نكون.. ولابد ان نكون
جريدة الأخبار
6 يونيو 1996
بقلم: باسل لمعى المطيعى[i] تباطأت متعمدا ف ى تقديم هذا المقال حتى ينتهى المعلقون السياسيون من عرض
نظراتهم الثاقبة فى الاعتداء الإسرائيل ى على لبنان .. ثم الإنتخابات فى إسرائيل
.. هم يتكلمون فى السياسة وأنا أتكلم فى العلم الذى يخدم السياسة .. إسرائيل – ولنتكلم عن الواقع ولييس الأمنيات – تمثل مع تركيا وجنوب إفريقيا
ومصر بلدنا أكثر أربع دول فى المنطقة تأثيرا .. والدول المؤثرة تحكمها – لا محالة –
علاقة منافسة .. والقدرة على المنافسة تقاس بمدى إتقان التحدث بلغة العصر .. ولغة
هذا العصر والعصور التالية ه ى لغة الاقتصاد القائم على القدرات التكنولوجية. ويزيد الأمر سوءا فى حالتنا العلاقات الخاصة ما بين إسرائيل وتركيا شمالا وجنوب
إفريقيا جنوبا.. فكيف تتحدث إسرائيل وهى الأقرب والأخطر لغة العصر؟ إسرائيل – وأنا أحاسب أمام القارئ على كل حرف – هى التالية للولايات
المتحدة فى تكنولوجيا الإلكترونيات .. إسرائيل هى أقوى منافس لواد ى السيليكون الشهير معقل صناعة واختبار الإنتاج
التكنولوجى الإلكتروني. تذكروا كيف أغتيل يحيى عياش .. أرجح السيناريوهات الت ى أذيعت وقتها أن
الرجل قد دس عليه تليفون متحرك مفخخ .. ومثل هذه الأجهزة خفيفة الوزن .. وعياش
محترف لا يخدع فى جهاز تليفون!! يعنى بالبلدى لكى يضعوا متفجرات فى الجهاز فالجهاز نفسه ينبغى أن يكون وزنه
أقل كثيرا من المعتاد .. ثم أن الجهاز تم تفجيره عن طريق إشارة لاسلكية من أى نوع
لأن الجهاز نفسه بلا أسلاك!! *** نرجع للبنان .. لم تميز إسرائيل فى قصفها بين مدنى ومقاتل ، وأشار كثيرون
بأن هذا يعد مؤشرا على أن المعدات الإلكترونية المسئولة عن دقة التصويب والتى تشتهر
بها إسرائيل طلعت أى كلام.. للأسف: ربما عدم التمييز فى القصف كان من باب قلة دقة معلومات المخابرات ..
قلة حياء القيادات .. وليس قلة دقة التصويب .. وأسوق للقارئ حادثتين استقيتهما من الأخبار الواردة آنذاك ، والعهدة على
وكالات الأنباء فى صحة الأخبار وعلى ذاكرت ى ف ى صحة الأرقام .. إسرائيل قصفت منزلا .. منزل دون غيره .. قيل أن به 13 من مقاتل ى حزب الله
.. ثم قصفت موقعا للجيش السور ى (و لم يصب جند ى واحد). قال مسئولو إسرائيل: هذا من
باب الخطأ .. وأنا أقول أنه من باب تكنولوجيا الرسائل السياسية. إسرائيل أيضا (خد عندك) متقدمة فى تكنولوجيا الزراعة .. الزراعة يا أهل وادى
النيل .. متقدمة فى الفيزياء النووية .. متقدمة فى صناعة البرمجيات (برامج
الكمبيوتر يعني) .. وربما كان هذا الأخير هو الذى ننافس فيه بحق.. *** و تذكر أننى أسوق كثيرا من الحقائق وقليلا من التعليقات .. وتسألني: أين
رأيك؟ مالوش لازمة زهقت .. ومع ذلك لم أيأس .. وقليل من النفخ فى القربة المقطوعة
يقوى النفس. ورأيى ببساطة وبإلحاح أن العلم يخدم السياسة أكثر مما تخدم السياسة نفسها
.. هتلر خسر الحرب لأنه تلقى تقريرا خادعا من العلماء الألمان عن تكاليف القنبلة
الذرية فاستخسر وخسر (الجزء والكل لهيزبرج – ترجمة د. أسعد عبد الرؤف) .. ومصر نجحت فى العبور لقدرتها على بناء الكبارى فى ثلث الوقت الذى توقعته
إسرائيل (وثائق حرب أكتوبر لموسى صبري) .. و الذى بنى الهرم قديما كان بستثمر لعدة آلاف من السنين
ونحن الآن بحاجة لبناة أهرام .. وأهرام العصر هى مؤسسات تكنولوجية عملاقة لدينا
أسواق لها ف ى الدول العربية والأفريقية ، وهى أسواق يسهل تطويعها إن كنا قادرين
على المنافسة .. إن كنا .. ويجب أن نكون .. وإلا فلن نكون. [i] القصة المرحة لمعركة التوقيع
مفصلة فى فصل خاص بصفحة التقديم، وهذه المرة كان التوقيع
مكتوباً كل اسم مفرد على سطر منفرداً كأقصى غاية بروزة دلالة الاسم الثلاثى فى
تقديم كاتب، على أننى بقيت مستعفياً من هذه "البروزة" لاعتبارات فصلتها
فى الفصل المعنى الذى سلف رابطه.. |