عبادة الشيطان ليست

في الكتاب المقدس[1]

 

13 إبريل 1997

صورة ضوئية مُجمَّعَة (لمواءمة الحجم) للصفحة المنشور فيها فقرات الرد

 

 

في مارس 1997 نشر "مصطفى محمود" مقالاً يقول فيه إن "عبادة الشيطان أصلها عبري" مفترضاً أن تيس الإطلاق لعزازيل هو قربان لشيطان اسمه "عزازيل"..

 

قدّرت أن كثيرين سيسيئون الرد باسم الكتاب المقدس (وقد كان  كما ظهر فيما نشرته جريدة الاهرام ذاتها واضعة الردود الواحد بجانب الآخر لتظهر التضارب دون أن تتكلم هي أو يتكلم كاتب المقال الأصلى..

التزمت أمام نفسي بلزوم الرد فكتبت رداً قاطعاً مختصراً حتى أضمن نشره دون عوائق من المساحة المتاحة فى الجريدة التى سأرسل الرد إليها..

ولما كنت أعلم أن جريدة الأهرام لن تنشر ردى لأن مئات الردود ستصل لها وهم سينتقون أضعفها ليبرروا أنفسهم تحايلاً بغير وجه حق ويأخذون من الردود الضعيفة قيمة مضافة لمقال كاتبهم (الهامش "1" به تفصيل ما حدث مصداقاً لتوقعي وكان ذلك بعد نشر مقالى) والواقع أن نفس كاتب المقال هو من انتقى الرد عليه!)، فلما كنت أعلم هذا فلقد سألت عن جريدة مسيحية تنشر الرد، ومع كونى لا أضع اسمى فى جريدة لا أتابعها ولاسيما من الجرائد التجارية التى ترتزق بالبيع فى الكنائس، رغم كل ذلك فإننى أرسلت لجريدة ما وكل قصدى نشر الرد وإبراء ضميرى.. وقد كان.. أرسلت للجريدة الوحيدة المتاحة (مضحياً بالتعامل مع جريدة لا أعلم عنها شيئاً وقتها، فغيرة الكلمة غلبت على غيرها من الاعتبارات)، وأوكلت تلك لأحد الشمامسة مهمة استلام أطنان الردو وتنسيقها، فكانت خلاصة ما قدمه الشماس المكلف أنه أبرز اسمى ومقالى فوق الكل وأخذ كل مادته ووزعها بين فقرات الصفحة التى حملت كل ما أتى من ردود، باستثناء تحاشى فقرة قوية النقد لكاتب المقال سأعرضها فى آخر ه1ذا الدرافت بعد نسخ ما نُشِر بالفعل حرفياً..

وهذه هى الفقرات المنشورة من الرد التى مثلت كل جسم الرد تقريباً خلا  بعض كلمات الديباجة..

 

1

      "ومن السادة القراء الذين بعثوا برسائلهم "حسب الحروف الابجدية" :

... ... ...

المهندس باسل لمعي المطيعي الكاتب بجريدة الأخبار

... ... ...

وقد رأينا ان نلحص أهم ما جاء فى ردودهم في نقاط محدد كما يلي:

1-  البعد عن المنهاج العلمى السليم :

     يقول باسل : "إن الكاتب من قدامى مهاجمى الكتاب المقدس في عهده القديم.. وقد اقتبس من كتابات غربية[2]، مثل كتابات جيمس هنرى برستد، دون أن يشير إلى مراجعه ليوحى لقارئه بعمق بحثه ، ضارباً بالأمانة العلمية عرض الحائط.. وإذا كان قد بدا مقاله بالإقرار بأن توراة موسى هي الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم، فهو بهذا قد صحح خطا قديماً[3]، وارتكب خطيئة بافترائه على التوراة ...".

 

2

     "   (سطور ضائعة لعيب في الصورة الضوئية أعدت كتابتها)

إن عبارة "إلى عزازيل" لا تعني إلى وجود كائن اسمه عزازيل -شيطاناً كان أم غير ذلك- فحرف الجر "إلى" يعني "بغرض".. مثل قولنا يكتب إلى الحق أى بغرض إظهار الحق.. أى ان يكون التيس حراً بغرض أن يكون "عزازيل" العبرية التي تعنى تيس إطلاق أو كبش فداء... ".

    

3

     "ثم يضيف بقوله: "إنه ليس هناك شياطين تدعو التوراة لعبادتها ... التوراة التى اقتبس منها السيد المسيح -له المجد- رداً على إبليس بقوله "للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد" "تثنية 6: 3 متى 4: 1 لوقا 4: 8".

     ويستطرد بقوله "إن حيواناً بريئاً يحمل فوق رأسه اعتراف البشر بذنوبهم لا يمكن أن يكون قرباناً لشيطان، لأن أفزع ما يفزع الشياطين هو الإقرار بالذنب. وحتى إذا سلمنا بوجود شيطان في البرية اسمه عزازيل فلا نخاله إلا يفزع من رؤية عزازيل أى التيس المنطلق حاملاً خطايا الشعب كله".

 

الفقرة التى لم يقدر المُعِد أن يعرضها فيما عرض:

نشرت جريدة الأهرام في 22 مارس 1997 للطبيب مصطفى محمود مقال بعنوان "عبادة الشيطان أصلها عبري".. وبنى كاتبه رأيه على التيس الذي يُطلَق إلى عزازيل في يوم الكفارة العظيم (لاويين 16: 8-10).. بالنسبة له، ولبعض نقّاد الكتاب المقدس قبله، فإن هذه الذبيحة كانت تُطلَق لروح شيطان يسكن البرية اسمه عزازيل.. وهو مجرد رأي بلا دليل من أحد إلا الغرض.. فلا التاريخ حدّث عن شيطان عرفته تلك الأمم اسمه عزازيل ولا الكتاب المقدس المصدر الوحيد للكلمة قال أن عزازيل هذا شيطان، وغنما حدثهم بذلك غرضهم.. مجرد رأي يتجاهل كل القرائن المضادة ويسوق افتراضه دون دليل.. ولكن غموض النص عليهم مع موسيقية اسم "عزازيل" فرصة مثيرة لخصوم الكتاب المقدس لتشويهه في أعين الجهلاء.. بصراحة فرصة لا تضيع من أمثالهم..

     والمفهوم الطريف من حيلة الكاتب فى عنوانه أنه لم يقل إن أصلها "يهودي".. يهودي غير صالحة للنشر.. فتصرّف وأسماها "عبري"، والغرض لم يكن اليهود على كل حال، وطالما سيُنشَر الهجوم على الكتاب المقدس المقدس (هذا صالح للنشر وهو المطلوب أصلاً) فعبري ويهودي إخوات ومحصّلين بعض وكوهين هو الخواجة كوهين.. وتحت عباءة العنوان السخن استرجع مصطفى محمود تهجماته السابقة على الكتاب المقدس التي امتلأت بالمنقولات واتخمت باللامعقولات وخلت من منطق البحث ومن المنطق النزيه أياً كان نوعه، كما يظهر ذلك فى هذا الموضوع بفقرات وجيزة لا تكلف شيئاً فى مساحتها ولا فهمها ولكنها ستكلف المستحيل فى محاولة المراوغة منها:

 

 

 



[1]  ذلك المقال من كاتبه أتى بنزعة تجارية ليزيد من سخونة الإثارة أن المجتمع المصري كان يتابع بشغف المصريين المعتاد أنباءً جديدة على مسامعه: القبض على تنظيم من الشباب لعبادة الشيطان (أشرت لهذا في مقالي ثرثرة .. مع القارئ).. إذاً أتى ذلك المقال في مواكبة تلك الأحداث ليوحي أن هؤلاء الشباب الذين كانوا محل استهجان من المجتمع قد تأثروا بالكتاب المقدس (علماً بأنهم غير مسيحيين أصلاً)..

 

     ولما كنت في ملء المعرفة بأن ردوداً خاطئة ستظهر تضيف لغرض أعداء الرب تحقيقاً، فقد عكفت فور القراءة على كتابة تفنيد لموضوع عبادة "عزازيل" تحديداً مهملاً بقية المقال التي لم يأت فيه كاتبه بجديد.. عدت للمراجع المتاحة في مكتبة المعهد البريطاني وخطوت أول خطواتي في دراسة اللغة العبرية، ووضعت على ما تحصّل لي من معاني المفردات قواعد منطق اللغة من حيث اعتبار السياق النصيّ والعام، وأ تممت رداً قصيراً كافيا ً..

 

     أين أذهب به؟ الأهرام ستصله كثير من الردود، والعُرف أن تُحال لصاحب المقال فينتقي بعضها للنشر رداً أو اثنين بالكثير.. ومعيار الانتقاء يكون اسم الكاتب، وهنا لن يُنظَر لاعتبار قيمة الردّ في الاختيار، بل لعل ّقيمة وقوة الرد تكون سبباً  أدعى  لتجنّبه  لا ن الذي سينتقي الرد هو ا لخصم نفسه!

    فكَّرت في إرساله لجريدة "وطني" (انظر الهامش الأول)، حيث قدَّرت أن المساحة متسعة هناك، والمهم عندي ألا تفلت الفرصة بغير وضع الرد القويّ.. فأرسلت المقال، واسترحت باعتباري قد عملت ما عليّ، وكالعادة لم أتابع الجريدة، فمن السخيف، لمن يجرّب، أن يتابع الواحد مقالاً لا يعرف متى يُنشَر أو إن كان سيُنشَر أصلاً..

 

     عودة للأهرام، فقد حدثت الأمور بحسب توقعي، ونشر  الطبيب مصطفى محمود ردين أحدهما لقس بروتستانتي من المتحررين نقل الأمر من كتب نقد الكتاب المقدس اللامسيحية وأقر بأن "عزازيل" كان روح شيطان! والرد الثاني من د. إبراهيم صالح صديق المطران بيشوي والأرجح انه اشترك معه في المقال (قال هذا بنفسه فيما بعد)، وكان رداً متحفظاً بلا مشاكل في مضمونه، ولكن ثقيل الأسلوب وبغير دليل ولا تحليل للنصّ.. نشر الطبيب مصطفى محمود الردين دون تعليق وقد أعجبتني حيلته من الناحية الفنية: فأمام القارئ فكلاهما يرد على صاحبه ويكفيان محمود عناء الرد على أي رد.. وشعرت بالأسى: ألم يكن مقالي أولى؟ بقيمته العلمية والفنية؟

 

     حتى أتى لي بعدها بسنة كاملة عن طريق أحد المعارف صورة من أجزاء المقال التي نُشِرَت في وطني في غيبة من متابعتي.. كان الرجل قد قرأ الرد وأعجبه فاحتفظ بالعدد، ثم في حديث عارض مع البعض حدثه عن إعجابه بما كتبت فنقل لي حديثه فطلبت منه العدد فطلبه من الرجل فأبى تسلميه تقديراً لقيمته، ولكن أرسل لي صورة ضوئية من الصفحة المنشورة فيها أجزاء المقال التي هي مصدري الوحيد لما كتبت.. وحتى هذه فقد جاءت مبتورة في التصوير فضاع منها سطران.. ومنها على حالها أنقل هنا ما نُشر من المقال..

 

     فكيف كان النشر  وملابساته في ناحية الجريدة؟ لقد أتتهم ردوداً كثيرة جداً فأسندوا للدياكون د. ميخائيل مكسي مهمة تحرير الملفّ، فصاغ رداً واحداً كبيراً انتقى له مقتطفات من أبرز الردود..

 

     وللأسف فإن الأمر لم يخل من السبب الدائم لإغاظتي في هذا السياق: أعني تصدي بعض غير المؤهلين منطقياً ومعرفيّاً وعلميّاً لمناقشة هذه المواضيع.. فقد تورط أحد مرسلي الردود وتورط معه د. ميخائيل وتورطت الجريدة كلها في نشر رد على اختلافات النسخة السبعينية عن العبرية بكلام مخجل لذوي العقول (نقد هذا ليس هنا وله مكانه المحفوظ في مجلد "نقد منتجات الإكليريكيات القبطية")..

 

ويبقى أن أشير بالتقدير لدياكون د. ميخائيل مكسي على أمر مهم: لم يفسد الرد ولم يتدخل في صلبه بأية ديباجة، كما قدّمه على غيره رغم العُرف المعتاد من تقديم كلام الإكليروس بغير تقييم موضوعي..

 

[2] جاءت في جريدة "وطني" بهجاء مغاير: "غريبة" وليست "غربية".. والصحيح أنها "غربية" كما في الأصل الذي أرسلته.. وأنا لا أصف الأبحاث العلمية المحترمة حتى لو اختلفت معها بكلمة "غريبة".. وكتابات برستد هي بكل مقياس علمي محترمة، والخطأ  فيها يكون موضع مراجعة وتصحيح بلا استغراب.. مثل هذه المصادر قد تصل لنتائج غريبة عن الحق ولكنها لم تسلك مناهج غريبة، ولو تكرست هذه الكلمة في مضمار النقاش مع هذه المصادر تتكرس معها المصادرة على مبدأ فهم الآراء المضادة وتقديم الرد المقنع عليها.. إن وصف تلك المصادر بالـ"غريبة" هو لغة المدافعين بالذراع، وليس بالإقناع، عن الكتاب المقدس وهي ليست لغتي، ولهذا ولأهميته لزم توضيح الكلمة الصحيحة التي كتبتها في الأصل والتنويه عن الخطأ المطبعي الذي حل بها، لتبرئة نفسي مما لم أكتب ولا أقول..

 

[3] في كتيّب "التوراة" أبدى الطبيب الكاتب "مصطفى محمود" الخلط وعدم معرفة الكتاب المقدس الذي كان يهاجمه، حيث اعتبر كل أسفار العهد القديم هي التوراة!