القانون لا يحمى ..
المبرمجين
جريدة الأخبار
8 أغسطس 1996
بقلم: باسل لمعى المطيعى[i] قامت فى الآونة الأخيرة
(وسرعان ما قعدت) حملات تفتيشية على المكاتب التجارية التى تستخدم نسخا غير مرخصة
من برامج الكمبيوتر، ولاحقتها من ثم مقالات عديدة ما بين من يؤيد ومن يعارض.. ولمست حيرة القارئ غير المتحصص الذى شعر
بأهمية الموضوع من الهوجة المحيطة به دون أن يستطيع أن ينحاز لأحد الفريقين لعدم
إلمامه بالموضوع.. وإلى هذا القارئ أهدى هذا المقال عسى أن يهتدى
إلى رأى عجزت أنا دونه وعسى أن يحدد المخطئ فى قضية يسهل فيها أن تحدد الخطأ ويصعب
أن تحدد المخطئ.. ولأن التواضع هو الفضيلة التى أدرب نفسى عليها
فى زمن النفخة الكاذبة هذا فإننى أشعر بالحرج إذ أذكر القارئ بأن هذه الصقحة
الكريمة قد احتضنت لى بتاريخ 21/9/95 نبوؤة واضحة بأن الذى حدث سيحدث.. *** ومع استسماح القارئ المتخصص فى إيجاز غير مخل
فإننى أعرض خلفية عن الموضوع للقارئ غير المتخصص.. وأمامى الآن كتابان.. احدهما
فنى بعنوان "حماية البرمجيات" تحرير هيواردز هيث.. والىخر قانونى.. وهو
الوحيد باللغة العربية فى هذا المجال حسبما أعلم.. إنه كتاب "الحماية
القانونية لبرامج الحاسب" للدكتور حسام لطفى.. ونبدأ القصة.. برنامج الكمبيوتر هو مجموعة
أوامر (يبدعها) المبرمج ويسجلها بطرق فنية كثيرة أكثرها تداولاً شريط ممغنط
ليقراها الكمبيوتر وينقذها.. فهل يُعتَبر هذا الإبداع (اختراعا)؟ أم نعتبره
(مُؤَلفا)؟ ما هى اهمية السؤال؟ إذا اعتبر البرنامج اختراعا استطاع صاحبه
حمايته بموجب براءة الاختراع.. وإذا اعتبر مُؤَلفا.. مثل الكتب والأفلام.. أمكن
حمايته بموجب قوانين الملكية الفكرية.. ويترتب على تغير قانون الحماية تغير حقوق
صاحبه وحقوق الآخرين ف ى الانتفاع به.. ولكن ما هو الخطر الذى يتهدد البرامج حتى تطؤخ
فكرة حمايتها؟ الخطر هو نسخ هذه البرامج.. وهو أمر فى منتهى
السهولة.. فيكقى أن يصدر أى مبتدئ أمراً لجهاز الكمبيوتر اسمه "انسخ"
حتى يكون الجهاز قد نقل محتويات الشريط الممفنط إلى شريط آخر فى ثوان معدودات.. *** فكيف تواجه الشركات المنتجة للبرامج هذا
الخطر؟ لجأت فى البداية إلى مكاتب براءات الاختراع
لتسجيل برامجها، وسرعان ما فشل هذا الحل عندما وقعت الدول الأوروبية اتفاقية جنيف
عام 73 التى وضعت شروطا عسيرة للبرامج حتى تُسجَل كاختراعات.. وستجد تفصيل ذلك فى
كتاب د. حسام لطفى.. ما العمل؟ تخلت الشركات مؤقتا عن الحماية
القانونية ولجأت لطريقة "حقى بدراعى".. وذراع هذه الشركات هو
التكنولوجيا طبعاً حيث ابتكرت نُظُماً وقائية فى صلب البرامج ذاتها (منها فيها
بالبلدى).. أ ى يكون البرنامج مُزوَّداً بإمكانية حماية نفسه من النسخ.. فالبرنامج الذى يتم نسخه يرفض العمل تبعاً
لهذه النظم.. بل وقد يسخر من ناسخه.. وهناك تفاصيل لطيفة من هذا القبيل ف ى كتاب
خيواردز هيث.. فمثلاً كانت تظهر لناسخ برامج
"ميكروسوفت" عبارةعلى الشاشة تقول "ثمار شجرة الشر مرة"..
ولكن سرعان ما اكتشفت شركة "ميكروسوفت" أن ثمار شجرة التعقيد التكنولوج
ى أمر.. فقد ظهرت هذه العبارة لأحد حائز ى البرامج الأصلية، ظهرت مرة واحدة على
سبيل الخطأ ولكن المستخدم للبرنامج احتج وبدا واضحا لـ"ميكروسوفت" أن
أحداً لن يشترى برنامجاً مرتفع الثمن ليسخر منه حتى باحتمال واحد فى المليون
(المستهلك برّة كدة).. هذا غير انهيار السمعة وفداحة التعويضات.. ومن لحظتها تخلت "ميكروسوفت" عن
أساليب الوقاية التكنولوجية وتبعتها معظم الشركات لأسباب مختلفة تجدها مفصلة فى
كثير من الكتب الفنية.. فهل من حل؟ إذا لم تستطع البرامج حماية نفسها ولم تستطع
حمايتها مكاتب براءات الاختراع فلتُعامل معاملة الكتب والأفلام وشرائط الكاسيت.. ومن هنا لجأت الشركات لقوانين حق الملكية
الفكرية.. ومن هنا دخلت دول العالم الثالث بعد الألف قفص
الاتهام فى قضية قرصنة برامج الكمبيوتر.. [ii]ومن هنا كانت هذه الحملات التى قامت متأخراً والتى كانت
حتماً ستقوم وجتماً ستقعد وحتماً سيقى المستخدمون التجاريون فى دولنا تحت تهديد قيامها
من وقت لآخر طالما لم يصدر قانون متخصص بإرادة تنفيذ سياسية
منعقدة.. ومن هنا ينبغى
أن نتحرك حتى نذهب إلى هناك الآن، وإلا سنذهب! أو بالاحرى سيذهب العالم ويتركنا هنا. [i] القصة المرحة لمعركة التوقيع
مفصلة فى فصل خاص بصفحة التقديم، وهذه المرة كان التوقيع
مكتوباً كل اسم مفرد على سطر منفرداً كأقصى غاية بروزة دلالة الاسم الثلاثى فى
تقديم كاتب، على أننى بقيت مستعفياً من هذه "البروزة" لاعتبارات فصلتها
فى الفصل المعنى الذى سلف رابطه.. [ii] سقطت هذه الفقرة الأخيرة من النشر وليس لأي سبب رقابى وعلى كل حال فكنت من أقل الكتاب تعرضاً لأخطاء المطبعة مع كونى أردأهم خطاً قبلما أقنع نفسى باستخدام الكمبيوتر والبرنتر فى تقديم المقالات للمطبعة.. |