+++++ والأخطر الأكثر دلالة:
"وجهاً لوجه" إن نفس التعبير جاء في وصف كلام موسى مع الرب (خر33: 11)، ويظهر في عين ذات الموضع
ما يحسم أن "وجهاً لوجه" قد تعني لقاء مفتوح بدون وسيط، وليس رؤية ملامح
وجه جسميّ.. في الفقرة التالية فوراً يظهر أن موسى لم يرَ وجه الرب ولا أحد يستطيع أن يراه
ويعيش (خر33: 20-23).. ولعلّ تحاشي أنصار "ظهورات الابن" الاستشهاد بفقرة موسى هذه، هو التصاقها بفقرة تقطع بنفي رؤية وجه الرب كملامح جسميّة ظاهرة.. لعلّهم لذلك يكتفون باختظاف الاستشهاد بلقاء يعقوب مع الإنسان الذي صارعه، وإن كان ولا حتّى بهذا تتّفق استنتاجاتهم مع دليلهم، كما سبق شرحه..
++++++ كل ذلك
السابق من مُلاحظات يجعل الاستدلال بظهور المسيح الشخصيّ من قول يعقوب غير ذي
إلزام، بل وأكثر من ذلك، ففي ضوء هكذا ملاحظات تنقلب "الحُجَّة" ويُقام من قول يعقوب دليلاً عكسيّاً:
إذ لو كان يعقوب
يقصد بالوجه "الوجه الماديّ الظاهر لهذا الإنسان من جبهة وعينين وأنف
إلخ" لكان قد قال بالأولى: "التحمت مع إلوهيم أو أمسكته يداً
ليد"، لاسيما والإنسان ظهر ليلً حيث كان الأقرب للتعامل معه هو وصف التلاحم
لا الرؤية..
+++++++ ثم الأخطر جداً جداً: طالما
أن تفسير الظهور هو التجسّم فإن الوجه الظاهر ليس وجه إلوهيم الشخصيّ وإلا كان
تجسّداً باتحاد بين الطبائع وهو ما لا يقولون به بعد! أما لو كان ظهوراً غير مخلوق
كما يقول البعض الآخر (المستيكيّين) فهو تجسّد سابق على التجسّد لأنه تسمى إنساناً
وكان ملموساً باليد، وليس ظهوراً لطيفاً كعادتهم في تفسير "النور غير
المخلوق".. فعلى كل وجه من تفاسير أصحاب "الظهورات الشخصيّة" فمشهد
صراع يعقوب مع الـله هنا يبتعدون عنه بأكثر من درجة تشنّجهم البالغة في التشبّث
به..
++++++++ فوق أن
يعقوب لم يقل أصلاً إن وجه هذا الإنسان هو ذات وجه إلوهيم، ولا أن جسم الإنسان هو جسم إلوهيم، فيعدم المشهد دليلاً إجابياً مُلزماً بالضرورة لفكرة البدعة، ولا يبقى لتفسيره إلا أنه قصد رؤية الرسول الذي ليس له صفة من ذاته إلا رسالة مُرسله فحمل اسمه، أو أنه لم يقصد أصلاً الإشارة لشخص الملاك بل قصد أنه رأى عمل الرب وفهم رسالته ونال مباركته فتسمّى كل ذلك باسم العامل له كلّه..
+++++++++ كل المقاربات واللغات تنتهي إلى نفس المعنى البسيط: إن الكلمة ليست لفظاً، مثلما ليست في سياق المعنى، مثلما في استعمالاتها العديدةً، إن الكلمة في كل طرق الفحص لا تنحبس بالضرورة ولا بالاصطلاح ولا بشهرة الاستعمال في معنى متجسِّم.. بل الأكثر والأقرب في استعمالها هو معنى غير ماديّ وحين تفيد مادة جسميّة يكون ذلك هو الأقل توفّراً في الاستعمال..
& وبعد هذه المفاجاة المتكاملة الأوجه، يبقى شاهد أقوى من كل ما سبق إغراءً باختطافه من قِبَل هواة تلك البدعة، مع ذلك لا ينتبهون له، فأبادر بتقديمه لشرحه وتقفيل الدور بالزيادة
يستشهدون بقول يعقوب بعد صراعه مع "الإنسان" الذي ظهر له: "وَبَارَكَ يُوسُفَ وَقَالَ: «اللهُ الَّذِي سَارَ امَامَهُ ابَوَايَ ابْرَاهِيمُ وَاسْحَاقُ - اللهُ الَّذِي رَعَانِي مُنْذُ وُجُودِي الَى هَذَا الْيَوْمِ -
الْمَلاكُ الَّذِي خَلَّصَنِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ يُبَارِكُ الْغُلامَيْنِ. وَلْيُدْعَ عَلَيْهِمَا اسْمِي وَاسْمُ ابَوَيَّ ابْرَاهِيمَ وَاسْحَاقَ. وَلْيَكْثُرَا كَثِيرا فِي الارْضِ
" (تك48: 15-16) وأُزيد، تطوّعاً من عندي على ما يظهر في الشاهد من إحراج "ظاهريّ" لقضية المقال، أزيد أن كلمة إلوهيم" هنا، مع اتّساع معاني الكلمة، فإنها تُشير لشخص الرب الإله
في وعي يعقوب على الأرجح، وأزيد فوق الزيادة أن اليهود الميمونيّين حاولوا تغيير دلالة كلمة "ملاك" بدلاً
من تغيير دلالة كلمة "إلوهيم" فقالوا إن ملاك هنا تشير لعمل إلوهيم وليس لشخصه.. وهذا ليس خرفاً من جانب الميمونيّين
بل هو مدعوم بأصل لغويّ يجهله كثيرون منم الذين يتصدّون لتفسير الموضوع بغير أهليّة، فإن كلمة ملاك تُعني مع كلمة رسول "شخصيّ" معنى "عمل" ومعنى "نتاج العمل" ،
وشواهد ذلك وفيرة أبرزها (تك2: 2، 3) ذاتها.. وتنوّع معاني الكلمة هذا على مفاجئته لكثيرين فإنه لم يخرج عن أصل معنى الكلمة إذ العمل بفعله وبمنتوجه هو رسول عمليّ يعبِّر عن قصد وطبيعة العامل مثلما الرسول "الشخصيّ" يحمل رسالة تحمل أفكار المُرسِل.. فإذاً الشاهد يدعو الملاك "إلوهيم" وتفسير أحد أبرز المدارس اليهوديّة تعسّفاً لم يجادل
في كون كلمة "ملاك" أتت مرادفة لـ"إلوهيم" بل فسّر كلمة ملاك بمعنى "العمل" لا "الرسول الشخصيّ، وسيلي في موضع مناسب تفصيل معاني كلمة ملاك وشرحها لغويّاً.. فإذاً لا جديد ولا غريب في تفسير الميمومنيين على أنه تفسير لا "أُحيل" التفسير إليه لأنه ليس صحيحاً وليس لي عادة بالاكتفاء بحل سهل مدعوم بشهادةً ما.. فالصحيح أن الملاك الذي عناه يعقوب هو "شخص" ومن شواهد ذلك أنه قد صارعه ذات مرّة وتلامس معه بأعنف درجات التلامس التي بلغت الصراع العنيف فهو إذاً شخص وليس مجرد عمل، ثم أن اصطلاح كلمة ملاك بمعنى عمل أنها تأتي بصيغة الجمع بينما الملاك الرسول الشخصيّ حتى إن كان جمعاً فهي تأتي بصيغة المفرد.. لا حاجة لتفسير خاطئ لإثبات المعنى الصحيح مهما كان قريباً لغوياً وفنياً من الصواب، فاما تمامام الصواب وإما فالحق لا يقبل شهادة أقل من الحق بحبة خردل!! فالصحيح أن هذا الملاك هو شخص لا عمل، الصحيح أنه بكل وضوح قد ترادفت الإشارة له مع اسم "إلوهيم"، والصحيح أخيراً أن "إلوهيم" أتى كاسم يشير لشخص الرب الإله إله إبراهيم وإله إسحق والذي رعى يعقوب منذ وجوده..
يبدو الموقف صعباً إذاً! فهل يثبت الآن أن هناك تماهي بين "إلوهيم" و"الملاك"؟! حاشا وكلاَ:
+ بل يكون التكرار بذات الوضوح أن الرسول يُسمَّى باسم مُرسِله، وسبق عرض كثير من الشواهد القاطعة على ذلك
++ وأُضيف عرض فكرة دقيقة هذه المرّة: فإن المُرسِل متى كانت رسائله عزيزة وشخصه غير ملموس لحواس الواحد فإنه يكون هو العنصر الرئيس في رسالته حتى يغيب شخص الرسول تقريباً تماماً عن الوعي اللغويّ، مثال لذلك أب متغيّب متى أرسل خطاباً بريديّاً فإن
ابنه الطفل يصيح: "دا بابا" ولا يقول بتفصيل سمج إنه ساعي البريد يحمل خطاباً من أبيه إلخ..
+++ ويمكن هنا معاودة طرح سؤال سبق عرضه، بمناسبة تفسير الميمونيّين
لهذا الشاهد، فإنه وإن كان الملاك شخصاً لا مجرد عمل، وكان اعتباره عملاً إلهيّاً تماهت
تسميته مع اسم الرب الإله عامله، أفليس بالأولى ان يتسمّى الرسول الشخص باسم مرسِله؟
& ولكن أليس
مكتوباً في موضع آخر: "وَمِنْ نَفَائِسِ الأَرْضِ وَمِلْئِهَا، وَرِضَى السَّاكِنِ
فِي الْعُلَّيْقَةِ. فَلْتَأْتِ عَلَى رَأْسِ يُوسُفَ وَعَلَى قِمَّةِ نَذِيرِ إِخْوَتِهِ
(تث33: 16)، فالعليقة هي محل سكن الرب وليس ملاك ظهور
"عاديّ"؟
صحيح، ولكن:
+ من يقبل ان
هذا دليل على ان الظهور المحسوس كان للرب شخصيّاً، يكون الرب هو النار وليس
الملاك،
++ من ينظر
لكلمة "ساكن" يجدها دائمة وليست فعلاً قصيراً (يمكن مراجعة الأصل
العبريّ أو أيّة ترجمة حرفيّة)، ولما كان مشهد العليّقة قد انتهى، فسكنى الرب غير
سكنى النار، ولا يبقى لاستقامة المعنى ألا قبول أن النار كانت إعلاناً لسكناه،
إعلاناً منظوراً للترميز وليس مماهياً لشخص الرب، وعلى ذلك فقط يكون الرب دائم
السكن في العليقة لأن دلالة إعلانه دائمة العمل،
+++ أيضاً كلمة
"ساكن" لا تستلزم الظهور المحسوس، وإنما يسكن الرب دون ان يحتاج للظهور،
وهذا شاهد: "حَيْثُ أَنَا سَاكِنٌ فِي
وَسَطِهِمْ" (عد5: 3)، وعلى ذلك فليس من الضروريّ ان الإشارة بسكنى
العليقة تعود على ذات النار، بل يصحّ، وهو الصحيح بحقّ، أن الرب يسكن في الموضع
بسروره أو بإعلانه عن مقاصده، ويترك علامة ظاهرة على ذلك أو لا يترك، والعلامة لا
تتماهى مع طبيعته بل تبقى مجرد رمز،
++++ ودائماً
يقبل الجميع ان العليقة رمزاً لناسوت الرب أو للعذراء (كلا الترميزين صحيح وهما
متلازمان بالضرورة)، ولا يفكر عاقل أن العليقة هي ذات ناسوت الرب أو أنها جسد
العذراء، فما مشكلة أولئك في أن النار هي
أيضاً رمز للاهوت الرب؟ !!!!!
& وبمناسبة الوصول لموسى والظهورات له، فهناك ظهور مرتبط به
ويبدو نصيّاً أقوى من كل ما يستشهدون به، فالظهور المعنيّ لا يقول إن الذي ظهر ملاك ويُكلفهم مؤونة محاولة إثبات أن الملاك هو الرب، بل إنه يقول
صريحاً إن شيوخ إسرائيل "رأوا الرب"، ويزيد بأنهم رأوا مشهد بصريّ وبالتالي فهو من وجهين قويين جداً يدعو ضحايا تلك البدعة
أن يتهابصوا به، ومع ذلك فهم قلّما استعملوه ولعل ذلك لانتباه بعضهم لما به من نتيجة عكسيّة سأعرضها هنا بتفاصيل براهينها
فأما نص شاهد الظهور المعنيّ هنا فهو يقول:
"ثُمَّ صَعِدَ مُوسَى وَهَارُونُ وَنَادَابُ وَابِيهُو وَسَبْعُونَ مِنْ شُيُوخِ اسْرَائِيلَ
وَرَاوا الَهَ اسْرَائِيلَ وَتَحْتَ رِجْلَيْهِ شِبْهُ صَنْعَةٍ مِنَ الْعَقِيقِ الازْرَقِ الشَّفَّافِ وَكَذَاتِ السَّمَاءِ فِي النَّقَاوَةِ.
وَلَكِنَّهُ لَمْ يَمُدَّ يَدَهُ الَى اشْرَافِ بَنِي اسْرَائِيلَ. فَرَاوا الـله وَاكَلُوا وَشَرِبُوا" (خر24: 9-11)..
فهل هكذا يكونوا قد رؤوا الرب بشخصه؟
عدّوا مرة جديدة:
- يظهر من الكلام الخاتم لسيرة موسى أن أحداً لم يعرف الرب ولا تعامل معه بأوضح من موسى (تث34: 10) الذي لم يره قطّ بهذا الوضوح المُفتَرَض خطئاً لهذا المشهد..
-- ثم أصلاً طالما رأى موسى الرب مع الشيوخ فلماذا عاد ليطلب رؤيته كمن لم يره قبلاً (خر33: 18-20)؟ أما إن لم يكن قد رآه مع الشيوخ ما جعله يطلب الرؤية فهذا يُعيدنا للسؤال الأول "-" الذي بقي بلا إجابة إلا أن يكون المشهد لا يفيد رؤية لشخص الرب..
--- ومعروف أن موسى إذ "رأى" الرب، بالمعنى المتكرر
شرحه، فلأن وجهه استنار ولم يقدر احد أن ينظر فيه إلا إذا وضع البرقع (خر33: 8، خر34: 33-35، 2كو3: 13) ولكن لم يحدث هذا مع هؤلاء الشيوخ!! فإن كان موسى الذى لم يرَ وجه الرب
ولكنه تكلم معه دون وسيط بوحي فائق فنتج عن هذا الكلام لا الرؤية أن أحداً لم يقدر على النظر في وجهه، فكم كان بالأولى مع الشيوخ ألا يقدر أحد أن يراهم لو كانوا قد رأوا شخص الرب؟
---- ثم من يستسيغ تفسيريّاً أنهم رؤوا هيئة شخصيّة للرب في زمن عزّ فيه التعامل أصلاً مع الرب ولا يصرّح الكتاب بهذا الأمر الزائد الدلالة في ظروف زمنه؟ ولكن لم يكن من الكتاب أن يصف شيئاً من المشهد إلا أنه "شبه" عقيق تحت قدميه، ولو كان فوق هذا العقيق ظهور شخصيّ للرب فكان حقيقاً استحقاقاً مضاعفاً بأن يصوره الكتاب بالأولى..
----- وفي ختام الفقرة قيل إنهم "أكلوا وشربوا" كناية واضحة عن أنهم لم يمتوا.. فهل عناية الوحي بالتنبير على "عدم موتهم" هنا يفيد أنهم لم يروا هيئة ظاهرة لشخص الرب؟ أم يفيد أنهم رئوه على خلاف كلمة الرب أن "الإنسان لا يراه ويعيش" (خر33: 20)؟؟!! هل الكناية للإفادة بصدق كلمة الرب التي عاد فقالها لموسى؟ ام هي لإثبات عكسها!؟!؟
لا يمكن أن تستقيم الشواهد جميعاً معاً، حاشا لها من عدم الاستقامة، إلا بالانتباه لكلمة "شبه عقيق تحت قدميه" للإفادة بأنهم
رأوا الرب أعلى من السموات الانقى من السموات الطبيعيّة التي راها البشر.. لقد رؤوا أن مجد الرب يفوق أقصى ما يصل له نظهرم هذا ما رأاو الرب به ليس أنهم رأوا شخصه!!
+ فإذ ثبت وكفى بما سبق أن ظهور الرب لشيوخ إسرائيل ليس ظهوراً حسيّاً مرئيّاً لشخصه أو لبعض شخصه، فهكذا تكون محاولات محبو تلك البدعة مع التشبث باختظاف الفاظ اللغة قد أتى حتى سقف شقفه وفشل..
فإنه حتى حينما قيل "رأوا الرب" وبدون أي ملاك يمكن أن يخفف من المعنى، ف
فإنه حتى هذا لا يفيد بما يريدون التشبث به غير مراعين لإفساد كل معاني العهد الجديد انتصاراً لخيالات مريضة لا يحسبون نتائجها..
++ وزيادة د لالة عكس منشود أصحاب البدعة، أن الظهور نفسه يصرخ بان شخص الرب كان أبعد من رؤية حتى من يرى إلى ما فوق سموات الطبيعة لأنه فوق سموات أكثر نقاءً من الطبيعيّة، فالظهور يقول إن لا أحد يرى شخص الرب، وعلى كل حال فليس لهذا التفسير يتحاشى اكثرهم الاستشهاد بهذا الظهور لأنه لا يظهر انهم يستوعبون التفسير أو حاولوا تفسيره أصلاً..
& وفوق المنطق
البديهيّ، وفوق الاستعمال المألوف للغة، الذي يُنسى بفعل غسل المخ التفسيريّ، فماذا
عن شواهد الكتاب نفسه التي تنسب كلام الأنبياء إلى الرب كفاعل مباشر، ومن ذلك (إش7:
10) حيث "عاد الرب فكلّم آحاز" بينما المعلوم يقيناً أان الناطق بالكلام
هو إشعياء النبيّ، فإذا كان ملاك (رسول) الرب، إشعياء، وهو إنسان يُزاح من المشهد ويثنسَب
فعل الكلام للرب مباشرةً، وهو، أي إشعياء، إنسان، فكم بالأولى يُنسَب كلام الملاك الروحيّ
من السموات إلى الرب، وهو، أي الملاك، لا يتكلّم من نفسه وليس له ما يقوله من ذاته
أصلاً بالأكثر جداً عن إشعياء إذ هو من الأرواح الخادمة المستقلّ عن أي علاقة إنسانيّة
عمَّن يُرسَل إليهم مما قد يستدعي شيئاً خصوصيّاً أو لغة تختصّ بخلفيّته هو كإنسان!
فكيف يُحسِن
"المفسِّرون" تفسير هذه الشواهد البسيطة ببداهة، ثم ينسون بداهتها في المواضع
التي يدافعون فيها عن الموروث من تفسير خاطئ؟ وتتحول نسبة الكلام إلى الرب دليلاً قاطعاً
لديهم يغسلون به أمخاخ العوام ويصير دليلاً يتشنج به المُلقَّنون ولا يقبل الجدل على
أن الظاهر المسموع صوته هو شخص الرب؟
وقد صار واضحاً بالشاهد
الكتابيّ، فوق المنطق اللغويّ البديهيّ أصلاً، أن "نطق النبيّ بكلام الرب"
= "كلّمَ الربُ"..
& وشاهد
أيضاً: في بيت حانون كان تلاميذ يسوع يعمِّدون، وكانت تسمية الحادث إجمالاً أن
"يسوع يُصيِّر ويُعمِّد" (يو4: 1)، بينما حين فصَّل الإنجيليّ الحال أفاد
أن يسوع "نفسه" لم يكن يعمِّد بل تلاميذه، ولاشك أنهم
كانوا يعمِّدون بإشرافه ممثِّلين له.. فمن يعملون باسم رئيس يُنسَب العمل للرئيس..
وإلى الآن يقولون خوفو بنى الهرم J
& ولماذا نذهب بعيداً: فإن من يزوره ضيف
مبارك يقولو: "زارنا يسوع".. فإن كان الزائر يحمل يسوع معه بالنعمة،
أفلا يحمل الملاك رائحة حضور الرب وهو يحمل رسالته وقد ظهر بأمره أصلاً، وشخصه لا
يمثِّل شيئاً مستقلاً عن وظيفته بتمثيل الرب وحمل رسالته؟ فهل لمُجرَّد تسمية رؤية
الملاك برؤية الرب يكون الملاك هو الرب بالضرورة؟ هل اللغة تعمل هكذا؟
& أو قول
البعض للآخر واعظين أو متواعظين لدى حدوث عِبرة ما: "شفت ربنا"؟ فهل
ربنا هو الحادثة؟ أم الحادثة هي عمل من عمله يعطي عبرة لمن حدثت له أو أمامه،
فيُساق القول "شفت عمل ربنا" مُختصراً هكذا: "شفت ربنا؟"
& واسترسالاً في شرح اللغة من واقع مثل هكذا شواهد من الاستعمالات المجازيّة، فيلزم الالتفات أولاً لحقيقة أن المجاز اللغويّ ينشأ على تصورات المتكلِّم، ومن عناصر التصوّر أن الواحد يرى القريبين من بعضهم حين يكون جميعهم بعيدين عنه كأنهم كيان واحد، وهذا يوافق في موضوعنا حال السماء كلها بالنسبة للإنسان حال سقوطه.. ومن هذا أنه يدعو مشيئة الرب مشيئة السماء وهكذا.. فلا غرابة أن الإنسان في العهود القديمة متى رأإى ملاكاً حتى إن كان واعياً انه ملاك وليس هو نفسه الرب، فإنه يدعوه مجازاً باسم الرب الذي هو العنصر الأعلى في كل منظومة السماء التى تتقارب كل اهلها معاً مقابل تباعدهم جميعاً عن الإنسان على الأقل من وجهة نظره!!
وبمناسبة الوصول لتعبير "شفت ربنا" للإفادة بالاتصال بعمله وفهم قاصده، فهو وقت مناسب للإيفاء بوعد سابق بتفصيل معاني كلمة ملاك والتي منها "عمل".. فالكلمة في أصلها العبريّ تقابل لفظيّاً وجذريّاً الكلمة الدراجة "يملخ" بمعني ينقل الشئ من موضعه وعليه فإفادتها بمعنى الرسول بديهيّ، فمن أين يتناسب شمولها لمعنى "العمل"؟ شرح ذلك بسيط ولا يقل بداهةً: فالعمل هو أمر يخرج للناظرين من يد عامله ليحمل معه تعبيراً عن بعض مما هو مستتر من طبعه وقصده،فمن ثَمَّ فالعمل رسول معنويّ لعامله ومعنى "الرسوليّة" يشمله إذاً، وعلى ذلك استُعمِلَت كلمة ملاك في العبريّة في صيغة المفرد بمعنى الرسول الشخص أو حتى بقصد الجمع أيضاً (الملاك أو الملائكة بحسب الفهم المعتاد) وفي صيغة الجمع "ملاخيم" اختُصَّت بمعنى "أعمال" (الرسل المعنويين) وبالمثل بمعنى البضاعة أو المواشي باعتبارها العمل الذي ينتجه أو يُنميه العامل،
ومن شواهد ذلك أن الكلمة وردت بالجمع "ملاخيم" لتفيد معنى العمل في (تك39 :11) و(خر20: 9) و"خر20: 10 " و (يو1: 8 ) و(حج1: 14) وكثير غيرها.. ونفس الكلمة "ملاخيم" وردت بمعنى منتوج العمل في (تك33: 14) و(خر22: 11).. وأعجب من الكل أن الكلمة هكذا وردت لتصف أعمال الخليقة في (تك2: 2) و(تك2: 3)!!
والمفيد في الموضوع أن عمل الرب مثلما يُدعَى "الرب" هكذا بلا حرج في اللغة الدارجة، فهو كذلك مدعو مباشرةً بـ"الرب" كتابيّاً!!! ومن شواهد ذلك شاهد مثير جداً هو (أي42: 5) ما سيأتي تفصيله في حينه..ولكن إن كان العمل والمدعو ملاخيم يُدعَى بالرب مباشرةً، فكم بالاول الرسول الشخصيّ الذي يمثل الرب "ملاخ" أن يُدعَى الرب للإفادة بأنه رسول بغير صفة إلا إيصاله لرسالة الرب فالإشارة للرب وتمثيل الملاك هو نيابيّ عن الرب؛ ومن هنا يظهر أيضاً تسمية "ملاك حضرته" (إش63: 9) أي الملاك
المُعبِّر عن حضور الرب والذي ظهوره هو نيابة عن ظهور الرب، بغير صفة تخصّ الملاك من ذاته، ولهذا كان الملاك يرفض الإجابة والتصريح باسمه، وما فعله الملاك الظاهر لمنوح لم يقل بحسب الفهم الخاطئ أن "اسمه "عجيب" بل قال: "لماذا تسأل عن اسمي وهو عجيب" (قض13: 18) فكلمة "عجبب" لا تعيِّن الاسم ولكنها تصفه بينما نبوة إسعياء عن الرب تعين اسمه صريحاً أنه "يُدغَى اسمه عجيباً" والفرق بين تعيين الاسم ووصفه أو بالأحرى وصف التصريح به يمر دون انتباه بفعل التلقين، ويوافق هذا تشكيل الكلمة في قضاة الذي يغير نطقها، وبالتالي دلالتها، عن الكلمة الواردة في نبوة إشعياء عن اسم أو وصف الرب، فإجابة الملاك لمنوح لا هي تعيِّن اسم علم ولا سابق كلام الملاك المتسائل عن دوى السؤال يستقيم بأن تكون الكلمة التالية هي اسمه، ولكنه تكلم بوصفَ اسمه في سياق قصد منوح، فوصف اسمه بأنه "عجيب" أي خافٍ أو غريب عن القصد أو ليس للإعلان لأنه إعلانه غير مُجدٍ في رسالته كملاك.. هو غريب أو مٌخفى عن جدوى الإعلان مثلم هو غريب أن يًصرِّح باسم نفس بالنسبة لوظيفته ورسالته التي تكلّف بها، وخلاصة كل ذلك أن اسمه غريب عن استحقاق ما انتواه منوح من تكريمه لأنه هو نفسه كملاك روح خادمة غريب عن افتراض منوح أنه هو صاحب شأن أصيل في رسالة الرب إذ ما هو إلا رسول، واستعمل كلمة تختلف في بنيتها الصرفيّة عن الكلمة الواردة في (إش9: 6) على خلاف المظنون بغير تروٍّ، ولو كان الملاك يقصد أن اسمه هو "عجيب" مطابقاً لاسم الرب فلماذا يغيّر بنية الكلمة؟ أما لو كان تغيير بنية الكلمة بتغيير تشكيلها خطئاً تفسيريّاً من اليهود فلماذا سبق الملاك باستنكار السؤال طالما هو يصرِّح باسمه تلقاءً؟ محاولة الاستشها بملاك منوح لدعم اابدعة غريب عن النص أغرب من اسم الملاك نفسه، وبالمثل رفض "الإنسان" الذي صارع يعقوب التصريح باسمه (تك32: 29) وإلا كان يعقوب قد بنى المذبح باسمه لأنه ما سأله عن اسمه إلا لتكريمه، ومن الطريف أنه لم يقل إنه عجيب وإلا كان قد فاز الشغوفين بالبدعة بفرصة اختطاف دليل زائف مزيد....
& ثم... الدور الآن على نقطة مفاجئة ومزلزلة، ليس فقط لرسوخ البدعة في الأذهان بثقة مفرطة وتاهٍ بما يظنونه براهين قاطعة لها، ولكن فوق ذلك ترجّ وتكشف، يؤسفني القول، مصداقيّة أذهانهم وضمائرهم جميعاً، ولاسيما بتشنّج: فمن الطريف المُحرِج أن من يحتجون بكل قوة
وصياح أن النص الكتابيّ يقول في هذا الموضع أو ذاك إن الملاك الذي ظهر قال عنه من رآه
"رأيت الرب"، أن أولئك أنفسهم يحسنون حل الاختلاف الظاهريّ بين (مت8:
5) و(لو7: 3) وهو تسمية مجئ رُسُل قائد المئة بأنه مجئ قائد المئة نفسه، ولقد أفاض الإنجيليّ لوقا في تفصيل القصة حتى أن روايته لم تترك فرصة ولا لافتراض أن قائد المئة خرج في وسط الطريق لملافاة الرب، بالقول الفصيح الصحيح إن الرسول يُسمَّى باسم مُرسِله لأنه يعبِّر عمن
أرسله وليس عن نفسه فشخص الرسول ليس محل الاعتبار، إذاً هم يخضعون لمقتضيات اللغة حين يضطرّون، ولكنهم ينسون ذلك وهم يصرون على استدلالهم التعيس الزاعق من كون
الملاك هو شخص الرب لأن من رآه قال "رأيت الرب"..
& ومفاجأة مذهلة لمن أعموا أفهامهم
بتكرار غسل الأذهان بتلقيّن التفسير الخاطئ: حتى لو جاز أن رؤية الملاك تُسمَّى
رؤية الرب بما سلف من شرح، فإنه ولا واحد أصلاً ممن ظهرت لهم تلك التجليّات قال
صريحاً إن الشكل الظاهر هو شكل الرب!!! أو أن الشخص الماثل أمامه أنه هو شخص الرب!!!
بل كل ما هنالك أنهم كانوا يعقِّبون بعد تعاملهم مع الظهور بقولهم: "رأينا
إلوهيم" (مثلاً قض13: 22)، وليس أن ما ظهر له هو عينه إلوهيم!!!
& سار الفصل الأول حتى الآن بالكلام الواجز الناجز الكاشف لكل "احتجاج" عاجز، ويكاد الواحد يسمع أنفاس المتابعين، فلهم أهدِّئ إيقاع المفاجآت في هذه الفقرة، لا بإخلائها من مفاجأتها الوجيبة ولكن بالتريّث عبر تفاصيلها، منه يُعطي فرصة التقاط النفس ومنه يُعين على إفراد كافة الفقرة المتأنية الإيقاع لاستيعاب دلالات الشاهد الأيوبيّ المشهور جداً: "بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي" (أي42: 5):
+ فأول دلالة معنيّة من الشاهد هي عبارة "رؤية العين"!! لا أقوى لغةً للتعبير عن رؤية ماديّة لمن يشغف باختطاف الألفاظ والتهوّع بها، ولو كانت هذه العبارة قد ظهرت في حالة من
حالات ظهورات الملائكة لكان أنصار التفسير قد أبرزوها وبروزوها ودقوا لها الدفوف أيضاً وصنعوا لها دورة بألحان، و"وضعوها في عين من ينكر تلك البدعة"، ولكن من حُسن التوفيق أنها ظهرت في مشهد ثابت أنه بغير تجسّم ولا ظهور طيفيّ حتى، فهو من ثَمَّ كافٍ
لفضح منطق البدعة وإثبات أن اللغة لا تعمل كما يستعملونها غصباً أو خطفاً.. وهذه أدلّة أن الشاهد الأيوبيّ هذا حتى حين يقول "رأتك عيني" فإنه لا يفيد معنى التجسّم المحسوس للحواس الجسديّة، إذ فوق أنّ أحداً لا يقول بأن هناك ظهور "تجسميّ" رآه أيوب، فإنه قبلها
مُباشرَةً يقول "اسمع الآن وأنا أتكلم" وبعدها فوراً يَرِد: "وكان بعدما تكلَّم الرب مع أيوب ..."، كما يتكرّر صريحاً مرتين قبلها تعبير أن الرب أجب أيوبَ من العاصفة (أي38: 1، 40: 6)، وهو تعبير يفيد نفي أي ظهور متجسم مرئيّ للحواس بل وأيضاً يلمِّح بأن
الصوت ليس مسموعاً كصوت ماديّ، فإذاً هو وحي ذهنيّ غير متجسِّم على أي نحو، ولا حاجة للسؤال حتّى أنه إن فإن كانت هناك رؤيا ماديّة أما كان ذكرها جديراً بالإثبات مع الكلام؟
++ الدلالة المعنيّة الثانية لهذا الشاهد والتي لا تقلّ خطورة عن الأولى هي في إجابة السؤال: "ماذا رأى أيوب فدعاه أنه رؤية للرب؟"
وبالإجماع فليس تفسير إلا انه أشار لرؤية عمل الرب وحكمته وفهم مقاصده وأحكامه!! وقد سبق عرض معاني كلمة ملاك أنها إرسال شخص أو إرسال عمل، والسؤال الذي سبق تكراره يظهر للمرة الثالثة الآن: "إن كان الرسول العمليّ غير المشخصن يتسمّى باسم الشخص الذي عمله حتى إن كان هو الرب الإله ذاته، هكذا يتسمّى دون تحرّج، فكم بالأولى منطقيّاً أن يتسمّى الرسول الشخص المُمَثِّل تمثيلاًشخصيّاً لمُرسِله؟
+++ ودلالة ثالثة تفضح منهجيّة ونفسيّة أنصار البدعة، لا أهملها: فشهرة هذا الشاهد تقدِّم دليلاً على حالة "السكيزوفرينيا" التفسيريّة التي تنتاب بعض "المُفسِّرين" حين يصرّون على الجدل حماية لخطأ موروث، ما سبق إثباته
مرات عديدة في الفحص مع شواهد كثيرة سابقة.. لأنه يجوز أن المفسِّر الجيد يُخطئ في تفسير، ولكن لا يمكن له (للجيّد) أن يجادل دفاعاً عن تفسير خاطئ طالما وُضِع أمامه ما ينبِّهه للخطأ.. لماذا لا يمكنه؟ لأن التصحيح يستدعي لديه الشواهد المرتبطة فيُراجِع رأيه
أو على الأقلّ يبحث عن أدلّة أُخرى لرأيه غير تلك المُختَطَفة بعيداً عن منطق اللغة.. فمن إذاً، بعدُ، يجادل في حالة كهذه
حين يتوفَّر شاهد مشهور يلغي حُجيّة الاحتجاج المتكرِّر بكلمة "رؤية" أو "ظهور"؟ ليس الجيد الصحيح من المفسرين هو من يفعل ذلك بل من لابد أنه قد لحقه مرض تفسيريّ، أو ربما ضميريّ! نعم.. إن ثبوت حالة الـ"سكيزوفرينيا" التفسيريّة لا يجدر المجاملة معه!
& وختام فقرات الفصل يعيره له الرائي من سِفر ختام الكتاب المقدس، فديه ختام لطيف لتلك الفقرة، حين أفاد أن الصوت نفسه يُرى دون لزوم لرؤية شكل بصريّ، حين يقول: "التفتُّ لأنظرالصوت الذي تكلّم معي" (رؤ1: 12)..
فما الذي يُرى في الصوت؟ هل هو النبرات المسموعة؟ أم معناها؟ فإن كانت الرؤية تُعني
تمعّناً للمعنى، فإن رؤية الرب حين تُسمَع رسالته تصبح استعملاً لغويّاً بليغاً
ومألوفاً عند أهل الكتاب المقدس..
بعد كل هذه اللقطات اللغويّة التفسيريّة لا يعود السؤال هل يجهلونا أم يتجاهلونها أو يفهمون أم يغيب الفهم عنهم، ولكن السؤال البديل هنا هو: طالما يقرطون على رفض تفسير تسمية الملاك بالرب وتفسير رؤية الرب بأنها سماع وفهم رسالته، فبأي ضمير أو ذهن أو بأي شئ باقٍ لديهم يمكنهم التحايل على أنفسهم لتفسير ما سبق من شواهد بحسب استقامة تفسيرها؟ !
الفكرة من أصلها غير منطقيّة وتفصيلها
يناقض مبدأها:
& أما بقيت "محاولات" مزيدة؟
وتفنيدات أكيدة؟ أخيراً يحتجّون بأن الملاك لا يقبل السجود بينما ملاك ظهورات العهد
القديم قبِل السجود.. و"الأرثوذكس" فيهم ينسون أن للسجود معانٍ ثلاثة مقبولة
لديهم J، و"البروتستانت"
فيهم ينسون أن ملاكَي لوط قبلوا السجود (تك19: 1)، وأن إبراهيم نفسه سجد للرجال الثلاثة
بمجرَّد اعتبارهم ضيوفاً وقبل أن يتعرَّف على هويّتهم (تك18: 2)، وأما ملاك سفر الرؤيا
الذي رفض السجود فرفضه لوضوح خلط يوحنا بينه وبين الرب الذي كان يظهر في نفس مشاهد
الرؤيا، وكان احتمال الخلط قائماً فلزم تعيين الملاك لهويّة نفسه.. كما أن ظهور
الرب بشخصه يجُبّ كل مشاهد تكريم غيره، ويعدو من هو دونه للاستعفاء من أي تكريم،
وهذا ذوق معروف ومألوف..
ولأن القصد ليس مناظرة وتسجيل نقاط فمن الواجب هنا شرح الأمر بعمق لائق:
فإن الملاك متى رفض السجود في سِفر الرؤيا فذلك لأن الرب كان حاضراً في المشهد، كما أن الرب أصلاً قد سبق له التجسّد والحلو بيننا وهو من وقتها معنا كل الأيام وإلى انقضاء الدهر، ولكن في العهد القديم فالرب كان محتجباً وكلمته عزيزة في أكثر الأوقات، وكان ظهور الملاك لدى من يرونه يمثل النافذة اولحيدة للتعامل مع الرب بأقرب طريقة ممكنة، وسبق وتكرّر ان الملاك كان يمثل الرب،فمثلما ما فسّر ذلك بكل كفاية الإشارة لظهوره باسم "إلوهيم" وكلامه الذي لا يقول به إلا الرب، لأنه إنما يمثل الرب وينقل رسالة الرب فثالثة المعاني المتحدة بالضرورة أنه يتلقّى من الناس ما يخص من أرسله، فهو إذاً متى تلقّى سجوداً فالسجود واصل لمن أرسله أي الرب الإله يهوه إلوهيم..
ويبقى شخص الملاك خارج دائرة التكريم الشخصيّ الواجب للرب، والملائكة دائماً ما كانوا حريصين على ضبط المعادلة هكذا، بدليل أنه حين كان يُسأل عن اسمه كان يستعفي عن الإجابة حتى لا يتحوّل شخصه لموضع تكريم ويغيب ذِكر الرب،
تكرّر ذلك مع منوح (قض13: 18) ويعقوب(32: 39).. وبمُقتَضَى نفس المبدأ فإن ملاك سفر الرؤيا حين كان الرب قد تجسد وصار قريباً بل وكان يظهر بذاته رؤيويّاً في ذات الرؤيا فإنه نبّه يوحنا أنه ليس هو الرب حين سجد ذاك له، فضبط بذلك عدم الخلط وأفاد بإثبات مزيد لكل ما يتوالى شرحه في هذا المقال المتواضع!!
& وبالمناسبة فليس كلا السجود سجوداً اصلاً لا لعبادة أو لغيره، فمنوح سقط على وجهه مع امرأته قبالة مشهد مرعب!! لعله سجود بمظنّة أنهما أمام الرب، ولكن الاوقع انهما ارتعبا، وإن كان هناك من يتمحّك بسقو منوح وامرأته فيقيناً يتحاشون النظر في سقوط دانيال" مُسبَّخاً" أمام ملاك يقترب في وصفه من شخص الرب (دا10: 5-10) بأكثر كثيراً من افتراب ملاك منوح، ويستدعي عوائدهم فقي خطف الربط بين الشواهد إذ ما أقرب اقترابه من وصف الرب في (رؤ1)، ويزيد أن له يداً تلمس دانيال (دا10: 10) ما يفيدهم في نظرية "التجسّم" تلك، وليس تواريهم منه مع كل تلك المغريات إلا لأنه على كل اقتراب وصفه من الرب فقد ظهر أنه ملاك بل ودون حتى الملاك ميخائيل (دا10: 13)! وعلى ذلك فأي ناظر متمعِّن يدرك أن أدلته لم تعد ادلّة إلا على سوء التفسير..!
بعمل خدمة إيصال الرسالة الإلهيّة؟
&
وبالمرّة: فإذا كان السجود لا يصلح دليلاً على أنه للرب لا لملاك دون الرب، فإن عدم السجود دليل على وعي الناظر أنه ليس أمام شخص الرب، ومن شواهد ذلك الخطيرة المُغفَلَة كغيرها أن يعقوب في نهاية صراعه مع "الإنسان" الذي ظهر له ليلاً، فإنه دعا الموضع فنوئيل وقال ما قال ولكنه لم يسجد له.. فإذا كان قد أدرك أنه شخص الرب الإله متجسماً فإن عدم سجوده يكون أكثر استغراباً ولفتاً للنظر لذوي النظر..
& وبعد كل
ذلك، وبالمنطق المفاجئ لكثيرين (بحسب خبرة عرض الموضوع بالنقاش الصوتيّ يتفاجأ
كثيرون ويتراجعون فوراً بدهشة صادمة مع هذه الحجّة J) فإذا صحّت نظريّة التجسّم تلك، فما هو مفادها ولماذا تُسمَّى
ظهوراً شخصيّاً للابن؟ هل رؤية المادة الظاهرة تُسمَّى رؤية لشخص الابن من حيث
اتحادها معه؟ إن كانت قناعاً مُستمعلاً يفنى بعد ذلك فهي ليست الابن باعتبار
اتحادها به، فما منطق الإصرار انه ظهور شخصيّ للابن؟ إن ذات توصيفهم للظهور يجعل
إصرارهم على أنه للابن شخصيّاً أمر عبثيّ!
& ما إذاً الفرق
بين مادة مرئيّة أو مسموعة أو ملموسة ولكن غريبة عن طبع لاهوت الابن لم تتحد معه،
يستعملها الرب كقناع، وبين أن يُرسِل ملاكاً؟ أليس الملاك أولى بالعمل من مادة
غريبة ستذهب حيث المجهول بعد استعمالها؟ أليست هذه وظيفة الملاك كروح خادم أولى
بعمل خدمة إيصال الرسالة الإلهيّة؟
& السؤال
الأفيد في هذه الفقرة لمن يقبلون نظريّة "التجسّم":
ما بالهم
ينزعجون من تسمية وسيط الظهور ملاكاً معتاداً، كأنما أنكر القائل بهذا شخص الرب،
بينما هم يشرحون ما يعتبرونه ظهوراً للرب بأنه ظهور لمادة غريبة عن طبع الرب
الإلهيّ ومجهولة المصير بعد استعمالها!
& لا مخرج من
الأسئلة الأخيرة هنا إلا بتغيير النظريّة بمصيبة جديدة، وهي أن يعتبروا مادة
الظهور متحدة باللاهوت فيصحّ تسميتها ظهوراَ شخصيّاً للابن اللوغوس الإله بطبعه.. وهناك
بكل أسف من "المستيكيّين" من ثيولوجيّي اليونانيّين وأشياعهم يقولون ذلك
بقوة وينكرون نظريّة التجسّم لصالح تسمية تلك الظهورات بأنها "غير
مخلوقة"، ولا يجسر أولئك على تعيين معنى كونها غير مخلوقة، فهل هي غير مخلوقة
من طبيعة اللاهوت، أم "غير مخلوقة" مساوية للاهوت في الأزليّة دون أن
تكون من طبعه؟ (على أنهم يحاولون نسبة ذلك للآباء دون استشهاد تفصيليّ لازم!! وقد سبق إثبات وضوح رؤية البابا اثناسيوس بعدم اعتبار ثلاثة ظهورات محسوسة أنها ظهورات للابن أصلاً، وإنما يعمِّم المستيكيّون الجدد قولهم ليحسبوا نقاطاً على أغسطينوس
باسم الآباء)
لا
بتسميته تجسّم استقام المنطق ولا بادّعاء ظهورات من مادة غير مخلوقة يُنجِّي من
سوء المآل المُلزِم، وإنما هي محاولات لمن لم يعِ كمون الخطأ في مبدأ طريقه وجنح
لمحاولة البحث عن "منفذ" للنجاة من طريق أُثبِتَت بينه وبين القصد
الصحيح هوّة عميقة..
الحيرة على بُعدَيْن:
حتى الآن فمجموع
"الحجج" لفكرة الظهورات الشخصيّة للابن في العهد القديم سخيفة كما ظهر، وبالمقابل
تقوم ضد شواهد كتابيّة ولا أجلى وأوضح، وكل هذا من حيث المبدأ، ولكن عند النظر في ظهورات
بعينها تظهر حيرة من يقبلون مبدأ تسمية الملاك الظاهر حسيّاً بأنه شحص الرب، تظهر
حيرتهم على بعدين:
& في الظهور
الواحد يتحيّرون بين عناصره، فهل الرب هو ملاك واحد من الثلاثة أم هو الكبش أم
كليهما أم الملائكة الثلاثة، بالمرّة، يمثلون ظهوراً للثالوث؟ وفي ظهور آخر هل
الرب هو الملاك أم النار أم كليهما؟ وعلى ذِكر ملاك العليقة فقد حدث بالفعل ما
يقترب من الفضيحة حين ارتبك أحدهم في مؤتمر "تثبيت العقيدة" واهتزّ بين النار
وبين الملاك وظهر أنه يفسِّر "على الطاير"..
& وبين ظهور
وآخر تظهر الحاجة لتصنيف الظهورات بين ظهور يُسنَد شخصيّاً للرب وظهور يجد البعض
أن الأكثر أماناً التسليم بانه ملاك "عاديّ"! والبعض الآخر لا يدري حكمة
أولئك الذين يصنِّفون، وينطلقون طربين بفكرة ظهور "المسيح شخصيّاً"،
بينما يرقص المبتدعون على طرب أولئك الجاهلين، وهذه بعض الأمثلة:
-@- مثلاً: ظهور
الملاك مع الفتية الثلاثة في آتون النار: ففضلاً عن أن الشاهد لأن الملاك "شبيه
بابن الآلهة" هو ملك وثنيّ، فضلاً عن إقامة عنصر من عناصر الإيمان المسيحيّ زوراً
على فم ملك وثنيّ، بل فضلاً عن أنه بالمنطق يتساءل الواحد متى رأى الملك "ابن
آلهة" قبل ذلك؟ ولايُفهَم بداهةً من المشهد إلا أنه تعبير يفيد به الوثنيون وصف
فتىً لا يبدو ابناً معتاداً للبشر، ولو رأوا ملاكاً فلا ريب سيصفونه هكذا.. فبأي وجه
للثقة يقطعون بأن الظاهر هنا هو المسيح بكل تجاسر؟
ولكن انظروا وجه
المأزق الذي هو شاهد هذه النقطة: الملك يقول "شبيه" بابن الآلة، فمن يقبل
هكذا شهادة فليهنئ أريوس وليعزي قانون الإيمان الذي صارعوا فيه على إثبات كلمة
"أومواوسيوس" بدلاً من "أوميئوسيوس"!!!
-@- وهذه يهلل لها شهود إبليس المدعوين زوراً
"شهود يهوه"، حاشا، فما أطربهم عندما يسمعون منّا أن "رئيس جند الرب"
الذي ظهر ليشوع هو المسيح؟
-@- وحتى أعداء الفداء يسعدون عندما يسمعون أن بعضنا
يفهم أن الكبش الذي رآه إبراهيم مربوطاً هو المسيح، بدليل أن الموضع سُمِّي "يهوة
يرأه"، فإذا كان الكبش هو المسيح، فقد تم ذبحه فعلاً قبل الصليب، ويكون الفداء
كأي أضحية من الأضحيات البهيميّة، حاشا.. إن يهوة يرأه تفيد برؤية عمل يهوة وليس برية
شخص يهوة، وحتى الآن يٌقال عندما يرى الواحد عمل الرب غير المتوقَّع: "شفت ربنا؟"،
ولكن من يفسرون بغير وعي بالإنجيل ولا باللغة يقدمون هدايا مجانيّة غير مُستَحَقَّة
للمبتدعين وغير المؤمنين جميعاً..
-@- وحتى الملاك الظاهر في (رؤ20: 1) تجاسر على
اعتباره هو شخص المسيح بعض متبعي بدعة أغسطينوس بشأن المُلك الالفيّ (تلك التي تفيد
تجديفاً بأن الملك الالفيّ بدأ بالصليب! ووجه التجديف في ذلك أن ملك الصليب متى بدأ
لا ينتهي قطّ لأنه المُلك الروحي الأعظم وقصد كل تدبيرات الرب، بينما الملك الالفيّ
له وقت نهاية، فهو مجرد مرحلة تدبيريّة، وعلى كل حال فهو تفسير اضطر إليه أغسطين كبديل
لتفسير آخر تورط فيه وثبت فشله ربط فيه الملك الالفيّ بملك روما).. لماذا فكر بعض أولئك
المحدثين هكذا؟ بسيطة: لقد تشبّعوا بفكرة أن الملاك يمكن أن يُعتَبَر هو المسيح، ولما
كان الملك الألفيّ يبدأ لديهم بالصليب فقد استسهلوا اعتبار الملاك هو المسيح بغير احترام
لا للنصّ ولا للياقة اللغة، وكل المهم لديهم هو الخروج بسلام من نص يهدم بدعة أُخرى
استفرت لديهم كحقيقة إيمانيّة..
-@- واعتبار ملاك العليقة هو الرب نفسه يخدم بلا
شك فكرة مساواة الناموس بالعهد الجديد..
وهكذا
يتفسَّر سبب التأرجح المشهور على بعدين، والسؤال المتكرر في بعض الظهورات من هو "تجسّم"
الرب في الظهور، ثم السؤال الدائم في "تصنيف" كل الظهورات: هذه المرّة
هل الظهور للرب ام لملاك "عاديّ"؟ وتبقى التساؤلات وتبقى إجاباتها تسير
بحركة زجزاجيّة لتفادي السقوط في أشراك المبتدعين.. وما كان أسهل عدم تمكين أي مبتدع
بفهم التعليم الصحيح وتقديمه كما هو في كتابه المقدس..
هنا
قد يحتج البعض أن المبتدعين وغير المؤمنين يسيئون تفسير كل الكتاب، فليس سوء معتقدهم
وا حجة لتغيير معتقد صحيح، ولكن القياس هنا فاسد، لأن الذين يتمسكون بفكرة ظهورات الابن
هم أنفسهم من يتنازل عن اعتبار بعض الظهورات خاصة له لإدراكهم صعوبة الدفاع عن لاهوت
الرب مع تمسكهم باعتبار بعض الظهورات خاصه به، بينما يظنون أن بإمكانهم الإفلات بظهورات
أخرى، ولكن ظهر من سابق هذا العرض أنه ولا حتى بهذا تستقيم تفسيراتهم..
ظهور ولكنّه ليس ظهوراً شخصيّاً، وملاك ولكنّه
ليس أيّ ملاك:
& إذاً لم
يظهر المسيح في العهد القديم؟ كلا وحاشا أن يُقال هكذا أنه لم يظهر! بل كان
ظاهراً أكثر من الجميع، ظهر الرب لأبرام (تك17: 1)، وليعقوب (تك48: 3)،
وشهد العهد الجديد (أع7: 2)، وكان ظهوره هو روح النبوّة الذي يشهد
له (رؤ19: 10)، ولكن ليس ظهور بالرؤية الجسديّة ولو تحت حيلة
التسمية الفاشلة باسم تجسُّم، وإنما ظهوره كان ظهورَ تدبيرِه ومراحمِه ووعوده
ورسائله، التي بها كان حضوره، أي ظهور وحضور بوسيط، والوسيط أنواع
وطرق كثيرة (عب1: 1)، أخطرهم كان رؤى للأنبياء كما لإشعياء، والرؤية لا يدرك كنهها
احد ولكنها ليست مادة طبيعة الرب ذاته الفائقة المعرفة، ثم أن ملاك حضرته كان يمثل
ويُظهِر حضوره كوسيط..
ومع تعبير "ملاك حضرته" يجدر التوقف والفحص لما هو أبعد..
إنه ملاك حضرة الرب لأنه القريب من حضوره لاسيما بالنسبة لأهل العهد القديم حين كانوا معزولين، بعد سقوط آدم، عن الرب على رجاء أن يشق السموات وينزل، فالملاك الحاضر أمام الرب هو لهم "ملاك حضرته".. وهو بالأكثر ملاك حضرة الرب لأنه المُعلِن عن حضوره ومتابعته واطلاعه على حال البشر على سبيل "التصبيرة" لحين حلوله بالجسد بينهم..
ولكنه ليس تجسّو للرب ولا طيف شخصيّ له.. فالرب لم يظهر "بشخصه" في العهد القديم ولا ما قبله من عهود أقدم في الزمان، لا ليس قبل ملء الزمان حين ظهر بذاته بكلمته الذاتيّ صائراً جسداً ظهر في الجسد آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس، هذا وفقط في ملء الزمان وليس قبله، حين كان كلامه مع الآباء بالأنبياء ليس بتجسّمه بأنواع وطرق كثيرة منها وسطاء العهد القديم المُرتَّب على يد ملائكة الذين أبرزهم ملاك "حضرته" الذي كان واحد من أبرز وأرهب وسطاء الإعلان عن حضور الرب..
إن إجابة السؤال عن هويّة ومقام "ملاك حضرة الرب" يمر بالضرورة عبر فهم أبعاد ووسائل "حضرة (حضور) الرب"..
الكلمة رأس البحث هنا هي: "ملاخ پنا?"
Malakh panav
وهنا مفاجأة سارّة: الـ"حضرة" هنا كلمة عبرت قبل الآن وليست غريبة..
فبعد حذف حرفي الـ"ياء" والـ"واو" الأحيرين وتشكيل الحرف السابق لهما الذين يمثلون ضمير عائد على الرب تبقى كلمة "حضرة" من حرفين: "پ ن"
والتي ظهرت قبل الآن في الموضوع مع ظهور "رجل" ليعقوب"، حين وردت مُترجَمَة بـ"وجه" وسبق شرح أن منها كلمة "فنّ" أي الإبداع الظاهر بين غيره والُمُظهّر لما لا ينتبه له الناس من أشكال ويكون له كما يُقال "حضور".. الشرح كثير وسبق في مشاهد متصلة ولكن لماذا إطالة فيه هنا وهو مُبَت مشروح وضيحاً بالشواهد التي ترد فيها كلمة "حضرة الرب"؟! إن استقراء بعض المشاهد والشواهد سهل واستنتاج معنى الكلمة منها أسهل، فمع بعض أبرزها:
- بعد "حضور الرب" في جنة عدن يعلن الكتاب سريعاً بنفس التعبير أن له "حضوراً" هرب منه قايين (تك4: 16) ولا يمكن لأشد الأستراس غشومة أن يدّعي ظهور متجسم للرب أمام قايين المولود بعد طرد آدم وحواء من الجنة، فلا تعود فرصة للاتفراض الساذج أن "حضور الرب" في جنة عدن هو ظهور متجسم طالما تفس الملنى في سياق لغويّ قريب لم تعنٍ ذلك التجسّم.. لا يملك بعدُ األتراس البدعة أن ييدفعوا بشواهد هذه الكلمة كأنها قاطعة جازمة إلا بعد حل مشكبتهم مع قايين وهروبه من "حضور الرب".. ولحينه فيملكون وفقط أن يقولوا إن لهم تفسير ما لتلك الكلمة ويتحولوا لمواجهة ما سبق وما سيلحق من شواهد ضد كاشفة لخيبة وغربة هكذا تفسير، ولكن أقل القليل عليهم أن يتنازلوا عن الحماس المفرط للاستشهاد بالكلمة في جنة عدن..
-- زنزح اباريشهد الرب فيقول: "إيّاك رأيتُ بارّاً لديّ" (تك7: 1) والكلمة المُترجَمَة "لديّ" هي كلمة حضرة" أو حضور أو وجه موضع التحرّي عن اتصالها بالرب، وبداهةً فبرّ نوح هو لدى الرب بغير حاجة لتجسّم الرب لكي يطلع على برّ نوح، فمرة ثانية يكون "حضور الرب" مفهوم معنويّ حقيقيّ نعم ولكن ليس كل حقيقيّ متجسِّم وإلا ما كانت هناك روح، ولا عزاء للصدوقيّين ولألتراس تلك البدعة معهم..
--- والدور لنمرود (تك10: 8-9) الذي كان جبّار صيد "أمام" الرب، والكلمة المُتَرجَمَة "امام هي كلمة وجه او حضرة موضع التحرّي، فإذاً نمرود كان جبار صيد في محضر الرب ولم تعد حتى رغبة للايتسام أمام مزحة متكرّرة بالتساؤل إن كان الرب يحتاج للتجسّم ليكون نمرود جبار صيد في محضر تجسّمه.. نمرود جبّار صيد والرب مطِّلع على ذلك ولم يتجسّم ليطّلع ويقرِّر أمر نمرود ويعلن في الوحي إن حال نمرود لم يخفَ عنه فهو من ثَمَّ تحت السيطرة الإلهيّة فليطمئنّ ولا يخافنّ مؤمن من أسلحة صيده، وبالمثل ملاك حضرة الرب ملاك حاضر أمام وجه الرب قريباً منه وهو حين يظهر يٌعلِن حضور الرب ودعوته للمؤمنين بالاطمئنان على إشراف الرب على حالهم!! في كل حضور تسمّى "ملاك حضرة الرب"، ومن كل وجه تسمّى "ملاك وجه الرب"، خلا وجه البدعة الكسيف أي افتراض أنه تجسّم للرب.. ،
---- قايين ونوح ونمرود بغير رؤية تجسّم، ومع ذلك فهم في "حضرة الرب" والآن إبراهيم وشاهد مُغرٍ لفرائس البدعة ليس جميعهم ولكن خفاف الذهن منهم، ولكن حذار أقولها لتوفير الحسرة عليهم.. الشاهد الذي يحتاج للتروِّي يقول: "... ظهر الرب لأبرام وقال له أنا الـله القدير سر (أمامي) وكن كاملاً" (تك17: 1) و"أمامي" هنا حرفيّاً ???????? "لفني" أي لمحضري..
يقفز غير الواعي ويقول" الحضور هنا متصل بظهور" ولكن لا ينتبه ان الحضور أوسع من الظهور ولا يمكن أن ينحصر فيه لأن حضور الرب هنا يتصل رأساً بمسيرة أبرام أمام الرب، فهل ارتهن اتّباع أبرام للرب بفترة تجسّمه القصيرة جداً حتى متى انتهى المشهد المتجسِّم ينتهي معه اتّباع أبرام للرب؟ إذاً تواجد كلتي "حضرة" و"ظهورط معاً في شاهد واحد هي أقوى واطرف برهان أن "جضرة الرب" لا تقتصر على التجسّم (بافتراض أصلاً أن المتاغير عن "التجسّم" في حالة أبرام كما في حالة من قبله، وأما عن "ظهور" الرب له فهو من كلمة "يرى" التي
سبق التوقّف عند صدمتها المحرجة لضحايا البدعة حين لم يرَ إبراهيم جسماً ماديّاً إلا كبشاً فدعى الموضع "الرب يُرّى"..
----- والمرتل في مزمور توبته الشهير يتضرّع أل يلقيه الرب من محضره وألا ينزع روحه القدوس منه بكل وضوح ديمومة معنى الحضور روحيّاً بغير فترة تجسّم محدودة الوقت التي حتى لم تُوجَد في المشهد أصلاً ،
(مز51: 11)..
------ ثم هنا أيضاً "حضور" للرب ولكن بقوة الجزاء لأعدائه لا بتجسّم، حين يذرّيهم كالدخان ويذيبهم كالشمع أمام النور وذلك "من حضوره" (المترجمة في البيروتيّة "قدامه": "مز68: 2")، فأي شكل لذلك الحضور؟ هل سمع أحد أن الرب تجسّم لعموم الأشرار في العهد القديم؟
------- وهذه النبوة تقول ليس هناك تجسّم في القديم وهناك تجسد في الجديد!! تجمع كل المعنى المعروض في هذا الكتاب من حيث لا يتوقّع الناظر لها في عجالة!!!!
المرتّل هنا (مز140: 13)لا شك يكتب جملة واصفة لحال يهوذا الراحل لمصيره تاركاً الأحد عشر في موضع الخلاص مع الرب: "رجل الشر يصيده الشر إلى هلاكه ... الصديقون
يحمدون اسمك المستقيمون يجلسون في حضرتك"
ونفس العبارة لمن لا يفهمون النبوّة ومن لم يتبي!وها قديماً أنها نبوّة أصلاً لهم نصيب من الاتعاظ من الجملة لأنها فيما هي نبوّة فهي منسوجة من عبارة استدعاء عامّ لموضع الصديقين ومآال الأشرار، فالشاهد هنا بالمعنى العام يتكلّم عن حضور الرب روحيّاً بالتقوى والتسبيح له والنظر لوصاياه كحال الأبرار وهو الحال الذي يفرّ منه رجل الشرّ لهلاك نفسه، أما بإشارته النبويّة الدقيقة قيق فاسمعوا وعوا: هناك تجسّد للرب في عهده الجديد بل في ذات ليلة تأسيسه لهذا العهد عينه بدمه ولحمه، لا تجسّم
-------- وماذا أيضاً؟ يعوزني الوقت والجهد إن تكلّمت عن ذبائح اللاويّين التي تُقدَّك في "حضرة" الرب والكهنة الذين يقفون في "حضرته" والملوك الذين يُمسَحون في "حضرته" وصرحات المرتل التي تدخل "إلى حضرته" والظواهر الماديّة من عناصر الخليقة حين تزأر فتعلن عن "حضرته"... كل ما اتصل بـ"حضرة الرب" أتى خالياً من أيّة مظنّة "تجسّم شخصيّ" له، باستثناء الشواهد التي يفسرها أحباب البدعة على هواهم معتبرين أن نفس الكلمة التي يفسرونها بغير تجسّم هي برهان قاطع على التجسّم في مواضع تلقّنوها هكذا، والآن فهم يواجهون كل الشواهد مغاً وقد فقدوا "دليلاً" مزيداً إذ
صار ربط "حضرة الرب" بـ"تجسّمه" أو حتى بـ "ظهور طيفيّ شخصيّ له" مجرد تفسير افتراضيّ وانتقائيّ منهم ليس له إلزام وإنَّما عليه التزام أن يواجه بقيّة النتائج
الكاشفة لخيبة مآل نتيجته..
غير الذكيّ المُعتاد توفّره في المضمار سيهرع للشواهد ويجلب الكثير منها يظهر فيها ان كلمة "حضور" تتصل بالتجسّم حين تصف وجوه البشر، ولغير الذكيّ هذا أن ينتبه أن برهان أصحابه المعتاد أن الكلمة ليس لها معنى آخر فلما ظهر أن لها معنى آخر بل هو الدائم الحضور مع الرب فتبطل حجتهم فيكون من يتمسّك من أصحاب غير الذكيّ المعترض بأن كلمة "حضرة" (حضور أو وجه) تتصل بجسد الإنسان في شواهد كثيرة فليذكر غير الذكي أصحابه وينبّه نفسه أنهم يقبلون إن الرب يندم ولكن ليس كالإنسان وأن الأرض لها وجه ولكن ليس كالإنسان وأن أمة دبعتهم هي تجسّم الرب بينما الإنسان لا يتجسّم ولا يتجسّد حتى لأنه أصلاً مخلوق كجسد متحد بنقس حيّة، فليعد لمعنى "حضرة الرب" من الشواهد التي تتكلم عن حضرة الرب في كل مواضها ليفهم منها كيف أن ملاك حضرة الرب ليس تجسّماً للرب.. ظاهرالإنسان ليس متجسِّماً ولا حتى متجيسّداً بل هو جسد و، اضح أن حضور" مجد الرب وهيبته لم يكن بتجسّمه في كل هذه المواقف فلماذا حين يكون وسيط إعلان حضوره هو ملاك يكون الملاك تجسّماً للرب؟ إلا لأن الغرض مرض!!
لا يوفر الكتاب المقدس إذاً أيّة فرصة لأي قارئ له بالاستنتاج القاطع ولا حتى القويّ من تعبير "ملاك حضرة الرب" أنه تجسّم للرب.. فقط يمكن لراغب الوصول لهذه النتيجة أن يقول إن هذا تفسيره للنص من عنديات استحسانه لنصرة البدعة ولا اكثر ليبقى كما هو في مواجهة كل فواضح خيبتها..
ولكن ملاك حضرة الرب يعبر عن حضور الرب الذي لم يكن بالتجسّم في مشاهد بلا حصر في الكتاب..
إن ملاك حضرة الرب مميز لا شك ولكن ليس لأنه الرب وإنما لعلة قوية جداً لاسيما فيما قبل تجسّد الرب!! لقد اعتاد الناس أن يصفوا صديق العزيز الغائءب عنهم إذا زارهم الصيق برسالة أن يحتفوا به لأنه "من ريحة الحبيب الغائب"، وهكذا حال ملاك حضرة الرب، لاسيما مع انتظار أهل العهود القيمة على الرجاء للعودة للاتصال بالرب، فلا يكون "المفسِّر" المحدث الذي يخلط بين ملاك حضر الرب وبين ظهور متجسم للرب إلا كمثل الذي ذهب عقله من كبار العمر في العائلة فأخذ صديق الغائب حين يزورهم وضمّه بهستيريا وهو متوهِّم أنه هو العزيز الغائب عنه..
هذا هو ملاك حضرة الرب وليس شخص الرب.. سهلة وخلافها ليس فقط صعباً بل مستحيلاً..
& ولكن ألا
يحقّ رغم كل ذلك تلقيب الرب بلقب "ملاك"، أي رسول، كما تلقَّب بلقب
"نبيّ" و"كاهن"، بحسب معاني الكلمات المُجرَّدَة، إذ هو نبيّ
أنبأ عن الآب وكاهن وسيط بين المؤمنين وبين، وهكذا فهو رسول "ملاك" إذ قد
قدّسه الآب وأرسله؟ ألا يحقّ ذلك؟ وإن كان يحقّ، أفلم يُسمَّ الربُ فعلاً ملاكاً
بروح النبوّة؟
بلى تسمَّى،
والمثير في تلك المرّة الفريدة أنها تقوم كأقوى دليل بل برهان على نقض ذات البدعة!!
فيا لها من مفاجأة لمن تشبّث بتسمية الرب ملاكاً طيلة العهد القديم حين يواجه المرة التى تسَمَّى فيها بحق ملاكاً:
& فها هي المرّة
النبويّة الخاتمة على كل نبوّات القديم كدُرّة تاج وخلاصة شهوتهم، وحلقة الربط المذهلة للأنبياء مع الإنجيليّين:
"هَئَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي فَيُهَيِّئُ
الطَّرِيقَ أَمَامِي. وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ السَّيِّدُ الَّذِي
تَطْلُبُونَهُ وَمَلاَكُ الْعَهْدِ الَّذِي تُسَرُّونَ بِهِ. هُوَذَا يَأْتِي
قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ" (مل3:
1).. الرب هنا هو "ملاك العهد" وأما "ملاكي" المذكورة أولاً
فتشير ليوحنا المعمدان..
ها هما ملاكان وبكل وضوح أُقرّ أنهما الرب شخصيّاً مع يوحنا المعمدان.. ولكن مهلاً قبل
التقافز من البعض متصوِّرين أن هذا الشاهد يفتح الباب لعودة هواء التنفّس لفكرتهم
السائدة دون وجه حقّ، بعد تواي فقدانهم لـ"حُجَجهم الدامغة" واحدة تلو الأخرى، فهذه المرّة هي الأسوأ على الإطلاق من وجهة نظر البدعة التجسميّة او الطيفيّة أو كيفما تسمّت ووُصِفَت
أشرح أولاً لماذا
اطمئنُّ اطمئنان الإيمان لاعتبار "ملاك العهد" هو الرب؟
* أولاً لأن
يوحنا سبق الإشارة له أولاً بلقب "ملاك" وواضح من بناء العبارة أن تكرار
كلمة "ملاك" لا يفيد تكرار الإشارة لنفس الشخص، وإلا صارت ركيكة البناء
مختلّة الدلالة..
** وثانياً
اختُصّ "ملاك العهد" بأنه موضع مسرّة الناس وهذا يليق بالرب أكثر من
غيره..
*** وثالثاً
فكلمة "ملاك العهد" يصحّ أنها تشير لنفس من أُشير إليه بأنه "السيد
الذي تطلبونه" لاسيما مع التعقيب على اللقبين باسم إشارة مفرد وفعل لفاعل
مفرد هو ذاته الفعل المنسوب في أول الجملة لـ"السيد"..
**** ورابعاً
وفوق الكلّ فالكلام يُشير صريحاً إلى التجسد، وينسِب الملاك إلى "العهد"،
***** ثم لأنه
خلاصة النبوّات الوارد في ختام أسفار الأنبياء، والمسبوق بيوحنا المعمدان..
هو الرب!!
+ ولكن هذا
الملاك سيكون ملاك العهد--العهد الجديد بالإجماع، الذي ظهر فيه متجسِّداً
أي ليس
"متجسِّماً" كما يُقال عادةً، ولا يظهر بنور "غير مخلوق" كما
يفول المستيكيّون، وإنما فهذا الظهور هو ظهور التجسّد: "الكلمة صار
جسداً" و"الـله ظهر في الجسد"،
++ وهو مرتبط
بالعهد الجديد لا القديم، إذ ظهور الكلمة ظهوراً شخصيّاً مسموعاً ومرئيّاً
وملموساً هو امتياز العهد الجديد..
وبهذا فإن
الشاهد برئ من كل الاحتجاجات ضد التفسير الخاطئ، وليس فقط، بل وتشرق فيه كل صفات
التجسّد الذي هو طريقة الظهور الشخصيّة الوحيدة للابن، وامتياز العهد الجديد.. وليس هكذا فقط أنه برئ من حسبانه ضمن "حثجَج" تلك البدعة، بل أنه يقضي عليها تماماً، بسؤال بسيط: حين ذُكِر الرب أنه ملاك العهد مرتبطاُ بيوحنا المعمدان الملاك السابق، لماذا لا يُقال للتوضيح إنههو الملاك الذي سبق له الظهور ولكن بصورة أقل في قوة اتحاده بالجسم الذي يظهر به؟ واضح أن فكرة البدعة غريبة عن العهد القديم بقوة غرابتها عن العهد الجديد، بل ومنقوضة بالمكتوب في العهد القديم كما الجديد،
إن هذه
المرّة التي تسمَّى الرب فيها بحق ملاكاً، تسمَّى كذلك متصلاً بنسبته للعهد، ومتصلاً
بعمل العهد الجديد الواضح به التجسّد الصريح، ولم يكن في الشاهد أي ظهور ماديّ
أصلاً، ولا "تجسّم" ولا "مادة غير مخلوقة" ولا أي من هذه
الاختراعات في تفسير ظهورات ملاك حضرة الرب..
الخُلاصة في عناوين:
+ التعليم البسيط
الصحيح يقضي بأن:
*+ "الظهورات
غير الشخصيّة" (كبش، نار في عليقة، هكذا) هي رموز تمثيليّة لا أكثر؛
*+*+ وأما "ظهورات
الأشخاص"، فهي ظهورات لملاك حضور الرب (إش63: 9)، وقد يأخذ شكل إنسان (تك32:
24)، وربما كان إنساناً فعلاً من رجال الرب كما هو ملكي صادق، ما المانع؟ فبالجُملة
تُفهَم الظهورات الشخصيّة أن من يظهر فيها للحواس هو شخص ملاك (رسوال) من الرب يعبِّر
عن رسالته ويعلن حضوره في عهد انفصلت فيه البشريّة عن معيّة الرب اللصيقة وكانت لا
تزال تشتهي بعد ظهور العهد الجديد في الجسد.. هذا التفسير البسيط يجد شاهداً يغيب مع
غياب المعنى، وهذا هو: "في كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلّصهم" (إش63:
9)، وملاك حضرته معناها بكل بساطة اللغة ملاك حضوره، أي الملاك الذي يعلن حضوره وإشرافه
وظهور عنايته، وإن لم يظهر بشخصه!
*+*+*+ ويبقى
الظهور الشخصيّ للرب هو ظهور التجسّد، لا تجسّم ولا نور غير مخلوق، ولا أي من هذه
الحيل اللفظيّة الخائبة في المعنى،
ويبقى امتياز
العهد الجديد هو قول يوحنا: "اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي
رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ
جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ" (1يو1:1)، تاركاً لأنبياء العهد القديم رؤية ولمس وإطعام
والصراع مع ظهورات محسوسة لملائكة يعلنون عن حضور الرب حضور الإشراف والاطّلاع لا
أكثر إذ كان لا يزال البشر في عداوة معه بغير مصالحة، والمصالحة كانت هي المسيح
المتجسِّد!
- ومن يتجاوزون
ذلك ويفترضون الظهور الشخصيّ للكلمة، على اختلافهم في بعض التفاسير اللاحقة، فهم:
&- يقيمون
تجديفاً (لعلّ الرب يعذرهم فيه بجهلهم- وإن لاقَ إصلاحه)،
&-&- ويعْمُون عن شواهد ساطعة قاطعة تظهر
تمام غربته عن الإنجيل بل تناقضه مع صُلبه،
&-&-&- ويجعلون بكل سذاجة كتّاب العهد
الجديد مقصِّرين وغير أهل للكتابة أصلاً فضلاً عن كتابة الوحي، حاشا،
&-&-&-&- وفكرتهم تجعل العهد الجديد
مساوياً او أقلّ من العهد القديم، حاشا،
&-&-&-&-&- وتجعل الرب نفسه
وسيطاً لعهد قديم وخادماً للناموس، حاشا، فيكون صاحب الإرث والغاية خادماً للمؤدِّب
المؤقَّت (غل3: 24)!!
كم حاشا في ذلك؟؟؟ الخلاصة في ذلك!!!
تتبّع لتاريخ
هذه الفكرة الدخيلة المُضادَّة للإنجيل!
توغّل وتغوّل فكرة مضادّة للإنحيل!! استكشاف تاريخ خط سير بدعة!!
كيف ابتُلِعَ هذا
التفسير الشهير الذي يتطاول خطؤه حتى معاندة صريح الإنجيل توارى عن أعين الجميع حتى ظهر في كتابات
كل الكنائس وكل الكُتَّاب سواء الكبار منهم بحقّ أم هواة النقل والتكرار بالتبعيّة؟
القصّة تبدأ من مجادلة للشهيد يوستينوس (عصر ما أدعوه "المرجعيّة الدفاعيّ
هذا الجزء الثاني من الكتاب (وهو عن تاريخ البدعة مرحلة مرحلة) يقدم بحثاً غير مسبوق في "تاريخ العقيدة"، وهو نافلة لمن ينتظر منه مزيد البراهين على فضح خيبة بدعة الظهورات الشخصيّة للرب قبل العهد الجديد، فبرهان واحد يجعل مئات غيره نوافل بحكم المنطق وليس أكثر مما سبق من براهين.. ولكنه ثمين المادة جداً لمحبِّي النظر في تاريخ شرح الإيمان بصحيحه وخاطئه أصيله ودخيله، بديعه ومبتدعه..
وتحذير لضعاف القلوب الذين يرتبطون بأسماء في التاريخ تغلب عليهم ارتباطهم بتفصيل كلمة الحق بتمام الاستقامة، تحذير لهم من مفاجآت ليس بقليل ولا هيّنة، ودعوة وترحيب بالتعجّبين من كيفيّة تسلّل تفلك البدعة بعدما انتبهوا لسابق غفلتهم عن التنبّه لها.. فمع هؤلاء وأولئك في ساحة التاريخ الثمين للكنيسة، مرحلة بمرحلة للبدعة مع أول موضع ظهرت فيه بحسب المتوفِّر من كتابات الآباء وكان يوستينوس الشهيد، ومن الشهيد يوستينوس للأسقف آيرينيوس، لتوظيف البدع الكبرى لهذه البدعة السمجة، لعصر المجامع ومفاجأة تبرؤ أثناسيوس منها، لمحاولات سمجة من اغسطين لتفسير ملا لا يفهمه بافتراضات "تجسميّة" مضحكة، لعودة ظهور الفرع "المستيكيّ" للبدعة وثد تجاوز في الشطط ولامس حدود التجديف مع بالاماس ومن حاول الدفاع عنهم من ادعوا رؤية نوراً غير مخلوق،
وفي كل خطوة مفاجأة ومفاجآت:
القصّة تبدأ من مجادلة للشهيد يوستينوس (عصر ما أدعوه "المرجعيّة الدفاعيّة"(،
القصّة تبدأ من مجادلة للشهيد يوستينوس (عصر ما أدعوه "المرجعيّة الدفاعيّة"(،
لأيرينيوس (عصر المرجعيّة
الأسقفية)،
للمبتدعين الذين
احتجوا بالمرجعيّة الآبائيّة (إدخال فكرة المرجعيّة الآبائيّة)،
للآباء الذين اضطروا
للرد (عصر المرجعيّة المجمعيّة)،
لابتلاع الجميع هذا
الخطأ (المرجعيّة الشعبيّة المعتمدة على إجماع الكُتَّاب)..
وبغير
حاجة لتتبّع هذا التفسير فإنه ثابت الخطأ الفادح، على أننّي سأحاول تتبّعه ليس
لإثبات خطئه ولكن لاستكمال فائدة الموضوع بالانتفاع بعبرة التاريخ التي تمرِّن على تمييز الموروث، وإزالة
الحيرة لدى من يتعجبّون بكيفيّة مرور هذا الجمل من ثقوب إبَر المفسِّرين، على أن
التتبّع سيفيد، على كل حال، بشهادات جديدة من بعض الآباء تزيد من تثبيت رفض خطا
التفسير الدخيل هذا:
1- اليهود
2- الرُسُل
3- يوستينوس
4- أيرينيوس
5- اوريجين ومار أفرام السريانيّ
6- آباء
مجمع نيقية ولواحقه
7-
أغسطينوس والتجسّم
8- الكتابات
العربية الباكرة
9- الغربيون
المحدثين
10- المستيكيّون والظهورات غير المخلوقة!
11-
المُحدَثون في مصر
12-
الحال الراهن
1- عند اليهود
يتمسك اليهود منذ
البدء بالمبالغة في التنزيه لدرجة أن كتابة اسم "يهويه" يحتاج لطقس تطهير
وأما النطق به فقد تم تحريمه فيما بعد لأزمنة طويلة لدرجة أنهم كانوا يستبدلون الكلمة
بلفظ "أدوناي"، حتى في الكتاب المقدس نفسه كتبه الأنبياء هكذا في غير
موضع، ثم كانوا يختصرون أسماء الناس الذي يدخل اسم "يهويه" كمقطع فيها،
فيجعلون "ياهوشوع" يشوع اختصاراً..ً
وجرياً على هذه النزعة
التنزيهيّة المفرطة فإن اليهود اعتبروا الظهورات لملائكة عينوهم أحياناً بالاسم
كافتراض تفسيريّ، ففي ظهور تكوين 18 اعتبر التلمود ان الثلاثة الرجال هم ميخائيل وغبريال
ورافائيل..
ومن إفراط اليهود
في التنزيه أنهم في "الترجوم"، والذي هو بمثابة ترجمة تفسيرية للتوراة
والأنبياء، كانوا يحشرون كلمة "ممرا" وتعني "الكلمة" قبل كلمة
"يهويه" في الفقرات التي تتناول التعامل المباشر بين الرب وبين الإنسان،
فيصير "يهويه" "ممرا يهويه" أو كلمة الرب!
فيقولون: "قالت
كلمة يهويه ..."، والمثير أنه حتى في أفعال الرؤيا لا الكلام كانوا ينسبونها
لكلمة يهويه فيكتبون: "ظهرت كلمة يهويه ..."، وقد احصيتُ حوالي 350 موضعاً
لهذا الاستعمال في الترجوم البابليّة..
(ولهذا دراسة مثيرة
أعرضها كاملة منفردة في موضعها، ولكني هنا ألخص هذه النتيجة المثيرة أن اليهود دون
قصد كانوا يمهدون لفكرة تجسد الكلمة لأنهم إذ هم يحاولون دفع "يهويه" خطوة
للوراء بعيداً عن التعامل المباشر مع الإنسان فإنهم جعلوا "كلمة يهويه" مساوِ
لـ "يهويه" نفسه! كما أعلنوا فهمهم لعمله في ذات الوقت أنه هو الوسيط بين
الرب وبين الإنسان!!
بل وحتى في دعوة الابن الموعود به في "إش9: 6" (الذي هو يقيناً المسيح) فقد استكثر بعضهم دعوته باسم "إلهاً قديراً" (رغم إمكانيتهم لتفسير كلمة إله لغوياً ورغم تكرار الشواهد في تسمية البشر آلهة بمعاني خصوصية) ولكنهم لاقتران التسمية هذه المرة بابن مولود واضح أنه إنسان، فقد عمدوا في النسخة السبعينية إلى حذف مقطع "إلهاً قديراً" والاكتفاء بتسميته "ملاك المشورة"، وهو ما ظهر فيما بعد في استعمال أثناسيوس وغيره من الآباء لوصف ظهورات الملاك كما سأعرض بعض تفصيله الحافل بمفاجأة في الفصل المختص بحال البدعة في زمن آباء مجمع نيقية..
وبالمناسبة فحال السبعينية في تقديري أنها نسخة ذات أصل عبريّ هو بمثابة نسخة ترجوميّة تفسيريّة كحال الترجوم ذاته، وفي مجموعة "مازورا" تفصيل تحرّي حالها وإثباته..
ولذاك فعندما قال
يوحنا "في البدء كان الكلمة" لم يكن يتكلم في الواقع من مدخل يوناني صرف
بحسب الشائع في التفسير ولكنه كان متأثراً أصلاً بالفكر العبرانيّ التلمودي الظاهر
في الترجوم!!!
وقبله تكلم لوقا
بهذه اللغة فوصف التلاميذ بأنهم كانوا خداماً و"معاينين" للكلمة!!!!
وغير بعيد عن ضبط ذات التأرجح لدى اليهود، أن كاتب رسالة العبرانيّن بدأ رسالته الاخطر ثيولوجيّاً بالتمييز بين المسيح والملائكة المعتادين، وبذلك يصير هو الأقرب للتلامس مع موضوعنا عن ظهورات الملائكة في العهد القديم
dir=LTR style='font-size:16.0pt;line-height:115%'>
فاليهود حين يفسرون الملائكة الظاهرة تفسيراً بألفاظ تتشابه مع تسمية شخص المسيح فهم لا يفيدون قصد أصحاب البدعة أن الملاك هو أقنوم الابن (الواحد مع الآب) متجسماً، بل يقتربون من قصد الأريوسيين من أن المسيح ليس إلهاً، وعلى هذا فا عجب حين يصل تتبّع خط سير البدعة فنجددها كانت حاضرة بقوة لدى هراطقته
ولكن ما مدى وعي
اليهود بمفهوم "الكلمة"؟ كان مفهوماً معنويّاً غير تجسيميّ إطلاقاً،
ولذلك كانت الظهورات المرئية أو الملموسة يحيلونها لشخوص ملائكة، ولاسيما لمن
أسموه "ملاك حضرة الرب" (إش63: 9) مثلاً..
كان إذاً موقف
اليهود من هذه الظهورات قبل المسيح مماثلاً للفهم المسيحيّ الصحيح: فهم لم يخلطوا
بين الملاك وبين الرب، ولا بين الملاك وبين كلمة الرب، ولكنهم جعلوا كلمة الرب
شرحاً يضمن لهم عدم مظنّة أن الرب ظهر بلاهوته، كما تركوا ملاك الرب ليكون هو
الشخص الظاهر حاملاً لرسالة كلمة الرب.. فالظهورات في فهمهم كانت إعلانية وليست
شخصيّة، فهي إعلان عن عمل كلمة الآب وعن رسائله وليست عن شخصه، وأما شخص الظاهر
فهو الملاك (أي الرسول)..
وعدم استيعاب
عناصر هذا الفهم بدقة يمكن ان يكون مدخلاً لتولد الخطأ هكذا:
فقد يظن من يسهل
عليه الخلط (مثل الشهيد يوستينوس كما سيظهر فيما بعد) أنه:
طالما الكلمة هو
الـله (بالمعنى المسيحيّ الأقنوميّ)، ثم طالما الكلمة هو الذي كان يعبر عن تعامل
يهويه مع الناس، فربما كانت ظهورات الملائكة هي بدورها "كلمة يهويه"،
فإذاً يتسلل لفهم الخالط أن الكلمة الأزليّ هو الظاهر أقنومياً، بينما لم يفد
الترجوم، فضلاً عن النصّ الكتابيّ، بتسمية الملاك بالكلمة..
ونفس هذا المنطق يلزم صاحبه أن يفهم بالأولى
أن الذي ظهر هو أقنوم الأب! لأن المعول عليه هو النص الكتابيّ لا الترجوم، والنصّ
الكتابيّ يحدث أنه ينسب فعل رؤية الملاك إلى رئية "يهويه"، ولما كان
"يهويه" مستبدلاً في الترجوم بـ"ممرا يهويه"، (كلمة الرب)،
فإن من يسير خلف الترجوم يلتزم بأن "يهويه" هو تعبير مباشر عن الآب،
وبالتالي يلتزم عند نزظره للنص الكتابيّ بأن الذي ظهر هو الآب..
قصة الخطأ كما هو واضح هي عدم فهم
لاستعمالات اللغة العبريّة..
الظهور للرب الإله لا يُعني ظهور الشخص
بطبيعته ذاتها، ولكن ظهور أثره أو عمله، أو رسوله، أو رسوله برسالته.. هذه بديهية
لغوية وكثر استعمالها في الشرح العبريّ، ولكنها فاتت المجتهدين الغيورين دون
معرفة!
وربما يحاول البعض اقتناص كلمات من أبحاث
اليهود في تفسير الرؤى على أنها "غير مخلوقة" (التعبير مستيكيّ يونانيّ
ورد مثلاً نسبته لليهود في أحد أبحاث رومانيدس [ii])
ولكن هيهات.. فاليهود كانوا يبحثون طبائع تلك العناصر، ولكن لا يوجد نص يهوديّ
واحد يقول أن تلك العناصر المرئية أو المسموعة غير مخلوقة! وحديثهم مثلاً عن نار
العليقة هكذا:
عنصر لا يحتاج لغيره من المواد في البقاء
ولا تتأثر بالبيئة المحيطة، كتعبير رمزيّ عن الحضور الإلهيّ (ولا أوضح)! وحتى بعض
التفاسير اليهوديّة المغايرة تجعل النار رمزاً للاضطهاد لتبعدها تماماً عن أي
ترميز لشخص الرب الإله!! [iii]
بل حتى حين دُعِيَ الرب ملاكاً (لا ملاك
ظهور للحواس الجديّة، بل مجرد دعوته ملاكاً كما سبق شرحه في الفصل الأول في شاهد تك48:
16، حتى مع هذه الدعوة حرص اليهود على البحث عن تفسير عزل تسمية الرب ذاته
ملاكاً، فحاولوا تأويلها على أن يعقوب يقصد "الرب الذي أرسل ملاكه" أو
أنه تعبير مجازيّ عن قوة عمل الرب [iv]..
2- الرسل
وهذا الخطأ في
فهم لغة الظهورات كان غريباً تماماً عن لغة الرسل وكتاباتهم وكرازتهم، ولم يظهر
قطّ في العهد الجديد.. فإنهم اخذوا من اليهود التعبير الصحيح وأبرزوا تطبيقه على
شخص المسيح، فالكلمة ليس فقط كان يرسل رسائله في العهد القديم ولكنه "ظهر
بشخصه" في العهد الجديد: "الكلمة صار جسداً وحلّ بيننا ورأينا مجده كما
لوحيد من الآب""، "الـله ظهر في الجسد"، "الـله بعدما
كلم الآباء بالأنبياء بأنواع وطرق كثيرة كلمنا في هذه الأيام الاخيرة في
ابنه"..
هذه كلمات
الرسل، والملاحظة القاطعة أنهم لم يتناولوا أي ظهور بوصفه أنه ظهور للابن، ولا
استدلوا بأي منها على لاهوت الرب، رغم أنه في أكثر من موضع ذكروا تلك الظهورات،
ورغم أنهم تكلموا بوفرة واجبة عن شواهد العهد القديم عن الرب ولاهوته وعمله، ورغم كل
ما شرحه المسيح لتلاميذه عن الامور المختصة به في الناموس والأنبياء والمزامير..
بل في بعض المواضع تكلموا عن تلك الظهورات
على أنها لملائكة دون الرب، فكيف بتلاميذ الرب الكارزين للأمم بأن الرب قد تجسد لا
زالوا يصفون الملاك بأنه ملاك لو كان في وعيهم أنه هو الرب؟
إذاً فإن التفسير
الخاطئ عن "التجسم" إياه الذي لم يظهر بتاتاً في العهد الجديد وظهر ما
ينقضه في بعض الشواهد
بالمناسبة كان الحديث عن عدم ذكر الرب نفسه
لأي إشارة لأنه كان هو الظاهر في تلك اظلهورات بشخصه، كان ذلك التنبيه جديراً
بإفراد فصل له ولكني اكتفيتُ بتضمينه مع فصل غربة ذلك التعليم عن الرسل باعتبارهم
الناقلين مباشرةً عن الرب، وحتى لا أكرِّر..
3- الشهيد يوستينوس
ندخل للظهور
الأول لهذا التفسير في المكتوبات التي عُرِفَت في الكنيسة، في محاورة الشهيد
يوستينوس مع اليهوديّ تريفو، وهو أبرز كاتب فيما يمثل مرحلة ما يُسمَّى
بـ"الثيولوجي الدفاعيّ" Apologetic
Theology ضد غير المؤمنين (يهود ووثنيّين) في التاريخ
الكنسيّ الباكر، وقد جادل الشهيد يوستينوس كليهما، فبدأ مجهوده في محاوراته مع اليهودي
تريفو وأنهاها شهيداً في مناظرته ضد الوثنيين في روما فدفع حياته الأرضية ثمناً لانتصاره
فيها، بل دفعها ثمناً لحياته السماوية لا أشك في مقبوليّته كشهيد لدى الرب.. فيوستينوس
حبيبي جداً، ومنذ متى كان النقد دليل عدم حب أو كانت المراجعة علامة فتور محبة؟ ولذلك
أعود للنقد بضمير نقيّ من تجاهه، فيوستينوس هذا هو أول من ذكر مثل هذا التفسيرفي فصل
56 من محاورته مع تريفو [v]، والذي فيه
جمع يوستينوس التفسير كله حتى درجاته البالغة الجنوح، فقد فسر كلمة "الملاك"
بأنها من أسماء الرب من حيث هو رسول الآب، واعتبر أن اشكال التجسّم قد تتنوع وأن النار
في العليقة هي إحداها!
وقبل أن نفوت مرحلة
يوستينوس أسوق للقارئ المتابع عدة ملاحظات تفسّر زيادة الفرصة لتورطه في الخطأ
الكبير الدقيق:
- فأولاً كان يوستينوس
غريباً عن فهم اللغات الشرقية وأسلوب تعبيرها فيظهر ان ثقافته هيلينيّة ومصدر
مطالعته للكتاب المقدس هو الترجمة السبعينيّة وبعض الترجمات اليهوديّة اللاحقة،
-- وثانياً كان يحاور يهودياً غير عارف بأمور التوراة
كما يظهر من عدة مواضع في الحوار،
--- وثالثاً كان "دفاعيّاً" في كل
كلامه، ومن العيوب المعروفة بداهةً للدفاع أن المدافع ينظر لما يسكت خصمه أحياناً بأكثر
مما ينظر لما يتكلم كتابه به،
وهذه مناسبة
للتنبيه لخطورة العودة للشرح النقيّ بدلاً مما يسمونه بغير وعي حتى "اللاهوت
الدفاعيّ"
pure theology
and exegeses rather than apologetic ones.
فيخطئون خطئاً
مُركَّباُ، أولاً خطأ المنهج الضار، وثانياً خطأ اختيار الاسم الذي يفيد مقصدهم
نعم نحتاج تنبيه
الجيل الجديد الفارغ والساعي بغيرة بغير معرفة وفهم إلى طلب العودة للنقاء! ونحتاج
لفهم أن كلمة "دفاعيّ" لا تتفق مع الكلمات الكتابيّة التي ينسب
"الدفاعيّون" استمدادهم لاسمهم منها!!
وهذه المناسبة
في موضوعنا تقدم للباحث مدخلاً جليّاً من زمن باكر جداً لتبيان خطورة ما يُسمَّى
بـ"الثيولوجي الدفاعي"، فالمدافع قد يتورط في المناورة (المنطقيّة أعني)
والمناورة تلزم صاحبها بالحركة الحلزونية وتصيبه بزيغ البصر وقد تقوده إلى الاصطدام
بجزء من معتقده هو دون ان يدري لافتداء جزء آخر وكان يمكنه عرض الجميع كما هو لو تحصن
بالشرح النقي، ولهذه القضية موضعها وموضوعها المستقل [vi]..
4- أيرينيوس (إيرينيئوس) [vii]
خطورة أيرينيوس في
صدد قضيتنا أنه أغزر من كتب وحُفِظَت كتاباته، ويعود للمئة الثانية أي لزمن مبكر وسابق
عن جُل الآباء المعتبرين، فهو من ثم المرجع املكتوب الذي كان يعصب على تابعيه
مراجعته أو تجاهل كتاباته..
ونتاج أيرينيوس
في العموم هو ضد المبتدعين ولذا فقد كان يواجه فرقاً محدثة ليس للكنسة عهد بمجادلتها
فكان طبيعياً أن ينشئ لها ردوداً غير مسبوقة لمواجهة تحديها غير المسبوق
ومن هذا الذي أنشأه
ما يساوي في ثمنه اللآلئ ولكن منه أيضاً ما يحتاج لمراجعة ومن ذلك الذي يحتاج لمراجعة
تكراره لهذا التفسير الذي بدأه يوستينوس الشهيد، فالتقطه هو وكرره في كتاب الكرازة
الرسولية الفقرة 44، معتبراً أيضاً أن الظهور كان لملاكين مع ابن الـله..
وفي الفقرة 45 افترض
ان يعقوب رآى الابن في حلم السلم وكرر تاكيده على ظهوره متحسماً لإبراهيم في ذات الفقرة
وفي الفقرة 46 من
ذات الكتاب "الكرازة الرسولية" تكلم عن حديث الابن مع موسى عند العليقة..
وتعليق أيرينيوس
كان يمكن ألا يؤخذ بمعنى الظهور الجسمانيّ في هذه الفقرة باعتبار أن الرسالة هي رسالة
الرب وتنسب له على هذا الاعتبار، إلا أن سبق حديثه الواضح عن الظهور الجسمانيّ لا يترك
فرصة لهذا الافتراض في قصده للأسف..
والآن فرغم أن أيرينيوس
كان صارماً في لزوم المرجعية الرسولية في الإيمان (وله كل الحق) إلا أنه تجاوز ذلك
في شرح الإيمان وكان له الحق في ذلك لو أحسن التأصيل لكل نقاط دفاعياته ولكن لا نجاملنّ
أخطاء من لا نباريه في فضائله كما قيل مرة وبحق..
إننا مع اجتهاد يوستينوس الغيرو بغير
معرفة، وتتلمذ آيرينوس على كتاباته المتهوّرة نرى تطور الانحراف الأول المحسوس
لدينا وغير المحسوس وقتها لديهم عن المرجعيّة الرسوليّة..
5-
الفكرة الخاطئة غائبة عن بعض الأصول التاريخيّة والامتداد الجغرافيّ
نظرة لدى العلّامة أوريجين ومار أفرام السريانيّ
قبل الانتقال لممحطة الرئيسة المحوريّة في
تاريخ شروح الإيمان، محطة آباء مجامع المئة الرابعة، يجد النظر بالأساس التاريخيّ
لهم (أوريجين) والهامش الجغرافيّ المتصل بهم (مار أفرام السريانيّ) لمعرفة مدى
اتّصال هذه الفكرة تاريخيّاً وجغرافيّاً..
ويسرّ الناظر أولاً مُلاحَظَة وإثبات خلوّ إنتاج أوريجين
من هذا المعنى الخاطئ لظهورات الابن في العهد القديم، ويظهر ذلك من تفسيره لإنجيل يوحنا
أن الابن كان حاضراً قبل التجسد ولكن ليس في هيئة منظورة، إذ يثبت أزلية الكلمة بوضوح
وسبق وجوده قبل التجسد ولكنه يحتاط فيؤكد أنه يتكلّم عن اتصال روحيّ داخليّ:
before; for they
also, led by the Spirit, advanced from the introduction they had in types to
the vision of truth. Hence not all the prophets, but many of them, desired to
see the things, which the Apostles saw. For if there was a difference among the
prophets, those who were perfect and more distinguished of them did not desire
to see what the Apostles saw, but actually beheld them, while those who rose
less fully than these to the height of the Word were filled with longing for
the things which the Apostles knew through Christ. The word “saw” we have not taken in a physical sense, and the
word “heard” we have taken to refer to a spiritual communication; only he who
has ears is prepared to hear the words of Jesus— a thing which does not happen
too frequently. There is the further point, that the saints before the bodily
advent of Jesus had an advantage over most believers in their insight into the
mysteries of divinity. [viii]
لم يذكر أوريجين، لاسيما في هذا الفصل
المعنيّ ظهوراً قطّ رغم أنه دليله وموضع ذكره إن كان، واستعمل كلمات روحيّة محض،
وعندما تكلم عن رؤيتهم للابن كان قد سبق ذلك برؤية تعليمه من خلال الروح!
وقرن ذلك حتى بأنه في تجسده فمن سمع الكلام
منطوقاً لم يُحسَب سامعاً، فكيف به يفترض أن سمع كلام الظهورات في الآذان هو مقصده
برؤيتهم للابن؟ أوريجين لا يفيد كلماه بالجزم الظهورات، ثم أن عدم استمعاله لتلك
الفكرة في موضعها ولو حتى عرضاً يفيد بقوة أنها غريبة عنه لا يعرفها..
وفي مدرسة أُخرى
هي السريانية، ومع كاتب معاصر لآباء المئة الرابعة، وعلى علاقة ممتازة وحسنة بهم، يجد
الناظر ما يؤكد أن مار أفرام السرياني لم يعتقد قطّ في الظهور الشخصيّ للرب (لا
تجسّم ولا بنور غير مخلوق) لأنه فسّر نزول الـله لشعبه في مصر ليخلصهم أنه لم يتحقق
سوى في التجسد بانياً منطقه على استحالة نزول الـله في لاهوته غير المحدود ما لم يكن
متجسداً، ويكرر عبر مدائحه عن التجسد عن أن الابن "غير المنظور قطّ" قد
نُظِر ولُمِس في تجسّده [ix]..
6- آباء مجمع نيقية ولواحقه
لو كان القصد ربح جولة بإخجال أصحاب الفكرة
الخاطئة عن ظهورات الرب الحسيّة قبل التجسد، لكفى وزاد ما في بعض كتابات أثناسيوس مما يضحَد ويُبكِم، فهم معها سيكونون بين اختيارين كلاهما مستحيل عليهم: الأول أن يصححوا لمرجعيتهم الآبائيّة الأعظم، والثاني أن يتراجعوا عن رأيهم ومعه يتنازلون عن مرجعية باقي الآباء..
ولكن ليس القصد تسجيل نقاط ولو كان كذلك لما كان تعب كتابة كل هذا الموضوع بتفصيله الدقيق منطقيّاً ويحثيّاً، ولكفى هذه الفقرة التالية:
،
لقد رفض البابا أثناسيوس صريحاً ان يكون الملاك الظاهر هو الرب في أربعة ظهورات للملاك في العهد القديم:
الملاك الذي ظهور ليشوع، وملاك العليقة، وملاك منوح، وملاك جدعون!!!
وهذا نصّ الفقرة المفاجئة لكثيرين:
"لأن زكريا رأى ملاكاً (بقصد زكريا
النبيّ في زك3) وإشعياء رأى الرب. منوح رأى ملاكاً، وموسى لمح الرب
(يقصد لا
شك ظهور الرب له خاطفاً حين أخفاه في نقرة الصخرة، ولا يقصد ظهور العليقة كما قد يخطر للبعض، فبعد سطر واحد سينفي أن العليقة كانت ظهوراً شخصيّاً للرب وإنما لملاك ليس هو الرب، فوق استعماله لكلمة
"لمحه")، جدعون رأى ملاكاً ولكن لإبراهيم ظهر الرب (الكلام لا يتوافق إلا إن كان يقصد رؤية إبراهيم للرب في "تك17: 1" حيث لا ذِكر لأي رؤية حسيّة لأنه لو قصد إثبات رؤية الرب حسياً وتقديم الأكل له وأكله بالفعل في "تك18: 1، 8" فهكذا يكون متناقضاً بوضوح مع بقية كلامه التالي)، يشير إلى سماع إبراهيم لكلمة الرب عن طريق ظهور الملاك المتجسِّم؛ هكذا يستقيم معنى كلامه
وإلا يكون الكلام متناقضاً تناقضاً زاعقاً مع تمييزه اللاحق بعد قليل في الفقرة بين ظهور ملاك العليقة المرئيّ وبين رسالة الرب التي تمثل ظهور الكلمة من حيث سماع رسالته) ...
لأن ملاك الرب رُؤي في شعلة نار من العليقة، ونادى الرب موسى من العليقة ... ولكن
من خلال الملاك تكلم الرب، فما رُؤيَ كان ملاكاً ولكن الرب تكلَّم فيه" .....ولكن في اي وقت عندما كان يُرَى ملاكٌ كان يُسمَع صوت الـله، كما حدث في العليقة لأن ملاك الرب رُؤِيَ في شعلة النار في العليقة ونادى الرب موسى قائلاً أنا إله آبائك إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب، ولكن ليس ملاكاً إله إبراهيم وإنما في ملاك تكلّم الـله. وما ر}ِيَ كان ملاكاً، ولكن الـله تكلّم فيه. لأنه كما كلّم موسى في عمود السحاب في الخيمة هكذا يظهر الـله ويتكلم في ملائكة. كما أيضاً لابن نون تكلّم الـله بملاك. وإنما ما يتكلم به الـله فمن الواضح جداً أنه يتكلم بالكلمة (يقصد الابن) وليس بأي آخر...
إذاً وبكل وضوح يرفض البابا أثناسيوس أن من رُؤِيَ في ظهور الملاك في العليقة ثم ليشوع ثم لمنوح ثم لجدعون ليس اي من أولئك كان الابن في ظهور شخصيّ منظور لشخصه، وإنما الابن هو كلمة الآب الذي به يتكلم في رسائله، وما الجديد في هذا؟ لأن دائماً كلام الآب هو بكلمته الأزليّ، ولكن الظهور قبل التجسّد هو لملاك.. كان هذا رأى البابا أثناسيوس في هذه المرحلة الناضجة من كتابته في مجلده ضد الأريوسيّين..
وفي الهامش الجدير بانتباه الجميع ومواجتهم له بأمانة وشجاعة نص الفقرة المعنيّة كاملاً، مع موضعها في مجلد "آباء نيقية وما بعدها":
[x]..
المفاجأة الأولى لكثيرين مضت، وهوذا مفاجأة ثانية، ولكن لا يُنصَح بالتهوّر في اختطافها، إذ سبق أن ظهرت إشارة في عمل سابق للبابا أثناسيوس، عَرَضَت لظهور العليقة ، ويظهر من قراءتها اختطافاً أنه يعتبر الملاك هو الرب شخصيّاً.. وجدتُ هذه الإشارة بعدما جمعت كل ما أمكنني من تفسير البابا أثناسيوس لتلك الظهورات،
فوجدتُها جديرة بالعرض ليكتمل ولا تبقى مواضع تُفجئ القارئ المتابع ولعله يشط إذا وقع في خطأ اختطاف فهمها دون رويّة.. كتب البابا اثناسيوس في دفاعه "عن المجمع": "... :ولفهمهم من كان الابن والصورة فإن الأنبياء القديسين يقولون: كلمة الرب صارت إليّ، ومتعرِّفين على الآب الذي كان مُستَعلَناً فيه (أي في الابن) فإنهم جرئوا أن يقولوا: الـله الذي لآبائنا ظهر لي إله إبراهيم وإسحق ويعقوب"، وهذا الهامش