+
عبارات قصيرة عن الثالوث القدوس
إيجاز الإيجاز * العودة بقليل التفصيل * مقاربة طبيعية كينونية
* على صورة الـله المحبة
مُقارَبَة كنسيّة
الثالوث من نافذة التجسّد * ملاحظة رياضيّة مدهشة * بين الرب الإله والإنسان * صياغات لاحقة
تجمع هذه الورقة باقة من العبارات
القصيرة والفقرات المُحكَمَة التي تلخص العقيدة المسيحية في الثالوث القدوس.. تم تجميعها
من المقالات الموجودة في هذا المجلد لإتمام الغرض الدراسي للقارئ المتابع ولتقديم جوهر
الأفكار في قراءة واحدة للقارئ العابر.. ولعل وضع الأفكار الرئيسة ملخصة في عبارات
دقيقة مجتمعةً معاً فى صفحة واحدة هو طريقة نافعة لتركيز الأفكار ودعم الحفظ القائم
على الفهم، وبنعمة الرب الإله لا تعود هذه الصفحة فارغة بل تنجح فيما أُعِدَّت لأجله..
وقد صيغت هذه العبارات كمزيج متجانس لاهوتياً وروحياً وتأملياً معا،
ورُتِّبَت بتسلسل مترابط عضويا وموضوعياً، ينقل السطر لما بعده ويُكمِل ما قبله..
وفي الفقرات أيضاً مُقاربات متصاعدة في العمق، غير مسبوقة،
نحو استطلاع معنى الثالوث باستبيان صورته المنطبعة في خليقته على كل المستويات..
وقبل ختام تقديمها، فعودة لعنوان الورقة بتعليق لازم: فالعنوان يقول "عبارات قصيرة" ولَم يقُل "وجيزة" أو "مُختَصَرَة" أو"بسيطة"، إذ مهما كان طولها أطنبت أم أوجزت فهي لن تُنجز وستبقى قصيرة وقاصرة أمام المعنى الفائق الذي تحاول عرضه، مثلما ستبقى مُركَّبَة دون بساطة ما تحاول تبسيطه..
+
+++
+++++
++
+
التثليث والتوحيد هو قدس أقداس العقيدة المسيحية
لأنه وحى الرب الإله لنا عن طبيعته ذاتها..
+++
الثالوث ليس مشكلة تحتاج لحل،
بل هو الحل ذاته لكل المشاكل..
+++
يعملنا الوحى المقدس ثلاث صفات رئيسة لازمة وكافية عن الثالوث القدوس:
وحدانية الرب الإله،
وتثليث اقانيمه،
وتساويهم!!!
+++
كلمة اقنوم (السريانيّة) في استقرائي اللغويّ للغات الساميّة يأتي من مادة ق ن المتماهية معنىً مع ك ن...
إنها المادة للغويّة المعبرة عن الكينونة...
وضم الميم لها لتعظيم الفاعل كما هو معهود في كلمات مثيلة..
الأقنوم هو صُلب كيان الكائن العظيم!!!
بتحليل مماثل للنظير اليونانيّ هايبوستاسيس، والذي يصح ترجمته "جوهر" كما في ترجمة "عب1: 2"،
تتماهى المعاني بكل ثبات وارتياح...
+++
بغير وجود اقنومية البنويّة والأبويّة جميعاً في الرب الإله الخالق ،
ما كان يمكن للإنسان أن يكون أباً وبالضرورة ولا ابناً..
وبغير أقنومية الروح الواحد في الرب الإله الخالق،
...ما كان يمكن لأي محبة في الإنسان أن تحظى بأي درجة من درجات الوحدة والترابط
وإنما الروح الواحد للآب الواحد والابن الواحد هو المثل الأعلى ونقطة المنتهى
...لبلوغ أفراد الإنسان المتفرقين إلى واحد
+++
الاقانيم متميزة و ليست منفصلة..
مشكلة ومغالطة من يرفضون الإيمان بالثالوث
أنهم يخلطون بين التمييز و الانفصال
+++
إلهنا واحد وحيد One and Only God
واحد (من الوَحْدَة الطبيعيّة) لأن الابن هو كلمة الآب الذاتيّ والروح القدس هو روحه الأزليّ، في حتميّة وَحدَة طبيعيّة؛
ووحيد (من الفرادة) أي ليس معه شبيه في لاهوته في كيان آخر منفصل
عنه.
+++
الإله الواحد الوحيد باصطلاح الفلاسفة "واجب الوجود"،
أي أن وجوده
أصيل وليس ممنوح له من غيره، وبالتعبير البسيط كائن في أصله (الآب)
ناطق بكلمته (الابن) حى بروحه (الروح القدس)
ألم يخلق الإنسان على صورته ومثاله؟
+++
الإعلان عن الآب الواحد مع كلمته وروحه قديم قبل العهد القديم وبديهيّ
الرب الإله الخالق له كلمة في حضنه وله روح ينبثق منه ليصل به للخليقة ويعالجها شفاءً أو بلاءً حسب تدابيره الواصلة لمقاصده
لا يفتقر الإنسان إزاء هذه البداهة إلى علم أو تعبيرٌ...
وإنما دونه والاقتراب ما كان إلا فزع السيف المتقلب بنار رعبة الإنسان الساقط... واسألوا أهل جبل حوريب، واسألوا منوح الذي خاف حتى من ظهور ملاك يعبر عن حضور الرب، وهذا ما ستعالجه في ملء الزمان المعموديّة باسم الثالوث عينه...
وأما عن بداهة المعنى فاسألوا لآلئ شواهد العهد القديم عن "كلمة الرب" و"ابنه" و"روحه" وذراعيه!؟
الأمر قديم قبل العهد القديم
وإلا فكيف لم يسأل أحدٌ الربَّ، في زمان ومكان شغف الناس فيه بالأسئلة، عن معنى الابن أو الروح القدس؟ ولا احتاج الإنجيليّ يوحنا لتفسير معنى "الكلمة" التي بدأ بها إنجيله كعَلَم معروف مُشتَهَى من القارئين!
+++
الجديد في العهد الجديد هو المعمودية باسم الثالوث!!!
فهم الجميع تلقاءً بداهة معناها دون سؤال!! فهموا ما آمنوا به أنهم بالاعتماد بهذا الاسم الواحد الثالوثيّ النطق يكون الاقتراب أدبيّاً وروحيّاً وجسديّاً من موضع الهيبة العالي حتى الاتحاد فيه ومعه والتشبه بطبعه بقدر نعمته
اسم يوافق معمودية طبيعتها الانتساب ليسوع حتى تسمّت معمودية يسوع يناسب اتصافها بعمل الروح القدس حتى تسمّت معموديّة الروح
افهموا... ما فهمه من لم يسألوا قديماً لما يُفهَم دون سؤال
+++
مشكة و مغالطة الذين يسألون:
أليس 1 + 1 + 1 = 3؟
أنهم يطبقون عملية حسابية لا تعبر عن طبيعة العلاقة بين الاقانيم
إنهم كمن يقيس طولا وعرضا وارتفاعا فيجمعهم ليحسب الحجم!!!
وفي استخدامهم لعملية "الجمع" يشون بظنهم الخاطئ عن
إنفصال الآب عن كلمته وروحه..
أما لو أحسنوا فهم العلاقة بين الاقانيم لفهموا أن الواحد لا يُجمع
على كلمته وروحه..
+++
ليس فقط أن الثالوت الإلهي والوحدانية الإلهية فى المفهوم المسيحى
لا يتناقضان
بل أن كلاهما يحتم الآخر:
فالتوحيد الحق يحتم التثليث فى الاقانيم
لأن الرب الإله الواحد كائن بأصل وجوده حى بروحه عاقل بكلمته وحكمته،
فلا يمكن منطقياً أن يكون خلاف ذلك..
+++
وبالمقابل فإن الثالوث (بالمفهوم المسيحيّ) يحتم التوحيد..
فالكلمة والروح لا معنى لهما بدون وجودهما الواحد غير القابل للانفصال مع أصلهما،
(والآب يعني الأصل لغة!)
فهل يمكن أن نتخيل عقلا بلا وجود ؟؟؟ أو روحا بلا وجود؟؟؟
فيكونان غير موجودين و لا معنى لهما!!!
أو نتخيل وجوداً للإله بلا نطق أو حياة؟؟؟
فيكون
جماداً - حاشا؟؟؟
+++
ليس فى الثالوث القدوس عظيم وأعظم وأكثر عظمة
إن كان هناك من هو أعظم من عقله لكان سفيه العقل
له عظمة لا يستحقها ولا يحسن العمل بها
أو كان أعظم من روحه لكان مريضا خاملا لا تخرج عظمته عن حدود ذاته
قاصرةً عن إعلانها لغيره، حاشا لله أن يكون كذلك..
بل إن كلمته و روحه لهما كل قدرته و قداسته اللامحدودة،
و ظاهرة أعمال حكمته بقوة روحه فى كل الخليقة..
+++
كلمة آب تعنى حرفيا الأصل،
فهو يلد الابن و يبثق الروح القدس..
من الخطأ أن نقول أن الروح القدس مولود أو
أن الابن منبثق
الخلط بين الميلاد و الانبثاق يعنى أن الابن هو الروح القدس وليس واحداً معه،
و هذا ينكر حقيقة الثالوث ولاسيما وصف الابن للروح القدس بأنه معزٍّ آخر..
و من الخطأ أن نقول أن الروح القدس منبثق من الآب و الابن،
لأن هذا أيضا يعنى أن الابن صار آباً و أصلاً للروح القدس،
و يصبح فى الثالوث الواحد آبان أو أصلان و هذا ينكر مرة أخرى حقيقة
التثليث!
إنما
نقول كما يعلمنا الكتاب المقدس:
الابن مولود من
الآب،
و الروح القدس
منبثق من الآب،
و الروح القدس
هو روح الآب و الابن معا،
و الثلاثة معا
هم واحد...
+++
الآب ليس هو الابن ولا الروح القدس،
و الابن ليس هو الآب و لا الروح القدس،
والروح القدس ليس هو الآب ولا الابن،
و إنما الثلاثة معا هم واحد...
من الخطأ أيضا أن نقول أن الآب هو الابن،
أو أن الثلاثة هم نفس الشخص بحال التماهي لا الاتحاد الطبيعي الحتمي،
أو مجرد ثلاثة أسماء للإله الواحد،
لأن هذا ينكر حقيقة تثليث اقانيم الإله،
لو كان الأمر هكذا - حاشا - ما كان هناك ثالوث ولا لزوم لكل ما أعلنه
الكتاب،
ولفَقَدَ الإنسان كل المعاني المشروحة في الكتاب المقدس بإعلان وحي،
ومشروحة في هذا المقال بهذا الشرح المتواضع..
الصحيح أن نقول كما يعلمنا الكتاب المقدس أنّ الآب و الابن و
الروح القدس إله واحد
و هذه العبارة الدقيقة التى علمها لنا المسيح بنفسه، عندما قال:
"أنا و الآب واحد"،
تشمل بالضرورة لمن يمعن فيها النظر الحقائق الإيمانية الثلاثة:
وحدانية ذات الرب الإله،
و مساواة الاقانيم ووحدة طبعهم،
و التمييز بين القانيم في الرب الإله الواحد..
+++
كيف يكون الآب و الابن واحدا لا أثنين؟
يُحسِن الأسقف ساويرس أسقف الأشمونين الشرح فى المئة العاشرة فيقول:
الأب و الابن البشريين ذاتان منفصلان لأن لهما روحين مستقلين
أما الآب السماوى و ابنه الوحيد هما إله واحد لأن لهما روح واحد،
هو الروح القدس الذى هو روح الآب و الابن
(وهذا يقوله الكتاب المقدس صراحة وليس افتراضاً من شارح)،
وأضيف:
ومثلما ان الثالوث له ورح واحد هو الروح القدس،
فأيضاً الثالوث جميعاً له حكمة واحدة هي الابن ذاته،
و أصل واحد متحدان به اتحاد اللزوم الدائم هو الآب ذاته..
+++
ليس صحيحاً أن الثالوث هو فكرة أُعلِنَت في العهد الجديد غير معروفة
في العهد القديم..
إذ من غير المنطقيّ أن يُقال "ابن" و"روح قدس"
كماهيّات مُعرَّفة بغير تقديم وسابق علم..
وواضح أن السامعين للرب وللرسل من بعده ليس فقط كانوا يفهمون الكلمات،
بل كانوا يبادرون باستخدامها!
ولقد استفهموا مرة عمّن "الآب"، ولكن ليس لجهلهم بالكلمة،
ولا لعدم معرفتهم بكم مرة وُصِف الرب الإله بالآب في أسفار العهد
القديم،
لقد استفسروا إن كان الرب يقصد بالآب (أي أبيه) الرب الإله الأزليّ،
استنكاراً نابعاً من عدم إيمانهم بالرب أو ليصطادوه بكلمة..
كما أن النبوّات والشروح سبقت وملأت العهد القديم..
وأما ما جدّ في العهد الجديد وضوح الإعلان من حيثيّات متنوّعة:
من حيث نهاية انحجاب الإنسان خلف رعبه دون الرب بالدخول عبر طريق الرب، طريق عهد جديد حديثاً حيّاً كرَّسه لنا يبدأ بالمعموديّة باسم الثالوث القدوس
حسّ حاصل،
من حيث الانتساب والحميميّة روحيّاً وطبيعيّاً بخليقة جديدة تليق بمعيّة الرب الإله
حسّ حاصل،
من حيث حلول الروح في الإنسان، فصار الكلام فعل والسمع رؤية والخيال
حسّ حاصل،
من حيث تكريس الشرح حين صار رأس الإيمان هو المعموديّة باسم الىب
والابن والروح القدس..
ومن حيث تركيز الفهم إذ صارت طبيعة اللاهوت الثالوثيّة، أي الآب ماداً ذراعيه الأقدسين للاتصال ببنيه المختارين، موضع الانتباه والوعي اليقظ
وشرح..
+++
ولكن لماذا الثالوث؟!؟!؟! أي لماذا كانت كل تلك الإعلانات أصلاً عن الثالوث؟
بما استدعته من شروح واستفهامات وجدل وكل ذلك القلق بين مؤمن
ورافض؟
أما كان يكفي القول بإله واحد دون تفصيل؟
غير صحيح ولا يكفي إلا ما أعلنه الوحي الذي فيه كل الكفاية ودونه
لا كفاية..
ولو اختفت إعلانات الوحي عن طبيعة الرب الإله:
كآب له ابن واحد معه وروح قدس واحد معهما في وحدانيّة تساوي،
لو اختفت تلك الإعلانات من الوحي لاختفت حميميّة علاقة الإنسان برب الوحي.. لما وجد الإنسان نصيراً من الوحي يدعم له
الحقائق الرئيسة الثمينة التالية..
لصار الرب الإله كياناً معنويّاً بلا كلمة ولا روح ولا اتصال حيّعاقل بخليقته من ثم.. لصار فكرة صنميّة، حاشاه، خاضعة لأي تخيّل.. لصار الإنسان أعظم من خالقه حاشا وكيف لا والإنسان له روح ونطق ولا يرى ما يدعوه من الوحي للإيمان بإله هكذا.. لصار الإنسان فاقداً لحميميّة كونه على صورة خالقه.. لصار الوحي غريباً عن بداهة الإنسان في نقائها..
لو اختفى الإعلان عن الثالوث لاختفت معه كنوز كل ما سبق من سطور وكل ما سيأتي بإذن ومعونة ربنا من فقرات:
+++
مُقاربة الثالوث من حيث صورته التي تميزه عن بقية الكائنات الظاهرة
مخلوقات الكون تصنف لثلاثة من حيث صفاتها الكيانية:
جمادات يجمعها في مجموعة واحدة دون بقيّة الكائنات صفة الوجود فقط
وكائنات حية غير عاقلة (تتميّز بالحياة فوق الوجود)
وكائنات حية عاقلة هى البشر..
فأيهم مخلوق على صورة خالقه؟؟؟
والآن فإن من يفهم المكتوب ويحفظ المُسلَّم من المسيح عبر
الرسل،
الآن كل إنسان مؤمن فاهم يعي كيف أنه على مستواه الفرديّ كإنسان
واحد يجمع صورة خالقه،
ويعلم عن طبيعة الرب الإله الفائقة الإدراك شيئاً:
يعلم كيف أنه هو الآب الواحد مع ابنه وروحه القدوس..
+++
مُقاربة الثالوث على مستوى روحيّ أعمق من الصفات المميزة عن بقية الكائنات
بجمع هذين الشاهدين: الـله محبة * الإنسان مخلوق على صورة الـلـه!
والآن الدخول للأعمق..
وأشمل وأعلى من المستوى الفرديّ في الصفات الكيانيّة، المستوى الكنسيّ،
بالصفات الروحيّة السامية..
لنقارب المعنى بمقابلة طبيعة الرب الإله الخالق بطبيعة الإنسان،
ومعنا حقيقتان كتابيّتان:
ما هي طبيعة الرب الإله؟ أليس الـله محبة؟؟؟
وما هي طبيعة الإنسان؟ ألم يُخلَق على صورة خالقه ومثاله؟؟؟
فمِمَّن أخذ الإنسان طبيعة المحبة الساكنة فى قلبه؟؟؟
أليس من خالقه؟؟؟
فإن كان فى الإنسان أنواع محبة متميزة،
هي حصراً في تصنيف عام: المحبة الأبوية، والمحبة البنوية، والمحبة
الاخويّة، والمحبة الزيجيّة،
أليس من اللازم أن تكون هذه الأنواع من المحبة،
على صورة المحبة الموجودة فى طبيعة الرب الإله الذي منه الكل،
والذي على صورته تلك خلق الإنسان؟ بلى تكون..
ألا يُستنتَج بحقّ أن فى الذات الإلهية محبة أبوية و محبة بنوية
معا؟؟؟
فيستلزم هذا أن يكون فى الإله الواحد (الأزليّ الذي منه الكلّ)
آب وابن!
ومحبة أخويّة أيضاً..
تظهر في تساوي الاقانيم!!
ومحبة زيجيّة.. تظهر في محبة الابن الازليّ للكنيسة عروسه قبل
كل الدهور،
وسبق معرفته وسبق تعيينه لها قبل ان يخلقها!!!
إن لم يكن الأصل للمحبة البنوية، وغيرها، متوفِّراً فى الرب الإله،
تلك المحبة التى يتمتع الإنسان بصورتها فى قلبه،
لكانت محبة الإنسان أشمل و أكمل من محبة الله حاشا!
+++
مُقارَبَة الثالوث من حيث صورته على المستوى الكنسيّ الجامع
ثم الدخول للأشمل والأعلى والأعمق والأعمق:
الرب له ذراعان يتصل بهما بخليقته هما كلمته وروحه، وعلى صورته الكيانية كاملةً خلق الإنسان:
   
ليكون كل فرد في الجنس البشريّ له نفس ذراعي الاتصال فيتصل بخالقه يكلمه ويكون في معيّته الروحيّة..
ونفس الاتصال يكون بين الإنسان والإنسان الآخر، ليكون اتصال الإنسان هنياً وشعوريّاً على بُعدَين متعامدين:
    أفقيّاً مع اخوته البشر؛ ورأسيّاً مع الآب خالقه،
فتكون عشرته مع الآب عبر اتصاله مع كلمته وروحه؛
   
مثلما هي عشرته مع بقية البشر بنفس اقانيم الاتصال والتواصل!!
وللنفاذ في طبيعة هذا الاتصال والتقدم من وصفه إسميّاً إلى التعرف على طبيعته:
   
فسيظهر أن خامة الرابطة بين البشر ذهنيّاً وروحيّاً جميعاً هي في اصلها "محبة" على انواع المحبة الطيبة المعروفة..
بكل أنواعها السالفة التبيان التي تنشأ وتترابَط عليها الأسرة نواة المجتمع، ويترابَط عليها المجتمع بالتالي..
وهذا ينقل تبيان الناظر لصورة الثالوث إلى المستوى الكنسيّ العام:
..فتصير دوائر الخليقة إنسان فرد على صورة خالقه يتصل به وببقية إخوته في الجس البشريّ،
   
ليكتمل ارتباط كنيسة البشرية كلها في صورة إنسان واحد جامع من أعضاء متحدة كل منها يشبهه على مستوى النموذج الفرديّ
ولم يبعد هذا التوصيف المنطقيّ الفلسفيّ الدقيق عن المكتوب:
   
إذ يلتقي منطقه بكل توافق مع قول الرسول بولس عن الكنيسة جسد المسيح الواحد المكون من المؤمنين أعضائه أفراداُ!!!
الجميع واحداً رغم تعددهم.. برابط المحبة التي هي أسمى صور خالقهم
فيهم!
مصداقاً لهذه المُقارَبَة قولُ الرب: "ليكون الجميع واحداً
فينا"..
ليس فقط، إذاً، كل إنسان بمفرده صورة للثالوث من حيث تميزه
عن بقيّة الكائنات،
بل مجموع الكنيسة بحسب كمال صورتها المبتغاة لدى عريسها هي صورة
للثالوث في اجتماعها،
وإلى وحدانيّتها في الثالوث هي مُكمَّلَة بحسب وعد الرب وقصده!!!
+++
الثالوث والتجسّد - مُقاربة الثالوث من حيث علاقته بتجسّد الابن الوحيد
والآن الدخول لأقصى العمق المُتاح للإنسان:
النظر للثالوث من نافذة التجسد!
لنُقارِب:
قد يقتنى الإنسان جمادا يفتخر به،
أو يأنس بحيوان أليف يسليه،
و لكن هذا لا يشبع قلبه و لا يغنيه عن إنسان حى عاقل يشبع حاجاته
الإنسانية يحبه،
و يشاركه مشاعره و أفكاره معا لأنه إنسان مثله:
حيّ بمشاعر المحبة التى تتلاقى مع مشاعره و عاقل مفكر يشاركه أفكاره..
فإن كان هذا هو حال الإنسان مع الإنسان الذي هو صورة الرب الإله،
فماذا عن الرب الإله الذي هو أصل الصورة؟؟؟؟
هل يكون غير قادر على إشباع حاجات الإنسان؟؟؟
فيكون الإنسان أقدر من الله على إشباع حاجات الإنسان؟؟؟
هل تكون النسخة من الصورة أكفأ من الأصل؟
حاشا!!!
و لكن… كم من ابناء خذلوا آباءهم وأمهاتهم وتخلوا عنهم و كسروا
قلوبهم،
وكم من أباء وأمهات أهملوا أولادهم و لم يشبعوا إحتياجهم للأبوة
الحقيقية،
و كم من اخوة قتلوا إخوتهم و أصدقاء خربوا أصدقاءهم،
و كم من أزواج و زوجات أهملوا أو حتى خانوا شركاء حيواتهم،
فأين يجد الإنسان الأب و الابن و الأخ و الصديق و شريك الحياة
الذى يضمن محبتهم؟
و يحصل عليها غير مشروطة؟؟
ولا محدودة؟؟؟
هنا نفهم معنى آخر لسر تجسد الابن:
إنه طريقة الثالوث القدوس ليكون هو ذاته المشبع لقلب الإنسان
بكل انواع المحبة التى يحتاج إليها..
حتى حين يشبع الإنسان الواحد ويمتلئ كيانه من الـله رأساً بأصل المحبة التي هو مخلوق ومُعَدّ للامتلاء أصلاً منها
وإذ تعود مجاري المحبة في مجراها الرأسيّ (من الـله للبشر) تفيض "أفقيّاً" من الإنسان فيمن حوله لتملأ أفق الكنيسة
فيتم قول الرب المكتوب في الإنجيل:
   
"من آمن بي تجري من بطنه أنهار ماء حيّ قال هذا عن الروح القدس الذي كان مزمعاً أن بحلّ على المؤمنين"
إذاً: التجسد أعاد إصلاح الروابط رأسيّاً فأفقيّاً إذ نقل أصل نعمة الثالوث لنا:
بالتجسد صار ابن الله ابنا للإنسان،
و أخاً لنا فى اللحم و الدم،
و بالفداء صار عريسا للكنيسة،
و صرنا من ثم مؤهلين لحلول الروح القدس ليكون شريكا لنا فى حياتنا ومعلماً و قائداً،
و بالإيمان بفداء الابن و الحصول على الخلقة الجديدة من الروح
القدس و الإنقياد له عدنا ابناءً للآب،
و هكذا صار الثالوث لنا مشبعا لكل أنواع المحبة التى نحتاج إليها..
فالآن في المسيح:
من لا يجد كفايته في البشريّة (صورة الرب الإله في مجموعها
وصورتها الكنسيّة الجامعة)
يجده في الأصل الذي هو الرب الإله نفسه..
وإن كان قد سقط وخاب من الاتحاد معه قديماً،
فبتجسّد الابن عاد إلى الاتصال بالثالوث بأخوّة الابن والتبنِّي
من أبيه والامتلاء من روحهما القدوس..
وبعودة الاتصال بصلاح الآب عاد الإنسان صالحاً ليكون عاكساً لصورة ابن الآب في الخليقة،
   
وعضواً صالحاً للترابط بانواع المحبة كلٍّ في موضعه، مع بقية الأعضاء
+++
مُلاحظة مدهشة من المنطق الرياضيّ
(هذه الحقيقة الغائبة عن الأنظار يمكن التحقّق منها لذوي الدُربة في المنطق الرياضيّ..
تفصيل شرح هذه الملاحظة المدهشة غير المسبوقة له مقال مطوَّل،
لا أُثقِل به على هذا الملف لحفظ نكهة عباراته المختصرة)
إن كل الأعداد لا يمكن تركيبها أو تصوّرها نظريّاً من مجرد معرفة
العدد "واحد" بمفرده..
يلزم توفر "الاثنين" كوحدة واحدة، مع "الواحد"..
كيف هذا؟ عن تكوين الأعداد يكون بجمع الواحد، وتكرار الجمع هو عمليّة
"ضرب"،
تشمل فوق مفهوم "الواحد" مفهوم "التكرار"،
فيلزم ابتداءً توفر مفهوم التكرار مع مفهوم "الواحد" لتكوين
الأعداد،
والتكرار في أبسط صوره بلغة الأعداد هو "الاثنين"..
وأما إن بقي "الواحد" منفرداً فمهما ضُرب في نفسه تكون
عملية الضرب شكليّة،
إذ هي فاقدة لأساسها الذي هو "التكرار"، ولهذا لا ينتج
منه إلا نفسه..
إذاً:
الواحد المنفرد عقيم،
ولكن "الواحد" مع "الاثنين"، (وليس الواحد
مع واحدين منفصلين) يقوم بتكوين كل الأعداد،
في حين أن "الاثنين" ذاتيهما هما من "الواحد"!
ولا أعجب!!!
(تنبيه:
لم أقُل في هذه الفقرة إن فهم الحقيقة الرياضيّة المشروحة تالياً
يقود لمعرفة الحقيقة الإيمانيّة،
ولم أقُل إن هذا يثبتها – حاشا..
+ ولكن العكس هو الصحيح:
الحقيقة الإيمانيّة بمعرفة الثالوث تُلفِت النظر إلى هذه الملاحظة
الدقيقة الغائبة عن أذهان الجميع..
++ فوق أن هذه الحقيقة الرياضيّة تفنِّد الاحتجاج المتكرِّر،
الذي طالما دفع به أعداء الإيمان بالثالوث،
بأن عدد "واحد" هو أصل كل شئ بمفرده)
+++
بنوّة المسيح وبنوّتنا بين المُماثَلَة والفرق
والآن: ما الفرق بين المسيح وبقية المؤمنين إخوته في بنوّتهم للآب؟
من المحفوظ أن يُقال إن المسيح هو الابن بالطبيعة والباقون بالتبنّي، وهذا صحيح،
ولكن السؤال يتعدَّى حدود هذه الإجابة ويشمل تحرِّي الفارق في الطبيعة وفي الكرامة بعد صيرورة التبنّي؟
هل صار أبناء التبنّي على نفس مستوى طبيعة الابن الوحيد لاسيمافي علاقته بالآب بعد نوالهم التبنّي؟
هذه القضيّة الدقيقة هي ما يفترق الفُرقاء فيها على خطئين:
فريق يلجأ لإثبات الفارق بين العاطي والنائل للعطيّة بالتقليل من العطيّة ذاتها،
قلقاً من مظنّة مساواة البشر بالمسيح ومن ثمَّ التشكيك في لاهوته من باب خلفيّ
وفريق يصرّ على إثبات غنى العطيّة كما هي ويستنتج من غناها استنتاجات خاطئة لأنه لم ينظر لغيرها
والصحيح:
أن الثالوث أعطى مختاريه ليس من جيبه بل من طبيعته،
الآب فدانا بابنه الوحيد، والابن غذّانا بجسده ودمه، والآب والابن أهديانا روحهما القدوس،
وفي النهاية فمن يغلب سيجلس مع الابن في عرشه كما غلب هو وجلس مع الآب في عرشه فهو عرش واحد للجميع..
فالفارق بين المختارين وبين الابن ليس في "طبيعة ما نالوه منه"
لأنهم لم ينالوا من شئ خارج عنه بل نالوا من ذات صفاته وروحه القدوس!!!
ولكن يبقى فوارق ثلاثة ضامنة لسد منافذ القلق من سوء الفهم:
فالابن الوحيد لا يحتاج من يضمن له بنوّته لانها بحسب الطبيعة الإلهية، ونحن نحتاج لضمانه لكي ننال عطيّة التبنّي
فهو الضامن لنوالنا عطاياه وثباتها فينا، ونحن مضمون لنا ولسنا ضامنين له ولا لأنفسنا
والابن هو الملء ونحن جميعاً من ملئه أخذنا
وأبسط وأخطر شئ في الفارق أنه هو المانح ونحن الآخذين، ولا يكن مساواة الآخذ مع المُعطي له، مهما أخذ منه
فإن من ينتبه لهذا ينجو من أي مدعاة للقلق من سوء الفهم ولا تبقى حاجة لإنكار عطيّةالرب لمختاريه والتحايل عليها
وخذوا المعنى من مثل بسيط:
إنسان غنيّ نزل من قصره ليفتقد مسكيناً وعاش معه حتى لا يخاف المسكين منه او يخجل،
وبعد أن اكتسب ثقته أخذه معه لقصره وأعطاه كرامةالمعيشة معه وارتداء ملابسه والإنفاق من ثروته،
فهل لذلك صار مساوياً له؟
كلّا بل يقي المدين مديناً لدائنه حتى وإن سدّد الدين فكم بالاكثر حين لا تكون له طاقة على سداد فلساً واحداً؟
هكذا مختارو الثالوث معه لا هم مساوون له ولا هم آخذين من عطيّة غريبة عن طبيعته،
بل محسوبون أبناءً مع الابن الوحيد ممتلئين بذات روحه وفي موض البنوّة لذات أبيه مع استحالة مساواتهم له
+++
صفات كيانيّة أم اقانيم أم تعابير متنوعة وشروح متكاملة؟!
ثم ملحق فنيّ لمراجعة جدليات التعابير لكل ما سبق من معنى إيماني روحي أصيل ونافذ
وهو مضاف بطلب ذوي الشغف الفنّيّ والذين يقلقهم رواج بعض الجدليّات
مما يعكّر عليهم هناء التأملّ الروحيّ الصافي
والملحق مضاف مؤقتاً لحين ترتيب موضع له
حتى يعود المقال لخلوص المنطق الروحيّ البديع الذي يسمُه
ويجدر بدء الملحق برأس المعنى حتى لا يتوه فيعرض تاريخ الشروح
فأما المعنى فهو بكل بساطة المكتوب الذي لا يكذب ولا يمكن أن يُنقَض
وبكل بساطة المنظق الظاهر
أن الرب الإله خلق الإنسان على صورته بذراعي اتصال مع خالقه ومع إخوته
أي ليصل ويتّصل بنطق ذهنه وبحياة روحه
ولكن لما دخل في الأمر مبتدعين وهراطقة لم يحسنوا جعل الكتاب مرجعيّتهم
ولا لغته لغتهم فإنهم أدخلوا أخطاءً ممزوجة بمر الخرافات
فكان أن الكنيسة ردّت بثقة وضوح الإيمان الكتابيّ الرسوليّ
الذي جعل البدع ظاهرة الانحراف سهلة الكشف
أصابت الكنيسة في الرد كثيراً وأفلت منطق اللغة منها قليلاً
وتهوّعت أجيال تالية في معرفة تطوّر الأمر فخلطت الشرح بأصل المعنى
وللآن يتنازعون طلباً من الواحد لإثبات التعبير الذي درج عليه
حتى ذاع أخيراً صوت من يطلبون إلغاء تعبير "الصفات الكيانية" طلباً لتثبيت "الأقانيم" تعبيراً وحيداً
وهم بهذا يجورون على شرح أكثر رسوخاً لغوياً من أي تعبير آخر
لمجرد كون التعبير الآخر ينتمي لمجال دراستهم
لا لكونه التعبير الوحيد الصحيح عن الإيمان الصحيح
ولزم لهذا الجدل المقلق للبعض إضافة هذا الملحق
الذي يثقل بحكم طبيعة التفصيل اللغويّ وأسانيده
على صفاء النهل الكتابيّ المنطقيّ لهذه الصفحة
ولكنه يثري الكلام بما لم يسبق من عرض يقنع طالبي الفهم ويبكم طالبي أنفسهم
فالمطلوب عبر كل المحاولات التالية عرض القول "ثالوث في واحد وواحد في ثالوث"
عرضاً جامعاً مانعاً لا يراوغ معه مبتدع
فأتجاوز أولاً شرح أدمنتيوس أوريجن وهو عظيم ومظلوم أعني الشرح
لأن رأس السؤال هو الشروح اللغويّة لا الفلسفيّة كما هو حال أوريجن
واثبت ملاحظة قبل الدخول في معمعة اللغويّات
وهي أن مدرسة الإسكندريّة متفقة مع أصول شرقيّة ومادّة مياهها نحو الغرب
كانت تبرز في شرحها لعلاقة الآب بالابن لغة الأمثلة
وبغير أمثلة لم تكن تشرح
ليس القصد أنها لم تكن تشرح بلغة أخرى ولكن أنها لما تكن تشرح شرحاً يخلو من الامثلة
فكان المثل الشامل الكامل الكافي الوافي هو المياه من الينبوع والنور من الشمس
وبهما ما يكفي لشمول معنى الوحدة والتمايز والاتّلاد الدائم ولزوم الواحد للآخر حتى يقوم الكل أصلاً
ومراجع ذلك تترى يعذرني دون إثباتها كثرتها
في كتابات أثناسيوس ولاسيما ""تجسد الكلمة الذي إن كان لأثناسيوس في بكور شبابه
أو حتى لبعض الأبوليناريين، فإن الثابت أنه عمل سكندريّ المدرسة ويقدم شرحها
ول ن المبتدعين أفسدوا بساطة هذه الامثلة البديعة
بتعابير لغويّة مخادعة ما استلزم الرد عليهم بمثلها
وأبدأ من ثمَّ بعرض محاولة البابا أثناسيوس التمييز بين "اومو-اوسيوس" و"مونو-اوسيوس"
فـ"اومواوسيوس" هي الكلمة الأشهر
التي أفاد البابا أثناسيوس صريحاً بأنه تم اختيارها لتجمع معنيي المساواة والاتحاد
وذلك في مقابل "مونواوسيوس" السابليانيّة
Npnf, Srs. II, Vol.4, Statement of Faith, p.84
The Christian Litertature Company, Philip Schaff & Henry Wace, 1892
The Sage Digital Library Collection version if ibid: pp.374-375
cf. ibid, prolegomena, chaper ii, 1.3(2).b, p. xxxii
Digital Library Version: p.69)
Be noted that the word translated as "one" is "homoousios"ه
The word "same essence" is "homoousios" in the original Greek text
القصد تام الصحة الإيمانيّة الإنجيليّة ولكن هل ضبط الألفاظ تام الدقة بالمثل؟
يعرف كل الشغوفين بالالحان لحن صوم الرسل "اسومين" والذي ختامه الربع القائل:
ثالوث في واحد وواحد في ثالوث" و"واحد" هنا اصلها "مونو" وليس "اومو"
الللغة البشريّة من حيث المبدأ لم تصل لهذا الإتقان
فإن معاني "مونو" و"اومو" دائرتيان متداخلتان
ولا توفر الواحدة جمع المقصود إثباته ومنع المقصد تحاشيه رغم كل شئ
إنها إشكالية اللغة التي متى اتضح المعنى من سياق القول ومن تفصيله فلا يتوقف عندها إلا الأحمق
وقد توفر هذا وأكثر في شرح البابا أثناسيوس حامي الإيمان,
وأفاض في تسويغ استعمال "اومواوسيوس" رغم سابق إنكارها
لاتهام الساموساطيّ لتعليم الكنيسة بها ما لم يوافقوه على أن المسيح كان مجرد إنسان تألّه
ومع عدم الشك في ابتداع الساموساطيّ وإنكاره للاهوت الرب
فإنما فنيّاً لا يمكن التسليم بصحة موقف المجمع الانطاكي في رفض كلمة "اومواوسيوس"
دون إفساح المجال لصحة استعمالها على وجهها الموافق
وهذا النقد في حدود المنسوب للمجمع
إذ لا يتوفّر ما يكفي للوقوف بدقة على فهم الساموساطيّ والمجمع الحارم له للكلمة
وإنما لزمت الملاحظة في حدود ما نُسِب له من الأريوسيين
وأجاب عنه البابا أثناسيوس مع تسليمه بعدم توفر البيان لديه
مع ملاحظة أن تبرير البابا اثناسيوس لهم يقوم على قصد المعنى
علماً بأنه كان يخوض معركة ضد مبتدعين بلا ضمير ولم يكن في رفاهية النقد الفنيّ لآباء سابقين
رغم أنه ألمح لذلك من بين السطور وبعض تفصيل ذلك بعد قليل
فإذاً كان أثناسيوس في مقاومته الشاملة للأريوسيّين وملاحقته لاحتجاجاتهم واعياً وبجلاء
أن الكلمة تحتمل معانٍ وأرسى غير مرة مبدأ التعامل مع القصد من الكلمات
Ibid, Sage Digital Library, de Decritis, chapter 5, pp. 526-533
Cf. ibid, de Synodis, Pt. iii, prolegomena, chaper 3, pp. 1129-1151
ومن المثير للانتباه أنه لكي يؤمِّن معاني المفردات بشرح يحيط بها
فلقد أعانته الكلمات البسيطة الكتابية المباشرة
فقال إن بكلمة "الآب" تفند أريوس وكلمة "الابن" تطيح بسابليوس
Ibid, The Christian Literature Compay, p.xxxii
cf. ibid, Against Arians, Discource IV, parag.3, p.434
cf. ibid, Discource III, chapter 27, parag.35, p.413
Sage Digital Library version: p.69, pp.1060-1061, p.1024
الملاحظة المريحة هنا أن هذا عودة لبساطة لغة الكتاب ولا أتقن
طالما قال الواحد ذلك ولا يزال يقول: العودة للمرجعية الكتابية لا شبيه لها ولا حاجة بعدها
ويجدر في ختام هذه المرحلة من تاريخ شرح الإيمان وضع خط
تحت ما سبق الإشارة له في المنهج الأثناسيّ:
الناظر للمعنى غير المحبوس في اللفظ
الواضح الرؤية في التمييز بين الشرح بألفاظ اللغة وبين أصل المعنى الإيمانيّ
حتى أنه وفّق بين رفض مجمع انطاكية الحارم للساموساطيّ لكلمة "اومواوسيوس"
وبين استعمال ديونيسيوس أسقف روما لها في حكمه على ديونيسيوس أسقف الإسكندريّة
حين اتهام الأخير خطئاً برفضه للكلمة من حيث معناها الصحيح
وكرر الفكرة غير مرة في التوفيق بين تقوى النيقاويين مثل سابقيهم الانطاكيين
وأن اختلافهم بين الرفض والقبول هو اختلاف سياق القصد وأتى ببعض الأمئلة من رسائل بولس الرسول
في تغير شكل القول ظاهرياً لتغير الموضوع الذي يشير اللفظ له
ثم وصل لآخر الخط صريحاً بإعلان أنه ليس كل من يرفض كلمة "اومواوسيوس" خارج الكنيسة
لأن هناك من يرفضها رفضاً لصحيح القصد منها وذاك هو المبتدع،
ولكن هناك من يؤمن بالإيمان السليم وإنما يرفض تضمين قانون الإيمان كلمة "اومواوسيوس"
لاعتبارات فنية منها عدم ورودها في الكتاب المقدس
موقف البابا أثناسيوس تجاه مجمع أنطاكية الحارم للساموساطيّ والمنسوب له رفض كلمة "اومواوسيوس":
Ibid, de Synodis, Pt. iii, parag.43, p.473
Sage Digital version: p.1138
استشهاد أثناسيوس باستعمال ديونيسيوس الرومانيّ للكلمة في مجمع سابق بزمن على رفض الإنطاكيين للكلمة
وما أفاض فيه في التوفيق بين الإنطاكيين الرافضين والنيقاويين مسبوقين بديونيسوس الرومانيّ:
Ibid, de Synodis, Pt. iii, parag.43-45, pp.473-474
Sage Digital version: pp.1138-1141
تمييزه بين رفض الصياغة تكئة لرفض معناها الصحيح وبين المؤمنين الرافضبن لأسباب فنيّة
وإعلانه الصريح أن الرافضين لنص قانون الإيمان مقبولون
طالما قام رفضهم على أسباب فنيّة تخص الصياغة مع اقتنائهم لصحيح الإيمان:
Ibid, de Synodis, Pt. iii, parag.41, p.472
Sage Digital version: pp.1136-1137
مع ملاحظة فنيّة من جانبي ترصد مسحة دفاعيّة خدشت دقة كلمات البابا أثناسيوس إذ ما كان عليه التحفّظ على المبتدعين في ادعائهم بعدم قبولهم لقانون الإيمان لمجرد عدم مطابقته حرفياً للكتاب المقدس وإنما كان يكتفي، كما أحسن الفعل، بإثبات هرطقتهم عليهم ومن ثم إثبات أن حجتهم ليست صادقة لا أن يزيد فيعتبرها في فقرة ما أنها دليل ضد.. هكذا تستقيم الديباجة تماماً..
وكانت المحاولة التالية التي غابت عن انتباه المتابعين والتي تحتاج أيضاً لتحفظات فنيّة دقيقة
هي للأسقف المكرم باسيليوس أسقف قيصرية المعروف
فبعد لزوم ملاحظة أن أقنوم وجوهر لهما نفس المعنى لغويّاً وتفسيريّاً عند البابا أثناسيوس
مثلما في كل أدبيات مجمع نيقية وما قبله وما بعده، وهو ما يسهل استقراؤه للفاحص
ومعهم كل الحق اللغويّ في ذلك
فـ"هايبوستاسيس" من مقطعين يفيدان "تحت الكٌنه" أي صُلب الكيان
وهو المعنى المقصود مباشرةً بكلمة "جوهر"
Ibid, Excursus ِ A, wrotten by Newman and revised by Rebertson, pp.78-82
Sage digitalLibrary version: pp.362-371
See also ibid, TOMUS AD ANTIOCHENOS (Synodical Letter), p.481
Digital Library version: p.1153
See also ibid, To the bishops of Africa, 4, pp.490-491
Sage electronic version: pp.117-1173
على أن باسيليوس اللاحق لهم، وفي محاولته لصياغة رد على يونوميوس الأريوسيّ أكثر من أريوس،
فقد صاغ للجمع بين التمايز والوحدة في جملة واحدة، تعبيراً جديداً بالقول بـ"جوهر" واحد وثلاثة "كيانات":ه
وهذه هي الكلمة التي ترجمتُها بدقة "كيانات": υπαρχις
Npnf, Srs. II, Vol.8, p.47, The Sage Digital Library Collection
إذاً لم يقل جوهر واحد بثلاثة "أقانيم" بل بحث عن كلمة أخرى يضعها مقابل "جوهر" للإفادة بالتمايز
ربما لبقاء تأثير العُرف اللغويّ الدقيق في اعتبار الكلمتين متطابقتي المعنى
على أنه فيما بعد، في رسالة يجيب بها أمخيليوس على سؤاله،
فصّل له الفارق بين جوهر وأقنوم بأن الجوهر عام والأقنوم خاص
ومن ثمَّ أعاد صياغة ترجمته للوحدة الجامعة للتمايز بتعبير "جوهر واحد وثلاثة اقانيم"
وهو التعبير الذي ترسّخ عبر الأجيال حتى الآن
Ibid, letter236, to Amphilochius, parag.6; p.632
ومع التضييق اللغويّ فيه المزيد على سابقيه ،
ولكن كلامه صحيح متى تم الاصطلاح على قصده
ذلك لأن قصده صحيح بكل بساطة
لقد استعمل الأسقف المعلم باسيليوس حيلة لغويّة مألوفة لذوي الدُربة في الشرح
ليميز بين "الاتحاد" و"التمايز" ليجمعهما في جملة واحدة
وهي حيلة "الاصطلاح" على إفراد لفظ للمعنى الواحد
ولفظ آخر للمعنى الآخر، متى كان المطلوب التمييز بين المعنيين
إذاً فالتعبير الباسليوسيّ الراسخ الأشهر هذا هو صحيح
بقدر ما ترسّخ وعى الناس بالاصطلاح على قصده الصحيح
فإن كان باسيليوس افترض أن اصطلاحه صحيح في أصل اللغة،
فإن ما به من عسف لغويّ لا يتجاوز كفائته اللغوية لا لموضوع الإيمان
وإنما المفيد أنه أراد التعبير عن إيمان صحيح
وأن الضبط اللغويّ يستقيم متى انتبه الشارح أن قصده صحيح اصطلاحاً وإن لم يكن لغةً
لكن كما سبق القول فاللغة لم تصل لتمام تقديم المفردات التي تجمع وتمنع بحسب الطلب
ولزم لعلاج نقصها هذا دائماً الشرح والاصطلاح
وظهر البابا كيرلس الأول لاحقاً لعصر نيقية أوما بعده من لواحقه
الذي شرحه يحتاج لمراجعة متأنية يضبق عنها المجال الدقيق هنا
وعلى كل حال فقد بقي شرحه لمعنى الثالوث ساكناً في كتبه
تاركاً واقع الساحة الليتورجيّة لما سبق واستقرّ
من قانون نيقية المصحوب بالتعبير الباسيليّ السلس
حتى أتى زمن مجاوبة غير المؤمنين التي تركزت بطبيعة الحال في اللغة العربية
فكان أن أتى من يترجم كلمة اقنوم بكلمة صفة ذاتية ويصح تسميتها صفة كيانية
ويستفيض في الشرح والتمييز بين الصفة الكيانية والصفة النسبية
والتعبير في دقته بوفي تقديري بمثابة ترجمة لكلمة أقنوم ولا إشكال في ذلك
فهو أمر جدير بالتقدير لمحاولة لغوية منطقية طيبة جداً
كلها مقاربات صحت لغة أو صحت اصطلاحاً
للتعبير عن مبدأ واحد هو أن الثالوث في واحد مع كونه ثالوثاً
علماً بأن هذا الشرح أتى على يد يحيى ابن عديّ وهو عالم منطق مبرز في زمنه
يجيد السريانية- لغة "أقنوم"، واليونانيّة--لغة "هايبوستاسيس"،
ولا أقول بهذا أن مرجعية صواب الكلام هو صفة قائلها،
الذي لم يخلُ امره من شطحات لاحقة في مزيد شروحه
وإنما أفيد بذلك الشغوفين بالإحاطة بخلفية الشرح
وظهرت بعد ذلك جملة اعتراضية في تاريخ الشرح بقت للآن في جدليات دائمة
فإن ظهور سكان اديرة آثوس وعلى رأسهم غريغوريوس بالاماس
الذي نسج من تمييز باسيليوس بين "اقنوم" و"جوهر" مزيداً من الافتراضات اللغويّة
ليثبّتوا في صيغة ممسوكة تهاويم معاني الاتحاد والحلول لديهم
وأولئك "المستيكييون" (التسمية لي) إن رجعوا بأمانة لأصل التعبير الباسيليّ
لخجلوا من شطحاتهم المنافية للغة والمنطق
وأفضل تعبير عن موقف شروحهم في جملتها
أنها صحيح بسيط ألحقوا به خيالات: ربطوها بتعابير لا تجمع ولا تمنع،
عبر استدلالات لا تثبت بالضرورة مقصدهم،
الذي عادوا من أجله شروح لا تنفيه بدورها بالضرورة!!
وهو ما يتّضح بقليل من نظر ذوي النباهة
ولا يكتسبون أتباع إلا على حساب بعض عبارات الافتخار بالآباء على مسامع غير ذوي العلم
مع انتفاع بأخطاء خصومهم في الرد
وأفضل ما يعملونه هو العودة للُب قصدهم والبحث عن تعابير كتابيّة وشروح منطقية سديدة من أجله
ثم أخيراً في العصر الحاضر فقد كثرت الأمثلة وبعضها متقن والآخر يحتاج لضبط
وأظن أن هذا المقال من بدايته قد راعى تقديم أجود الأمثلة
المسنودة بالمنطق السليم والشواهد الكتابيّة
وفيها ما يغني عن التفصيل الذي له مواضعه على الموقع بعون ربنا
فإن بقى ثمَّة خطأ فهو في جنوح الشرح عن المكتوب، أو عن منطق الاستدلال الصحيح
وإن كان ثمَّة صراع، فهو من حيث محبة الفُرقاء باحتكار المنابر لمحفوظاتهم
والانتصار كل واحد لما تعلّمه كنه وحده الصحيح
بغير منطق وبغير مرجعيّة كتابيّة تحكم الجميع
وما كان للاختلاف أن ينشأ إلا لكون الفُرقاء لم يتمثّلوا باللوجوس ولم يمتلئوا بالروح
وإلا لكانوا قد نظروا بروح لطيف لاختلاف الشروح من جوانب متكاملة
وحكّموا المنطق السليم القائم على الكلمة المكتوبة
وقتها كانوا قد اقتنوا الفهم الكامل وقدموا الصورة الصحيحة للثالوث لغةً وروحاً
والختام أنه لا حاجة للواحد حين يطلب ان يتكلم كلاماً صحيحاً عن الإيمان
إلا بساطة استيعاب الأصل الصحيح للمعنى وفهم اللغة التي يتكلم بها
ولا أبسط
حتى أنني مظمئناً لنتيجة سابق العرض على أذهان المتابعين
وبعد التنبيه أن فقرة الختام التالية هي لتدريب طالب الفهم على التعامل المستريح مع لغة الشرح
لا أن يقلق بها أذهان البسطاء
فباعتبار هذا التنبيه أقول لإزالة ما تبقى من قلق مما كوّمه فرط التلقين:
مثلما أنكم تقولون إن المسيح إذ اتحدت طبيعتاه اتحاداً حقيقياً
فقد صار بموجب الاتحاد طبيعة واحدة من طبيعتين
فيحق بالأولى مع اتحاد الثالوث الاتحاد الفائق على كل تصور للانفصال
أن تقولوا جرياً على مفردات الشروح الأثيرة
إن الرب الإله أقنوم واحد في ثلاثة أقانيم وجوهر واحد من ثلاثة جواهر
فإنكم لا تخطئون تعبيراً ولا معنىً
ومن مقاربة لغويّة أقرب يصح ذات التعبير المفترح
لأنه إذ ثبت لغةً واستعمالاً وترجمةً أن جوهر هو أقنوم،
فيكون أن جوهر واحد في ثلاثة أقانيم يكافئ أقنوم واحد في ثلاثة جواهر
يكافي جوهر واحد في ثلاثة جواهر وأقنوم واحد في ثلاثة أقانيم
مع ملاحظة فنيّة دقيقة أن حرف الجر المُستَعمَل هو "في" وليس "من"
(على خلاف اتحا لاهوت الرب بجسده)،
لأن اللاهوت كان دائماً وهو كائن دائماًوسيبقى دائماً هكذا
وليس نتاج حدث اتحاد تحت الزمان فلا يسوغ استعمال "من"
لأنه لم يكن له سابق دخل عليه فعل فأنتجه من سابقه
بهذه الدقة البسيطة أو البساطة الدقيقة فهم أن هكذا كلمات
هي تعبير صحيح على الأصل الصحيح الذي هو أنّ:
الرب الإله ثالوث في واحد وواحد في ثالوث خلقنا على صورته
ليتصل الآب بنا بإرساليتين الأولى لابنه والثانية لروحه
له كل المجد مع ابنه الحبيب وروحه القدوس الآن وكل اوان وإلى دهر الدهور
آمين
+++
وبالإجماع من كل المداخل، فإن الإنسان الثالوثيّ الكيان، في
فرده ومجموع جنسه، كياناً وذهناً وروحاً،
لا يملؤه ولا يُشبعه إلا مَعيّة الإله الثالوثيّ الاقانيم!
+
+++
+++++
++
+
   P. Eng. Basil Lamie,
   VA, 2003 !