Pupil says

Essays on the Page “People Says”

Socio-Political Criticism Essays,

Depict a Picture of Egypt through a young viewpoint

in the last years of the second millennium

الرأي للشاب

على صفحة "الرأي للشعب"

 

مقالات نقد سياسيّ اجتماعيّ

تقدم صورة مصر بعَيْنَيْ بكور العمر في آخر الألفية الثانية

مقد                                                                                                                                                  

 

مقدمة.. بخلفيّات السلسلة !!

درافت أوليّ

لتجميع الأفكار والذكريات

 

 

   هذه المجموعة من المقالات من أعجب مغامرات عمري على الأرض..

   بدأت من أجل مبدأ غضب وطنيّ وتوقّفت من أجل مبدأ شرف كنسيّ.. وحملت تباينات مذهلة لمن تابعني وإيّاها.. صيغت بأسلوب ساخر ساخن صار فيما بعد الأسلوب العرفيّ للكتابة الساخرة في الجرائد المصريّة.. وقُدِّمت فيها اقتراحات وأفكار مبتكرة تم تنفيذها فعلاً بعدها بسنوات.. لمست نقاط عسيرة بجرأة ما كان متصوراً وقتها أن تثنشَر في جريدة حكومية.. وكان بها إرهاصات ما وقع من ثورات بداية الألفية الثالثة.. وبالجملة، ظهرت جملة قيمتها بعد سنين من ركنها..

   وهذه مقدمة بالخلفيّة.. أكشف في تقديم السلسلة كل خلفياتها، ترضيةً لتثميني لتعبي فيها واستلطافي لذكرياتها، وحفظاً للموضوع من تسجيله مبتوراً من تفاصيل هي أعضاء في جسده، وووضعاً للقارئ المتابع لها كأنه عاش وكتب معي علّه يزداد هكذا استيعاباً لكل حرف مكتوب.. ولكن لما كان الكلام مسترسلاً وليس الجميع من ذوي الشغف بقراءة كل شئ، فشفقةً بهم أضفت فهرس الهايبرلنكات التالي لتسهيل انتقاء المرغوب في قراءته من الورقة، فلا أُلزِم كل قارئ متابع بقراءة كل شئ، وفي ذات الوقت آخذ راحتي في الاسترسال وأفي القارئ الشغوف بالتفاصيل بما يشغف به:

 

البداية– منطلقها .. مقصدها .. ومُلابساتها

معركة التوقيع اللطيفة

الرسالة بين المضمون والشكل: موضوعاً .. قصداً.. أسلوباً .. شعاراً !!!

احتفاء مُبكِّر

التوقّف الأسيف

اللقاء.. الأخير... في غرفة الرجل الكبير

هذا الإخراج النهائيّ: مع شكر واجب لمن تعبوا فيه وألزموني من ثم به!!

وبعدُ  ... نهاية أمر خيرُ من بدايته،،،،،

 

 

البداية– منطلقها .. مقصدها .. ومُلابساتها

 

   كانت البداية مع نهاية  سنوات الدارسة النظاميّة في كلية الهندسة جامعة القاهرة، وكان شغلي العام وقتها هو إيقاف الفاشية الإظلاميّة التي كانت تتلف كل قيمة إنسانيّة والتي استشرى توحشها وخيّم ظلامها حتى تملّقها النظام الحاكم الجبّار وقتها.. وكمسيحيّ كنت أرى من الإهانة الاكتفاء بإيكال الأمر للمسلمين النبلاء في مقاومتها، ومراقبتهم بالتصفيق، كأنما المسيحيون في مصر عيال على غيرهم.. وكان لي مواقف مواجهة طريفة جداً معهم في الجامعة والمصالح الخدمية مسجّلة في موضعها.. وأما هذه  المقالات فكانت أعجب وأظرف صيحاتي في وجوههم المكفهرة حيناً والمداهنة حيناً والمعتمة في كل حين..

   في تلك السنة الأخيرة من دراستي الجامعية تقرر فرض نظام دراسي جديد يحسب تقدير الاختبارات مقسماً على قسمين (Term) بدلاً من النظام السابق التقليديّ القاضي بجمع كل التقدير في اختبارات نهاية العام.. وثار على النظام الجديد (نظام الـ"تِرْم" هذا) كل طُلاب النشاط الإظلاميّ مدعومين بجرائد الأحزاب الموالية، وصارت حملة كُبرى ضده لأنه كان يعطّلهم  عن نشاطهم غير الدراسيّ بحبسهم في حجرات المذاكرة ليلاحقوا الامتحانات من "تِرْم" إلى "تِرْم" .. فكان الرد من كُتّاب الحكومة ولم يكن رداً شافياً، وصارت المساجلة محتدمة سواء في ردهات الجامعة وقاعاتها كما في الجرائد..         

   فماذا لي؟ من الناحية الشخصية كان هذا النظام غير ملائم لي، إذ لم تكن لي عادة المواظبة والحضور وكنت اعتمد على المجهود الشخصيّ بحَشْد كل شئ من درس وحضور فقط في الأيام الأخيرة للسنة الدراسية لأوفّر لنفسي فسحة الوقت والقدر الممكن من الحريّة بعيداً عن قيود الشرح الممل والتقيد طيلة السنة بمناهج سخيفة.. لذلك كان متوقعا ً مني أنني أكثر من يغضب من نظام الـ"تِرْم" هذا، الذي سيغيّر عاداتي الدراسية ويلزمني بحضور المحاضرات واستحضار المذكرات طيلة الوقت.. ولكن كانت المفاجأة لمن حولي أنني دافعت عن نظام الـ"تِرْم"! ولم أكن مغالطاً، وقطّ لم أغالط ولا يستثيرني أكثر من المغالطات إلا تكرارها بغباء.. وإنما اجتمع لديّ للدفاع عن نظام الـ"تِرْم" سببان: أولهما سلامة مبدؤه وعموم نفعه وإن خالف ذلك عادتي، والنُظُم لا تقوم لملائمة المتفرّدين.. والسبب الثاني هو مقاومة أولئك الوقحين المغالطين من الإرهابيين الذين لا يرعون حقاً فضلاً عن منطق في كل احتجاجاتهم، ولما لم أجد في كتابات المستكتبين من كُتّاب الحكومة رداً مجدياً، ولما كان تفوّق احتجاجات الإظلاميين قائم على ضعف حجة خصومهم فكّرت في كتابة الرد في مقال، واقتطعت وقت كتابته من الاستعداد الأخير للامتحانات النهائية التي كانت جارية وقتها، وأرسلته لصفحة "الرأي للشعب" بجريدة الأخبار، وكانت وقتها الجريدة الرسمية الثانية والشعبية الأولى..

   إذاً فمع أيام الامتحانات الأخيرة كتبتُ، وذهبتُ، وقدَّمتُ المقال للمسئول عن الصفحة، وهو عبد الوارث الدسوقيّ الصحفيّ المصريّ الراحل الكبير (كبير، وليس جرياً على عادات التلقيب المتملِّقة، ولا عندي مجاملة بلا رصيد أصلاً).. كان تباين هذه المجموعة ظاهراً من دخول ولدفي مقتبل العمر إلى تلك الجريدة العريقة طالباً مقابلة من يقدم له مقالاً، وفي مكتبه كان أول موقف لطيف في مسار تلك المجموعة.. لم أقل قبل الآن أن خطي متعب جداً في القراءة، ولم أقل أنني كتبت المقال بخط يدي، والآن لمّا بدأ الرجل يقرأ قرأ الباء نوناً والسين تاءاً فظن الجُملة عبثية وبالتالي تصوّر أنني أهزل وأضيع وقته، وقال لي ضاحكاً: "إنت في كلية هندسة يا راجل وهتطلع مهندس، خليك في الهندسة وسيب الكتابة"، فظهر في نظرتي اسيتفهاماً فأراني الكلمة التي تجعل الجملة غير مستقيمة، فصححتها له، وهنا ظهرت لي مشكلة استمرت في كل مرة قابلته فيها حتى مرّة الوداع – كان سمعه ضعيفاً، فكتبتها له بخط أوضح، وفوجئت أنه ابتسم بإعجاب وأعاد قراءة المقال بتركيز لا يخلو من تلذذ إذ وجد في الصياغة أسلوباً مزيناً بتوريات لاذعة، حتى ختم قراءته النهمة بتعليق هاتف: "حلو جوي" (لهجة شرقاويّ لا صعيديّ).. وأشّر عليه أمامي: "يُنشَر يوم كذا" وضرب الجرس لمسئول المطبعة فأتاه من غرفة مجاورة، وصارت هذه الطقوس شبه معتادة بعد ذلك معي..  وكان المقال الأول!

   أمر لا أختم بدون ذكره في ملابسات هذا المقال الأول، وهو تفسير سبب ذِكًر اسم "د. فهيم" الذي كان لذكر اسمه في المقال قصة لا تحدث إلا معي.. كان كل ما في الأمر أنني تناقشت معه في مسألة وكان صاعداً لمكتبه، فتكرّم بدعوتي للدخول معه، وطلب لي شاي معه، وأنا لا أقدر على نسيان أي من قدم لي شيئاً أياً كان الشئ، ولا أحب أن أكون مديوناً، ولما لم يمكنني أن أكافئ هذا الرجل على هذا اللطف بشئ وجدت في ذكر اسمه في المقال فرصة.. أكيد لم تكن لي حاجة عنده فالمقال مكتوب بعد أداء الاختبار في مادته وهو  يصحِّح جزءً لا يزيد عن 30% من الدرجة الكليّة بها، ولكن هكذا شخصي الضعيف، لا أقوى على ترك نفسي مديوناً.. ولا أظن بعد ذلك أنه قراه أصلاً J قراه أصلاً J

 

 

معركة التوقيع اللطيفة

 

      فتح المسئول عن صفحة "الرأي للشعب" دعوته لي للاستمرار في الكتابة، فكانت تجربة مثيرة.. فأنا لم أتسلم شهادة تخرّجي بعدُ، ووقتها كان العمل في الكتابة لاسيما في كبرى الجرائد الرسميّة مقيّد برسميات وشكليات كثيرة، ومصالح واتجاهات، فأين أنا من هذا؟ لكن المؤكَّد أن تكرار الترحيب كان بمثابة دعوة مغرية، ولكن ماذا سأكتب؟ وكيف سأوقِّع؟

   سأجيب سؤال التوقيع لأن إجابته وجيزة وموضعها لموضوع المحتوى كالشكل الأظهر من المضمون في كل شئ..

   كان توقيع مقالي الأول بالاسم الثلاثيّ مختوماً بالصفة الطلابية ولا عجب.. فالمقال موضوعه طلابيّ، وصفة الكاتب هنا تدعم مصداقية وصف الموضوع.. ولما كان الموضوع يحمل مسئولية سياسية فإن التوقيع بالاسم الثلاثيّ دليل إزاحة أيّة مظنّة توارٍ.. تمام التمام.. مقال أو بالاحرى رسالة أُرسِلَت ودمتم بخير.. ولكن مع فتح الباب للاستكمال وديمومة التواجد على الصفحة، فإن التوقيع صار قضية تتصدّر غيرها.. مضمون المكتوب هو الموضوع الأخطر حقاً، ولكنه يظهر عبر كتابات متواصلة، واما التوقيع فيلزم إثباته من البداية فهو من هذه الحيثية الفنيّة هو الأسبق والاجدر بالتثبيت أولاً.. وهنا سار خلاف بيني وبين مشرف الصضفحة الصحافيّ الفذّ الذي أعجبه نكهة كتاباتي وراهن عليها مشكوراً..

أما هو فكان يرى التوقيع بالاسم الثلاثيّ، بغير لقب همنيّ فإن تنازل قليلاً عن قصده فلا مانع من إضافة اللقب المهنيّ..

وأما انا فكنت أصر على التوقيع بالاسم الثنائيّ يسبقه اللقب المهنيّ..

لماذا فكر هو كذاك ولماذا أصررتُ أنا على هكذا؟

أستطيع ويستطيع أي فاهم للفن أن يستوعب قصده أنه يرى "بروزتي" باسم يحمل الصفة املجتمعية لكاتب بارز، يكون معروفاً ككاتب دون مواحمة من لقب مهنيّ، ويكون معلوماً باسمه الثلاثيّ بما يوحي به بالأصالة والامتداد..

يستطيع غير ذي الدربة في حركات الفن الصحفيّ أن يدرك هذا بمراجعة أسماء كثير من الكتاب والمؤلفين..

ذاك كان تقدير الصحافيّ الكبير تجاهي، وأما أنا فكانت حسبتي متباينة.. كنت أحب الحفاظ على صفتي الهاوية، وفوقها الحفاظ على كوني ضيفاً على هذه الهواية.. هذا موافق لي نفسيّاً وموضوعيّاً على غير وجه:

إنه يحفظ قيمة مضافة لألوبي فهو ليس فقط مميزاً ساباقاً على أساليب المحترفنين، ولكنه مميز من غير محترف وهذا يزيد قيمته الفنية..

إنه ليس من محترف يرتزق من الكتابة فيدل هذا إلى أن الكاتب حر لا يرتهن مكتوبه بمن يؤجره، هو من ثم يكتب ولا يُستكتَب..

وأخيراً فكلما قللت من اسمي كنت أستريح ولو أمكن التوقيع بغير أسماء لفعلتُ!! أنا غيور على إنتاجي وعلى نسبته لشخصي، ولكني أتعفّف دون تصدير ذات شخصي في أي شئ، وعلامة الشخص هو اسمه ومن هنا فإن تخفيف الاسم مريح لي..

الطريف أنه لم اناقش المشرف الكبير في الموضوع!! فهمته وفهمني دون كلام، ربما عرضاً أشار للموضوع مرة واجبته باقتضاب برأيي..

ولكنه كان بجرّبني غير مرة فيضع الاسم الثلاثيّ وأعود لأبرز التوقيع بالاسم الثنائيّ في الصفحات المكتوبة بخط يدي أولاً (قبل التطور للكتابة بالكمبيوتر)،

وهكذا حتى بعد ليس كثير من المقالات ثبت توقيعي بالاسم الثنائيّ مسصبوقاً بالمهنة..

 

 

الرسالة بين المضمون والشكل:

موضوع، وقصد، وأسلوب، وشعار!

 

   يلزم لمجموعة المقالات المطلوبة أن تنتظم في موضوع عموميّ واحد ولون واحد وأسلوب مميز يتفق مع المضمون وخصوصيّة الكتاب (شخصي المتواضع) كشاب صغير سناً وخارج الوسط موضوعاً ويكتب كهاوٍ في جريدة محترفة والأكثر توزيعاً شعبياً.. وباختصار تحتاج المقالات المُرحَّب بها والمدعو لها إلى رسالة، والرسالة تحتاج إلى قصد، والقصد يحتاج على أسلوب، وكل ذلك يحتاج إلى شعار عام كـ"شمندورة" السفن في بحر الكتابة.. باختصار مطلوب رسالة بكل أركانها: موضوع وقصد وأسلوب وشعار..

 

   أؤجِّل الفقرات الواصفة للشكل وحواشيه، وأدخل في الموضوع أولاً.. أعني الموضوع المبدئيّ أو موضوع املواضيع في رسالتي.. وأن يكون هناك موضوع عموميّ فهذا أسهل الأمور في الاختيار وأصعبها في التنفيذ – فعناصر الموضوع متوفّرة وحاضرة في الذهن:

   1) فأنا لا أنوي العمل المحترف في الكتابة، وكما قال عبد الوارث "خليك في الهندسة"، فلماذا لا تكون رسالتي هي الارتقاء بالمهنة، أي هندسة المعلومات والاتّصالات والبرمجة،  ورصد ونقد مشاكلها في المجتمع، وهذا هو ما أستطيع تقديمه أفضل من غيري في ساحة الكتابة العامة، ولا أكون متطفّلاً بقربة في حارة السقايين..

  2) ثم أن كل المهن وقتها كانت تحت سطوة واختطاف الدوامة الإظلاميّة التي كانت تبتلع كل ما حولها، وتمهد لكي تتقدم فتبتلع كل ما أمامها مستغلّة دائرة العمل المهنيّ (وكانت لي تجربة في يوم قسم المهنة حين كانت صيغة القسم حسب أهواء أولئك دون أن تجرك الدولة ساكناً، ولولا أن القسم كان جماعيّاً ما نطقت بشئ، ولا تسلمت الـ"كارنيه"، ولكن في وسط التكرار الجامعيّ لإملاء النقيب كنتُ أقول كلامي أنا).. ثم أن المقالات بدأت أصلاً لهذا الغرض، وهو مقاومة أولئك..

   وهكذا بدأت عناصر موضوع المقالات تتجسّم في ترابط طبيعيّ موضوعيّ.. فإذاً موضوع رسالتي الصحفيّة غير المتوقَّعة في بداية حياتي هي نقد اجتماعيّ لحال مهنة هندسة المعلومات، وله سقّان رئيسان يتصلان كاتصال مرضين في جسم واحد:

·         الحال الفنيّ للمهنة،

·         والحال السياسيّ لها..

    ومع ازدياد اعتمادي من المبرزين في المهنة ككاتب هاوٍ له أسلوب مميّز مبتكر، ويًعَدُّ واعداً حسب شهادة المحترفين، توسّعت الرسالة تلقاءً، وصارت نقداً لحال سياسي-اجتماعي كان يزعق بلزوم تغييره ثورةً إن لم يكن إصلاحاً، وكنت من المنادين بالإصلاح، وكانوا يسمعون الكلام بانتقاء مخل ينتقون الشكل ويتجاهلون المضمون (تم اعتماد بعض مقترحاتي مثل مجلس حقوق الإنسان، وتفعيل "تقنين الملكية الفكرية لبرامج الكمبيوتر"،  وإنشاء وزارة مستقلة للاتصالات مستقلة عن وزارة المواصلات وهكذا)..

 

  وأما الأسلوب فهو في عمومه "طبخة" محكمة من بنا الجملة باللغة الرسمية المُطَعَّمَة بعبارات دارجة، وهكذا أسلوب جديد في نكهته وإن لم يكن جديداً في مبدئه،لم يمر إلا وقد ترك في تاريخ الصحافة، على عبوره كسحابة سريعة، أثراً فعليّاً ظهر، بجانب ما اتاني من تقريظ، في محاولة تقليد فيما بعد حتى صارت نهج الصحافة المصريّة الساخرة للآن، وإن كان "الطباخون" كثر فليس كل طباخ شيف وليس كل شيف يتقن الطبخة لتمامها..

   على أن سمات الأسلوب لم تقتصر على صنعة اللغة، وإنما سمته المنطقيّة هي الأخطر.. كان التحدي الدائم هو: كيية تمرير معنى يتعدّى السقف المسموح أو يقاربه بأسلوب يمرره من المراقب (ليس بالضرورة أن المراقب لا ينتبه ولكن على الأقل لا ينتابه القلق من المكتوب مع انتباهه—والمراقب ليس شخصاً بعينه وإنما توجيهات عمومية مفروضة)، ولكن لا يفوق قدرة القارئ على استيعابه.. كنت أشبّه هذا بالفوز بأول دور في لعبة البلي بإيصال الضرّاب لأقرب مسافة للخط بشرط ألا تتعدّاه.. لو زادت قوة الضربة قليلاً لتجاوز الضرّاب الخط وخرج الواحد من اللعبة ولو قلّت عنه قليلاً لأفسح الفرصة لغيره بالاقتراب أكثر وتأخّر دوره في اللعبة.. درجة ضبط الأسلوب بدقة عملية ممتعة جداً بقدر ما هي دقيقة جداً..

 

   وأخيراً فشعاري في كل هذا فكان أن أكون مطلوباً لا طالباً وأن أُسأَل لماذا لا تكتب أكثر..

لقد حرصت بوعي ألا أكتب كثيراً، ففي العموم، ما يُنشَر لا يُكتَب، وما يُكتَب لا يُنشَر، كما قلت مرة للصحافيّ الفذّ عبد الوارث الدسوقيّ حين استزاد من طلب مقالاتي: (المواضيع والتعابير بين ما لا يجوز كتابته وما لا يجوز نشره، ومساحة التقاطع بين دائرة المستحق الكتابة والممكن  النشر ضيقة وتضيق وهي ما أنا حريص ألا أخرج عنها وإن كانت كل الأبواب مفتوحة والدعوات منسابة..

 

   هذا تلخيص الموضوع والقصد والأسلوب والشعار في جولتي المثيرة في ختام الألفية الثانية راصداً المجتمع المصريّ من نافذة نشر نادر توفّرها لمن كان في عمري وتوجّهي وأفكاري..

 

 

 

احتفاء مُبكِّر

 

   سرعان ما انهالت الاعترافات بإنتاجي الجديد فوق المتصوّلا بهكذا سرعة وقوة واتساع وارتفاع!!!!

   ^ كان الاعتراف الأول متمثلاً في موقف طريف مع المقال الأول.. خط يدي ردئ فوق الوصف، تزيد رداءته قيمة مضافة في عالم محترفي الكتابة.. أول مقال دقمته أدخلوني لمكتب مشرف الصفحة الذي هو الصحافيّ الكبير جداً والفذّ عبد الوارث الدسوقيّ، وفيما هو يقرأ اصطدمت عينه مع أول كلمة قرأها قراءة خاطئة فظن أني أخترع كلمات بأوزان بلا معنى، فقال لي: "خليك في الهندسة" مافيش كلمة بالمعنى دا.. فقلت له القراءة الصحيحةن وكانت اول مرة أعلم أن سمعه ضعيف وعبثاً رفعتُ صوتي حتى قدذم لي ورقة وطلب مني كتابتها فكتبتُهان فابتسم وقال لي: "خطك صعب جداً".. وبمناسبة هذه شمل الحوار سؤال طريف عن كيف انجح في الامتحانات بهذا الخط والإجابة إنه بسبب هذا اخلط عينه يخاف المصحح من ظلمي فيعطيني درجة النجاح.. القصد: مع استمراره في القراءة بدا عليه التقدير البالغ وأشّر بنشر المقال فوراً، فكانت هذه القصة البادئة علامة نفي على أيّة شبهة مجاملة أو استهتار بتمرير مقالاتي للنشر.. أما ما هي تلك الكلمة فلعلّها كانت كلمة "استُكتِبوا" (إشارة إلى أن من يكتبون في الموضوع يكتبون بالتوجيه والاستعمال) التي لعله قرأها "استعنبوا" كان ذلك من أول مقال !!

   ^^ وبمناسبة الخط العسر القراءة فهو في ذاته أحد شواهد التقدير المبكر جداً في وقت كان تسليم المقالات معتاداً أن يكون بطباعة الكمبيوتر أو حتى بالآلة الكاتبة فإن كان من بقي يسلِّم مقالاته بخط يده حتى وقتها من كبار الكُتّاب فهو ممن كان خط يدهم كما يُقال "كسلاسل الذهب".. ولكن هذا كان هو خطي الذي كنتُ أقدِّم به مقالاتي موضع الترحاب ظاهراً من بعض المسودات التي وجدتها متناثرة بعد سنين.. على كل حال متأخراً نسبيّاً بدأت أقتنع بتقديم المقالات مكتوبة بنسخة طباعة كمبيوتر، مع كل أسفي الصادق لمشرف الصفحة ولعُمَّال المطبعة على تأخّر ذلك!!

   ^^^ واستدعى المقال الثالث  الأولى .. تعريب اللغة العربية !! اكتراث أستاذ دكتور ورئيس لجنة تعريب العلوم وقتها فرد عليّ بعنوان نتفق مع باسل ونختلف..

   ^^^^ ومع المقال الرابع  عرّب .. وجرّب طُلِب مني صورة لنشرها مع الاسم، ومع الصورة بقية مشتملاتها الصحفية بالضرورة: سَبْق التوقيع بعبارة "بقلم:"، وتوسط المقال لأعلى الصفحة.. وهكذا صارت وسارت مقالات شخصي المتواضع..

   ^^^^^ وفي نحو ثلاث سنوات من الكتابة المنتظمة غير المتعجلة من جانبي وفي نحو منتصف سنة 1997 قدمت نحو العشرين مقالاً يزيدون قليلاً لاتحاد الكُتّاب فحظيت المجموعة باعتماد مجلس إدارة الاتحاد كمؤهل لمنحي عضوية اتّحاد الكُتّاب في أول اجتماع للمجلس في مارس 1998 تالٍ لفحص الطلب!!

  ^^^^^^ وفي نفس الزمن المبكر نسبياً بعد تمام ثلاث سنوات من مساهماتي في الصفحة كُوفِئ إنتاجي المتواضع بسابقة مذهلة حين حظي مقال قطرات .. دم بـ التنويه له في الصفحة الأولى سابقاً على كل تنويهات محتويات العدد وأسفل التنويه عن الكلمة الرسميّة الرئيسة مباشرة.. لم يحدث قبل ذلك ولا بعده في حدود متابعتي وعلمي بأعراف الصحافة أن تم التنويه عن مقال لكاتب حر منشور في صفحة الرأي..  

  ^^^^^^^ وتلقيتُ اهداءات ثمينة لأعمال مفكرين وهذا رابط صورة ضوئيّة ممثجمَّعَة لـاهداءات كتب

  ^^^^^^^ وكانت تصلني من وقت لآخر شهادات تثمين لإنتاجي كأسلوب ساخر جديد وشيّق ويجمع براعة الصياغة مع طرافة وجدة الأسلوب، أذكر منها شهادة جابر عصفو رئيس المجلس الأعلى للثقافة وقتها والوزير لاحقاً، ولا يمكن تعيين آخرين كانت تصلني شهادات تثمينهم للمقالات عبر جلسات مجالس ثقافيّة في اتحاد الكُتّاب ومثله، فآخذها كشهادات بقوة الجهة التي وصلتني منها طالما شاعت بين لقاءات متعددة الشخوص.. جدير بالذِكر أن الأنبا موسى أسقف الشباب أبلغ بعض المعارف بمتابعته لمقالاتي ورغبته في لقائي وقد تم اللقاء ودعاني للكتابة في سلاسل أسقفية الشباب وقدم لي بطاقته وقصص كثيرة لها تسجيل لتفاصيلها في موضعها..

  ^^^^^^^^ أخيراً لا أغفل تذكار حفاوة وتقدير من المحيطين في العمل والشارع ولهم نوادر وقصص أشرت لبعضها في المقالات المتصلة بها ولعل الفرصة تتوفّر لتسجيلها مع تشطيب هذه المقدمة المكتوبة هذا الدور في عجالةر..

ولقد لخّصتُ قديماً في مقطع فيديو بعض صور هذه الوريقات التي تحمل ألواناً من التقدير لإنتاج المقالات واستقبال شخصي المتواضع ككاتب فاق مبكراً مرحلة "الواعد"..

 

 

 

 

 

 

التوقّف الأسيف

 

   وليس الأسف علته التوقف عن الكتابة، وإنما علته هي "علّة التوقّف" نفسها..

   عند رحيلي "للولايات المتّحدة" كان في عزمي ألا أتوقّف عن أي مشروع ثقافيّ بدأته في مصر.. ولا كان من تابعوني في تلك المشروعات ينتظرون مني التوقّف..

   كنت قد تركت عدة مقالات لأسقفية الشباب حسب طلبهم ليتابعوا نشرها (وقد فعلوا) لحين موافاتهم بالمزيد، وأما جريدة الأخبار فكانت تصلني أخبار اتّصال من حين لآخر من "الأستاذ عبد الوارث" يطمئن على حالي ويواصل عرض ترحابه بتلقّي مزيد من المقالات.. ومضت السنة الأولى وأنا منتظر لبدء المواصلة بمشروع كتابة جديد يوظّف وجودي في "الولايات" توظيفاً مجدياً..

   حتى شاع خبر استوجب الكتابة المفردة بدون الالتزام بانتظامه في مشروع عموميّ.. كان خبر إذاعة التليفزيون المصريّ، تليفزيون "صفوت غير الشريف" وقتها، لمسلسل أسميته كما يستوجب: "أوان الوغد"، وكتبت المقال الفاضح له بنفس العنوان: "أوان الوغد والأوغاد".. وهو مسلسل استعمل له صفوت غير الشريف الشهير بموافي "زنارست" و"مخرئ" من أتباعه وكان موضوعه التطاول على عرض وشرف قيم الأسرة المسيحيّة، وقصد الموجه به التي يفهمها الفاهمون هي إلقاء عراقيل للجنة السياسات التي كانت في طريقها لتغيير عواجيز الماضي وكان هو أبرزهم.. ولكن ماذا لي من قصده وقد ارتكب العيب؟ بدأت بكتابة المقال وقد تشكل عنوانه لساخر بسهولة "أوان الوغد".. ولكن.. كان لرئاسة الكنيسة موقفاً ليناً ممتلئاً عواراً وعاراً لحسبة غير صحيحة ومخاوف أعمتهم عن رؤية العيب.. كان الموقف جديداً على نفس الواحد.. لم يسبق لي معرفة هذه الدونية في الكنيسة.. ولم يحتمل معيار ولائي الكنسيّ أن أكتب ما يعيب العمل ومعه يعيب رئاسة الكنيسة بالسويّة مهما تجاهلت ذكرهم.. لقد لصقوا انفسهم بعيب العمل وصار العيب عامّــاً ولامّــاً.. لا لن أكتب ما يعيبهم أمام الجمهور..

ولكن ليس هكذا ينتهي الموقف.. فهناك اعتبار آخر لا يقل خطورة لديّ.. لا أسجل على نفسي قطّ أنني كنت أكتب كتابة عامة على منبر ليس بقليل الشأن، وأن كتابتي عبرت بأوان الوغد دون تكدير مرتكبيه بكم سطر..

ما الحلّ؟الحل في التضحية.. ذبحتُ هذه الفرصة النادرة المتاحة لي.. توقفت عن مراسلة الصفحة رغم إلحاح المشرف الكبير عليها.. فقط بهذه التضحية يبقى ملف كتابتي نقيّاً من أيّة مظنّة.. مقالات تتابعت في آر خمس سنوات من الالفيّة الثانية توقفت في بكور سنة 2000 قبل أوان الوغد بوقت ولا يطالني أي ظن تجاوز الكتابة بشأن تكدير أولئك لأن كتابتي لم تتصل بزمنهم أصلاً.. ومن هنا توقفت..عن الكتابة العامة وعن الكتابة في مجلات الكنيسة التي طالما ألح أنبا موسى ومكرساته على مواصلتها ومن هنا لم أتوقف ما بدأته من استيقاف كل ما لم أكن أعلمه من عار وعاور يلطّ أذهان وضمائر رئاسة الكنيسة وأجنحتها، وتلك قصة أخرى وبداية قصة هي نهاية قصة، وهذه نهاية قصة "الرأي للشاب على صفحة الرأي للشعب"، فاذكرني بالخير يا إلهي..

***

 

اللقاء.. الأخير... في غرفة الرجل الكبير

 

   بعد عودتي من الولايات وفي طريقي للتكريس في الدير، ذهبت للقاء "الأستاذ عبد الوارث الدسوقيّ"، وزاد في الحفاوة وأبدى ترحابه فوق المعتاد، وتساءل عن سبب التوقّف عن الكتابة مبدياً نصحه في استكمالها، فلم أفده بأكثر من أن نموّ خبرتي بحال الجمهور والعالم يقنعني بتحويل مساري في العمل المهنيّ والكتابة العامّة إلى قبول دعوة التكريس الكنسيّ..

   لم يستحسن الرجل هذه الفكرة، بحسب خبرته من الحياة، وقال لي قصة لطيفة أنه كان في طفولته يرقب كاهناً في بلدته وكان يبهره ملبسه الأسود حتى إذا سُئِل "ماذا تريد أن تكون عندما تكبر؟" كان يجيب أنه يريد أن يصبح قسيساً، ولكنه من متابعته له عرف أنه إنسان مسكين منكسر النفس رغم كل شئ.. وأكمل تعليقه: "عمل الدعوة الدينية ده مالوش طائل، وكنت أجول حتى للدعاة اللي بيروحوا الهند من الأزهر (الأستاذ عبد الوارث الدسوقيّ أزهريّ قديم!): مالكم ومال الهنود ما هم مبسوطين بعبادة البقر، شوفوا انتو البقر اللي عندكم"..

   وانتقل في معرض الحديث للتحمّس لاقتراح موضوع أشرع في الكتابة فيه، افتتح عرضه بتكرار مقولته القديمة "اكتب عن جرايبك"، وأضاف: "انت متابع جريبك ...... بيجول ايه؟ عاوزنا نعبد العجل أبيس، اكتب عن الموضوع ده"، وكان يشير لدعوة التمصير والفرعنة التي بدأت تعلو إطلالتها عن ذي قبل في ذلك الوقت، فأجبت بنكتة لا أرى موافقة إثباتها لتحاشي التشنيع على اسم الشخص الذي قامت عليه النكتة J..

   ومع هذه الدعابة انصرفت، ولم أدخل هذه الغرفة اللطيفة ولم أقبل هذا الصحافيّ الفذّ الكريم بعدها، وهو لم يعد يدخلها وقت كتابة هذه السطور ولا صارت فرصة لكي أقبله بعدُ لأن روحه فارقت هذا العالم، أدعو له ربنا ربنا يكرمه عنده بقدر ما كان كريماً ومتمكناً وساخراً من الحال العام المايل...

  

 

هذا الإخراج النهائيّ:

 مع شكر واجب لمن تعبوا فيه وألزموني من ثم به!!

 

   أما تقديم هذه المجموعة بهذا الإخراج الأخير فالفضل فيه لمن تطوّع لنسخ المقالات كتابةً على الكمبيوتر دون طلب من جانبي على أي نحو، وإنما هو تطوّع مشكور قائم على التقدير، وأصرّ هذا المشكور الكريم على عدم ذكر اسمه.. وإنني متوانٍ جداً في نقل المكتوب لتعب في النظر والرأس، كما ليس من طبعي تكلفة أي شخص بأي تعب في شئ أحتاجه، ولذا فبدون هذه المعاونة التطوعية الكريمة لبقيت مجموعة المقالات مركونة تنتظر نسخها، فالشكر للرب الذي أراحني بتحريك روح من يستحقون الشكر بدورهم على جميل ما صنعوه معي دون طلب او توقّع، والذي ليس فقط أراحني من تعب بل الزمني بتعب فوقه حتى لا يضيع تعبهم دون جدوى، وهكذا وفروا عليّ تعباً وألزموني بإخراج العمل فكان مكسباً على كل وجه.. ربنا يكرمهم..

   والآن لما قُدِّمَت لي هذه الهديّة في صورة ملف يجمع كل المقالات المتاحة مكتوبة، فقد تقدّمت في استكمالها باسترجاع المقالات الضائعة وتحديد التواريخ لبعض المقالات الآخر،

   فأما المقالات الضائعة عن الحفظ  فقد كتبت فكرتها باختصار، وعينت تواريخها تقريباً.. وأما المقالات الموجودة صورتها بدون أصل جريدتها فكان تعيين تواريخها بدقة عملاً بحثيّاً ممتعاً، إذ كنت التقط أي خبر جانبيّ ظاهر في حواشي الورقة التي بها صورة المقال، وأقابل مع الذاكرة، ومع أي مؤشِّر يُتاح حتى استكملت بقدر الإمكان كل الضائع..

   وملاحظة شكلية أخيرة، فقد حرصت في العرض النهائيّ على استعمال حروف الطباعة الجارية وقتها في الجرائد المصرية-- مثل "ى" بدلاً من "ي"، واستمعال كلمة "إذن" كما هي بحسب المعتاد في الجرائد المطبوعة[i]، بدلاً من الجاء الصحيح "إذاً"، وعرض العناوين مطابقة لشكل المقال المنشور من النقاط والمسافات وعلامات التعجب، واستثنيت من هذا الالتزام هذه الورقة التقديميّة لكي تحتفظ بصورة زمنها كنظرة من زمن الآن لما كان.. ولمن يلاحظ نزعة طلب الكمال لديّ أضيف له بالمناسبة أن أسعد ما كسبته في هذا الإخراج للمقالات هو إتاحة فرصة إصلاح الأخطاء المطبعيّة، التي طالما أغاظتني مع قلّتها في زمن  طلب الكمال!!!!!

 

 

وبعدُ

فهذه صورة المجتمع المصريّ في آخر الألفيّة الثانية

 

   ... وصورة طموح الصلاح والإصلاح لدى شاب نقيّ أمين الرؤية ولعله نافذها..

   وبعدُ، كان هذا حصيلة نصف عقد من الكتابة في الشأن العام، في سنوات اختتام الألفية والتطلّع لألفية جديدة، سنوات توقّع التغيير الهادئ بغير ثورة، تحمل صورة المجتمع المصريّ وتطلّعاته وتوقّعاته مُصوَّرة في مقالات ناقدة ساخرة فكهة، حملت قيمة، وقادت كاتبها إلى التعرّف على مزيد من القيمة، على أن أقيم ما فيها كان قيمتها الادّخارية المعنويّة التي أستشعرها الآن وأنا أضع النقطة الأخيرة قبل ختام المجموعة كلها للعرض، وأشكر ربنا الذي أوصلني لكتابة هذا السطر الأخير الذي أقول فيه باستيعاب تام للقول: نهاية أمر خيرٌ من بدايته،،،،،

 

 

 



 [i] لا يعلم الكثيرون أنه ليس في اللغة العربيّة كلمة بهذا الهجاء "إذن"!! ومع ذلك اعتادت الجرائد كتابة "غذاً" بالهجاء غير الصحيح لغوياً: "إذن"، وهي في تقديري حيلة لتحاشي إشكالٍ ما، وهذا الهامش فرصة لعرضه تقديري لهذا الخطأ الذي صار بقوة الصحيح في أذهان الجميع تقريباً.. إن كلمة إذاً بألف م#نوَّنَة تشكل عبئاً على املطبوعات التي لا تستسهل استعمال علامات التنوين والتشكيل، وفقدان علامة التنوين في "إذاً" بلطها مع "إذا" فتختلط المعاني، بينما الاصطلاح على كتابها "إذن" لن يخلطها في ذهن القارئ مع كلمة إذن" بتسكين الـ"ذ" لتبيان المعنى ويسهولة كشف السيق للقصد.. هل يعلم أحد هذا الخطأ؟ قليلون.. وهل يعلم أحد من القليلين فكرة هذه الحيلة؟ لم أسمع بأحد.. وهل تقديري صحيح؟أظنه كذلك وإلا فماذا؟!