كتابُنا المقدس

كتابُ الدهور

           درافت مبدئيّ عاجل رغم مرض شرس، بتوصية من أنبا ميخائيل تبعاً لكلمة قُدِّمَت لاجتماع عام بحضوره

         17 نوفمبر 2009

شماس مهندس باسل لمعي Deacon P. Eng. Basil Lamie

 

نسخة أونلاين * نسخة للتحميل

 

 

كلمات على الغلاف

تقديم

القسم الأول: المسيح الشاهد للكتاب المقدس

   الشهادة بلاهوت المصدر

   شمول.. وتفصيل

   الشهادة للجميع

   شهادة ضمان أبديّة

   شهادة باتساع العالم

   شهادة باعتماد الشهادة

   الحصيلة

القسم الثاني: الكتاب المقدس الشاهد للمسيح

   شاهد بطبيعته: الكتاب صورة المسيح المكتوبة

   شاهد بتكوينه: المسيح محور الكتاب المقدس

   شاهد بروحه: الشهادة ليسوع هي روح النبوّة

   شاهد بإقرار كُتابه: هذه كُتِبَت لتؤمنوا أن يسوع هو ابن الإله      

   ثبت بشواهد قبول المسيح لشهادة الكتاب المقدس لشخصه

  

 

 

 

(في باطن الغلاف الخلفي)

سلسلة نبذات

     نبذة 1* كتابنا المقدس ومسيحنا القدوس:

         المسيح شاهداً للكتاب المقدس، والكتاب المقدس شاهداً للمسيح

     نبذة 2* الكتاب المقدس والروح القدس:

         الروح مالئاً الكتاب، والكتاب مالئاً بالروح

     نبذة 3* الكتاب المقدس والكنيسة المقدسة

         الكنيسة حفظت الكتاب، والكتاب حفظ الكنيسة

     نبذة 4* الكتاب المقدس والزمن

         الكتاب يكشف الأزمان، والأزمان تكشف مزيداً من براهين صدق الكتاب

     نبذة 5* الكتاب المقدس ونحن

         الكتاب المقدس يغيّرنا، ونحن لا نغيّره

 

(في ظاهر الغلاف الخلفي)

هل نَعلمُ

     + هل نعلم أن الكتاب المقدس – بين الكتب المتداولة في عصرنا – هو أقدم الكتب

     (تعود بداية تدوينه إلى أكثر من ألف وأربعمائة عام قبل الميلاد)؟..

     + وهل نعلم أن الكتاب المقدس هو أطول الكتب في فترة امتداد كتابته؟

     + وهل نعلم أن الكتاب المقدس هو أغنى الكتب في عدد المخطوطات المحفوظة؟

     + وهل نعلم أن الكتاب المقدس هو أكثر الكتب في عدد اللغات المترجم إليها؟

     + وهل نعلم أن الكتاب المقدس هو أول الكتب التي خرجت من المطبعة بعد اختراعها؟

     + وهل نعلم أن الكتاب المقدس هو أكثر الكتب مبيعاً في العالم؟

     + وهل نعلم أن الكتاب المقدس هو أكثر الكتب إهمالاً  -يا للخسارة- من أكثرنا؟

 

 (في ظاهر الغلاف الأماميّ)

إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ.  فَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ. وَلتَكُنْ هَذِهِ الكَلِمَاتُ التِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا اليَوْمَ عَلى قَلبِكَ وَقُصَّهَا عَلى أَوْلادِكَ وَتَكَلمْ بِهَا حِينَ تَجْلِسُ فِي بَيْتِكَ وَحِينَ تَمْشِي فِي الطَّرِيقِ وَحِينَ تَنَامُ وَحِينَ تَقُومُ وَارْبُطْهَا عَلامَةً عَلى يَدِكَ وَلتَكُنْ عَصَائِبَ بَيْنَ عَيْنَيْكَ وَاكْتُبْهَا عَلى قَوَائِمِ أَبْوَابِ بَيْتِكَ وَعَلى أَبْوَابِكَ. (تث6: 6-9)..

 

 

(في باطن الغلاف الأماميّ)

هذه النبذات

     لقد اعتدنا على أن نردد شواهد الكتاب المقدس، ونحتج بأقواله، ونتأمل في معانيه، وندرس أسفاره، وتُهنا فيه عنه!.. وفي هذه الأوراق دعوة أن نلتفت للتأمل في ذات الكتاب المقدس: في وظيفته الرئيسة، في طبيعة علاقته بالرب وبالكنيسة وبالأحداث وبأشخاصنا.. موضوع دعوتنا هنا ليس فقط من الكتاب المقدس بل عن الكتاب المقدس، وإن غاية دعوتنا أنّ الغائب عن محضر الكتاب المقدس يلتفت إليه لئلا يفوته كتاب هذا مقداره، وأنّ الحاضر يتمعن بأكثر تدقيق ليكتشف عجائب من كنوزه..

   ودور هذه الأوراق المتواضعة ليس أكثر من دور بطاقة الدعوة لوليمة عظيمة، وأما المائدة نفسها بأطايب أصنافها فقائمة بين دفتي الكتاب المقدس.... فليس هنا بالكاد إلا رؤوس أفكار .. وتظهر في كل فكرة سمة بديعة في كالكتاب المقدس: ألا وهي الحميمية في علاقته: مع المسيح، ومع الروح القدس، ومع الكنيسة، ومع التاريخ، ومع قارئه.. فهو:

     + الشاهد للمسيح المشهود له منه،

     + المُوحى به من الروح والممتلئ روحاً وحياة،

     + الذي حفظت الكنيسة حروف نصَّه، فحفظ هو لها روح إيمانها،

     + الكاشف لكل أحداث الدهور قبل وقوعها، فتقع لتكشف هي يدورها صدق عينيه المفتوحتين،

     + الذي يغيّر حال قارئه، فلا يغيّرُه هو أبداً..

 

     وبعدُ، فهذه الوريقات بطاقة دعوة لزيارة كتاب الدهور الشاهد لصخر الدهور:

 

 

كتابُنا المقدس

كتابُ الدهور

      النبذة الأولى

       كتابنا المقدس ومسيحنا القدوس

 

   رأس كل شهادة أن الكتاب المقدس مشهود له من المسيح نفسه.. وهذه هي مرجعية مصداقيّته العظمى.. والثانية مثلها، أن عمله الرئيس وغرضه الأول والأعظم هو الشهادة للمسيح وحده..

   وفي هذه النبذة مصداق هذه الشهادة المُتبادَلة التقديم، والمُتبادَلة القبول، بين الرب وكتابه المُقَدَّس..

   سيجد المؤمنون بالكتاب المقدس مقارنة للروحيّات بالروحيّات، وتجميعاً للشهادات الكتابية بمثلها، ليظفروا بدراسة تضع خطاً تحت هذه المعاني الخطيرة ليبرزها ويشرح تراطبها معاً:

   + مصداقية الكتاب المقدس العظمى تقوم على شهادة الرب بذاته،

   + رأس وظائف الكتاب المقدس هو الشهادة للرب وحده،

   + الرب يقبل شهادة الكتاب له، ويؤسس حجته أمام معانديه عليها، فيُبكِمهم،

   + والكتاب المقدس بالمقابل يسجِّل في ترابط مُحكَم وشامل شهادة الرب له!

 

   وفي تصنيف هذه الشهادات ما ينير أعين المؤمن بما في كتابه من خطوط مترابطة، ويمتِّعه بالتأمل في حميميّة العلاقة بين كتابه ومسيحه.. وهذا هو الغرض الأصيل لهذه النبذات التأمليّة المُقَدَّمة لأبناء الكتاب المقدس كدعوة لهم لحضور ولائم الكتاب المقدس..

   وفيه أيضاً ما لا يملك غير المؤمن الاحتجاج أمامه بالقول إن الشهادة للكتاب مأخوذة من الكتاب، ذلك لأن هذا الترابط الفريد يقوم بين شهادة كُتَّاب عديدين لا يمكن اجتماعهم واتفاقهم من عندياتهم على هذا التناغم، فوق ما يشهد به التاريخ لهم من الأمانة حتى الاستشهاد، وما تشهد به المخطوطات لنصوصهم من البراءة من العبث المُغرِض.. وفي كل ذلك ما يجعل هذه الشهادة الداخلية مقبولة تاريخياً وملزمة منطقياً، ومثيرة لكل العجب على ما بها من اتفاق، لذوي العقول السليمة والضمائر الأمينة..

 

 

      القسم الأوّل

       المسيح الشاهد للكتاب المقدس

 

   قدَّم الرب شهادته لكتابه المقدس بأنواع وطرق كثيرة، حتى أن محاولة فهرستها والإحاطة بحيثياتها جميعاً طالت لدرجة أنطقت الكاتب بترديد قول الكتاب "كفانا كفانا"، وألزمتني بالاختصار والدمج.. والفصول التالية هي نتاج محاولة الإحاطة بشهادة الرب لكتابه المقدس:

 

 

الشهادة بلاهوت المَصْدَر

 

+فوق كل الشهادات تأتي شهادة الرب لمصدر الكتاب المقدس أنه مكتوب بالروح القدس ذاته:

   "فييما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع قائلا : ماذا تظنون في المسيح ؟ ابن من هو ؟ قالوا له : ابن داود  قال لهم : فكيف يدعوه داود بالروح ربا ؟ قائلا  قال الرب لربي : اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك " (مت22: 41-44)..

   كان اليهود يقسّمون أسفار الكتاب (العهد القديم) إلى ثلاثة أقسام.. توارة (الناموس) ونبييم (الانبياء) وكتوبيم) بقية الأسفار وعلى رأسها المزامير.. وهنا يشهد الرب للمزامير، التي تأتي في تقسيم أسفار العهد القديم ثالثاً في الترتيب، أن مصدرها إلهيّ إذ كان داود ينطق بها بالروح القدس..

 

+وعن التلاميذ، الذين منهم كُـتَّـاب العهد الجديد، يشهد الرب بالوحي الإلهيّ لما يتكلمون به:

    "ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أن إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي. وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معي من الابتداء" (يوحنا 15: 26)..

   ولكن طالما توفرت شهادة الروح القدس ذاته، فما الحاجة لشهادة التلاميذ؟ لا يستقيم المعنى إلا بقصد أن الروح القدس يشهد من خلال التلاميذ، وبهذا يكون الأصل والفضل للروح القدس الذي يعلن الرسالة للبشرية كلها من خلال شهود عيان أمناء أمَدَّهم بعنايته ووحيه.. ومن هذا يثبت أن الروح القدس هو المتكلِّم في المتكلِّمين الشاهدين للمسيح، ولهذا أيضاً يسبق الرب فيقول للاثني عشر قبل إرساليته لهم:

   "لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم" (مت 10: 20)..

   فإذا كان ما يتكلمون به هو ليس منهم بل من الروح القدس، فكم يكون ما يكتبونه؟ إذا كان ما ينطقون به فيُسمَع عند قليلين ولحين هو من الروح القدس، فكم بالأحرى تكون الشهادة المكتوبة والمسجلة للأجيال ولحين مجئ الرب الثاني؟

 

 

 

+++

شهادة الرب للكتاب المقدس تجمع كُـتّابه وأسفاره قديماً وحديثاً تحت ظل جناحي الروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب والشاهد للابن..

وأثبت شهادات الروح هي تلك المسجلة في وحي الكتاب المقدس!

+++

 

 

شُمُوْل.. وتَفْصِيْل

 

   الشهادة الشاملة تؤكد وحدانية المشهود له إذ تجمعه في موضوع شهادة واحد.. والشهادة التفصيلية تؤكد عناية الشاهد بالمشهود له، واهتمامه بتفاصيله.. وعندما تجتمع في الشهادة صفتا الشمول والتفصيل فإنها تتكامل تكاملاً بديعاً..

   وفي تفصيل شهادته، جمع الرب الكتاب المقدس كله تحت عناية هذه الشهادة.. شهد الرب للأسفار السابقة على تجسده، وشهد للأسفار التابعة.. شهد للتوراة، وللأنبياء، وللمزامير، ولأسفار العهد الجديد:

 

+التوراة:

   "يُوجَد الذي يشكوكم وهو موسى الذي عليه رجاءكم، لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني لأنه هو كَتَبَ عني. فلو كنتم لستم تصدقون كُتُب ذاك فكيف تصدقونني" (يو5: 45-47)..

 

+المزامير:

   "كيف يدعوه داود بالروح رباً..." (مت22: 43)..

   " قال لهم يسوع: أما قرأتم قط في الكُتُب: أن الحجر الذي رذله البناؤون، هذا صار رأساً للزاوية، من قبل الرب كان هذا، وهو عجيب في أعيننا،" (مت21: 42، مز118: 22)..

 

+دانيال (وكان يُحسَب في قسم خاص من أقسام كتوبيم بحسب التقسيم الشائع عند اليهود وقت المسيح):

   "فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدس، ليفهم القارئ ..." (مت 24: 15)، ومثلها (مر 13: 14)، والأصل في دانيال (دا 9: 27، 12: 11)..

 

+شهادة شاملة

   وبالإجمال عن جميع الكتب:

   "... ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب " (لو24: 27)..

 

+وشهادة تفصيليّة

   وهذا شاهد واحد يجمع جميع الأقسام كلٍّ باسمه:

    "... لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير" (لوقا 24: 44)..

   ومعلوم أن اليهود قسموا الأسفار إلى "تُوْراة" (الناموس) و"نبييم" (الأنبياء) و"كتوبيم" (الكتابات -- ورأسها سفر المزامير).. إذاً يصير معلوماً وبالضرورة أن الرب في ختام وجوده على الأرض بالجسد ختم على كل الأسفار المقدسة القائمة وقته، وبتفصيلها!

 

   ويقول واحد: هذا يجوز مع الأسفار السابقة على تجسد الرب.. ولكن كيف لأسفار العهد الجديدة المكتوبة بعد صعوده أن تتمتع بشهادة من فم الرب؟

 

+الأناجيل والرسائل الجامعة

   ثَبَتَ في الفصل السابق شهادة الرب و وعده بالوحي الإلهيّ لتلاميذه المُختارين، وهي شهادة عامة تتضمن وتضمن الأناجيل والرسائل الجامعة التي كتبها تلاميذه، والتي كانت معروفة ومقبولة لديهم..

   وإذاً فلقد سبق الرب، قَبْل تدوين أسفار العهد الجديد، بالشهادة لها في شهادته لكاتبيها، وباعتمادها بتصريحه أن ليس كاتبوها هم المتكلمين، بل الروح القدس..

 

   والرب وإن كان قد صعد للسماء ولكن شهادته للأسفار التابعة لم تنقطع!

+رسائل بولس الرسول

   فحتى بولس الذي لم يكن بين التلاميذ قبل صعود الرب، فـَلـَهُ شهادة الرب التي أودعها أولاً عند تلميذ من أصل يهوديّ من الذين كانوا يعانون ويتخوفون من شروره حتى تكون شهادته عن شهادة الرب لبولس في أعلى درجات المصداقيّة:

   "وكان فِي دمشق تلميذ اسمه حنانِيَّا فقال له الرب في رؤيا: يا حنانِيَّا. فَقَالَ: هأَنذا يا رب. فقال له

الرب: قم واذهب إِلى الزقاقِ الذِي يقال له المستقِيم واطلب فِي بيت يهوذا رجلاً طرسوسيّاً اسمه شاول

لأَنَّهُ هُوَذَا يُصَلِّي. وقد رأى في رؤيا رجلاً اسمه حنانيّا داخلاً وواضعاً يدع عليه لكي يبصر. فأجاب حنانيّا: يا

رب قد سمعتُ من كثيرين عن هذا الرجل كمْ من الشرور فعلَ بقديسيك في أورشليم. وههنا له سلطان

من رؤساء الكهنة أن يُوثِق جميع الذين يَدعُوْن باسمك. فقال له الرب: اذهب لأن هذا لي إناء مختار ليحمل

اسمي أمام أمم وملوك وبني إسرائيل لأني سأريه كمْ ينبغي أن يتألم من اجل اسمي. فمضى حنانيّا ودخل

البيت ووضع عليه يديه وقال: أيها الأخ شاول قد أرسلني الرب يسوع الذي ظهر لك في الطريق الذي جئت

فيه لكي تبصر وتمتلئ من الروح القدس. فللوقت وقع من عينيه شئ كأنه قشور فأبصر في الحال وقام

واعتمد." (أع9: 10-18)..

 

  وعلى هذه الشهادة تتوالى مزيد من شهادات الرب لرسوله المختار بولس، متمثَّلةً في ظهوره المتكرر له: (أع9، أع22: 17، أع  2كو12).، وفي مُكوثه مع الرب ثلاث سنوات في شبه خلوة، في العربية ثم دمشق (غل1: 17-18)، والتي تسلم فيها من الرب نفسه تَسلُّماً خصوصياً كل ماسبقه الاثنا عشر في تسلِّمِه (1كو11: 23)..

 

   ويبقى أمرُ خطير قي صَدَد تَحرّي شهادة الرب لرسوله بولس ولما يكتبه وحياً.. إذ كان الرسول بولس حريصاً على تمييز ما ينقله من تسليم الرب المباشر له بظهور (1كو7: 10)، وما يُعَلِّمُه من وحي الروح القدس (1كو7: 25، 40).. وثمة دلالة خطيرة في هذا التمييز بين ما يُعَلِّمُه الرسول بوَحْي الروح، وبين ما يتلقّنُه من الرب.. ذلك أن ظهور الرب هو ظهور مرئيّ، وعمل الروح القدس هو عمل محسوس في باطن الإنسان، ولا يخاطب عادةً الحواس الجسديّة.. وهناك تبادل خطير بين الشهادة الظاهرة جسدياً من فم الرب، وبين الشهادة العاملة بالوحي من نعمة الروح القدس.. فالرب بدأ بالشهادة لتلاميذه أنهم سيمتلئون بالروح، والروح شهد وعلّم التلاميذ أن يشهدوا للرب.. واجتماع هذين الوجهين لاعتماد إرسالية الرسل له مغزاه الخطير، إذ تكون إرساليتهم مبنية على إرسالية الآب للابن وللروح القدس.. وهذا يحققه قول الرب أولاً: "كما أرسلني الآب أرسلكم أنا" (يو20: 21)، ثم عودته للقول ثانياً: "ذاك يشهد لي وتشهدون أنهتم أيضاً" () وما هو مثلها.. هذا التحرّي لأصل إرسالية التلاميذ يرفع ويربط إرساليتهم لتكون امتداداً لعمل الآب وانتقالاً متصلاً من دائرة العمل الإلهية المنفردة في الثالوث، إلى دائرة اتصال الرسل بالرب، ومن ثم دائرة اتصال الرسل بمن يرسمونهم من الأساقفة، ليحقق هذا التواصل الأصل الإلهيّ قي جوهر وشكل الأرسالية المسيحية.. والآن فإن نفس التمييز غير المنقسم بين الوحي من فم الرب ومن ملء الروح القدس، إذ يظهر ويتكرر بوضوح مع بولس الرسول، فإنه يفيد ويفيض بشهادة الرب لرسوله بولس أنه يُعَلِّم ويكتب بوحي من روح الرب بإرسالية مسيحية نموذجية أصيلة كما بقية التلاميذ أيضاً بالسويّة.. وإذاً فما يلف من القول عن تمتّع كتابات الباقين من الرسل بشهادة الرب، يتحقَّق بأكثر خصوصيّة على الرسول بولس..

   ومزيد من التأمل في هذا المعنى الجوهري في الخدمة والإرسالية المسيحية وارد في عظة وكتيّب "الإرسالية المسيحيّة"..

 

   وأخيراً، يلذ جداً للدارس أن يُحَقِّق كيف أن كل رسائل بولس الرسول هي تفصيل واستفاضة بديعة لكلمة واحدة قالها للرب مرةً:  

   "يا رب ماذا تريد أن أفعل" (أع9: 6)..

 

+حتى سفر الرؤيا

   وتأتي تلك الشهادة الربانيّة الخاتمة لسفر الرؤيا الذي يختم الأسفار زمنياً وترتيباً، تأتي شهادة الرب في ختام السفر الخاتم، كأنها لتحوي ضمناً، بكل البلاغة الروحيّة، شهادة خاتمة لكل الكتاب وليس لسفر الرؤيا وحده:

   "لأنّي أشهد لكل من يسمع أقوال نبوة هذا الكتاب إن كان أحد يزيد على هذا يزيد الـله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب. وإن كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة يحذف الـله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب في هذا الكتاب" (رؤ 22: 18،19)..

   ويستحق هذا القول الإلهي الخاتم على الكل بعض التمعّنّ للإحاطة بمعناه:

   +صحيح أن التحذير الوارد في النص يشير لسفر الرؤيا خصوصاً.. ولكن صحيح أيضاً عند ذوي التمييز في استخراج المبادئ العامة من الأقوال الخاصة المرتبطة بسياق محدّد، أن التحذير يقوم على مبدأ عام يشمل بداهةً كل ما سبق من أقوال إلهية.. إن سفر الرؤيا يأتي خاتماً لكل الأسفار في زمن كتابته، وفي ترتيبه في القانون، فهو، إذاً وعلى كل وجه، خاتم على كل الكتاب، والإنذار الإلهيّ فيه يقع ضمناً على من يعاند كل الأسفار الموحى بها.

   +النبوة رَئَوِيّة، ولكن هذا لا يطعن في نسبتها للرب.. فكاتب الرؤيا كان في تمام الوعي حتى انه يسجِّل بتفصيل دقيق كل ما سمعه.. وفوق كل الأسباب، فالرؤَى هي الطريقة الأعمّ عند الرب في مخاطبة الناس.. ثم أن محتويات الرؤيا لمن له بصيرة روحية قد تَحَقَّق فعلاً  أكثرها، ولم يبق (وقت كتابة السطور) سوى مجئ المُلًك الألفيّ بهلاك الوحش والنبيّ الكذاب، وبعدها فك الشيطان ونهايته السريعة، واستعلان أورشليم السمائية.. فالرؤية حق وشهادة الرب فيها حق..

   بل على العكس.. فإن كَوْن شهادة الرب قد أتت هذه المرة في رؤيا، فإنه يتوّجها بمزيد من علامات اهتمام الرب بالمَدَوَّن كتابةً من وَحْي العهد الجديد بعد صعوده، حتى أنه يعطي شهادته له وهو في السماء مثلما كان يشهد أيام ظهوره بالجسد للمكتوب قَبْلاً..

   +وأخيراً: فالمعنى المقصود بالحذف والزيادة ليس بسذاجة حذف وزيادة في حروف المكتوب، فتحذير مثل هذا لا حاجة له ولا جدوى منه أصلاً، لأنه إن حاول أحد تجربة مثل هذا العبث كشفته المخطوطات الأُخرى الكثيرة بحسب انتشار الكنائس المرسل لها السفر أولاً (سبعة على الأقل خلا الكنائس الأُخرى)..

   وإنما التحذير بالحذف يعني في العمق تحذيراً لمن يتجاهل نبوة أو تعليم (أي يحذفها من عنايته والتزامه بها).. والتحذير من الزيادة يعني تحذيراً لمن يضع من أفكار ذاته ما يحاول تلبيسها بأقوال الرب (أي يزيد على مقصد أقوال الرب ما يُرضِي هوى ذاته)..

 

+++

شهادة الرب للكتاب المقدس تشمله كله، وبتفصيل أقسامه.. وإذ اجتمع الشمول والتفصيل صارت الشهادة جامعة ومانعة..

وصار لها مزيد من الدلالة الروحيّة أنها بعد أن  تدعو القارئ للإيمان والقبول لكل الكتاب، فإنها تنبّه للعناية بتفصيل ودقائق تعليم الكتاب..

+++

 

 

الشَّهادة للجَمِيْع

 

   يقدم الرب شهادته عن الكتاب المقدس للجموع، وللجميع.. متعلمين وأميين.. المتعلِّم علمه لا يغنيه عن الكتاب، بل يحتاج له أن يضبط علمه ويجعله نافعاً.. والأميّ لا يستعفي من تعلُّم الكتاب وإن عجز عن قراءته، إذ يشهد له الرب حتى يسمع الكتاب ويسمع له..

 

+كان يسأل القارئ "كيف تقرأ"

   وهكذا أجاب الربُ ناموسياً:

   "وإذا ناموسيّ قام يجربه قائلاً ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟ فقال له ما هو مكتوب في الناموس. كيف تقرأ؟" (لو 10: 26،25)..

 

+وكان يوبخ الكتبة على كسلهم في التفتيش لفهم المكتوب

   "فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية وهي التي تشهد لي" (يو 5: 39)..

   "أليس لهذا تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الـله ... فأنتم إذاً تضلون كثيراً" (مر 12: 24-27)..

   فرغم علم الكتبة فإن تيه بعضهم عن الكتاب لم يعفهم من الجهل، وجعلهم يضلّون كثيراً..

 

+ووبخهم على تعديهم للوصية المكتوبة، مستبدلين إياها بما هو من عندياتهم من تقاليد ناس، وجاء توبيخه بنص كتابيّ أيضاَ

   "فأجاب: حسناً تنبأ إشعياء عنكم أنتم المرائين كما هو مكتوب: هذا الشعب يكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً. وياطلاً يعبدونني وهم يعلّمون تعاليم هي وصايا الناس. لأنكم تركتم وصية الـله وتتمسكون بتقليد الناس: غسل الأباريق والكؤوس وأموراً أُخَر مثل هذه تفعلون" (مر 7: 6-8)، ومثلها (مت 15: 3-9)..

   هكذا يضع الرب الكتاب المقدس حَكَماً ومُعَلِّماً للمتعلمين: يوبِّخهم عليه، ومنه..

 

   إذاً لا يستعفي المُتعلِّم من الخضوع للكتاب بحجة علمه..

ولا حتى الأُميّ له أن يستعفي بحجة جهله، إذ:  

+لا يفوت الرب جذب العاميِّين صريحاً للكتاب المقدس

    "سمعتم أنه قيل..." (مت5: 21، 27، 31، 33، 38)..

   فإذ كان أولئك يسمعون المكتوب مقروءاً في المجامع، فإن الرب بدقة الكلمة يقول لهم: "سمعتم أنه قيل".. ويوصيهم بالخضوع لما يسمعون من الكتاب:

    "حينئذٍ خاطب يسوع الجموع وتلاميذه قائلاً: على كرسيّ موسى جلس الكتبة والفرّيسيّون.فكلّ ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوا، ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا، لأنهم يقولون ولا يفعلون" (مت23: 1-3)..

   والنصح بالطاعة هنا يقتصر بكل وضوح على تعليم الكتاب المقدس، كما هو ظاهر من قول الرب: "على كرسيّ موسى جلس الكتبة" أي منابر المجامع التي تُقرأ فيها أسفار الوحي المقدسة..  ويزيد وضوح اختصاص وصيّة الرب بالكتاب المقدس، عندما يستبعد صريحاً تعليم الفريسيين الدخيل:

   "... وانتم لماذا تتعدون وصية الـله بسبب تقليدكم؟... وباطلاً يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس" (مت15: 3-9) ومثلها (مر 7: 6-8)..

   ويُلاحَظ أن توبيخ الرب لتعليم الفريسيين الدخيل هو ذاته مأخوذ بدوره من الكتاب المقدس (إش 29: 13)!

 

+++

إن شهادة الرب تدعو الجميع، القارئ وغير القارئ لنوال أنصبة صالحة من الخضوع لتعليم الكتاب المقدس، وكأنها تقول للجميع: أنت بلا عذر أيها السامع وأيها القارئ.. لا يغنيك علمك عن الكتاب، ولا يعفيك جهلك منه

+++

 

 

شَهادَة ضَمَان أَبدِيَّة

 

   وتضمن شهادة الرب حفظ كلمات الكتاب المقدس ضماناً أبدياً بطول الزمان، وحتى تمام الكل:

 

+فيقول عن أسفار العهد القديم:

   "فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل"  (متى 5: 17-18)..

لا يمكن أن يُنقَض المكتوب (يو10: 35)..

 

+ويشير لكلامه الذي كان يقوله وهو في الجسد فيشهد بوعد:

   "السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول" (مت 24: 35)..      

   وأما كلام الرب الذي لا يزول (بحسب سياق ورود الوعد) فتُسَجِّله أسفار العهد الجديد.. ولو لم تكن باقية وسليمة وأمينة في تسجيلها، لما صار وعد الرب بحفظ كلامه صادقاً – حاشا للرب ولوعوده وكلامه..

 

+++

لقد ضمن الأمين الصادق وحده، بوعدين هما بمثابة وعد واحد متطابق الألفاظ، ضمن ضماناً ربانيّاً، بوعد من ملك الملوك، الحفظ الدائم عبر الزمان ورغم الزمان للمكتوب كله في عهديه: العهد القديم الذي يتنبأ عنه، والعهد الجديد الذي يشهد بتحقق النبوات..

+++

 

 

شَهادَة باتِّساع العالَم

 

   "الحق أقول لكم حيثما يُكرَز بهذا الإنجيل في كلّ العالم يُخبَر أيضاً بما فعلته هذه تذكاراً لها" (متى 26: 13 ومرقس 14: 9)..

   والوعد هنا لا يقتصر على الكرازة (الشفويّة) فقط، بل لا يمكن تصوّر تحقيقه إلا بتدوين الإنجيل كتابةً، إذ انتقل الآباء الرسل للسماء وهنالك مناطق غير معروفة من العالم بعد.. وأكثر من ذلك، فإنه لا يمكن تصوّر أن الكرازة الشفويّة كفيلة بنشر قصة المرأة ساكبة الطيب لكل العالم.. بل فقط مع الإنجيل مكتوباً ومن ثَمَّ مُتَرجَماً لكل اللغات، ملأت الكرازة العالم بحفظ المكتوب الذي كان الركيزة الأمْكَن لكل المبشرين في كل العصور.. ومن حفظ الإنجيل مكتوباً حُفِظَت قصة المرأة ساكبة الطيب ليبقى ما بقي الإنجيل تذكاراً محفوظاً حتى يكون الكل، ويتعجب الجميع من نبوة الرب المذهلة كلما تذكروا المرأة بقراءة قصتها في الإنجيل!

   وتحفظ لنا المخطوطات شهادة قيمة جداً من واقع برديّة يصطلح العلماء على ترقيمها برقم بردية 64 (P64).. تحوي هذه البرديّة جزءً من إنجيل مَتّى وتحديداً فقرات من قصة المرأة ساكبة الطيب مع نص وعد الرب بالكرازة بما فعلته في كل العالم! المخطوطة الثمينة تتراوح تقديرات العلماء لها بين الثلث الأخير من المائة الأولي (أي بعد سنة 66م) وبين النصف الأول من المائة الثانية (أي قبل سنة 150م).. ولمزيد من قيمة دلالتها أنها اكتُشِفَت في الأقصر في صعيد مصر!!! إن البرديّة تتكلم فتقول لنا أن وعد الرب والى تحقيقه منذ البدء، فها هي البردية تنتشر انتشاراً سريعاً جداً في الزمان (في فترة ربما تعاصر حياة مَتَّى كاتب الإنجيل نفسه)، وواسعاً جداً في المكان (من فلسطين لأقصى صعيد مصر)، وتنطق محتوياتها، في مُوافَقَة بديعة، بوعد الرب بانتشار الإنجيل في العالم كلّه..

 

+++

لقد شهد الرب شهادةً نبويةً عن كتابه المقدس بأنه سيصل لكل المسكونة.....

+وها هي خريطة انتشار الكتاب المقدس منذ البدء في عصر المخطوطات تغطي العالم المعروف وقتها..

+وها هو عدد اللغات المُترجَم لها الكتاب تفوق كل الكتب وتغطي كل الألسنة..

+ثم ها هو عصر الفضائيات والكتاب المقدس هو الأكثر شهرةً وتعليماً به ونقلاً منه..

لقد شهد الرب لكتابه، وها هي العصور عصر المخطوطات وعصر الترجمات وعصر الفضائيات كلها يتسابق لتحقيق وعد الرب وشهادته النبويّة لانتشار كتابه المقدس..

 +++

 

 

شهادة باعتماد الشهادة

 

   في هذا الفصل يشهد الرب للكتاب المقدس من حيث اعتماده لشهادة الكتاب المقدس لشخصه!

   إن من أعراف ذوي النبالة أنهم لا يقبلون شهادة تكريم لأنفسهم إلا من الشرفاء المعتبرين، فيكون في قبول الشهادة من واحد شهادة له بالمثل..

   والربُ بالأكثر جِدّاً كان حريصاً على عدم قبول شهادة من إنسان.. على أن هذا الفصل سيعرض ويصَنِّف استشهاد الرب بالكتاب المقدس.. وليس فحسب يقبل الشهادة، بل أيضاً يفسّرها.. بل يبدأ بها.. بل يختم خدمته بها.. بل يواصل قبولها.. بل يفصِّل الاستشهاد بها عن طبيعته، وعن صلبه، وعن قيامته..

 

+ فهي التي تشهد له شهادة مقبولة منه:

   "فتشوا الكتب لأنكم تطنون أن لكم فيها حياة أبدية وهي التي تشهد لي" (يو 5: 39)،

   "لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني لأنه هو كَتَب عنِّي، فإن كنتم لستم تصدقون كتب ذاك فكيف تصدقون كلامي" (يو 5: 46-47)..

 

+وبالجملة:

   "أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء. أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى محده " (لو24: 25-26)،

   "وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث" (لو24: 46)..

 

+وبالتفصيل:

   "أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء. ... ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب " (لو24: 25-27)،

    "وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير. حينئذٍ فتح أذهانهم ليفهموا الكتب" (لو24: 44-45)..

 

+وبالتخصيص:

   إذ يستشهد الرب عن ذات طبيعته (لاهوته) بالمكتوب:

    "وفيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع قائلاً ماذا تظنون في المسيح ابن من هو. قالوا ابن داود. قال لهم كيف يدعوه داود بالروح رباً قائلاً قال الرب لربي اجلس عن يمين حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك. فإن كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنه. فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة. ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله بتةً" (مت 22: 41-46)، وانظر (مز 110: 1)..

   وعن صلبه، وبالتحديد مع أثَمَة:

   "لأني أقول لكم إنه ينبغي أن يتم فيّ أيضاً هذا المكتوب وأُحصي مع أثمة. لأن ما هو من جهتي له انقضاء" (لو 22: 37)، وانظر أيضاً (إش 53: 12)..

   وعن قيامته، مع التحديد الدقيق لموعد القيامة:

    "هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث." (لو24: 44-46)..

 

+استشهاد ربّانيّ بالكتاب موصولاً من البداية للنهاية:

    فقد بدأ الرب خدمته العامة في المجامع بأنه أتى لتتميم المكتوب:

   "اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم" (لو4: 22)..

   وختم خدمته على الأرض بتفسير المكتوب عنه وتأكيد حتمية إتمامه:

    "... لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير. حينئذٍ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث." (لو24: 44-46)..

   وبين البداية والنهاية، واصل الرب قبوله لشهادة الكتاب عنه والتذكير بها والتفسير لها:

    " وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني..." (لو24: 44)..

 

+ على أن الرب لا يقبل عن نفسه أية شهادة:

   إذ يزيد من خطورة دلالة قبول الرب لشهادة الكتاب المقدس عن نفسه، أن الرب عوّدنا أنه لا يتساهل أبداً من حيث المبدأ في قبول الشهادة من إنسان:

   "أنا لا أقبل شهادة من إنسان" (يو5: 34)،

   وفي موضع آخر:

   "مجداً من الناس لست أقبل" (يو15: 41)،

   وحتى عندما شهد له الشاب الغنيّ بالصلاح فحص شهادته بالسؤال:

   "لماذا تدعوني صالحاً ..." (مت19: 17)..  

   ومفهوم أن الرب لم يكن ينفي الصلاح عن نفسه – حاشا – لأنه هو القائل:  "أنا هو الراعي الصالح" (يو 10: 11).. ولكنه كان ينفي تأسيس الشهادة لنفسه ولصلاحه على المجاملة البشرية المعتادة، ليحجز الشهادة بالصلاح لكونه الإله الظاهر في الجسد لا لكونه مجرد إنسان يقبل مجاملة فارغة كبقية الناس.. حتى إذا شهد لنفسه انه هو الراعي الصالح صارت شهادته شهادةً على حق لاهوته..

   إذاً كان الربُ غنياً عن قبول شهادة الناس له.. فمن الذي كان مقبول الشهادة عن الرب لديه؟ 

   أولاً كان يشهد بنفسه لنفسه إذ هو الإله الحق والأمين الصادق وحده:

   "وإن كنتُ أشهد لنفسي فشهادتي حق" (يو 8: 14)،

   ويُحيل الشهادة للآب ذاته:

   "أنا هو الشاهد لنفسي ويشهد لي الآب الذي أرسلني" (يو 8: 18)،

   والروح القدس:

   "متى جاء المعزي... روح الحق... فهو يشهد لي" (يو 15: 26)..

   الشاهد والقصد من هذا أن الرب الشاهد لنفسه والمشهود له من أبيه وروحع القدوس، والذي لا يقبل شهادة الناس، هو الرب الذي يلذ له قبول وتفصيل وتفسير شهادة الكتاب المقدس عن نفسه.. لذلك ثبت وحقّ القول إن استشهاد الرب بالكتاب المقدس عن نفسه لهو في ذاته أكبر شهادة من الرب للكتاب المقدس..

 

 

 

+++

الرب الذي لم يقبل شهادة من إنسان، قَبـِل وحرص على تصدير شهادة الكتاب المقدس لشخصه!

الرب الذي حرص على مراجعة أيّة شهادة تُقَدَّم له، حَرِص على إعلان قبوله لشهادة الكتاب المقدس للاهوته وصلبه وقيامته!

الشاهد للمسيح هو الآب والابن ذاته والروح القدس.. فإذا شهد التلاميذ له فليس ذلك إلا لأنهم يشهدون بعمل الروح القدس.. وإذا قَبِل شهادة الكتاب المقدس له، بل احال لها بنفسه، فما ذلك إلا دليل شهادة الرب للكتاب نفسه أنه أنفاس روحه القدوس المحفوظ بقوة لاهوته..

بالجملة لقد شهد الرب لعلوَ اعتبار الكتاب المقدس بقبول شهادة الكتاب له!

+++

 

 

الحَصِيلَة

 

   معنا الآن مجموعة شهادات متكاملة التكامل..

   شهادة للأسفار السابقة على تجسد الرب، واللاحقة له..

   شهادة شاملة، وتفصيليّة..

   شهادة حفظ على طول الزمان، وعلى عرض المكان..

   شهادة للمتعلّمين والعاميّين..

   شهادة بقبول الشهادة..

   وفي كل ذلك: فالشاهد هو الرّب!

 

   ومثلما هو الشاهد هكذا المشهود له..

   فالكتاب بالمقابل عمله الأعظم هو الشهادة للرب.....

 

 

 

 

القسم الثاني

و الكتاب المقدس الشاهد للمسيح

 

   الرب شاهد للكتاب المقدس: هذه هي الشهادة العظمى للكتاب، والثانية مثلها أن الكتاب شاهد للرب..       

   الشهود للرب كثيرون: خليقته تشهد له.. الطبيعة عينها تشهد وتعلِّمنا مقاصده.. شمسه التي تشرق على الأبرار والأشرار تشهد لبرّه ومحبته.. والرسل والكارزون بالكلمة يشهدون له بالكلمة المسموعة.. والعلماء الدارسون يشهدون له بالأبحاث المكتوبة، والمؤمنون به بالجملة يشهدون له بقوة قيامته وصورته الحيّة فيهم..

   والآن فإن الكتاب المقدس يقوم هنا بين الشهود كأكثر الشهود تميّزاً للرب.. لأنه الشاهد بالكلمة المكتوبة.. أي الكلمة التي لا تضيع من المسامع بل تبقى مُثَبَتَّة محفوظة التسجيل لكل الأجيال.. وليست مجرد كلمة، بل كلمة مكتوبة بوحي وضمان الروح القدس، ومن يعلم الرب أفضل من روحه القدوس، ومن يضمن الحفظ لكلمة الرب أكثر من روح الرب الإله الضابط والكل؟ كلمة الكتاب إذاً ليست مجرد حبر على ورق، بل روح وحياة..

   بالجملة فإن الكتاب المقدس هو الشاهد المكتوب والمحفوظ للأجيال روحاً وحياة تفيض من الروح القدس رأساً..

 

   وفي فحصنا لوظيفة الكتاب المقدس كشاهد للمسيح سنجد أنه (1) شاهد بطبيعته، (2) وشاهد من حيث تكوينه، (3) وشاهد بروحه، (4) وشاهد بإقراره، (5) وشاهد بشهادة الرب لشهادته له.. وفي فصول هذا القسم تفصيل لشواهد المعنى:

 

 

 

 

 

 

الكتاب المقدس شاهد بطبيعته، إذ هو

صورة المسيح المكتوبة

 

 

   التشابه مثير للتأمل بين الرب نفسه وبين كتابه المقدس، وأوجه التشابه تشمل طبيعة الكتاب المقدس كله، فتجعله من واقع هذا التشابه شاهداً بطبيعته، فالشبيه يشهد لشبيهه بالطبيعة، والصورة تشهد بملامح صاحبها، دون حاجة للتكلّف أو الإلحاح.. وهذه أوجه التشابه الكيانيّة التي تتعدى كونها مجرد صفات عارضة لتحمل كيان الكتاب المقدس كله وتُقدّمه صورةً للمسيح، وبها يخاطب قارئه ويشهد بها، بالضرورة، للمسيح:

 

   + المسيح نور العالم والكتاب نور لسبيل المؤمن

   الرب هو نور العالم:

  "... المُشرِق من العلاء ليضئ على الجالسين في الظلمة وظلال الموت" (لو1: 78-79)..

  "... نور إعلان للأمم ..." (لو2: 32)..

   "وهذه هي الدينونة أن النور قد جاء إلى العالم، وأحبّ الناس الظلمة أكثر من النور، لأنّ أعمالهم كانت شريرة" (يو3: 19)..

   "أجاب يسوعُ: ما دمتُ في العالم فأنا نورُ العالم" (يو9: 3-5)..

   "أنا قد جئت نوراً إلى العالم، حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة" (يو12: 46)..

   " استيقظ أيها النائم وقم من الأموت، فيضئ لك المسيح " (أف5: 14)..

   والكتاب المقدس هو نور القارئ:

  "وصايا الرب مستقيمة تُفرِّح القلب، أمرُ الرب طاهر ينير العينين" (مز19: 8)..

  "سراج لرجْلِي كلامك، ونور لسبيلي" (مز119: 105)..

  "لأنّ الوصيّة مصباح، والشريعة نور" (أم6: 23)..

   "وعندنا الكلمة النبويّة وهي أثبت التي تفعلون حسناً إن انتبهتم إليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم" (2بط1: 19)..

   وهذا الشاهد الأخير يجمع بين نور الكتاب ونور الرب، ويربط بينهما ربطاً تواصليّاً طبيعيّاً، فالذي يستضئ بنور الكتاب يسلك في النور حتى يتصوّر فيه كل ملء نور المسيح وينفجر نهاره في قلبه..

 

   + صلابة المسيح، وصلابة الكتاب

   المسيح يسحق من يسقط عليه:

  "قد قُطِع حجر من جبل لا بيدين، فسَحَقَ الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب" (دا2: 45)..

  "كلّ من يسقط على ذلك الحجر يترضض، ومن سقط هو عليه يسحقه" (لو20: 18)..

   والكتاب المقدس يُحَطِّم من يسقط عليه:

  "أليست هكذا كلمتي كنار يقول الرب، وكمطرقة تُحطِّم الصخر." (أر23: 29)..

 

   + الرب يؤكَل، وكلامه يؤكَل

   الرب يؤكَل للحياة به:

   "من يأكلني فهو يحيا بي" (يو6: 57)..

   وكلامه يؤكَل للفرح به:

   "وًجِد كلامُك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي" (أر15: 16)..

 

   + الرب روح وحياة، وكلامه روح وحياة

   الرب روح:

   "الـله روح" (يو4: 24)..

   وفيه الحياة وهو الحياة:

   "فيه كانت الحياة" (يو1: 4)،

   "انا هو القيامة والحياة" (يو11: 25)..

   وكلامه، المكتوب في كتابه المقدس أيضاً، هو روح وحياة:

   "الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة" (يو6: 63)..

 

 

   + الرب حلو، وكلامه حلو

   حلو هو الرب، وشهيّ:

  "حلقه حلاوة، وكله مشتهيات، هذا حبيبي وهذا خليلي يا بنات أورشليم" (نش5: 16)..

   وحلوة هي كلمته، أحلى من العسل:

  "ما أحلى قولك لحَنَكي، أحلى من العسل لِفَمِي" (مز119: 103)..

 

   والشواهد الظاهرة في الفقرات السابقة هي معدود من كثير يفوق طاقة هذا الكتيّب.. على أن هناك وجهاً للشبه يفوق الكلّ بين الرب وكتابه المقدس، وهو ما يحتاج لشرج ولا يمكن إيجازه في شاهد أو اثنين.. وهو هديّة هذا الفصل، بل هديّة الكتيّب كله، ذلك أن:

 

   + المسيح كلمة الآب والكتاب كلمة الرب

   الرب هو كلمة الآب (يو1: 1) و(رؤ19: 13)، الابن الوحيد الذي في حضن الآب الذي خبّر عنه (يو1: 18).. والكتاب المقدس هو السجِلّ المكتوب لـ كلمة الرب..

 

   إن من أروع أوجه العلاقة بين كتابنا المقدس وبين مسيحنا القدوس أن الكتاب المقدس يحمل صورة المسيح.. أليس المسيح هو الكلمة الذاتيّ؟ أي عقل الآب وحكمته الكائن معه منذ الأزل؟ ثم ان الكتاب هو الكلمات التي خرجت من هذا العقل اللوغوس؟ الكتاب المقدس هو الكلمات التي تكلم بها الكلمة.. كلمات تحمل حتماً معاني طبيعته وصفاته..

   إننا مع الكتاب المقدس أمام كلمة الكلمة.. الكلمة المكتوبة التي تشهد عن الكلمة الذاتيّ.. الكلمة المنطوقة التي نطق بها الكلمة نفسه.. الكلمة اللفظية التي تعبّر عن المعاني التي يقدمها لنا في الزمان الكلمة الأزليّ..

 

 وامتداد وجه الشبه يتعمّق أكثر حتى التجسّد:

   فالكلمة صار جسداً،

   وكلامه صار كتاباً..

 

   الكلمة أخذ كل ما لطبعنا البشريّ بغير خطيّة، وعاش كل حياة البشر بغير عيب،

   والكتاب المقدس تكلّم بكل كلامنا البشريّ بغير الكلام السفيه أو الباطل.. وظهر في كل ما بلغة البشر من أساليب خلا الكلمات البطالة والأساليب الملتوية.. نجد في الكتاب المقدس الشريعة – القانون -، والقصص، والشعر، والأمثال، والتعليم الأدبي، والتأريخ، والشرح اللاهوتيّ، والنبوات، وحتى كلام العلم وتنظيم المجتمع، ويختتم بالأدب الرَئَويّ المذهل الروعة..

 

الرب قدَّس نفسه من أجلنا (يو17: 19) متجسداً من أجل خلاصنا (مت1: 21) وافتدائنا (غل5: 5) وتعليمنا (يو13: 14-15)..

والكتاب المقدس تكلّم في كل ما تكلم غير عامد إلا لمنفعة القارئ الروحية ولخلاصه الأبدي، بالشهادة للمسيح:

   فعندما يؤرخ فهو ليس مؤرخاً لوجه التاريخ، بل مُسَجِّلاَ شهادة لبر تعاملات الرب مع الإنسان..

   وعندما يطرح نصوصاَ شعرية، فليس ذلك للتلذذ المحض بالكلام، بل لعرض لذة الرب وحلاوة عشرته بما يتفق مع هذا الوجدان المقدس من لغة، ليجتذب عواطف القارئ مع الرب في حجاله..

   وعندما يتنبأ فهو لا يفعل من أجل التحدّي واستعراض المعرة ولا للتسلية العابرة حاشا، بل  يتنبأ عن النعمة التي لأجلنا باحثاً عن الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح (1بط1: 10-11)..

 

+++

الكتاب المقدس صورة مكتوبة من المسيح.. هو الكلمة المنطوقة المعبِّرة عن الكلمة الذاتيّ،

المتجسد في صورة أنماط كتابة بشرية تجمل المعنى الإلهيّ، مثلما تجسد لاهوت الرب في طبيعتنا دون أن يتحوّل أو يُحَدّ..

هو حلو من حلاوة الرب، صلب من صلابة الرب، ومنير بنور الرب..

والصورة تشهد لأصلها حتماً، والنور ينير حتماً والحلاوة تمنح طعم اللذة حتماً

فالكتاب المقدس بطبيعته، على كل وجه، شاهد للمسيح

+++

 

الكتاب المقدس شاهد بكيانه للمسيح

شخص المسيح هو محور الكتاب

 


   يُقال كثيراً، وبحق، أن المسيح هو محور الكتاب المقدس.. وفي هذا القول إشارة بديهية لكون الشهادة للمسيح هي وظيفة الكتاب المقدس في محور كيانه..

   على أن هذا القول يحمل من المعنى ما هو أدق كثيراً مما يظهر في بساطة صياغته..

   فطبيعة محورية شخص المسيح في الكتاب تجعل جسد الكتاب المقدس شاهداً للمسيح على أوجه كيانيّة مذهلة العمق، وليس مجرد شهادة ساذجة..

   إنها شهادات مُتشاهدة الواحدة لأختها، معترفة بها سواء مبشّرة بها من القديم للجديد، أو مستندة عليها

من الجديد للقديم! عن جسد ومتن الكتاب المقدس هو كيان عضويّ محور عمله ورابطه وفلسفة تصميمه

هو الشهادة المسيح.. كإنسان وظائفه العضوية كلها ترمي لتيسير عمله الواحد المخلوق له!

   وليقرأ القارئ..

 

 

+ حديث دقيق للعهد القديم عن عهد الرب الجديد

 

   "ها أيام تأتي يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً. ليس كالعهد الذي قطعته

مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب. بل هذا

هو العهد الذي أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب: أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على

قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً" (أر31: 31-33)..

 

   العهد القديم يلقي رجاءه على الرب وعلى عهده الجديد، ويقرّ بنقصانه بدونه! هذه النقطة في منتهى

خطورة الدلالة.. لأن ذات الأسفار التي انبثقت أصلاً من العهد الناموسيّ القديم، إذ تقرّ أنها في انتظار عهد

جديد للرب، فإن شهادتها للرب لا تكون شهادة من موضع انفصال الشاهد عن المشهود له، بل هي شهادة

من يبحث عن كمال ذاته!

 

 

   "في الإيمان مات هؤلاء أجمعون، وهم لم ينالوا المواعيد، بل من بعيد نظروها وصدقوها، وحيّوها"

(عب11: 13)..

   "الخلاص الذي فتش وبحث عنه أنبياء، الذين تنبئوا عن النعمة التي لأجلكم، بحاثين أي وقت أو ما الوقت

الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم، إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها. الذين

أُعلِن لهم أنهم ليس لأنفسهم، بل لنا كانوا يخدمون بهذه الأمور التي أُخبِرتُم بها انتم بواسطة الذين بشَّروكم

في الروح القدس المُرسَل من السماء. التي تشتهي الملائكة أن تطّلع عليها (أي على الأمور المُبَشَّر بها في

العهد الجديد)" (ابط1: 10-12)..

 

   ويشارك الأنبياء، كتبة أسفار العهد القديم، الملائكة في شهوة رؤية العهد الجديد ورب العهد الجديد..

الشاهد هنا لا يشهد لنفسه ولا لعهده، ولا حتى يشهد لشئ حاضر عنده يشبع شهوته، بل يشهد لمستقبل

ينظره من بعيد ويصدقه ويحيِّيه.. ولو لم يكن ينظره نظراً موقفاً لدرجة الإيمان، ما كان لديه دافع لكي

يشهد لما هو ليس له!

 

   "يقيم لك الرب إلهك نبيّاً من وسط إخوتك مثلي له تسمعون. حسب كل ما طلبت من الرب إلهك في

حوريب يوم الاجتماع قائلاً: "لا أعود أسمع صوت الرب إلهي ولا أرى هذه النار العظيمة أيضاً لئلا أموت. قال

لي الرب قد أحسنوا فيما تكلموا. أقيم لهم نبيّاً من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل

ما أوصيه به. ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه" (تث18: 15-19)..

 

   وهذا أخطر وأعجب شاهد يشهد به العهد القديم على نفسه وللرب.. هل يفهم القارئ؟ ..

   المتكلّم هنا هو موسى نبيّ الناموس الذي تسَمَّى الناموس المُوحَى به من الرب باسمه، وأول كُتَّاب

الكتاب المقدس ولكنه يحيل مطالبة الرب لمن لا يسمع كلامه الذي يتكلذّ به للشعب إلى فم نبيّ آخر

غيره.. هذه إحالة وشهادة خطيرة من العهد القديم على فم رئيس أنبيائه وأول كُتَّابه! ولقد حاول اليهود

معرفة كُنه هذا النبيّ، وفسّره بعضهم على أنه يشوع، كانهم لم يقرئوا ما كثتِب في آخر سفر التثنية بعد

موت موسى تحت رئاسة يشوع نفسه:

   لم يقم بعد نبيّ في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجهاً لوجه" (تث34: 10)..

   ولكن يقي الأكثرون يطلبون هذا النبي مقرّين بعدم ظهوره بعد، وحتى زمن يوحنا السابق للمسيح، إذ سألوه:

   "ألنَّبيّ أنت؟" (يو1: 21)..

   ولقد أقر يوحنا انه ليس هو، وأما اسطفانوس فقد شهد ضمناً أن النبيّ الذي تكلّم عنه موسى هو نفسه المسيح، فيكونان، "المسيح" والنبيّ"  من ثَمَّ لقبين ووظيفتين لواحد هو نفسه يسوع وليد العهد الجديد:

   "هذا هو موسى الذي قال لبني إسرائيل: نبيّاً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم، له تسمعون" (أع7: 37)..

 

   إن موضوع "النبيّ الذي هو مثل موسى" هذا هو من أخطر ما يظهر في الكتاب المقدس من مواضع لاهوتية تفسيرية ونبوية، والكلام عنه وفيه يفوق كثيراً هذا الكُتَيِّب، على أن إيجاز شاهدها بحسب القصد هنا هو هذا:

   * إن رئيس أنبياء العهد القديم، وأول كاتب لأسفار الكتاب المُقَدَّس يشهد بنقصان عمله، واحتياجه لمن يكمّله.. ويوصي الشعب بانتظار الآخر.. وفي إقرار العهد باحتياجه للاستكمال بالرب هو شهادة كيانيّة أي تخص كيانه، ولا أقدر على الواحد من معرفة قصور كيان نفسه، ولا أصدق من هكذا شهادة..

   * ولقد يشعر البعض من الحرج من كون المسيح نبيَاً "مثل" موسى.. ويبحث البعض في أوجه للشبه بينهما.. ولكن شهادة الكتاب تدخر للباحث في عمقها معنى خطيراً قاطع الثبوت.. إن المسيح مثل موسى في كونه إنسان.. فإن هذه الفقرة دليل خطير ومثير عن التجسد، يحمل في طياته لب تعليم العهد الجديد عن غرض التجسد.. وهذا بيان إثبات وشرح ذلك:

      + بدأ الرب بأن أعلن عن طلبه أن يلتقي الناس في يوم حوريب:

 

      + وقعت على الناس رعبة لقاء الرب:

   "وكان جميع الشعب يرون الرعود والبروق وصوت البوق والجبل يدخن. ولما رأى الشعب ارتعدوا ووقفوا من بعيد" (خر20: 18)..

        وحتى موسى قال:

   "أنا مرتعب ومرتعد" (عب20: 19)..

        ومن خوفهم قالوا لموسي:

   "تكلم معنا أنت فنسمع ولا يتكلّم معنا الإله لئلا نموت" (خر20: 19)..

 

      + فهل يتخلّى الرب عن طلبه؟ لا يمكن.. فكيف به أن يصل للناس دون أن يخافوا؟ لقد أعطى الناس إشارةً لذلك في قولهم السالف لموسى: "تكلّم أنت معنا".. وهو عين ما قاله ارب عن النبيّ المماثل لموسى، مظهراً أنه التقط الكلمة من ألسنة الناس:

   "حسب كل ما طلبت من الرب إلهك في حوريب يوم الاجتماع قائلاً: لا أعود أسمع صوت الرب إلهي ولا أرى هذه النار العظيمة أيضاً لئلا أموت، قال لي الرب: قد أحسنوا فيما تكلموا. أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به" (تث18: 16-18)..

   ومن هنا كان النبيّ المنتظر مثل موسى، من حيث أن الناس تقترب ولا تخاف منه، ومن هنا كان من دوافع التجسد العظمى أن يقترب الرب من الغنسان في صورة طفل وديع يكبر وسطهم ويحلّ بينهم فيقتربون منه ولا يخافون، فيجد فرصةً لشفائهم وتعزيتهم بمعيته التي خسروها بسبب خوف الخطيّة..

      + ومن ثَمَّ فهذا النبيّ يختلف عن غيره، إذ له كل كرامة الآب، لذلك يقول:

   "ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي، أنا أطالبه" (تث18: 19)..

   ذلك لأنه هو كلمة الآب نفسه، لذلك يفوق مفعول كلامه ونتيجة إهماله كلام غيره!

 

القصد الخطير هنا أن الرب أظهر للناس أولاً رغبته في اقترابهم منه، ثم أظهر لهم خوفهم من لقائه بسبب سقوط البشرية واحتياجها لخليقة جديدة، ثم لما كانت الخليقة الجديدة لا فرصة لاقتنائها إلا باقتراب البشرية من الرب دون خوف من حيث انه هو الطبيب، ولما كان الناس غير قادرين على الاقتراب لأكثر من موسى، وحتى هذا مع وضع برقع على وجهه، فلم تكن من فرصة لكي يحقق الرب الغرض إلا ان يتجسد فيصير مثل موسى من حيث قدرة الناس على الاقتراب منه.. وهكذا فإن النبوة عن النبيّ مثل موسى هي نبوة في أصلها تشير رأساً للتجسد.. وبقية التشابهات بين المسيح وموسى هي من باب التشابهات الثانوية التي تحيط المعنى بمؤشرات ومظاهر الإثبات..

 

   * وبهذه النبوة فإن العهد القديم يجمع في حضنه كل العهد الجديد المتكلّم من أوله لآخره عن التجسد الإلهيّ المُقَرِّب البشرية للرب.. وفقط مع نبوة مثل هذه يثبت عنوان الفصل "المسيح محور الكتاب"..

 

   كانت هذه مجموعة شواهد مميزة تظهر حديث العهد القديم عن العهد الجديد وظهور الرب فيه، وتثبت أن العهد القديم هو أول شاهد على نفسه أنه لا يكتمل إلا بعهد الرب الجديد... فماذا بالمقابل عن حديث العهد الجديد عن دور العهد القديم في الشهادة للرب؟

 

+ وحديث عميق للعهد الجديد عن نبوات القديم عن الرب

 

   "لا تظنوا إني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمّل. فإنِّي الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد ولا نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكلّ" (مت5: 17-18)..

 

   "وأما الآن فقد ظهر بر الله بدون الناموس مشهوداً له من الناموس والأنبياء. بر الله بالإيمان بيسوع المسيح إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون لأنه لا فرق" (رو3: 21-22)،

 

   "وعندنا الكلمة النبويّة وهي أثبت التي تفعلون حسناً إن انتبهتم إليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم" (2بط1: 19)..

"إذاً فقد كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح، لكي نتبرّر بالإيمان" (غل3: 24)..

 

 

   إن الروعة في هذه الشواهد ليس أنها فقط تشهد للمسيح، ولكنها تشهد لشهادة العهد القديم له..

العلاقة بين أسفار الكتاب المقدس تتعدى التوازي في شهادة كل منها للمسيح، لتصل إلى الترابط المصمم

بعناية بحيث يشهد كل منها لشهادة الآخر للمسيح، فيعتمدها، ويستند لها، ويشهد بحفظها خالدةً!

 

 

   والآن فإن محصلة كل الفصل أن هذه الشواهد المحوريّة البارزة تُظهِر كيف أن شخص المسيح يجمع

عهديه كشاهدين، ليس فقط يشهدان للرب، بل يشهد كل واحد لشهادة الآخر للرب باعتمادها والتثنية عليها..

   إن جسد الكتاب المقدس يشهد بتركيبه العضويّ المترابط أنه قد صُمِّم أصلاً ليعمل كشاهد للمسيح.. إن عنصر الترابط والتصميم المسبق العلويّ ظاهر جداً بين أسفار الكتاب المقدس لدرجة مذهلة.. ولقد يقال أن العهد الجديد كان مخبوءً في القديم، والقديم معلناً في الجديد، ولكن الصحيح الظاهر في الكتاب أن العهد الجديد كان معلناً بالنبوة قبل مجيئه في العهد القديم، وليس مخبوءً, والعهد القديم آخذاً ملء ظهور المعنى وتفسيره في العهد الجديد.. فالتجسد والفداء والخليقة الجديدة كلها معلنة صريحاً في الأسفار الأولى، ولم يكن مخبوءً في القصة كلها إلا وسيلة الفداء التي هي الصليب السر المكتوم، لأنهم لو علموا (أن الفداء بالصليب) لما صلبوا رب المجد..

 

   ومع هذا الترابط المذهل بين العهدين في تكوين الشهادة للمسيح، فإن الكلام عن مئات النبوات في

العهد القديم عن الرب، ومئات الاستشهادات المقابلة في العهد الجديد من العهد القديم، وعدد مرات ذكر

كلمة "كما هو مكتوب" أو "ليتم ما قيل بالأنبياء"، كل ذلك يكون محض بداهة..

 

 

 

+++

القديم يتنبأ عن الرب، والجديد يشهد لتحقيق الرب لنبوات القديم،

القديم يظهر الرجاء في الجديد، والجديد يعلن الإيمان بالقديم،

والقديم يقرّ بنقصانه دون الجديد، والجديد يبشِّر بإكماله للقديم..

وحصيلة هذه القضايا أن جسد الكتاب المقدس مُصَمَّم تصميماً خاصاً منذ البدء للعمل شاهداً للمسيح، يشهد العهد منه ليس فقط للمسيح، ولكن لشهادة الآخر للمسيح، يعتمدها، ويستند لها، ويكملها..

والآن فإن كان الكتاب المقدس بحسب تكوين جسده وتصميم متنه يشهد للمسيح، فإنه فوق ذلك يشهد بصميم روحه...

+++

 

 

الكتاب المقدس شاهد بروحه للمسيح

الشهادة ليسوع هي روح النبوة

 

   سبق فحص وعرض أن جسد الكتاب المقدس شاهد للمسيح بحكم ترابطه العضويّ وتصميمه المتعديّ لشبهة التواطؤ.. والىن نتعدى الجسد للروح.. فإذا كان الكتاب المقدس شاهداً للمسيح بالتكوين العضويّ لجسده (متنه ونصه)، فإن الشهادة ليسوع هي روح الكتاب المقدس:

   "فإن شهادة يسوع (الشهادة ليسوع) هي روحُ النبوَّة" (رؤ19: 10)..

   والنبوَّة تفيد كل الكتاب المقدس، لأن معناها الأصيل هو التعليم بالإفادة بالأنباء:

  • سواء تذكيراً بأنباء الماضي للوعظ،
  • أو إعلاماً بالمستقبل لتقوية رجاء الحاضرين؛ أو لإعدادهم لما هو مزمع أن يكون، إن كان سيحّل عليهم قريباً،
  • ثم لتَرْك دليل قويّ للأجيال الآتية لإثبات صدق كل كلام النبوة عند تحقُّقها..

 

   ومادام معنى النبوّة كذلك، يكون الكتاب المقدس كلّه نبوةً إذ كله نافع للتعليم، وجامع لكل عناصره المُفَصَّلة هنا، بالوعظ مُذَكِّراً بعمل الرب ماضياً، وبالإنباء عن الآتي مستقبلاً.. ولذلك وبالجملة يصف الرسول بولس عمل الكتاب النبويّ فيقول:

   "كل الكتاب هو مُوحَى به من الإله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البِرّ" (2تي3: 16)..

 

   إذاً فكلُ الكتاب نبوّة، وشهادة ليسوع.. أسفار ما قبل تجسد المسيح تبشرّ بأنه سيأتي، وأسفار ما بعد تجسده تشهد بأنه قد أتى فعلاً وحقَّق ما سبق التنبؤ به عنه..

   وليس الكتاب نبوّة فقط بل "روح النبوة".. والذي تضيفه كلمة "روح" هنا جدير بكل مراعاة: فروح أي نص هو أولاً غرضه ومقاصده.. إن قصد الكتاب أصلاً هو الشهادة ليسوع:

 

   والمعنى الأدلّ لكلمة روح هو الحياة وقوة العمل.. فالروح هو مكمن الحياة، وبدونه لا حياة ولا قوة على العمل، ولكنّ نبوة الكتاب ما تزال تعمل:

   "وعندنا الكلمة النبويّة وهي أثبت التي تفعلون حسناً إن انتبهتم إليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم" (2بط1: 19)..

   فهكذا تعمل كلمة الكتاب المقدس النبوية، وهكذا تحيَى، وعلامة حياتها عملها المستمر إلى الآن مع القارئين لها الذين عندهم "الكلمة النبوية" التي في الكتاب.. هؤلاء إذا انتبهوا لها حسناً مستنيرين بها في موضع ظلمة الأرض سيطلع كوكب الصبح في قلوبهم.. و"كوكب الصبح" هنا في أصله اليونانيّ "فوسفوروس Phosphoros" وهي كلمة كانت من ألقاب كوكب (نجمة) الصبح.. فمن هو كوكب الصبح؟

   يطلع كوكب الصبح في موضع آخر بتعبير آخر في الكتاب المقدس: في سفر الرؤيا بتعبير يونانيّ مُفَصَّل:         

   "أنا يسوع، أرسلت ملاكي لأشهد لكم بهذه الأمور عن الكنائس، أنا أصل وذريّة داود، كوكب الصبح المنير" (رؤ22: 16)..

   وأما المعنى اللفظي لكلمة "فوسفوروس" فيحمل المزيد من الدلالة، فـ "فوسفوروس" هو حامل (Phoros) النور (Phos)، أي جالبه.. وهو الرب:

   "فيه كانت الحياة، والجياة كانت نور الناس، والنور يضئ في الظلمة، والظلمة لم" (يو1: 4-5)..

   فالكتاب نبوة وروح نبوة.. والشهادة ليسوع هي روح النبوّة.. والنبوّة عاملة حية ذات روح محيي، وروحها: أي غايتها وقوة حياتها وعملها هو الشهادة ليسوع.. وعملها لا يتوقف حتى يُولَد في من ينتبه إليها كوكب الصبح المنير.. ننتهي من حيث بدأنا أن روح وظيفة الكتاب المقدس هي كونه شاهداً للمسيح.. المعنى مترابط ومُحكَم من كل جهة..

 

 

 

+++

المعنى في هذا الفصل أن المسيح ليس فحسب محور الكتاب المقدس، بل هو روحه ذاته، لأن روح الكتاب المقدس كله هو الشهادة ليسوع..

وروح العمل يشمل دافعه وقصده وقوّته المحرّكة والمحيية له..

وإذاً فالكتاب المقدس شاهد للمسيح في مبدأ وغرض ودوام بقاء وظيفته.. وبدون الشهادة للمسيح يكون ميتاً بلا روح عاطلاً بلا عمل..

والمعنى الروحيّ هنا هو أن من يقرأ الكتاب بغير طلب صادق لمعرفة يسوع، ويخرج منه بغير معرفة شهادته ليسوع، فإنه قد قراه باطلاً جالباً على نفسه دينونة الكتبة والفريسيِّين المعاندين..

وأما من يقرأ الكتاب المقدس بحسب حق الكتاب، فإنه يبحث بجِد عن روح يسوع في الكتاب

ولأن الكتاب المقدس هو أنفاس روح يسوع فإنه ناجح يقيناً في عمله وكلمته تنجح فيما أًرسِلَت لأجله،

ولذلك فمن يطلب يجد، ومن يقرع أبواب الكتاب المقدس يُفتَح له معناه وشهادة يسوع التي فيه بِسِعَة..

+++

 

 

شاهد بإقرار كُتّابه

هذه كُتِبَت لتؤمنوا أن يسوع هو ابن الإله

 

   وبعد ما سلف من نقاط متعمقة، تحفر في الشواهد وتستخرج منها عميق المعنى في دراسة عمل الكتاب المقدس كشاهد للمسيح، فإن بعض كُتَّاب الأسفار المقدسة طرحوا هذه القضية ببساطة وتصريح مباشر، وأقروا أنهم إنما يكتبون شهادةً للاهوت المسيح، وعمل خلاصه للبشر بتجسده وصلبه وقيامته، لكي يكون للمؤمنين بهذا حياةً باسمه:

 

   "بدء إنجيل (البشارة بـ) يسوع المسيح ابن الإله" (مر1:1)..

 

   "... رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبَّعت كل شئ بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوقيلُس لتعرف صحة الكلام الذي عُلِّمت به" (لو1: 3-4)..

 

   "الكلام الأول أنشأته يا ثاوفيلُس عن جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلِّم به ..." (أع1:1)..

 

    "... وأما هذه فقد كُتِبَت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الإله، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه" (يو20: 31)..

   "... هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا ونعلم أن شهادته حق" (يو21: 24)..

 

   "أكتب إليكم أيها الآباء لأنكم قد عرفتم الذي من البدء ... أكتب إليكم أيها الأولاد لأنكم قد عرفتم الآب ... كتبت إليكم أيها الآباء لأنكم قد عرفتم الآب. كتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء، وكلمة الإله ثابتة فيكم وقد غلبتم الشرير" (1يو2: 13-14)..

 

   "أخيراً يا إخوتي افرحوا في الرب.. كتابة هذه الأمور إليكم ليست عليّ ثقيلة، وأما لكم فهي مُؤمَّنَة"

(في3: 1)..

 

 

   وأروع ما يُختَم به معنى الفصل هو ذا القول البولسيّ:

 

   ذكر يسوع المسيح المُقام من الأموات من نسل داود بحسب إنجيلي، الذي فيه أحتمل المشقات حتى القيود كمذنب. لكن كلمة الإله لا تُقَيَّد" (2تي2: 8-9)..

 

   انظروا كيف يكتب وهو مُقَيَّد ليصل لنا الكتاب مكتوباً لأجل الشهادة ليسوع وخلاص يسوع!

 

 

ثَبْت بشواهد

اعتماد الرب لشهادات الكتاب المقدس لشخصه وعمله

 

   ختمنا شهادات الرب لكتابه المقدس بشهادته من حيث اعتماده لشهادة الكتاب له.. ومن حيث انتهينا في القسم الأول (المسيح الشاهد للكتاب المقدس) ننتهي في القسم الثاني (الكتاب المقدس الشاهد للمسيح) بتجميع شواهد اعتماد الرب لشهادة الكتاب المقدس له ولعمله الفدائيّ والخلاصيّ على الأرض، وفي قبول الرب لشهادة الكتاب المقدس له أثبت ما يثبت عمل الكتاب المقدس كشاهد للرب:

   "فتشوا الكتب لأنكم تطنون أن لكم فيها حياة أبدية وهي التي تشهد لي" (يو 5: 39)،

   "لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني لأنه هو كتب عني، فإن كنتم لستم تصدقون كتب ذاك فكيف تصدقون كلامي" (يو 5: 46-47)..

   "أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء. أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى محده " (لو24: 25-26)،

   "وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث" (لو24: 46)..

   "أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء. ... ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب " (لو24: 25-27)،

    "وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير. حينئذٍ فتح أذهانهم ليفهموا الكتب" (لو24: 44-45)..

    "وفيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع قائلاً ماذا تظنون في المسيح ابن من هو. قالوا ابن داود. قال لهم كيف يدعوه داود بالروح رباً قائلاً قال الرب لربي اجلس عن يمين حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك. فإن كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنه. فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة. ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله بتةً" (مت 22: 41-46)، وانظر (مز 110: 1)..

   "لأني أقول لكم إنه ينبغي أن يتم فيّ أيضاً هذا المكتوب وأُحصي مع أثمة. لأن ما هو من جهتي له انقضاء" (لو 22: 37)، وانظر أيضاً (إش 53: 12)..

    "هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث." (لو24: 44-46)..

   "اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم" (لو4: 22)..

    "... لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير. حينئذٍ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث." (لو24: 44-46)..

    " وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني..." (لو24: 44)..

 

فكيف ننجو نحن إن أهملنا كتاباً هذا مقداره!؟