكتاب المقدس بالبركة الموعودة لأرض مصر فيه،
والذي
من أجل إظهار حقّ صدق كلامه كان هذا البحث، وما سبقه، وما سيليه بنعمة الرب
ورضاه..
·
تصوّر العلماء للزوم
وجود عصر سابق على الأسرات يكفي لنمو الحضارة حتى تظهر بشكلها العالي
الذي
ظهرت به في آثار الأسرة الأولى هو افتراض صحيح بداهةً،
ولكنّه
لا يحتاج، في تصوير الكتاب المقدس للأحداث، إلى زمن زائد يفصل طويلاً بين فالج
ونارمر،
لأن
فالج نفسه هو سليل لأجيال طويلة العمر،
وهو
نفسه في الجيل الرابع عشر على الأقلّ من آدم (بإضافة قينان)، ويسبقه نحو 1500 سنة
على الأقل منذ بدء الخليقة،
وهي
فترة أطول كثيراً من فترة عصر ما قبل الأسرات بحسب تقدير الإيجبتولوجيّين..
ولذلك
فبداية المجتمع المصريّ هي بداية وارثة لسابق حضارة الجنس البشريّ كله،
وليس
من مفاجأة تتصادم مع الكتاب المقدس أن الأسرة الأولى القريبة من زمن فالج قد بدأت
إقامة حضارتها المذهلة في زمن قريب..
·
لقد بدأ التأريخ
بافتراض مُركَّب، مبني أولاً على افتراض ثبات التقويم الذي ظهرت إشارات لعدم ثباته
عبر التاريخ،
ثم
على ترجيح الاحتمال الأبعد من التاريخ بالاعتماد على تصوّر لسلسلة مانيتو ليس بها
ما يدل على تتابع أسمائها،
كما
ان بها ما يدلّ انها جمع حصريّ للأسماء لا ترتيبهم بالتتابع عبر التاريخ..
وبدا
التاريخ يتقارب من عالم إلى آخر، ومن فلندرز إلى بريستد إلى المجمع الملكيّ
البريطانيّ،
حتى
نزلت 5000 سنة قبل الميلاد إلى 3500 أو أقلّ..
·
وبالنظر لاختبار الراديوكاربُن
فقد نزل تاريخ نارمر إلى 2500 قبل الميلاد.. وأما عصر ما قبل الأسرات فليست هناك
مشكلة أصلاً معه،
إذ الكتاب المقدس يتحدث عن حضارة بشريّة سابقة
بالفعل على بشريّة ما بعد الطوفان،
وكون
الحضارة بعد الطوفان ظهرت في مصر أولاً فليس من إلزام على أي وجه،
خلا
الافتراض المُسبَق، بأن التحضير لها قبل الأسرات تم في ذات أرض مصر..
·
ولقد قامت محاولات
لتغيير قراءات اختبار راديوكاربُن ولكن ظهر من فحصها المنطقيّ،
ومن
إقرار أحد أبرز القائمين عليها أنها بغير إلزام منطقيّ، وحسب قوله، "بلا
نفع"..
·
ومن الناحية المقابلة
للنظريّات العلميّة في التأريخ، فإن تفسير الكتاب المقدس عانى من بعض ضيق النظر،
ولكن
بالنظر في نصوص الكتاب كما هي، فإن زمن فالج ظهر انه كان 2417 قبل الميلاد على الأقلّ..
·
وبحسابات العوامل
الاحتماليّة، فقد ظهر أن جميعها تقريباً يُرجِّح تضييق الفجوة حتى تنعكس،
ويصير
زمن تقسيم الأرض بحسب تزمين الكتاب المقدس سابقاً على بداية التاريخ المصريّ
(الأقدم بين كل تواريخ المجتمعات القديمة المتفرِّقة)،
فلا
يبقى هناك ولا حتى مجرد اشتباه في مشكلة أصلاً..
·
على أن البعض، وبغير
اعتبار لكل هذا، يبنون على مشكلة الفجوة التزمينيّة الظاهرة، والقائمة أصلاً كما
ظهر على افتراضات خاطئة،
يبنون أن الحل هو في السبعينيّة المُخالِفة للنصّ العبريّ الأصليّ للكتاب المقدس
مخالفات تفسيريّة ونصيّة،
ظانين اختطافاً أن السبعينيّة تحلّ الفجوة من من حيث إطالتها في تزمين الأجيال
القديمة..
ولكن ولا حتى بهذا تتفق السبعينيّة مع المشكلة التي تطرحها تزمينات
الإيجبتولوجيّين،
إذ
هي لا تقدم في موضع الفجوة أكثر من 350 سنة بإضافة 100 سنة عبر ثلاثة أجيال (فالج
ورعو وسروج) ثم 50 سنة في جيل ناحور،
مع ملاحظة
أن هذا بدوره مخالف للكتاب المقدس..
فوق
أنه بعد إزالة وهم المشكلة فعلاً كما ثبت عبر البحث، فلم تعد هناك مشكلة ،ولم تعد
من ثمَّ حاجة لأي 400 سنة ولا أكثر منها..
·
لم يَحْتَج، ولا يحتاج،
الأصل السليم للكتاب المقدس إذاً لأية معونة شكليّة من ترجماته ونسخه التفسيريّة
مثل السبعينيّة..
ولا
لاختراعات من المدافعين بالتمحك بافتراض هنا أو هناك بدون أصل..
كل
الاحتياج هو فقط لقراءته قراءة سليمة، ولعدم ابتلاع أي دعاية
"أكاديميّة" من موتورين ضد الكتاب المقدس،
ولا
حتى لاحتضان أيّة "دفاعيّات" ساذجة تقدم أدلّة فاسدة لقضيّة صحيحة، فتزيد
المشكلة المخترعة إيهاماً..
Through the gracy of
the Lord that has carried me on,
Deacon P. Eng. Basil
Lamie,
a.k.a Christopher
Mark,
July 2009 - May
2010!
Retouched August
2018.