Semifinal Draft of
The Guesthouse of the Holy Family
Convent of Virgin Mary on mount. Drunka
by P. Eng. Dn Basil Lamie
درافت شبه نهائيّ لكتاب:
بيت ضيافة العائلة المُقدَّسَة
دير العذراء بدرنكة
تقليد! وتشييد!! وأمجاد!!!
شمّاس مهندس/ باسل
لمعي
تنويه عن أسلوب الخطاب الكتاب وظروفه:
استعملتُ في كتابة هذا الكتاب الثمين القصد، الضمير الأول: ضمير
المُتكلِّم!!
لم يكن ذلك هو ضمير خطابه في بداية كتابته، وإنما استدعى هذا
تغيّر ظروف عرضه عن ظروف كتابته الأولى، وما استتبعه من لزوم مواءمة الحال وإثبات
المسئوليّة، أن أستعمل ضمير المتكلِّم الذي كم هو ثقيل على يدي وهي تكتب..
وبأبواب الكتاب بعض التكرار!
فلقد استحسنتُ أن يقوم كل باب بذاته لاسيما مع عرضه الأول باباً
باباً، وإن قمتُ باختصار التكرار في الهوامش عند تجميع الأبواب معاً في ملف واحد
مع إضافة روابط داخليّة حين استوجب السياق..
معكم أخيراً كتاب طلبه من أنبا ميخائيل لإي أغسطس 2008، وفي كل
مرة أراجع معه مادة له يكرر قوله إن الكتاب لن يظهر الآن، فكانت كانها نبوءة أو
لعلها كانت بحق نبوءة بعدما جارت عاديات الزمن على كل مرة أحاول إيجاد وقت لتشطيبه
وعرضه، ليأتي عرضه بعد 11 سنة من طلبه وبعد 11 سنة إلا شهرين من إنجاز الدرافت
الأول له، ولكل شئ موعد لا يتأخّر عنه ولا يسبقه بحسب ترتيب الرب الذي أعانني على
العمل في الكتاب الذي له كل الشكر،،،،،
باسل
فهرس أبواب الكتاب
قد اجتمعوا كلّهم. جاءوا إليك. يأتي بنوكِ من بعيد...
1
مرحباً
ههنا أسكن لأني أردته
2
دير العذراء وقدس أقداس تاريخ مصر
ما أجمل أقدام المبشِّرين بالسلام
3
دير العذراء وكاروز مصر
ليس مثله في الأرض! رجل كامل ومستقيم
4
دير العذراء ونبيّ مصر
من أنت أيّها الجبل العظيم؟! أمام
زربّابل تصير سهلاً
5
دير العذراء وأنبا ميخائيل
مجده عليكِ يُرَى
6
تجلّيات دير العذراء
كما كان وهكذا يكون الآن وكل أوان
7
دير العذراء الآن
اسألوا الأيام القديمة
8
دير العذراء عير العصور— ثبت تاريخيّ
أعمال مجيدة كثيرة قيلت عنك يا مدينة الـله
9
تأملات من وحي المكان
دير
العذراء بدرنكة: بيت ضيافة العائلة المقدسة- باب 1
دير العذراء بجبل درنكة
مقرّ ضيافة العائلة المقدسة[i]
مرحباً
قد اجتمعوا كلّهم. جاءوا إليك. يأتي بنوكِ من بعيد...
في
طريقك لدخول دير العذراء بجبل أسيوط الغربي، وقبل أكثر من كيلومتر، إذا رفعت بصرك
وبصيرتك تجاه الدير سترى مدينة كائنة على جبل.. مدينة نازلة من السماء مزينة
كعروس.. مشتملة بالنعمة داخلاً وخارجاً.. أوسعت وامتدت روحياً لليمين واليسار حتى
ساع حضنها الجميع..
بعد
دخولك من البوابة لو وجهت نظرك نحو الجبل يميناً سترى فتحة مغارة أنبا يوحنا
الأسيوطي عملاق جيله والذي تحول المكان على يديه لمزار كبار السياسيين والمؤرخين
في عصره، ثم تحول لمعقل للعلم الكتابي والروحي على يد أولاده من النساخ..
عند بلوغك في الصعود لأعلى نقطة في الدير تكون قد ارتفعت عن الأرض عشرات الأمتار
وصرت في أفضل مكان لرؤية الوادي الأخضر المبهر حتى الجبل الشرقي..
فإذا رفعت الآن عيناك لأعلى سترى سماء الدير التي طالما انفتحت كواها وفاضت بظواهر
روحية مذهلة حتى ألفها حدام المكان ورواده وصارت عزاءً دائماً لهم..
ثم وأنت في سيرك في الدير تتطلع حولك فإن أي حجر من أحجار الدير يحكي لك معجزة
الدير الكبرى.. وتذكر أنه مكتوب أن الآيات تتبع المؤمنين لا المؤمنون يتبعون
الآيات..
والآن أنت في قلب الدير
وقبل الكل، وفي قلب الدير تصل لغرضك الأكبر وذروة مكافئتك على الزيارة عند دخولك للمغارة
التي أقام فيها رب المجد مع أمه العذراء والبار القديس يوسف النجار.. ومع دخولك
وفي مكوثك فيها ستشعر، كما شعر وشهد كثيرون، بسلام يفوق العقل..
أما إذا كنت تزور الدير
في فترة احتفال صوم العذراء بشهر أغسطس، فيلزمك إعداد نفسك للسير بين مئات ألوف
الزائرين من كل الأمم والأديان أتوا لالتماس بركة العذراء ونسلها ليتم ما هو
مكتوب..
وإذا كان الازدحام في الدير يُقال إنه لا موضع لقدم، فإنما هناك، روحياً، موضع لكل
نفس ومن يُقبِل للبركة لا تخرجه خارجاً بل تفسح له الموضع الفسيح..
كما سترى في فترة الاحتفال بكل يقين صورة المصريين، كل المصريين، بعيداً عن هموم
حياتهم وهم في إيمانهم بالعذراء ومحبتهم لها.. هنا سترى العذراء أماً لجميع من
يلتمس الاحتماء في أمومتها وستراها أهم وأحصن حصن للوحدة الوطنية!
وستجد كل ما تحتاج يقوم على تقديمه خدام وخادمات الدير.. شرح الدير وبيع الأغذية
والمشروبات والإسعاف الطبي والتنظيم..
وعند
مغادرتك للدير لا يمكن لروح الدير وصورته أن تغادرك.. وسترحل يصحبك شوق العودة
إليه مع سلام الـله الذي يفوق كل عقل..
دير
العذراء بجبل درنكة: بيت ضيافة العائلة المقدسة- باب 2
دير
العذراء ورحلة العائلة المقدسة إلى مصر
ههنا أسكن لأني أردته
·
من فوق هذا الجبل نظر الرب على وادي مصر لتلتقي ألطف نظرة مع ألطف
مشهد!
·
لقد أشرق الراعي على أجمل المراعي، وكأنما ليفسر بمشهد منظور قوله
في القديم: عيني عليها من أول السنة لآخرها!
·
في هذا المكان تنفك كثير من أسرار رحلة العائلة المقدسة إلى مصر!
وتنجلي كل أغرضها!! التي تبدأ من نصر لتخصّ العالم كله!!!
·
من هذه المغارة تنفجر التأملات لتتعدى حدود الجغرافيا وضيق
الأرضيات لتحلق في سماويات الأغراض الروحية حتى صلب عمل نعمة المسيح المخلصة!
·
واسترعى المشهد من أعلى الجبل من عند المغارة نظر إيميليا إدواردز
فاسترجعت القول القديم المنسوب لليبسيوس[ii] (عالم المصريّات
الألمانيّ المبرز): إن المنظر هذا المكان هو ألطف مشهد لكل الوادي المصري، والحق
أن ألطف من المشهد الألطف هو نظر الرب الذي وقع عليه يوماً ما فزاده لطفاً
وبهاءً.. وبهاء فوق بهاء وجمال فوق جمال لمن يفهم ويتذوّق!
·
ههنا، والتعبير بكلمات أنبا ميخائيل، أقامت ولا تزال تقيم
العائلة المقدسة،،،،،
كيف يتوثّق النبيه طالب المعرفة الراسخة منصحة هذا "الادعاء"؟ لاسيما
وان الخرافات الطيبة النية حيناً والمغرفة أحياناً لا تعدم حفظَة لها؟
خلاصة شهادات صحة هذا التقليد حين تجتمع تثبت صحته، وهي:
^ شهادة التقليد النزيه،
^^ شهادة منطق التاريخ والجغرافيا المُحكَم،
^^^ شهادة السماء المذهلة!!![iii]
الواقع أن شهادة واحدة من هذه يمكن تفسيرها على غير وجه، ولكن اجتماعهم جميعاً
يمثل شهادة موحدة تقضي بصحة التقليد..
وتفصيل
الأمر تالٍ بكل رويّة:
1)
شهادة
التقليد
شهادات قاطعة
على وجود التقليد القوي
القاضي بمكوث العائلة المقدسة في مغرة الدير الكبرى
ليس كل ما يروج في العصر الحاضر ولا حتى كل ما اشتهر في الأزمنة السالفة يتمتع
بصفة "التقليد"، فضلاً عن أن يكون تقليداً صحبحاً..
فيلزم
لاعتماد "شهادة التقليد" إثبات وجوده أولاً كـ"تقليد"، ثم
ثانياً تحرّي صحته.. وهذا ما سنجريه بعون ربنا على تقليد دير العذراء
بـ"درنكة" بشأن إقامة العائلة المقدسة في مغارته الكبيرة!!
تقليد دائم الحضور
الشهادات التالية مثيرة جداً (سأثبت نصوص هذه الشهادات في الهوامش لعدم إثقال
سلاسة المتابعة في المتن):
·
في
الربع الأخير من القرن 19 وصلت للمكان المُستكشِفة الإنجليزية المعروفة إميليا
إدواردز، وبعدما وصفت موضع المنطقة من فوق جبل العذراء بكل توافق مع الواقع شاملاً
حتى المدافن القريبة ومنظر الحقول فإنها سجلت وجود هذا التقليد، في كتابها:
"ألف ميل عبر النيل"![iv]..
·
وفي
الربع الأول من القرن 20 زار البابا شنودة الثالث في طفولته هذا المكان، وكان له
من الأثر عليه حتى أنه احتفظ به في ذاكرته حتى الألفية الثالثة، وزاد أثر المشهد
على ذاكرته أنها استدعته أول كل ما استعدته- رغم عدم اعترافه بالدير ولا بزيارة
العالة المقدسة له- في حديث ذكريات مكثف عن طفولته[v]
!!!!
·
وفي
السنة الثانية أو الثالثة لتولي أنبا ميخائيل المطرانية شهد من يخالف تقليد الدير
(تأثراً بخرافات المخطوطات التي شبعت تفنيدحاص وفضحاً) لوجود التقليد أولاً
ولنتائجه المترتبة من "وفود المُحتفِلين من شتى أرجاء القطر" حتى أن
الحكومة سنة 1944، حسب ملاحظة الشاهد، اعتمدت يوم 21 أغسطس (عشيّة عيد العذراء
ويوم الوفود سيراً على الأقدام بحسب التقليد المرعيّ) عيداً رسميّاً للدير بناحية
درنكة.. والشاهد هذه المرة هو الشاعر مراد سلامة خليل في كتيب وصف فيه الاحتفال ما
بين سنة 1948 و1951[vi]
.. وبلي صورة ضوئيّة مُركَّبَة للفقرات المعنيّة:
·
وفي
منتصف القرن 20 رصد صديق الكنيسة القبطية العالم الألماني المعروف أوتو ميناردس
وجود هذا التقليد، وأن تجديد الدير كان لاستيعاب آلاف الزوّار المُحتفلين بسابق إقامة
العائلة المقدسة في المكان[vii]
!!
إن النظر في هذه الشهادات الأربعة (النصوص وصور ضوئيّة في
الهوامش) على توفر التقليد سابقاً على يدء العمل الكبير الذي قام به أنبا ميخائيل
بتجديد الدير يفيد إفادات قاطعة بأمور تحسم أموراً خطيرة وتحسمها حسماً خطيراً:
+
الشهود الأربعة مستقلون تمام الاستقلال وكلهم شهود عيان ينقلون مباشرة
لتعرّفهم على وجود التقليد (إميليا إدواردز وأوتو مايناردس) أو على وجود أثر قائم
عليه (البابا شنودة من حيث شهادته لاحتفال آلاف العائلات)..
+
وقوتها على كل وجه: من غير ذوي منفعة، من حتى من هم غير معترفين بالدير (البابا
شنودة والشاعؤ مراد سلامة خليل)، ولا معترفين بدقة الإنجيل التاريخيذة (إيميليا ادواردز)،
من شهود معاصرين للحظة وجود التلقيد وقت شهادتهم (الثلاثة الشهود جميعاً)..
+
وحلاصة محتواها موضوعيّاً أن هناك تقليداً قديماً متوفّراً لدى عموم الناس
(حتى أن إيميليا ادورادز أعادته تقديراً من جانبها لرهبان الزمان القديم- لعدم
اعترافها بصحة رواية الإنجيل بشأن مجئ العائلة المقدسة لمصر)، وأن هذا التقليد كان
يغلب عند الناس على حرارة الجوّ ووعورة الطريق وعدم توفّر وسائل عناية قبل تعمير
الدير ما يدفع آلاف الناس للاحتفال (ويزيد العدد عن ذلك حسب شهادة البابا شنودة
الذي قدّر عدد المُحتفِلين بآلاف العائلات ما يرفع عدد المُحتفِلين إلى
عشرات الآلاف).. وبحسب الشاعر مراد سلامة فإن المحتفلين كانوا يفدون من "شتى
أرجاء القطر"..
+
خلاصة دلالات هذه الشهادات الأربعة واضحة القطعيّة على توفّر التقليد مبكراً بغير
خرافة شعبية لاحقة لتجديد الدير (ولا شبهة تلفيق لاحقة بداهةً)..
-
على أن بعض غير القابلين لعلهم يحاولون الاحتجاج على شهاة منها هنا أو هناك ولكن
لا يستقيم الاحتجاج على أي شهادة إلا بافتراض عدم إتقان الشهود للغة أو فقدانهم
لدقة الوصف أو توفّر داع لديهم، ولا تعليق فالشهادات وأسماء الشهود أمام القارئ..
إذاً هناك تقليد! وسابق على عمل أنبا
ميخائيل!! وضارب في أعماق التاريخ!!!
البداية إذاً في رحلة الفحص تطمئن إلى توفّر تقليد عبر عصور مشهود لوجوده من غير
مصدر كلها مصادر مستقلة تنقل وجود التقليد من الناس لا من بعضها البعض.. هناك
تقليد إذاً.. ولكن هل كل تقليد صحيح؟ ليس بالضروروة.. فلنمتحن رجاحة التقليد من كل
الأوجه:
التقليد في ميزان التقييم
العقلي
امتحنوا كل شئ وتمكسوا بالحسن..
كل الشواهد المادية تضع هذا التقليد في مركز قوة فائقة من حيث المصداقية.. ومع
كوننا كنيسة تقليدية ومع كون التقليد الذي يشهد للدير متوفراً بكل دقة وقوة، فإن
الفحص المادي العقلي يلزم من حيث المبدأ لعدم خلو التقليد من حيث المبدأ من تخاريف
مؤسفة ترعى كالسوس في ذهب التقليد الصحيح الثمين.. فما درجة نقاوة تقليد دير
العذراء؟
عدم وجود خرافات مصاحبة
إن غياب أي نص مخطوطي مكتوب من ذلك النوع المعروف من الأدبيات الخرافية في القرون
الوسيطة يُعَد نقدياً بالمعايير العلمية الرصينة شاهداً قوياً يبرئ التقليد من أية
شبهة للاستناد على خرافة..
و شرح ذلك يستبين بمقابلة تقليد دير العذراء بدرنكة مع مخطوطة يروّج لها موضع آخر
ليس ببعيد جغرافيّاً، وواضح لأي عين عاديّة أنه يحاول سلب تقليد دير العذراء
بسذاجة مفرطة حتى أن مبتلعي تلك الخرافة[viii]
يكررون بلا وعي بعض عناصر تقليد دير العذراء بدرنكة عن وجود جبل ومغارة ف القصة
المنسوبة لموضعهم الذي يخلو من أي مغارة بل وأي جبل مرتفع أصلاً!! على أن خرافة
ذلك الموضع لا تتوقّف على هذه الحدود بل تضيف عشرات الصفحات من الخرافات المصطنعة
التي تتوسّل "العشور والبكور والنذور والستور" الأمر الذي اعتادته
الخرافات والذي تخلو منه بساطة تقليد دير العذراء بدرنكة.. والفارق يدلّ ويرجّح إن
لم يثبت بمفرده..
ولذلك فإن غياب "عنصر الإثبات" المُقتَرَح من البعض هنا قام، على العكس،
بدور إيجابيّ في الإثبات!
التعيين الدقيق باختصاص هذه المغارة عينها
من المعروف أن المدن والقرى الكبرى، ولاسيما في جبل أسيوط الغربيّ، كان لكل منها
مقر للديرية في الجبل يقيم فيه محبو الحياة الرهبانية أو الديرية من أبنائها..
هذا
الأمر توافقه أسماء الأديرة القديمة والتي صارت مدناً أو قرى بعد ذلك محتفظة لا
تزال بأسمائها الدالّة على أصلها، مثال ذلك في ناحية جبل أسيوط وجنوبه: "دير
الجنادلة" و"دير الزاوية" و"دير ريفا"، وبالمرّة
"دير درنكة"! وظاهرة اختصاص البلاد بالأديرة مرصودة في شهادات بعض
المؤرخين[ix]..
ولعلّ هذا كان من عوامل كثرة الأديرة في الجبلين الشرقيّ والغربيّ وملأت كما هو
معروف من التاريخ[x]..
وكل تلك المغائر متقاربة يمكن قطع المسافات البينيّة لها مسيرة دقائق على الأقدام..
فلو كان الأمر متروكاً للتباهي والادعاء لكان التنافس قد حل بين
قصص كثيرة تأتي من كل جهة وكان تعيين المغارة التي مكثت بها العائلة المقدسة قد
صار أمراً مائعاً ومتأرجحاً بين مغارة وأُخرى.. ولكن التقليد كان يحدد مغارة
بعينها ولم يخالفه واحد من أهل البلاد المتجاورة..
ظروف المغارة اللاحقة تنفي أية شبهة إيحاء أو
ادعاء مغرض
وقد انتقلت المغارة لمرحلة هجرة النساخ ساكني "دير النساخ" (دير العذراء
نفسه) حتى خلى الدير من صفته الديريّة الفعليّة، وتحولت مساكنه على سفح المغارة
إلى قرية سكنيّة احتفظت بأصلها إذ تتسمّى باسم "دير درنكة".. ولكن حتى
مع تحول حال المغارة هكذا فإنها ظلت هي مقصد المحتفلين من كل مكان بحسب التقليد..
إذاً التقليد الذي يبق أولاً إثبات
وجوده ثبت الآن ثانياً أنه ذو وجاهة وبلا لوم من جهة التاريخ والجغرافيا والمنطق.
2)
شهادة
منطق التاريخ والجغرافيا
اتفاق القرائن
الجغرافية والتاريخية مع تفاصيل التقليد منطقياً
من كوم عبّاس
إلى مغارات الجبل الغربيّ مروراً بدرنكة:
طريق مسلوك،
ومغارة مأهولة وقرية تُعني "بوابة (المرور)..."
فلا عجب من
إقامة العائلة المقدسة بها
من أكثر الملحوظات استرعاءً للانتباه أن القرائن الجغرافية والتاريخية للمكان
مترابطة نحو اتجاه واحد هو موافقتها للتقليد والشهادة باتّساقه البالغ مع الظروف
المحيطة، وساعرض كل مفردات المنطقة جغرافيّاً بما ليس فقط يزيل أي افتراض معاكس
لحقيقة تقليد الدير، وإنما بما يزيد من ترجيحه:
مدينة أسيوط الميناء الرئيس
فمدينة أسيوط كانت الميناء الرئيس لكل خط الصعيد، فرسوّ السفن فيه أرجح من غيره،
ونزول الغرباء المسافرين في النيل جنوباً فيه أمر أكثر احتمالاً من غيره..
الجبل الغربيّ ملجأ وقت الفيضان
والجبل كان بكل مغائره ملجئاً للناس وقت الفيضان..
كوم عباس موضع تجمّع النازحين من ارتفاع المياه
كوم عبّاس هو الموضع الذي تقوم فيه كنيسة مار مرقس كنيسة التجلّيات الأعظم سنة
2000..
ومعروف لدى المحلّيّين أنه كان موضع تجمّع النازحين من الطوفان لاجئين لمغائر
الجبل، وقد استوثقتُ من هذه القضيّة من أهالي المنطقة، وأضيف ملاحظة على تسمية
الموضع باسم "كوم": فـ"الكوم" موضع مرتفع عن بقية الارض
المُحيطة به، ما يوافق تجمّع الناس فيه في مطلع رحلتهم للهروب من المياه
المرتفعة!!
درنكة الممرّ الدائم السلوك
وحتى بغير وقت الفيضان فالطريق بين مدينة أسيوط ومغائر الجبل الغربيّ دائم السلوك،
وذلك ظاهر من اسم قرية "درنكة".. ظاهر أن معنى الكلمة لذوي المعرفة
باللغة القبطيّة أو المصريّة القديمة هو: "دي رو ان كا" = بوابة (مرور)
القرين (أي القرين الملازم لجسد الميت أو عنصر "النفس" فيه بحسب اعتقاد
الفراعنة)، أو "دي رو ان كا" = "بوابة المُتّكأ"[xi] ..
ولقد قدّمتُ في شرح الدير لعالم المصريّات الفذّ "تيرَنس دوكويزني" هذا
التفسير غير المسبوق لدى زيارته المفاجئة للدير، فوافقني عليه، وأهداني نسخة درافت من عمل له عن المعبود
"ابن آوى" المدعو "أوبواعوات"، والصورة أسفل السطر
لكلمة طيبة كتبها في "جستبوك" الدير:
على كل حال، فسواء هذا المعنى أو ذلك فإن "درنكة" من حيث اسمها بكل
احتمالات تفسيره الصحيحة فوق واقعها الجغرافيّ كانت معبراً للجبل وليست مجرد قرية
مجاورة له، فإذاً الطريق للجبل كان مسلوكاً مأهولاً، وليس معبراً مهجوراً لبريّة
قاحلة تستدعي استرابة إقامة الوافدين من بعيد فيها..
هذا الفهم لطبيعة علاقة السكان بالطريق وبالمغائر يزيل الاندهاش من فكرة إقامة
العائلة المقدسة في مغارة قرب قمّة جبل الطريق لها مسلوك وهي ذاتها مسكناً دائماً
وقت الفيضان..
إن كون الطريق بين مدينة أسيوط ومغائر الجلبل الغربيّ مسلوكاً فأمر ثابت، وأما
استعمال مغائر الجبل كمواضع سكنى ولاسيما كملجأ وقت الفيضان فوق كونه أمراً ذا
بداهة فقد استوثقتُ منه من بعض كبار السن بل أن أحد متوسطي العمر قال لي إن عمه
وُلِد في المغارة قبل عمل أنبا ميخائيل في الدير لإعادته لوظيفته الأولى..
ويطيب الختم على هذا الشرح الموضوعيّ الصرف بالإشارة لسبق
عرضه وجيزاً نجيزاً مسموعاً من لسان أنبا ميخائيل شخصيّاً، ومبكراً نسبيّاً في عظة
أجدر باعتبارها محاضرة علميّة بتاريخ 9 سبتمبر 2001 في الكنيسة المرقسيّة موضع
الظهورات المباركة الفائقة الجليان!![xii]
3)
شهادة
السماء[xiii]
ثبّتَ الرب شهادة التقليد بالآيات التابعة المتتابعة اللاحقة المتلاحقة المرصودة
بكل أدوات الرصد الإعلاميّ الماديّ اليقينيّ فوق كل خيال، على مستوى المحطات
العالميّة الأكبر مثل "سي إن إن" و"بي بي سي-- الخدمة
العالميّة"، شهادة على ذاك الذي أقام مرة في هذا المكان بالجسد على أنه لم
يتركه ولايزال مقيماً به حضوراً دائماً، حضور مسرة ورعاية وشهادةً.. ولقد أغنت
الطالبَ لشهادة وجيزة موثقة تجلِّيات سنتي 2000 و2001 ومعهما أعجوبة صورة الصحفيّ
بول بيري سنة 2002، أغنت هذه الثلاثيّة عن إرهاق تجميع شهادات أفراد من عقود
سالفة.. أتكلم هنا عن ظواهر خصوصيّة الدلالة شاهدة بشهادة السماء لتقليد دير
العذراء وإلا فإن معجزات الأشفية وبركات النجاح ومثلها ليست حكراً على مكان، أتكلّم
عن تجلّيات عالِم كل من يقرأ بحدوثها ولعل كثير من القارئين كانوا شهود عيان لها
ومتابعين لأخبارها الوثيقة وإلا فإن المعجزات الفرديّة المشهود لها في المكان لا
يحصرها كتاب، أتكلّم هنا عن تجلّيات غطّت كل فضاء السماء فاستدعت كل فضائيّات
الأرض، أتكلّم عن:
مار مرقس 2000[xiv]
توثيق معجزة
الألفيّتين هذه، مع التمعّن في دلالتها الخطيرة بشأن الدير، مععرض بعض ملابسات
العمل في إصدار فيلم باللغة الإنجليزيّة لها، كلّه متوفِّر في الهامش "xiv"
المجاور للعنوان، فوق معاودة زيارتها في الباب السادس: "دير العذراء ونافذة السماء" بمزيد التأملات
والذكريات مع أنبا ميخائيل..
دير العذراء
2001 [xv]
لا حاجة للقول صدّق أو لا تصدّق.. فبعد تجلّيات سنة 2000 الثابتة فوق كل ثبات
والمشهودة من أساطين محطّات العالم الإخباريّة، والتي تحدّت قطع الكهرباء طيلة
الليل، ففي سنة 2001 انتقلت التجلّيات بشكل أرهب في قلب الدير في وقت الاحتققال
متزامناً مع عظة أنبا ميخائيل كأنما النور الرهيب يتحرّك بإشارة الصليب من يده
المتناغمة مع كلمات عظته!!!
بهذا الظهور أُحكِم الرزم السماويّ: فالسماء قد باركت ختام ألفية ومطلع ألفيّة
وكلا المباركتين يحصران موضعي رحلة العائلة المقدسة بحسب التقليد المفحوص من كوم
عباس (مطلع الطريق للجبل هروباً من الفيضان وهو الموقع القائم عليه كنيسة مار
مرقس) ‘لى فبالة مغارة دير العذراء ليينفجر النور من حوائظها الخارجيّة أمام عشرات
ألوف المحتفلين!!!
ولقد حظى التجلّي باعتراف رسميّ غير ممثول تمثّل اولاً في إعلان فوريّ متزامن من
فم البابا شنودة وهو في كنيسة مار مرقس بلوس انجلوس ثم بنشر تفاصيله المثيرة في
مجلة الكرازة.. وكل أوجه الفرادة في الاعتراف الرسميّ مدهشة: فمعروف عن البابا
شنودة حرصه على تشكيل لجنة متخصصة قبل الاعتراف باي معجزة فيحكم الاعتراف
بالمعاينة والفحص والتأنّي، وهنا فهو يعترف بها وهو بعيد وفوراً وبفمه ويشفع
اعترافه بخبر مميز في المجلة الرسميّة "الكرازة"!!!
وفي الهامش المتصل بالعنوان "xv" رابط لاسطوانة بها مزيد من التوثيق، بينما تلي في المتن هنا صورة ضوئيّة لمقال
"الكرازة": من مجلة الكرازة 14 سبتمبر 2001 بالتجلّيات:
بول بيري 2002[xvi]
أتى الكاتب الأمريكي بول بيري الأمريكي سنة 2002 ليتابع رحلة العائلة المقدسة في
مصر في كتابه Jesus in Egypt
(يسوع في مصر)، ولما وصل إلى أسيوط وسمع عن ظهورات كنيسة مار مرقس ذهب ليصور
الموقع ولم يكن يتوقع أكثر من صورة عادية ليضمِّنها في كتابه تذكاراً للموضع الذي
"قيل" إن الظهورات حدثت فيه.. ولكنه فوجئ بهذه الصورة النورانيّة:
وإذ كان لم يتمكّن من مقابلة أنبا ميخائيل
فقد بادر الكاتب المسيحيّ مستر بيري وأرسل الصورة مذهولاً لأحد كهنة الإيبارشية
الذي رافق زيارته سائلاً عن طريقه إجابة أنبا ميخائيل عن دلالة هذه الصورة تفسّر
له حيرته من هذا الإعجاز، لاسيما وقد شعر أنه قد اختير من الرب لرسالة.. وننتقي
هذه الدرة من بين سطور إجابة نيافة أنبا ميخائيل التي تفسر الأمر وتؤكد على منهج
نيافته في التعامل مع شهادة السماء له: "لقد رأيتَ وتيقنت مثل مجوس المشرق
الذين أراهم الرب نجم الميلاد (من هذا التشبيه استوحينا عنوان الفصل)... استخدمك
الرب مثلما استخدمهم لتشهد... إن شهادتك أكثر دلالة من شهادتنا... إن مبدأنا أننا
نرى يعيون الآخرين ثم نترك الظواهر تشهد لنفسها"..
أثبت مستر بيري سؤاله وإجابة أنبا ميخائيل له في كتابه، صفحتيّ 259-260، والصورةَ
الثمينة للتجلّي المذهل منشورة في صفحة 253، والسطر التالي يحمل بيانات هذا الكتاب
الأكثر مبيعاً:
Paul
Perry, Jesus in Egypt, Ballantine Books, NY, First Edition, November 2003
وذاعت الصورة حتى وصلت لمجلة مصريّة شهيرة ("صباح الخير") فنشرتها في
عدد 2450 17 ديسمبر 2002، ومعها صورة ضوئيّة لنصّ تراسل بول بيري مع القس يعقوب
لإيصال رسالته إلى أنبا ميخائيل:
وتجميع بيانات التوثيق الواردة في هذه الفقرة، مع المزيد في هامش "xvi" المجاور لعنوان الفقرة..
إن
تخلّيات سنتي 200 و2001 المشهودتين من كل وسائل الشهادات الإخباريّة حتى المحاطت
العالميذة الفضائيّة حتى كانت ختام الشهادات من القنوات السماويّة التي تمثّلت في
صورة الإعجاز التي سجّلها صحفيّ آتٍ من الغرب، إن هذه التجلّيات لها مفاد يجعل
الاخرس ينطق والكفيف يبصر..
ولقد
شرحتُ في لقاء تليفزيونيّ الدلالة الروحيّة الشاهدة لصحة التقليد، وعناصر رسالة
السماء فيهم، من دلالة اليوم والشهر والسنة لتجلّيات سنة 2000: كان اليوم عيد
التجلّي وكان الشهر شهر الاحتفال الفائق التميّز للإيبارشيّة بعيد العذراء
وبديرها، وكانت السنة سنة احتفال الكنيسة القبطيّة بتذكار 2000 سنة على مجئ
العائلة المقدسة لمصر!!! ويختم على كل هذه الدلالات من سنة واحدة ما زاد في
تجلّيات السنة التالية لها فكانت الرسالة لذوي الفهم الروحيّ هي مباركة التجلّيات
للكنيسة سنتي 2000 و2001 لتعلن مباركة اختتام ألفيّة وبداية ألفيّة.. ثم يكون كل
ذلك جامعاً لطرفي طريق العائلة المقدسة من مدينة أسيوط حتى مغارة جبل درنكة.. وكان
للشرح من الأثر ما جعل تلك القناة لا تزال تكرّر عرضه عدة مرات كل سنة، وما أغرى
مُعِدّ البرنامج أن يُزيِّن مقدمة البرنامج بنقل الفكرة ثانية من كلامي لتظهر
مرتين في الحلقة[xvii] ..
لقد نجحت الكلمة فيما أُرسِلِت لأجله،،،،،
وأما لذوي الشغف المتصل بتجلّيات ومعجزات أكثر، فله الفصل السادس كاملاً من هذا
الكتاب..
الشاهد من هذا كلّه
صحيح أن السماء تعطي بركتها في أماكن كثيرة.. ولا يحتكر المكان، أي مكان، النعمة..
ولكن صحيح أيضاً أن السماء لا تعطي شهادة زور- حاشا- لتقليد زائف..
فلما
كان تقليد دير العذراء معروفاً لدى الجميع وكان أنبا ميخائيل يكرره في ذات موضع
وزمان التجليات وعلى مسمع عشرات الألوف، وكانت التجلّيات المعنيّة هنا ليست معجزات
مما يحدث مع محتاجيها في غير موضع وإنما ظواهر متصلة بسماء المكان في عين مواضع
التقليد، فإذاً الأمر واحد من اثنين: إما أن السماء تدعم تقليداً زائفاً، أو
أنها تعلن قصد تنبيه الناس لأن هذا المكان له موضع في قلب رب السماء وأن تقليده
محفوظ بحق شهادةً لما صار فيه يوماً من استضافته للرب وأمه..
فمعطيات هذه الفقرة ليست: "تجليات سماويّة"، ولكن المعطيات
المعنيّة هنا هي: "تجليِّات سماوية في موضع يدعي رعايته لتقليد يخص
السماء" ، وعلى هكذا معطيات دقيقة يكون الاستنتاج أن السماء لا تدعم
الكذب ولاسيما أن الدعم يأتي بكثافة مفرطة غير مسبوقة في التاريخ وفي زمان دالّ
على قصد دعم التقليد الصحيح لرفع رأسه فوق أي أكاذيب وإزالة الشك من أذهان من
أرهقتهم الادعاءات الخائبة في غير موضع..
الشاهد من جُمّاع الشهادات السالف عرضها أنه بقبول خبر مجئ العائلة المقدسة من
الإنجيل ثم قبول عموم التقليد المتوفِّر من حيث المبدأ[xviii] ، فإن
فحص تقليد دير العذراء بجبل درنكة كما سلف بعناية، يُزيِل أي اعتراض ماديّ على
تقليد دير العذراء، ويرفعه بكل اطمئنان لمرتبة الرجحان لدى ذوي التقييم الرزين،
وأما إيمانيّاً فبشهادة السماء يجعله يقيناً للفاهمين ولا يملك أحد ان يُفهِم
آخراً رسائل السماء ولكن لا يملك أحد إنكارها بشأن دير العذراء أيّاً كان فهمه
لها..
إذاً هو تقليد صُلْب وراجح منطقيّاً، وثابت إيمانيّاً، حال
قبول عموم التقليد من حيث المبدأ القاضي بأن العائلة المقدسة أتت إلى مصر ودخلت
حتى عمقها وأقامت في صعيدها..
ولكن...
منطَقَة مبدأ التقليد الدالّ على مسار العائلة المقدسة[xix]
...
ولكن لماذا تأخذ العائلة المقدسة خط الصعيد في هروبها أصلاً؟!
ثم كيف يعرفهم الناس ويعينوهم في زمن الوثنية؟!!
حتى فيما بعد في أجيال تالية يعودون ليقولوا ههنا أقامت العائلة المقدسة؟!!!
أسئلة تمثل إجابتها، إن كانت، ركائز التيقّن من الصحّة المبدئيّة لتقليد
مسار العائلة المقدسة في مصر، فهل للأسئلة إجابة كائنة؟ سأقدم بنعمة ربنا جديداً
في هذا الفصل..
ولقد لخّصت أبرز معالم هذا الخط من التفكير في شرح الدير لكثير من الوفود،
وأعلننتُها كثير من المرّات عبر قنوات ذائعة، يتوفّر للتوثيق منها ثلاثة على
الأقلّ:
أولاً
في ريبورتاج صحفيّ بجريدة الوفد[xx]
:
وثانياً
في تسجيل لقناة "سي إم سي" التليفزيونيّة[xxi] ،
وثالثاً
في اجتماع خدام الدير في حضور وبطلب ومناقشة من جانب أنبا ميخائيل شخصيّاً[xxii] ،
وانتهيتُ
بتجميع الشرح مع روابط تسجيلاته في بوست شامل[xxiii] ..
كيف تعرَّف الناس على العائلة المقدسة أصلاً؟!
ثم كيف حفظوا هذا عبر التاريخ؟!؟!
إذ عندما أتت العائلة المقدسة في مصر لم يكن أحد من المصريين يعرفل شيئاً عن
العائلة المقدسة ولم تكن رسالة المسيح قد أُعلِنَت بعد.. ونعرف من الكتاب المقدس
أن العذراء كانت امرأة هادئة صامتة تحفظ كل شئ في قلبها..
وأما عندما قبل المصريون المسيحية لم تكن العائلة المقدسة حاضرة في مصر..
فكيف تعرف الناس على العائلة المقدسة واحتفظوا بتقليدات سليمة عن محال تواجدها؟!
هنا نضع حقائق مقطوع بها تاريخياً تضع السؤال في محل الإجابة المنطقية المقنعة..
تعيين الناس للعائلة المقدسة بأثر رجعيّ
باب الإجابة هو باب السماء.. الإجابة هي العذراء مريم!
إن امرأة بوداعة وعفّة العذراء تكون مُعلَمَة بين ربوات النساء الوثنيات بما يحفظه
التاريخ عن هذه الأزمنة من أساليب اللهو.. ولاشك تترك أثراً لا ينمحي تحتفظ به
ذاكرة المصريات لامرأة فقيرة فائقة الفضل والوداعة أتت من فلسطين وعاشت بينهن بل
وأقامت إقامة لصيقة معهن في زمن الفيضان في مغارة واحدة، ومعها طفل مميز جداً
وبارع الجمال وتنبع منه البركة وشيخ كبير السن وقور ظاهر الاحترام.. إذا كان هناك
شئ يمكن أن تحتفظ به ذاكرة البشر، لاسيما في الأزمنة القديمة الرتيبة قليلة
المصادر التي تزحم الذهن وترهق الذاكرة، فإن العائلة المقدسة بسماتها هذه هو هذا
الشئ الذي تحتفظ به الذاكرة..
إذاً
كان جيل المصريّين وقت مجئ العائلة المقدسة قادر على تمييزها بأثر رجعيّ متى نما
لعلمه بل وإيمانه تعيين هويّتها، فينتقل السؤال من ثَمَّ إلى: وهل كان من عاشوا في
زمن دخول الرب مصر بالجسد هم الجيل الأول الذي آمن به أم أن الإيمان دخل في جيل
تالٍ لهم؟!
التقليد قام من حيث مبدئه على شهادة شهود عيان
وبيان!!
هنا ترد الحقائق تترى على بكور زمن دخول المسيحية مصر قبل نهاية النصف الأول من
القرن الأول، ما مفاده أن التقليد نبع أصلاً من شهود عيان!!!
أكثر من شهادة تاريخيّة قاطعة خطيرة تتوفّر على هذه الحقيقة:
تفيدنا أولاً هنا شهادة المؤرخ والكاتب اليهوديّ السكندريّ الشهير فيلو في كتابه
"عن الحياة التأمليّة (المُترجَم أحياناً: الطب الروحيّ)"[xxiv] .. ولمّا
كان "فيلو" لم يكتب أعمالاً كبرى بعد سنة 40 ميلادية[xxv]، بل ولأبعد
التقديرات فإنه لم يعش أصلاً كثيراً بعد سنة 50 ميلاديّة التي استقر العُرف
التاريخيّ أنها سنة موته، ثم لمّا كان المجتمع الذي وصفه في "عن الحياة
التأمليّة" كان يصفه في طور نضج بحيث أن زمن إرهاصاته يكون قد سبق زمن تسجيل
فيلو بوقت معقول، لما كان كل ذلك كذلك، فإن المُتَحَصَّل أن المسيحية قد عرفت
طريفها لمصر مبكراً جداً قبل أن يأتي مرقس الرسول لمصر فيؤسس للكنيسة ويبني هيكلها
ويبدا سلسلة بطاركتها..
وشهادة مزيدة، توفّرها لنا شذرات مخطوطيّة ثمينة، على بكور الكنيسة المسيحيّة في
مصر بما يزيد رجحان كونها سابقة على ستينيّات المئة الأولى حيث زمن كرازة مرقس،
وها هي صورة ضوئيّة لشذرات المخطوطة الخطيرة والمرموز لها برمز p67، والتي تعود بحسب أرجح التقديرات إلى النصف الأول من المئة الأولى
للميلاد (بعض الآراء الأضعف أنها تعود للمئة الثالثة) ويزيد دلالتها على قدر بكور
الكنيسة في مصر أنها من مكتشفات الصعيد لا الإسكندريّة!![xxvi]
في الهامش رابط للتوثيق، بينما تلي صورة ضوئيّة للمخطوطة مع بياناتها المتحفيّة:
ومحصلة كل هذا هو أن الجيل المسيحي الأول في مصر كان معاصراً لمجئ العائلة
المقدسة، وأن العائلة المقدسة تركت حتماً انطباعاً إيجابياً وأثراً حسناً يرسخ في
الذاكرة، فكان من الطبيعي أنه بمجرد بلوغهم لمعرفة مجئ المسيح الذي آمنوا به
لبلدهم انهم يعودون بالذاكرة لعدة عقود قليلة ليتذكروا أين أقام الرب وأمه العذراء
بينهم، وبالجملة فإن التقليد الذي نشأ عن تحديد مكان إقامة العائلة المقدسة يعود
لشهود عيان عارفين بجغرافية بلدهم وتاريخ زمنهم!
لماذا تأخذ العائلة المقدسة للصعيد جنوباً؟!
هذا السؤال أتطوّع بطرحه حيث لم يطرحه أحد قبلاً وإن بقي مثيراً للقلق في خلفيّة
البعض دون وضع أيديهم عليه.. ثم لعلّي بنعمة ربنا أقدم له إجابة مقنعة..
إن العائلة المقدسة الآن في مصر بعيداً عن دائرة سلطة هيرودس، فما بالهم يبعدون
(بحسب التقليد) إلى الجنوب حتى أسيوط؟ ما مدى عقلانيّة هذا التقليد؟
يُجيب سفر أعمال الرسلّ!
"...
نحن لم نقبل كتابات فيك من اليهوديّة ... ِ" (أع28: 21)..
"...
ولا أحد من الإخوة جاء وأخبرنا أو تكلّم عنك بشئ ردئ ..." (أع28: 21)..
وتُجيب حتى كل رسائل الرسل تقريباً من حيث ما هو واضح أنهم يرسلونها من مجتمع
يهوديّ لمجتمع يهوديّ بعيد، موصين عن البعض أو مُحذِرين منه..
إذاً اعتاد اليهود التراسل بكتابات للتحذير و الإبلاغ عن البعض، أو التوصية الطيبة
بهم..
فهل تفوت هذه العادة هيرودس أبو الثعلب؟ (لو13: 32).. كانت العائلة المقدسة
في خطر رسائل هيرودس لعملائه وجواسيسه في المجتمعات اليهوديّة الكبرى، ولما كانت
مصر هي مقر جليتين يهوديتين كبيرتين في الإسكندريّة واحدة وفي بابلون واحدة، فإن
ابتعاد العائلة المقدسة للصعيد أمر طبيعيّ جداً بل خلافه كان هو الأمر التطلّب
البحث عن علّته!!
وبمناسبة هذه النقطة البحثيّة فإنها تستدعي تأمّلاً إنجيليّاً-ليتورجيّاً بديعاً:
أن الرب جاء إلى خاصّته فوجد بينهم التهديد فأقبل وقبِل المصريين ليصّيرهم خاصّته،
ومن هنا تقرأ الكنيسة رحلة زيارة الرب مصر في الأحد التالي مباشرةً لعيد الميلاد
معلنةً أن الرب أتى ليصيّر الجميع واحداً فيه ويقبل الأمم، وأن العلامة لهذا كان
مجيئه لمصر رداّاً إيّاها لوظيفتها الأولى كشعب الملجأ وبكرامة أعظم من الأولى
بقدر ما أن الابن أعظم من خدام بيته..
والآن كيف أختم على هذا الفصل مكتفياً بالنظر البحثيّ، بينما نور المشهد يحتّم
الإشارة له ولو بسطور.. فما أبهى مشهد الرب طفلاً مع أمه العذراء وهو وسط العائلات
المصريّة البسيطة من أهالي المنطقة، وهو يرافقهم في منفاهم المؤقت من هياج الطبيعة
عليهم مظهراً إشارة بديعة لقصد تجسده أنه حل بيننا وتألّم مجرباً في كل شئ مثلنا
بغير خطيّة.. وما أبهاه وهو يلمح أرض زراعتهم كلها من أعلى الجبل كأنه يقول:
"عيني عليها".. هذا المشهد يجعل من إقامة الرب في مغارة جبل درنكة
فائضاً بإشارات لطيفة عن مقصده من رحلته كلها لمصر التي هي بدورها تلخيصاً لمقاصد
رحلته كلها من السماء لفداء مختاريه..
خلاصة
تقييم الشهادات
لا حاجة للواحد بالتهوّع ولا التماحك في شئ.. والحق حق حيثما كان..
كل ما سبق من براهين إنما برهنت قطعاً بكل يقين ماديّ ملموس على أن الاعتراضات على
تقليد دير العذراء فاشلة بلا قيمة ما من جهة المنطق الخالص..
ولكن كون "ادعاء" ما لا تقوم عليه اعتراضات وجيهة فلا يعني هذا أنه صحيح
بالضرورة!!
وإنما وفقط هو مرجح بغير ناقض ثابت له..
فالحديث كله عند أهل النظر الماديّ المجرد عن تقليد راجح.. ولكن القضية تزداد
رجحاناً لمن يعتبرون الاعتبار الروحيّ والإيمانيّ..
هذه خلاصة بحث هذا الفصل، قدّم عرضاً غير مسبوق لمنطَقَة مسار رحلة العائلة
المقدسة لمصر، مفنداً قطعاً كل الاعتراضات عليه، ومظهراً ترجيح تقليد دير العذراء
منطقيّاً، غير مبالغ بادعاء يقين ماديّ صارم له، خالصاً في النهاية إلى اليقين
الروحيّ لصحته..
دير
العذراء بدرنكة: بيت ضيافة العائلة المقدسة- باب 3
دير
العذراء وكاروز مصر
ما أجمل أقدام المبشِّرين بالسلام
·
من جوار موضع الدير بمئات الأمتار المعدودة دخل كاروز مصر إلى وادي
النيل عبر الصحراء!
·
في هذا المكان تنفك كثير من أسرار رحلة العائلة المقدسة إلى مصر!
وتنجلي كل أغرضها!!
·
التي تبدأ من مصر لتخصّ العالم كله!!!
من أي طريق دخلَ مصرَ
كاروزُها؟[xxvii]
طريق دخول مرقس ‘إلى مصر، باعتماد التقليد العريق جداً المُشار له من كثيرين من
القدماء المعروفين أنه أتى من بنتابوليس، سيكون واحداً من ثلاثة طرق مُحتَمَلَة:
1) عن
طريق البحر بسفينة حتى الميناء،
2) أو
عن طريق الشاطئ بمحازاة البحر،
3) أو
عن طريق الصحراء مع القوافل التجاريّة في طريق معروف للآن من واحة لأُخرى، من
قورينيا (المعروفة دارجاً لدينا بالقيروان وهي غير القيروان في تونس) إلى سيوة،
ومنها تتفرع طرق الدخول إلى مصر: إما إلى الخارجة إلى ليكوبوليس (سيوط)، أو من
سيوة إلى إلى الواحات البحريّة إلى أنتيوكوبوليس (أنصنا)، أو من الواحات البحريّة
إلى منف.. هذه الدروب الصحراويّة معروفة للآن ولا تتغيّر بطبيعة مٌقتضَى
حالها عبر الزمن..
والطريق الثالث هو الأرجح بحثيّاً وتقليديّاً جميعاً.. والدرب الثالث من احتمالات
الطريق الثالث هو بدوره الأرجح!!! وتبيان هذا الترجيح تالٍ،،،،،
من بنتابوليس إلى ليكوبوليس
المسار الأشهر والأضمن بين مسارات الدخول من الصحراء الغربيّة إلى وادي النيل هو
الذي ينتهي من بنتابوليس إلى ليكوبوليس:
·
تجاريّاً
لترأسها حركة التجارة في إقليم مصر العليا والوُسطَى،
·
ولوجستيّاً
لاستعداد مينائها النيليّ لانتقال الرحلات الكبيرة إلى مواصلة مسيرتها في السفن،
·
وأمنيّاً
لتوفّر الحاميات الكُبرى عبر كل العصور من الواحة الخارجة إلى المدينة باعتبار
مدينة ليكوبوليس (سيوط = الحارس في اللغة المصريّة) هي حارسة المدخل الصحراويّ
لمصر وللآن تشهد الىثار لتواجد تلك الحاميات..
إذاً إن كان طريق دخول الكاروز هو قوافل التجارة الدائمة عبر واحات الصحراء
الغربيّة، فإن أنه كان عبر الواحة الخارجة كمحطة رئيسة قبل دخول وادي النيل، ومنها
سلكت وسيلة مواصلاته في رأس طريق الأربعين الذي يصل أولاً بين الجبل الغربيّ
لأسيوك والواحة الخارجة ومنها يتفرع لطريقين كبيرين الأول جنوباً حتى دارفور
والثاني شمالاً حتى ليبيا..
ولكن ماذا عن طريقي البحر: على الساحل براً أو عبر سفينة عبر البحر؟
عدة احتمالات ترجِّع انه سلك الطريق الصحراوي:
·
الأول
أنه أقام مع بطرس الموجود وقتها في بابل (بابلون بمصر القديمة) على أرجح تفسيرات
"1بط5: 13" لغوياً وزمنيّاً[xxviii]..
فالأقرب للتصوّر أنه قابله قبل دخوله الإسكندريّة وأنه أُرسِل إليها بعد إقامته
معه بالتفاهم معه ولا أتحرّج من القول "بتوجيهه" كتوجيه الأب لابنه (1بط5:
13).. ومن يقصد بابلون من ليبيا ليستقر نهايةً في الإسكندريّة فأحرى به أن
يدخل من العصيد ويركب النيل حتى يصل لمنف لا أن يدخل الإسكندرية لينزل إلى منف
ليعود بعدها إلى الإسكندرية..
·
وفوق
ذلك فطبيعة الحال الديموجرافي تُرجِّع أنه يتوقف أولاً في دائرة المجتمع المحدود
لينتقل غلى المجتمع الأكبر والأشهر (كان وقتها لليهود في الإسكندريّة حيّين وكان
لهم مجتمع شهير جداً أدبيّاً وسياسيّاً)..
·
يبقى
افتراض مُعاكِس يقوم على حثجّة شكليّة خاطفة أن طريق السفر الأسهل هو السفينة عبر
الساحل، باعتبار قِصَر المسافة.. ولكن مهلاً.. فطرق السفر لا تُقاس بالطول
المُطلَق للمسافات ولكن بالطول البينيّ بين المحطّات..
مثلاً: أيهما أشقّ في السفر: مسيرة 500 كيليومتربدون محطات مياه وتغذية؟
أم ألف كيلومتر تنقسم لثلاث محطات كل منها نحو 300 كيلومتر يعاود فيها المسافرون
التموّن بالمياه والغذاء؟ فضلاً عن الجدوى التجاريّة التي كانت المُحرِّك الاكبر
في رسم طرق السفر وقتها بل وحتى الآن؟
الراجح بوضوح آمن على أساس قبول مجئ الكاروز مرقس آتياً من الخمس المدن الغربيّة إلى
الإسكندريّة أنه أتى عبر الطريق التجاريّ الأشهر في الصحراء فعبر الواحات حتى دخل
مدينة سيوط ومنها شمالاً إلى الميناء النيليّ الكبير أيضاً بلبلون حيث أقام مع
بطرس وسط المجتمع اليهوديّ المعروف هنالك وقتها، لمدة سنتين ربما أو أكثر (قضيّة
غير محسومة) حتى أتى وقت نضوج الكرازة بلزوم انتقاله للمجتمع الاكبر الإسكندريّة
والذي منه وبحكم شهرة الإسكندريذة أدبيّاً وفلسفيّاً انتشرت المسيحيّة في كل مصر
وما بعدها أيضاً فكانت الإسكندريّة هي عمدة الكرازة المرقسيّة..
فإن كان ذلك بالنظر المجرَّد الموضوعيّ، فما هو حال الشهادات التقليديّة المتوفرة؟
عادةً أُبدِّي البحث المجرَّد عن شهادات التقليد المصمتة التي لا تفيد بأي مصدر
سابق عليها أو منطقيّة الخلوص غليها من جانب كاتبها،
ولكن هكذا شهادات لا تُهمَل لأنها لا تكون بغير أساس من حيث المبدأ مهما كانت غير
محل للثقة لعلة أو لأخرى.. فماذا توفر تلك الشهادات على كل حال؟!؟
ماذا لدى التقاليد عن طريق دخول
الكاروز إلى مصر؟!؟
·
أورد
"ابن كَبَر" إشارة إلى اتصال مرقس بـ"طوسقى" والتي لا يمكن أن
تكون إلا توشكى المعروفة: "ومن بعد خمس وعشرين سنة للصعود المقدس
أرسله (بطرس) الى الإسكندرية فبشر فيها على حكم القرعة فان سهم قرعته كان بها
وبمصر ولوبية وطوسقى وغيرها" [xxix] ..
هناك، على كل حال، ارتباط
قديم محفوظ لدى الكُتّاب التقليديّين بين مار مرقس ومنطقة الواحات.. فأيهما أرجح
في تصوّر اتّصال مرقس بتوشكى؟ أنه غادر الإسكندريّة المتخمة بكل أنواع اليهود فوق
اليونانيّين والرومان ولا يخلو الأمر من المصريّين بلا شك، يغادرها وسط زخم خدمته
فيها إلى أقصى الواحات؟ أم أنه سبق فعبر من ذلك الإقليم في طريق دخوله إلى وادي
النيل ومنه إلى الإسكندريّة؟ ولكن إن كان قد دخل عبر الواحات واتّصل من ثمَّ
بتوشكى فكيف يستقيم أنه خرج من الطريق المعروف وانحرف جنوباً نحو وادٍ بعيد؟ لم
يقل النص المعنيّ ما يُلزِم بتغيير الطريق المعروف.. وشرح ذلك بسيط: ومن البداهة
أن الإشارة لموضع "طوسقى" إنما تُحيل إلى إقليم كبير مكافئ لإقليم
الإسكندريّة والصعيد أقاليم كرازة مرقس بل وحتى مكافئة بقدر مناسب لمصر ولوبيا
بحسب ورودها مكافئة لهما في الجملة المخطوطيّة، وهكذا، لأنه لا يُعقَل أن تفيد
الإشارة إلى منخفض صغير مهجور كما هو حال توشكى بحسب الحدود الإداريّة الآن، فأرجِّح
من ثَمَّ أن التسمية كانت ربعاً متسع من الصحراء الغربية الجنوبيّة في مصر وفي
القلب منها وادي توشكى المعروف الآن الذي بقي حافظاً للاسم سواءتسمّى الغقليم عليه
أو تسمّى هو على الإقليم لا فرق في نتيجة البحث هنا..
·
ثم
هذه شهادة أُخرى أيضاً بلا تأصيل، ولكن أوردها على حالها على كل حال: "فصعد
مرقس شمالى أفريقيا وحده حيث بشر الخمس مدن الغربية سنة 52 ... مجيئه إلى مصر -
وبعد منتصف القرن الأول قصد الى الديار المصرية عن طريق الصحراء الغربية"[xxx] .. هي شهادة مباشرة صريحة، أتت كعادة شهادات
التقليد مصمتة بلا تعليل، وزاد الأمر هنا عتمةً أن المصدر وجيز فلم يذكر حتى
مصدراً أسبق، وهذا ما لزمني تحرّيه، وأما لزوم البحث فستظهر في هامش تالٍ..
·
وفي
عمل منفرد يكرر الشماس المؤرخ كامل صالح نخلة فقرة مماثلة تفيد بدخول مار مرقس عبر
الصحراء الغربيّة: "وفي النصف الثاني من القرن الأول الميلادى عن طريق
الصحراء الغربية فوصل إليها فى السنة الخامسة والعشرين بعد الصعود ، على ما ذكره
ابن كبر أى حوالى سنة 58 ميلادية"[xxxi]..
وهي الشهادة التي أوردها البابا شنودة الثالث في عمله عن "ناظر الإله
الإنجيليّ": "لقد جاء مار مرقس إلى الإسكندرية قادماً من الخمس مدن
الغربية ... وقيل في بعض المراجع أنه وصلها عن طريق الواحات ثم الصعيد"[xxxii]
المُفيد الآن من كل ما سبق هو توفّربحث موضوعيّ أولاً، تدعمه و يدعم هو شهادات
تقليد متشعّب.. واجتماع الجميع معاً يُرجِّح أن مار مرقس دخل مصر عن طريق الواحات،
ومعه شهادات في التقليد توافقه موافقة قاطعة..
*+*
مُلحَق-- كرونولوجي أعمال مرقس[xxxiii]
لا يكتمل حديث
الجغرافيا بغير التاريخ.. ولقد تكرّر غير مرة الإشارة لشهادات تتضمّن كرونولوجي
(تزمين) دخول مرقس أرض مصر وتكرّر معها الإشارة لاحتياجها للمراجعة والإحالة لهذا
المُلحَق عن كرونولوجي أعمال مرقس، والذي أتى موضعه الآن في الختام..
من المؤسف أنه
تكرّر لدى بعض الكُتّاب ذوي الحيثية أن تاريخ مرقس مجهول ولا يمكن تحديده[xxxiv]، وهذا غير
صحيح على الوجه التام، ولا يُقال إلا تعسّفاً من بعضهم في وزن التقديرات المتوفرة
وجهلاً من البعض الآخر التابع لما يقرأ دون قدرة على الفحص والترجيح وإقامة
التقديرات الأرجح على التقديرات الأرجح..
وسأقدِّم هنا
في صفحة وجيزة "كرونولوجي أعمال مرقس".. يقوم هذا الكرونولوجي على قبول
تزمين الميلاد بحدوثه سنة 4 ق. م. (وهو الحساب الأكثر دقة للآن) وعلى قبول أن كل
الإشارات لـ"مرقس" المذكور في العهد الجديد تشير لشخص واحد بعينه هو
مرقس كاروز مصر..
أربعينيّات
المئة الأولى:
مرقس بين عودة بطرس ورحيل بولس
"ثُمَّ جَاءَ وَهُوَ مُنْتَبِهٌ إِلَى بَيْتِ مَرْيَمَ أُمِّ يُوحَنَّا
الْمُلَقَّبِ مَرْقُسَ حَيْثُ كَانَ كَثِيرُونَ مُجْتَمِعِينَ وَهُمْ يُصَلُّونَ"
(أع12: 12)..
"وَرَجَعَ
بَرْنَابَا وَشَاوُلُ مِنْ أُورُشَلِيمَ بَعْدَ مَا كَمَّلاَ الْخِدْمَةَ
وَأَخَذَا مَعَهُمَا يُوحَنَّا الْمُلَقَّبَ مَرْقُسَ " (أع12: 25)..
سنة
50:
مرقس بين إعداد الخدمة واستعجال الخدمة
"فَأَشَارَ
بَرْنَابَا أَنْ يَأْخُذَا مَعَهُمَا أَيْضاً يُوحَنَّا الَّذِي يُدْعَى مَرْقُسَ
وَأَمَّا بُولُسُ فَكَانَ يَسْتَحْسِنُ أَنَّ الَّذِي فَارَقَهُمَا مِنْ
بَمْفِيلِيَّةَ وَلَمْ يَذْهَبْ مَعَهُمَا لِلْعَمَلِ لاَ يَأْخُذَانِهِ
مَعَهُمَا. فَحَصَلَ بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةٌ حَتَّى فَارَقَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ.
وَبَرْنَابَا أَخَذَ مَرْقُسَ وَسَافَرَ فِي الْبَحْرِ إِلَى قُبْرُسَ" (أع15:
37- 39)..
وفي ذلك تفسير
وتأمّل ودرس[xxxv]
!!!
خمسينيّات
المئة الأولى:
مرقس
في جولة كرازة فارقة
فماذا كانت
جولة مرقس بين اتحاد بولس على مفارقته لهم وبين انتهائه في بابلون- مصر، كما سيظهر
بعد قليل؟
خدمة برنابا
الأثيرة أنه يُعِدّ الخُدّام للخدمة كما فعل مع بولس ذاته أيضاً[xxxvi] ، وبذات
منهجه فإنه ذهب مع برنابا إلى قبرص ومنها عاد إلى ليبيا موطنه القديم بحسب التقليد
غير المثير لأي إشكال أو ريبة، ذلك بعدما اشتد عوده كشاب وكخادم للكرازة، ولعله
كتب الإنجيل هنالك، وإن كان موضع كتابة الإنجيل وظروفه تحتمل ان يكون قد كتبه في
روما أو في بابل مصر، لأن فكرة اعتماده على مذكرات بطرس لا تشترط موضعاً بعينه من
حيث أن اتّصاله ببطرس ممكن في غير وقت..
وبمناسبة
وصول الحديث إلى وصول مرقس لليبيا، فهذه صورة من منطقة وادي الإنجيل ووادي مرقس
المتجاورين في ليبيا تصوّر صف الشهداء حاملين صلبانهم والرب قائم لاستقبالهم[xxxvii] :
سنة
58م:
مرقس
العَلَم في مصر
"تُسَلِّمُ
عَلَيْكُمُ الَّتِي فِي بَابِلَ الْمُخْتَارَةُ مَعَكُمْ، وَمَرْقُسُ ابْنِي" (ابط5:
13)..
لغة الرسول بطرس
مفهومة لفاهمي لغة ذلك الزمان وطبائع اليهود، فهو يُكلِّم كنائس يهوديّة عبر يهود
شتات آسيا الصُغرَى، ويُرسِل لهم سلام كنيسة بابل "المُختارَة معهم"،
والآن فإن إشارته لـ"مرقس ابنه" تفيد أن مرقس قد صار شخصيّة مرموقة
كعَلَم في العمل المسيحيّ حتى أنه يُشار إليه بمفرده إزاء كل كنيسة بابل، بل
ويُرسَل سلامه إلى كل كنائس آسيا الصُغرَى..
أمّا كون بابل
هي "بابلون" في مصر ("مصر القديمة" المعروفة الآن) فقد شبعت
تفسيراً وترجيحاً،[xxxviii]
.
وأما كون وجود
مرقس في بابلون كان سنة 58م فترجيحه بدقة عالية في المرجع السابق، على أنه لأهميّة
هاتين النقطتين يجدر بعض التفصيل هنا:
بابل؟
هل هي بابل العراق؟ حرفيّا! أم روما مجازيّا كتفسير قديم! الأرجح أنها لا هذه ولا
تلك وإنما هي بابلون أو "مصر القديمة"..
عوامل الترجيح أن بابل هذه ليست بابل التي في العراق ولا بابل التي هي روما بحسب
المجاز المُفتَرَض:
فأولاً:
بابل العراق كانت قد تهدمت وهُجِرَت.. يصحّ ان هناك جالية يهودية كانت باقية
بتخومها ولكن هدم المدينة يضعف على الأقلّ هذا الاحتمال..
وثانياً: افتراض تسمية روما بـ"بابل" على سبيل المجاز هو أمر غريب عن
لغة رسالة بطرس وعن عموم لغته الواقعيّة البسيطة، وفوق كل هذا فإن أوجه الترجيح
اللغويّ لاستعمال اليهود لهكذا مجاز ضعيفة لخلافات رئيسة بين روما وبابل من حيث
علاقة اليهود بها: فروما لم تكن مدينة سبي، ولكن مدينة شتات، واليهود بها لم
يمنعهم من العودة لأورشليم شئ وقتها.. ثم فوق الكل فلا إشارة من أي مصدر يهوديّ تفيد بذلك.. وإن كانت قد
وردت إشارة "تفسيريّة" قديمة لرسالة بطرس بهكذا تفسير فهي إشارة ضعيفة
لا تخلو من قوة احتمال أن يكون النزعة التفسيريّة التطوعيّة قد حكمتها: فلم يذكر
جيروم مرجعاً أقدم منه يدعم افتراضه أن بابلون هي روما..[xxxix]
وتفاسير
وتقديرات جيروم ليست معصومة بل هي أقرب للخطأ، ومن ذلك أنه في نفس الفصل وبعد سطور
من هذا السطر عينه تطوّع بتفسير من عنديّاته مورداً إيّاه دون تبيان أنه تفسيره
الخصوصيّ لا ما قاله فيلو الذي كان ينقل عنه، فلا جديد في نوع الخطأ هنا مع
جيروم..[xl]
واضح
أن جيروم كان يستسهل وضع مظنّته غير الوثيقة وسط كلامه دون تنبيه للقارئ بمراجعتها
وراءه أو بكونها احتماليّة، ومنها هذا التفسير..
وثالثاً: إن كان
مرقس في نهاية خمسينيّات المئة الأولى قد ذهب لبابل العراق فهذا يبعده بأكثر قوة
عن تداخله في تقليد راسخ عن كرازته في الإسكندريّة..
ورابعاً: ارتباط
مرقس بليبيا يجعل اتصاله ببابل مصر اتصالاً مباشراً عن طريق السفر عبر واحات
الصحراء في قافلة في الطرق المعروفة وقتها والباقية حتى الآن..
فيدخل
مصر عن طريق "واحة سيوة فالواحة الخارجة فسيوط فيأخذ خط النيل شمالاً ليستقر
في ميناء بابل التي هي مصر القديمة" ليقيم مع "أبيه"
(1بط5: 13) بطرس ويعاونه في الخدمة..
وخامساً:
كل هذه الاحتمالات المُرجِّحة لأن بابل هي "مصر القديمة" تستقر في حضن
بيئة حاضنة مثاليّة لتواجد بطرس كارز "الختان" (غل2: 7)، إذ كانت
المنطقة موضعاً لمجتمع يهوديّ مستقر، وأن المنطقة كان اسمها بالفعل
"بابل" وإلى الآن فحصن "بابلون"
معروف كأثر عريق بها..
زمن كتابة الرسالة؟
فمتى
كان زمن كتابة الرسالة؟ تختلف التقديرات وتتسع النافذة في العموم لما بين 56م وحتى
65م على أقصى تقدير مُبالِغ..
إن التقدير اللغويّ للتشابه بين بعض فقرات الرسالة وبين رسالة
روما يفيد بتقارب زمنهما.. ليس بالضرورة لأن أحدهما تأثر بالآخر (بطرس ببلوس على
الأرجح إن كان)، ولكن لأنه حتّى إن كان التشابه يعود للغة كرازة عامة قائمة على
تعبيرات بعينها فإن اللغة التعليميّة متى انطبقت هكذا فالأرجح أن يكون الاستعمال
متقارباً زمنياً جداً.. هكذا تفيد الخبرة بلغة التعليم على مستوى الألفاظ والجُمَل..
ومع ذلك فمن لا يسترح لهذا التقدير فإنه سيجد في
"2بط" نقلاً صريحاً من رسالة ورمية (2بط3: 15، رو2: 4)، فمهما كانت
أصالة "2بط" فإنها بلا شك مكتوبة بعد رسالة بطرس الأولى وقبل استشهاد
بطرس وإلا ما وجدت من يصدقها ولا يشتريها، وأما رسالة رومية فمكتوبة بلا شك بين
سنتني 54 و56 م.. فمن هنا تكون رسالة بطرس الأولى قريبة جداً من رسالة رومية بأقرب
من "2بط" التي كانت رسالة رومية في وقتها مازالت حديثة العهد بما يُجيز
الإشارة لها كعمل رائج وقتها وحاضر في الأذهان حديثاً..
ومع النظر في التاريخ فإن اضطهاد نيرو كان يبدو من لغة الرسالة
في بدايته..
فعلى
كل وجه إذاً أعطي صوتي تقديراً لسنة 58 م، فبجانب توافقها مع بدء الاضطهاد
المسكونيّ
العارم من جانب نيرو سنة 64م من حيث ان الاضطهاد المنخفض نسلبيّاً المذكور في
الرسالة هو على الأرجح من الاضطهادات الإقليميّة المتناثرة التي كان يشعلها اليهود
الحانقون، كما يظهر في لغة وصف الرسول بطرس له جامعاً بين تعبيرين يصفا حالاً يخلو
من الغشومة التامة على ما به من اضطهاد (1بط3: 13-14)، وهذا واضح أنه سابق قبل
اضطهاد نيرو الغشيم، بجانب ذلك فإن سنة 58م تعطي وقتاً مناسباً نسبيّاً من
الناحية الأخرى للانتقال من زمن الهدوء الظاهر وقت كتابة رسالة روما، وأيضاً تحفظ
عدم الابتعاد كثيراً عن زمن رسالة رومية من جهة ثالثة بما يسوِّغ تكرار بعض
أفكارها الرعويّة والثيولوجيّة..
كلها
تقديرات الواحد منها منفرداً قابل للاختلاف على دجة رجحانه، ولكن باجتماعها لديّ
فإن خلاصة التقدير الأكثر مدعاةً للاطمئنان في نظري هي سنة 58م.. فإن لم تكن ففي
سنة قريبة جداً منها..
الكاروز
مرقس، على هذا الحساب، كان في بابلون سنة 58 م، لا يفصله عن الإسكندريّة إلا رحلة
نيليّة تأخذ أقلّ من أسبوع أيّام..
ستينيّات
المئة الأولى:
مرقس
النافع للخدمة
"لُوقَا وَحْدَهُ مَعِي. خُذْ مَرْقُسَ وَأَحْضِرْهُ مَعَكَ لأَنَّهُ نَافِعٌ
لِي لِلْخِدْمَةِ" (2تي4: 11)..
يبقى ذهاب مرقس إلى أفسس بغير سبب معروف، إن كان هو مرقس المعنيّ في الكلام، ولكن
مع وجوده في الإسكندريّة ميناء البحر المتوسّط الكبير ومورد قمح المسكونة وقتها،
فإن حركته منها إلى خارج مصر وطلب الآخرين خارج مصر لمعونته في أنحاء مراكز
الكرازة، لاسيما وهو الكتب المثقف والشاب في عمره، أمر غير بعيد عن الحدوث.. ويوافق
هذا الإشارة التي أفاد بها الرسول بولس: "نافع لي للخدمة" وبداهةًُ لا
يقصد بولس هنا أن كرازته بالتعليم تحتاج لكارز معه ولكنه يحتاج فنياً لكاتب ولعنصر
اتّصال مثقف وقادر على الكلام مع ذوي الحيثية السياسية من الرومان والشعبية من
اليهود.. وعلى كل حال يبقى لأمر متروكاً بدون حسم إن كان هو مرقس المعنيّ كاروز
مصر العظيم أم هو غيره أو لماذا سافر إلى أفسس إن كان هو، لا للاحتفاظ للكرونولوجي
باكثر دقة في التقدير..
بعدها كان
استشهاد العمودين بطرس وبولس في اضطهاد نيرون (64 م)، وبداهةً عاد مرقس إلى
اسكندريّته ليلحق بسابقيه شهيداً سنة 68 م بحسب أدق ضبط حسابات التقليد مع التاريخ
المعروف..
ولمن يستريحون
لتلخيص التاريخ في نقاط متتابعة دون أإرهاق بتعليقات وتوثيقات فإليهم خلاصة ما سبق
ضبطه في نقاط ركيزة:
·
ذهب مرقس مع برنابا إلى قبرص كما هو
مكتوب،
·
ومنها عاد إلى ليبيا موطنه القديم
بحسب التقليد، بعدما اشتد عوده كشاب وكخادم للكرازة،
·
أتى بطرس إلى مصر ليهود بابلون فذهب
إليه مرقس.. أما بطرس فهو المُؤتَمَن على خدمة الختان والمجتمعات اليهوديّة متصلة
بقوة عبر التراسل وقتئذٍ وتنقّله بينها طبيعيّ.. ومرقس "نافع للخدمة"
فبالأولى يكون في نفع خدمة بطرس وهو "ابنه مرقس"، ليظهر في رسالة بطرس
الأولى سنة 58 م كعَلَم من أعلام الكرازة يُرسَل سلامه منفرداً مكافئاً لسلام كل
كنيسة بابل إلى كل كنائس آسيا الصُغرَى.. بالمناسبة فإن ظهور مرقس في الرسالة مع
فهم معنى "نافع للخدمة" كما سيلي شرحه في الفقرة التالية مع ظهوره في
رسالة بولس إلى تيموثاوس، هذا الظهور يرد على تشكيك أصالة رسالة بطرس الأولى من
حيث بلاغة
·
كاتبها البلاغة المُستبعَدَة عن
بطرس الصياد الجلليّ.. مرقس هنا حاضر شاباً مُثقَّفاً بليغاً بلا وجه تشكيك ذي
جدارة.. وحتى كل التقاليد التي تربط إنجيل مرقس بمذكرات بطرس يظهر فيها الوعي
القديم أن بطرس كان بحاجة لكاتب بليغ معه وأن هذا الكاتب البليغ كان مرقس..
·
أخذته اتصالات المجتمعات إلى يهود
الإسكندريّة حيث انفتح له باب نعمة الكرازة التي نحن فيها مقيمون! لعلّ هذه السفرة
المُبارَكَة كانت سنة 58 أو 59 أو 60 أو 61 بحسب التقويم الميلاديّ المعمول به
الآن..
·
سنة 64 أو 65م كان في أفسس لاتساع
احتياج مراكز الكرازة لإمكانيّاته الثقافيّة.. ومنها إلى روما مع بولس الرسول..
·
بعد استشهاد الرسولين بطرس وبولس
كان في اسكندريّته ليستكمل كرازته وسط الاضطهاد المسكونيّ حتى نال نصيبه ولحق
بأبيه بطرس ورفيقه بولس سنة 68م.
دير
العذراء بدرنكة: بيت ضيافة العائلة المقدسة- باب 4
دير
العذراء ونبيّ مصر آبا يوحنّا
ليس مثله في الأرض! رجل كامل ومستقيم
·
أعجزني آبا يوحنّا!
·
لا يمكن كتابة كتاب عن
دير العذراء بجبل درنكة دون تخصيص نصيب جدير بآبا يوحنا!
·
ولا يسهل إيفاء الكتابة
عنن آبا يوحنا باختصار ولا بإيجاز ولا حتى بمجرد التوسّع!!
·
حين تفرّغتُ للكتابة عنه
كانت الحصيلة مجلّداً ضخماً على ضخامته لم يكتمل بعد!!!
·
فليتكرّم القارئ بإيفاء
بعض دين الفصل بمتابعة روابط ملحقه لاستيفاء ما قصر عنه!!!!![xli]
تقديم عجيب لراهب
رهيب
كحجر
أساس لعَمَلِنا فلنأخذ يوحنا كمثال لكل شئ صالح[xlii]..
ليس اسم بين أسماء آباء البراري القديسين برز في تاريخ الكنيسة وكتابات الآباء مثل
اسم يوحنا الأسيوطيّ[xliii]
الرائي الشهير الذي من صعيد مصر[xliv]
الذي رغم ميلاده من أبوين متواضعي الشأن إلا انه صار بفضل اسم المسيح مشهوراً لدى
كل الجنس البشريّ تقريباً[xlv]
، الذي بفضل استحقاقاته صار مشهوراً عند كل ملوك العالم، حتى لم يجرؤ (الإمبراطور)
ثيودوسيوس الكبير على إعلان الحرب ضد أعتى الطغاة قبل أن يأخذ مشورته النبويّة[xlvi] ، التي تَنَقَّل
خبرُها وذاع بكل الطرق التي فطن البشر لاختراعها[xlvii]
، فإنه ما كان رجل محل حفاوة في مصر أكثر من يوحنا الذي نال من الرب قوة معرفة المستقبل
كأنبياء القديم[xlviii]
..
وفوق
الكل كانت له هذه الحفاوة بين عمالقة الرهبنة حتى أنه بمجرد عودة بالاديوس إلى
"نِتْرِيَا" من زيارته للقديس يوحنا الأسيوطيّ حتى شد مشاهير آبائها الرِحَال
في رحلة شاقة تصل لنحو ثلاثة أسابيع ليَنتفعوا بلقائه[xlix] ..
بالجملة وبالإجماع لم يحظ متأمل ناسك بشهرة فاقت تلك التي لرائي
ونبيّ صعيد مصر، إنه قديس أرثوذكسي كامل![l]
هذه
البانوراما فائقة التقدير ليست من توصيفي، بل هي مجرد تجميع وتربيط لبعض كلمات عن القديس
يوحنا الأسيوطي منقولة من ثقات تأريخ الرهبنة، والتأريخ عموماً، منذ المعاصرين للقديس
يوحنا وحتى المعاصرين لنا.. هكذا قدَّم طابور العلماء عبر التاريخ هذا الراهب الفذّ
الذي غابت معرفته عن كثيرين في جيلنا..
فمن
هو هذا الراهب النادر الذي تسابق الآباء على رؤيته، وتبارى العلماء في تقديمه وتقديره
هكذا تقدير؟
آبا يوحنّا في سطور[li]
نبي مصر آبا يوحنا
الرائي المتوحد بجبل أسيوط
+ ولد
في أسيوط بين
مارس 304
وإبريل 305م على أدق تقريب.. وتنيح 394م، يوم 21 هاتور حسب السنسكار القبطي.. تعلم واحترف مهنة النجارة منذ
صباه..
+
ذهب للرهبنة في نتريا (وادي النطرون) وعمره 25 سنة، في زمن رئاسة أنبا أمون، وقضى
هناك 5 سنوات في عدة أديرة ترك فيها مثالاً أعلى للقداسة والطاعة..
+
عاد لبلده أسيوط لتأسيس رهبنة هناك في بريتها الغربية، وهناك بنى لنفسه مغارة
بديعة التصميم على بعد حوالي 650 متراً من المغارة المعروفة التي أقامت بها
العائلة المقدسة..
+
ارتقى لمزيد التوحد مع بلوغه عمر الأربعين، فلم يدخل أي إنسان قلايته حتى نياحته،
مكملاً بذلك 50 سنة في حياة التوحُّد العالية..
+
وإذ بدأ القريبون والبعيدون يقصدونه طالبين إرشاده وصلواته ومعجزاته سمح ببناء
مضيفة بجوار المغارة، ولكنه بقي يكلم الناس من طاقة صغيرة في الدور العلويّ من
مغارته يومي السبت والأحد.. ثم تزايد طالبو الرهبنة حوله حتي امتدت رهبانيته وقام
دير عظيم تحت إشرافه هو حالياً دير العذراء بجبل أسيوط الغربي..
+
أكرمه الرب بسيرة ذائعة الصيت فقصده وتمنى رؤيته كثير من أباء الرهبنة ومشاهير
الكُتَّاب، ويُلاحَظ احتلاله دائماً الفصل الأول أو الأطول وألقاب الأولوية في
كتاباتهم.. ومما لقَّبه به آباء عصره: الرائي، نبيّ مصر، السائح، التبايسي
(الصعيديّ)، الأسيوطيّ (نسبة لموضع ميلاده ورهبنته)، المصريّ (ليختصّ دون حاملي
اسمه في مصر بهذا التمييز)..
+
طلب الإمبراطور ثيودوسيوس الكبير نبوته ليطمئن قبل خوضه حربين كانت الثانية منهما
ضد يوجينيوس الوثني وانتصر بمعجزة سجلها التاريخ الروماني بصلوات القديس، فبفضل
بركته تحول جبل أسيوط الغربيّ مقصداً لوزراء الإمبراطور وموضعاً توقف التاريخ
العالمي والمسيحي عنده.. ولقد تنيح القديس بعد أسابيع من وصول خبر الانتصار على
العدو الوثني العاتي بعد أن أسدى
للعالم
المسيحيّ آخر خدماته العظيمة.
إذاً هذا هو الجار المميز جداً لمغارة العائلة المقدسة، والذي كان النموذج الأكبر
الذي صيّر الجبل الغربيّ بريّة رهبانيّة ما تحولت إلى ديريّات فيما بعد.. ولمّا
كان هذا الكتاب لا يسير وراء التقاليد المعنيّة دون توثيق،
وكانت
أخطر نقاط هذا الباب ورابطه مع الكتاب هي جيرة آبا يوحنّا لمغارة العائلة المقدسة،
فمن ثمَّ تتصدّر نقطة فحص موضع إقامته وتوثيقه العناية الواجبة في هذا الباب:
توثيق وثيق لموضع آبا
يوحنّا[lii]
المغارة المعروفة باسم كنيسة آبا يوحا التبايسيّ الآن وتبعد مئات الأمتار شمالاً
وعشرات الأمتار عن سور الدير، هي موضع إقامته ووحدته بترجيح يكاد يكون هو واليقين
سواء!!
·
التقليد
العام وسط الأهالي المحليّين طيلة السنين يدعو المغارة باسم آبا يوحنّا وفقط..
·
زار
آبا يوحنّا بالاديوس، وزاره كاتب الـ"موناكورَم"[liii] ورفاقه، وكل توصيفهم للموضع يوافق تمام الموافقة
المغارة، فهي تتسع لبناء ثلاث حجرات داخلها لإقامة وإعالة المتوحِّد بها، ويتسع
باقيها ليكون ردهة تحمل عشرات الزوّار، وهي على قمة جبل عالٍ قد لا يظهر هذا من
أسفل[liv]
، ولكن من ينظر لأسفل وهو في المغارة يتيقَّن من دقة الوصف..
·
المغارة
تبعد عن المدينة نحو ستّة أميال ما يزيد على الحد الأدنى لمسافة الاعتزال بحسب
قوانين المتوحِّدين في ذلك الزمان لاسيما الذين ينتمون لمدرسة بريّة آبا آمون كما
هو آبا يوحنّا ذاته..
·
في
بعض الحفريّات وُجِد اسم آبا يوحنا مُلقَّباً بـ "أب البريّة"، فمع
العلم بأن قرية دير درنكة أسفل المغارة كانت تُدعَى قديماً "بسايا"
("البريّة" باللهجة الصعيديّة)، ثم مع الانتباه أن المعنى الخصوصيّ
حينما يتوفّر بكون أدعى للاعتبار من المعنى العام، فإذاً كان تلقيب آبا يوحنّا بأب
البريّة نسبةً لموضع إقامته المُسمَّى تعييناً "البريّة" لا أنه لقب
لعموميّة أبوّته للبريّة بعموم معناها..
·
في
المغارة دور علويّ لم يُذكَر في أي من شهادات الزوّار، ويشيع عنه من العوّام
افتراضات توهميّة أنه الموضع الذي كان يطلّ منه آبا يوحنّا، وهذا لا يمكن أن يكون
صحيحاً مع رسوخ شهادات من زاروه واعتبار دقة وصفهم، ولكن الصحيح أن الموضع قد صار
ديراً باسم آبا يوحنّا في زمن لاحق حين كانت الديريّة تزحف لتأخذ مكان الرهبنة[lv] ، وعلى هذا
فغياب الدور الأعلى فى المغارة عن شهود العيان يزيد كدليل على توثيق الموضع لا
العكس أنه ينتقص من ثبوته، ذلك لأنه ثابن أن المغارة تحوّلت لدير، فالأرجح أن سكان
الدير حوّلوه كعادة بقية الأديرة لموضع يُغلَق وقت الخطر ويُرفَّع منه السُلَّم
ويقيم بعض من به ومعهم مقدسات الدير في موضع أعلى ومعهم السلّم المرفوع ويتعاملون
مع الخارج عبر طاقة تطل من الدور الأعلى، وهذا نفس حال مغارة "أبو
ساويرس" المجاورة جنوباً لمغارة العائلة المقدسة..
ثم لا أُثقِل حجم هذا الكتاب بتفصيل المراجع فأحيل القارئ إلى
رابط مباشر لملف البحث القابل للتحميل، مع تنبيهه لحاجته لمجهود "المذاكرة"
للإحاطة بدقة ما سيقرأه من نقاط بحثيّة غير مسبوقة الطرح والنتيجة:
http://www.mediafire.com/file/f8sbl5b78al4l61/a_JOL-Place.rtf/file
أو عبر بلوج "نبيّ مصر آبا يوجنّا التبايسيّ" من هذه الصفحة:
http://johnoflycopolis.blogspot.com.eg/2015/12/blog-post_22.html
وبالمرّة فهذا رابط لصور الرحلة الأولى والقداس الأول في مغارة كنيسة آبا يوحنّا:
http://www.mediafire.com/file/cer055rxy3lw2yn/jol_pics.zip/file
تزمين غير مسبوق[lvi]
جدول زمني لسيرة آبا يوحنا
الرائي المتوحد بجبل أسيوط
+ مارس
304م
إلى إبريل 305م
ميلاد آبا يوحنا في أسيوط..
+ 329م (330م؟) توجهه للرهبنة في
نتريا في عهد آبا أمون..
+ 334م (335م؟)
عودته لأسيوط بإرشاد ملاك الرب ليؤسس رهبنته الخالدة في جبلها الغربيّ..
+ ~344م بدء
توحده التام في عمر الأربعين حيث لم يدخل أحد قلايته (مغارته) بعدها أبداً حتى
تنيح..
+ ~374م
بعد ثلاثين عاماً من حياة وَحدة بالغة شاعت موهبة النبوة لديه وكثر قاصديه فسمح
ببناء مضيفة شفقةً بالوافدين من بعيد من آباء الكنيسة ووزراء الإمبراطور والحكام
وغيرهم، وكان يطل على الزائرين من طاقة في محبسته يومي السبت والأحد..
+ 388م استقبل رسولاً
أوفده الإمبراطور ثيودوسيوس لطلب المشورة الإلهية من فم القديس في معركته مع
مكسيموس المتمرد فطمأنه القديس بأن يد الرب ستكون معه وينتصر، وقد كان..
+ 390م في فصل الفيضان
استقبل بالاديوس الراهب والمؤرخ المعروف الذي تنبأ له القديس بأنه سيكون أسقفاً
وبما سيصير معه من أحداث. وقد أفرد بالاديوس للقائه بالقديس أطول الفصول في كتابه
عن تاريخ الرهبنة المعروف باسم التاريخ اللوزياكي.. ومع عودة بالاديوس لنتريا أخبر
الآباء والإخوة بما سمع ورأى فسارعت من ثَمَّ في غضون شهور أفواج لاحقة لزيارة
القديس..
+ نهاية 390م أو
بداية 391م استقبل آبا بيصاريون مع تلميذه دولاس، وأعلنه برؤيا أن الرب قد أمر
بنهاية عصر الوثنية ومعابدها..
+ 394م أوفد له
الإمبراطور ثيودوسيوس الكبير وزيره يوتروبيوس لمشورته مرة ثانية قبل حربه مع
يوجينيوس الوثني المنشق فطمأنه القديس مرة ثانية بانتصاره، ثم انتقاله قريباً
بعدها، وقد تحققت النبوتان.
+ بداية سبتمبر 394
استقبل سبعة إخوة من فلسطين كتب أحدهم عن تاريخ الرهبنة وبدأ بسيرة القديس بقوله:
"كحجر الأساس لعملنا فلنتخذ من هذا القديس أساساً لكل الفضائل"..
+ 30 نوفمبر (21 هاتور)
394م (اعتبار تقريبيّ حسب السكنسار القبطيّ) – بعد آخر خدماته العظمى لكل
العالم المسيحيّ بنبوته التي شجعت ثيودوسيوس وأعانته على الانتصار على الخصم
الوثنيّ وتهديده للكنيسة، كانت نياحة القديس بسلام والتي كانت هادئة وعميقة ككل
سيرته، فقد طلب أن يختلي بنفسه ثلاثة أيام منع فيها وصول أي إنسان إليه، في نبوّة
ضمنية عن نياحته كانت آخر نبواته الكثيرة، وركع للصلاة، حتى وجدوه بعدها وقد فارقت
روحه المقدسة جسده الطاهر.
تصحيح أخطاء الجميع
في تدوين السيرة الفذّة[lvii]
في كل ما سبق من فصول تأريخيّة: سيرة، وتزمين، أمكن إيجاز المفيد منها في لوحات
صغيرة (مع دعمها بروابط للنسخ الكبيرة المُفصَّلَة بالمراجع)، ولكن هذه المرّة
يتعسّر الإيجاز.. فالتأريخ الكنسيّ القبطيّ، ومن أسف، رزحَ طيلة قرون تحت جثوم
الأبوكريفا والخرافات والمنسوخة في مخطوطات احتلّت على خلاف الحقّ نصيب التقديس
والإيمان من العوام بل وحتىى من عدد كبير من المُعتبَرين علماءً..
وفي مضمار تنقية تأريخ سيرة آبا يوحنّا ترصّدت بكل أناة لكل خطأ من الكبير للصغير،
فتكوّن من ثَمَّ ملف كبير من أبوكريفا المخطوطات إيّاها، وحتى الموسوعة القبطيّة
(وإن كان في خطأ دقيق وشائع[lviii]
)، مروراً بقاموس القمص تادرس ملطي، حتى صار حجمه غير قابل للإيجاز..
على أن ما لا يُدرَك إيراد نصّه يمكن إيراد رابط له، فهذا رابط لتحميل الملف
مباشرةً لمن يكسل عن قراءة المقدمات:
http://www.mediafire.com/file/cp1w4ogrdl4tags/a_JOL-Corrections.rtf
وهذا رابط لفهرس مبدئيّ به:
http://www.mediafire.com/file/6jjsj5rn69fk8g1/a_JOL-Corrections-Index.rtf/file
أو الوصول للرابطين عبر البلوج الرئيس "نبيّ مصر آبا يوحنّا" مع إيجاز
مفهرس للأخطاء من هنا:
http://johnoflycopolis.blogspot.com.eg/2015/12/blog-post_3.html
نقطة دقيقة
في كل الآثار المتصلة بآبا يوحنا، ألا يطلب الواحد ذِكراً للتقليد المتصل بمغارة
العائلة المقدسة؟
غير المُنتبِه لا يسأل السؤال أصلاً!
وغير العالِم متى تنبّه للسؤال يُجيب باندفاع بضرورة ورود هكذا إشارة!!
وأنا أتطوَّع بطرح السؤال لزوم استكمال كل القيمة العلميّة لهذا الكتاب بما يليق
بخطورة موضوعه، وأجيب من ثَمَّ بنعمة ربنا....
والإجابة هي: إن تقديس المواضع في العصر المسيحيّ الأول كان في الدرجة الثانية من
النظر حال كون الانتباه كلّه منصبّاً على تقديس الكارزين وغسل أقدام القديسين
والعناية برفات الشهداء.. وفي العصر التالي تصدّر مشهد النظر المسيحيّ العام
أمران: التعليم في مواجهة المبتدعين والروحانيّة اتّباعاً لنماذج الرهبان
الأُوَّل.. فلم تتقدّم لصدارة المشهد عوائد تقديس المواضع ذات الاتّصال بركائز
الإيمان المسيحيّ إلا في عصر تالٍ بعدما تشبَّع الوعي بأسماء الشخصيّات الكبرى في
الاستشهاد والنسك والتعليم الذين كانوا هم أنفسهم في عصورهم العوامل الرئيسة في
تصدّر التعليم والروحانيّة لساحة الاهتمام ما آخر التعلّق العاطفيّ بالمواضع
المكانيّة..
هذا الاستقراء يسهل على أي مطَّلِع على إنتاج "الآباء" التيقّن منه،
ويستحيل عليه بالمقابِل إيجاد ما يضادّ تفسيري المتواضع له..
من ثمَّ فلا تكون مفاجأة للعالم بمجريات تطوّر المزاج التعليميّ أنه لا ينتظر
إشارة لتقليد يخصّ موضعاً، أيّاً كان، من زوّار آبا يوحنّا الذين كانوا من كبار
تلاميذ المذاهب الروحانيّة في عصرهم، كمثل بالاديوس تلميذ إيفاجريوس[lix] ، وكاتب
الـ"موناكورَم" ورفاقه ما يظهر عليهم تداخلهم في قضيّة تفسيريّة محتدمة[lx] ، فهكذا
زوّار نشطون على قمة وجهي الأنشطة المسيحيّة التي تصدّرت المشهد في زمنهم لا
يتوقّع الواحد من أيهم الالتفات إلى تقليد يخصّ قداسة موضع بعينه بل المتوقَّع
منهم الالتفات لصعوبة الإقامة في الموضع من حيث اعتزاله ومشقة صعوده ما يزيد إبراز
قيمة نسك مُضيفهم الكبير، وهذا ما عمله بالاديوس وكاتب الـ"موناكورَم"
دون تقصير.. بالمثل فإن الميامر المنسوبة لآبا يوحنا كشان غيرها من الميامر
الرهبانيّة تمتلئ بالتفسير والتعليم الروحيّين شأن حال عصرها..
ومن يتعجّب من ملاحظة هذا الفصل فلينظر لأمر زيارة أورشليم ذاتها، أو حتى من
أقاموا قربها وفي بيت لحم مثل جيروم، ليتحرّى كم مرّة تكلّم واحد عن زيارة مقادس
أو فضلها فوق غيرها، ولن يجد.. لعلّ التقدير الخصوصيّ لموضع بعينه كان في المجامع
المسكونيّة حين وضعت كرسيّ أورشليم موضع تكريم، ولكن أين لغة المجامع من لغة أهل
البراري أو لغة بروتوكولات الرئاسة من لغة الانشغال عن المواضيع الروحيّة بالمواضع
الماديّة؟ !
كان هذا فصل لمُحبِّي الملاحظة والبحث والربط، وأمّا من يطلب الاطمئنان لرجحان
تقليد دير العذراء فدونه الباب الثاني بكامله..
تجميع الجميع!!!!
حان مع هذا الفصل وقت تنفيذ القارئ لوعده
الضمنيّ
أن يستكمل قصور المجال هنا باطّلاعه بنفسه على مُتَّسَع سيرة آبا يوحنّا والتي
حاولتُ قدر طاقتي إجمالها بأبحاث غيرمسبوقة الدقة والمنهج هنا في البلوج الرئيس بعنوان:
"نبيّ مصر
آبا يوحنا الذي لليكوبوليس":
http://Johnoflycopolis.blogspot.com
ولهواة البحث المكتبيّ المُفَهْرَس فهذه نوتا تكست فايل بكل الروابط مسبوقة بشرح
نوعها ومحتواها:
https://www.4shared.com/office/JCbk-Sbwgm/Abba_John_introlinks.html
ثم أٌفرِد منه أبرز الروابط، وليكن أولها هو أول ما قمتُ بالعمل عليه مبكراً
بتأسيس الدراسة على الشواهد المحترمة والموثُّثَة ولاسيما المعاصرة له وبالأكثر من
شهود العيان:
http://www.mediafire.com/file/15adma4pjxa7t88/e_JOL-Resources.rtf
ولا أنسى فهرس روايط معدودة لمادة صوتيّة ترصد مجهود مبكّرودائم في دعم مشروع
إعادة سيرةآبا يوحنّا للإيبارشيّة:
https://johnoflycopolis.blogspot.com/2018/12/httpwww.html
والتي أكرمني الرب بما يترأس هذا الفهرس بشهادة أنبا ميخائيل لكل تعب الواحد:
http://www.mediafire.com/watch/52fgl22vzjkri9b/Jol-HG-testimony.wmv
ثم هذا رابط لصورة
الدعوة إلى المؤتمر العالميّ للقبطيّات تنظيم مركز مار مرقس
ممهورة بشرح ملابساتها، والتي أبرزها كان تصميمي على تقديم المحاضرة موضوع الدعوة
في موضعي بدير العذراء فوافقوا مشكورين وانتقلوا من موضع إقامة المؤتمر غلى الدير
لحضور المحاضرة:
www.mediafire.com/view/llk3b4qbrhco2mh/stMark-international-coptology-conference-invitation-details.JPG
Draft
of the paper asked for by Dr. Fawzy Estafanous, the chairman of the conference
and
of its sponsoring
center of St. Mark,
درافت
بالإنجليزيّة للورقة التي قدمتها للمؤتمر بطلب من رئيسه ورئيس المركز الراعي له
دكتور فوزي اسطفانوس:
http://www.mediafire.com/file/igv05mkxzv3f1yh/e_JOL-monastic-heritage.rtf/file
ورابط للكُتيّب في طبعته الإلكترونيّة التي أصلحتُ فيها كثير من أخطاء النشر الذي
تم سرقةً من غير علمي مصحوباً بوعود كاذبة:
http://johnoflycopolis.blogspot.com/2015/12/blog-post_1.html
وأختم برابط لهذا الفولدر الحاوي لمجلّد
تقارير
قدمتُها بين كتابةً وشفاهاً إلى أنبا ميخائيل بشأن سيرة وكنيسة آبا يوجنا، حملت
أرقام: 59،67، 69، 79، 71، 73، 77، 78، 79:
https://www.4shared.com/folder/ok_AFZIG/Rep59-67-69-70-71-73-77-78-79_.html
*+*
ملحق— مديح آبا يوحنّا[lxi]
صورة لمديحة آبا يوحنّا التي كتبتُها
(بعد التصحيح الإلكترونيّ من جانبي لأخطاء الطبعة المنشورة):
دير
العذراء بجبل درنكة: بيت ضيافة العائلة المقدسة- باب 5
دير العذراء
وأنبا ميخائيل
من أنت أيّها الجبل العظيم؟! أمام زربّابل تصير سهلاً
·
بعمل رجل واحد جمع الرؤية والهمّة،
·
وقام بمستحيل المهمة ضد الطبيعة برداً وحرّاً والمحاربات داخلاً
وخارجاً،
·
بعمل رجل واحد لم يكن وحده لآن الآب كان معه: قامت فوق جبل أسبوط
الغربيّ مدينة نازلة من السماء متربّعة في حضن الجبل، وفي القلب منها موضع سكنى
العائلة المقدسة التي أقامت هنا يوماً، ولا تزال تقيم،
كما يقول أيضاً هذا الرجل الواحد صاحب العمل..
·
بعمل رجل أقامه الرب هو أنبا ميخائيل مطران أسيوط![lxii]
لا يحتاج أهل هذا الجيل البعيدين مثل القريبين شهادة على عمل أنبا ميخائيل، ولكن
لعلّ تجميع شهادات قديمة لم يعاصروها أو خفيّة لم يطّلعوا عليها لعلّ تجميع باقة
هكذا شهادات متنوّعة يستوفي لمعلوميّتهم بعض حقّ الرجل الفذّ والمطران الجليل!!
وهذا هو عمل هذا الباب الذي فيه تترتّب زمنيّاً وموضوعيّاً معاً هذه الباقة
الفائحة الأريج شهادةً لحق أنبا ميخائيل وارتباطه بدير العذراء الذي كان بمثابة
عاصمة مملكة خدمته الروحيّة العملاقة المترامية الأطراف العميقة الجذور الشاهقة
العلو، والتي من أجلها بنى دير العذراء ومنه أنفق عليها وفيه تشفّع لها وبه
خدمها..
ليس لاحتياج أنبا ميخائيل لتجميع شهادات له ولفضله على بناء دير العذراء، ولكن
لمسرّة محبّي خدمته أن تتجمّع لديهم آثار الماضي والخافي منها كان هذا الباب:
أوتو ميناردس
تابَعَ من البدء وسجّل حتى النهاية!
سنة 1955 ضمّن ميناردس صديق الكنيسة القبطيّة وتاريخها شهادته
عمّا كان يجري كبداية للهمة المستحيلة، فقال في فصل بعنون "درنكة"،
وسألتزم بالترجمة الحرفيّة مع تسويغ الصياغة وضبط بعض المعلومات بين الأقواس:
"عبر مجهود الأسقف (المطران أنبا) ميخائيل على أسيوط، الذي في
الوقت نفسه يخدم كأسقف (رئيس) على دير أنبا مقار، قد تم إعادة بناء الدير ليستوعب
الأعداد الكبيرة من الزوار بين 7 و22 أغسطس لبحبوا تذكار زيارة العائلة المقدسة
لأسيوط في رحلتهم إلى مصر . الكنيسة الجديدة للعذراء القديسة بُنيَت سنة 1955.
الكنيسة السابقة والأبنية المُؤسَسَة في المغائر والمُستَعمَلة من الرهبان لا تزال
مرئيّة.. الموقع قد شُغِل بسبعة رهبان سيموا في الرهبنة (بيد) أنبا ميخائيل.. أمين
الدير هو أبونا إشعياء المقاريّ (المتنيح القس إشعياء لا ينتمي ولا يتسمّى باسم
دير أنبا مقار وإنما كان باكورة إنشاء رتبة التكريس في إيبارشية أنبا ميخائيل
ولذلك قصة خلاصة القصد منها هنا لضبط التأريخ أنه أخذ شكل الرهبنة لمواءمة الشكل
الكنسيّ المعتاد لدى الناس ولكنه لم يُسمَّى مقاريّاً وهذا خلط طفيف من ميناردس
الذي بلا شك لم يكن على تعلم بتفاصيل خلفية القصة التي حكى تفاصيلها للكاتب القس
إشعياء فماً لأذن)"[lxiii]..
يزيد اوتو ميناردس، بعد عقود من شهادته
السابقة، ليرصد العمل الذي لم يتوقّف، فيقول في كتاب تذكاريّ بعنوان "ألفا
سنة من المسيحيّة القبطيّة" في قرات متلاحقة لوصف فضل أنبا ميخائيل على إقامة
المكان الكبير، والترجمة لي بتصرّف لتسويغ المفردات—وعلى كل حال فالأصل ثابت في
الهامش:
"بحسب تقليد محليّ، فإن العائلة المقدسة
استقرّت في واحدة من المغائر. لقد أُنشِئَت على منحدر الجبل أبنية جديدة
كثيرة لإعالة المُحتفلين.و يجري الإبلاغ عن العديد من الظهورات للعذراء
القديسة في وقت الاحتفال السنويّ. يقوم مقرّ أنبا ميخائيل شمال الكنيسة"[lxiv]
ولم يكن امتداد الزمن بين بين البداية في
الخمسينيّات والنهاية في الألفية الجديدة لم يكن امتداد الزمن عامل تقسيط وتهوين
للتعب بل كانت كثافة المشقة تجعل من امتداد الزمن امتداداً للتعب الذي لا يعلم
مرارة طعمه إلا من ذاقه.. سيظهر ذلك في حينه ولكن لنواصل شهادات المتابعين لعمل
رجل واحد أوقف نفسه على إتمام عمل الرب:
وشاهد من أبناء
الكنيسة القبطيّة
من المُبرَزِين
في فن الكتابة وقتها!!
وأقرب من ميناردس، الصديق، فإن أحد هواة الكتابة، من أبناء الكنيسة ذاتهم، ممن
عاصروا مرحلة بكور المهمة الشاقة قدَّم شهادة مثيرة عن مجهود البناء والتعبيد
والإنارة وفوق كل ذلك وأخطر منه إعادة هيبة الاحتفال مع تقريظ حقيق بأنبا ميخائيل
العالم المتعمق في الفلسفة والدين الذي لا ينكر عبقريته لا خصم ولا صديق[lxv] ..
قال الشاعر مراد سلامة خليل في وصف فضل أنبا ميخائيل في تجديد الدير والاحتفال
المهيب المُشرِّف بالعذراء، قال ما يعجز الواحد عن انتقاء ما يضع تحته خط:
"نعود إلى دير العذراء هذا الذى شاهدناه فى قمة الجبل ويقع جنوب غربي مدينة
أسيوط وكان الوصول إليه فى السنوات الماضية يحتاج إلى مشقة مضنة من المشى على
الرمال، وتسلق الاحجر بخلاف ما رأيناه فى هذا العام من تعبيد وإصلاح طريق جديد
يؤدى فى سهولة ويسىر إلى هذا الدير الأثري ... رأينا ظاهرة لم تك من ذى ثبل في
الدير وهى إضاءته وإضاءة الجبل والقرية بالكهربا فى شكل جميل بديع جذاب يأخذ عليك
لبك ويستوقف انتباهك وما سألنا عن ذلك حتى علمنا أن الفضل فيه يرجع إلى عهد حضرة
صاحب النيافة العالم أنبا ميخائيل مطران أسيوط الذى تم على يديه الكريمتين إيجاد
دينامو كهربي دائم لكنيسة الدير تستمد منه المصابيح أنوارها المتلألئة البراقة
الجميلة ... ولم يقف به الامر عند هذا الحد بل قد استن نيافته سنة لم سيبق أن
استنها أحد من قبله وهى قيامه من أسيوط فى عيد العذراء هذا مع حضرات الآباء الكهنة
ورجال الإكليروس إلى كنيسة الدير فيقضون الليل كله في الصلاة والعبادة والتمجيد
وتلاوة المدائح والأناشيد المناسبة لهذا اليوم بل لهذا العيد الفريد وبعد ذلك
يخلدون بين زغرة النسوة وتهليل الشعب إلى سرادق كبير محتشد بالناس فوق قمة الجبل
والذى بإقامته على هذا النحو أعاد للمكان قداسته واحترامه ... وفى هذا السرادق يفتتح
نيافته الحفل التاريخي السنوي بكلمة بليغة رصينة تناسب المقام وهو الخطيب المفوه
الذى لا ينكر عليه عبقريته وتعمقه في الفلسفة والدين خصم أو صديق ... ويذاع ما
يلقى فى هذا الحفل بمكبرات الصوت حتى تصل الكلمات إلى إسماع (كذا) ألوف المجتمعين
وألوف
الذين يملأون قرية الدير وينتشرون فى الجبل وسبله وهضابه ووديانه ... فللتاريخ
والذكرى نسجل فى صورة مقتضبة ما يجرى في هذا اليوم من مشاهد تاريخية جليلة حيّا
الـله الكنيسة القبطية الأرثوذكية وحيّا الـله حضرة صاحب النيافة الحبر الجليل
أنبا[lxvi]
ميخائيل مطران أسيوط وحيّا رجاله العظام ورجال أسيوط ورجال الدير الكرام"[lxvii] ..
يعجز الواحد عن انتقاء ما يضع تحته خط في هذه الكلمات، فليضع القارئ خطوطه بحسب ما
يتفاعل حسّه، وتلي صورة ضوئيّة للفقرات:
أنبا ميخائيل
فماً لأذن!!!
وأقرب من الشهود على مجهود أنبا ميخائيل هو أنبا ميخائيل شخصيّاً الذي روى لشخصي
المتواضع ما سأسجل أبرزه في هذه الفقرة، فأنتقل من ثمَّ من مكتب الضبط ووالتجميع
والتأليف للشهادات إلى منصة الشاهد، فأقول أمام الرب إن أنبا ميخائيل قال لي،
وبأقرب صياغة حرفيّة للكلمات من فمه الطاهر، متحاشياً دور شخصه في أي شئ:
عن جديّته في العمل منذ بدايته قال:
"كنت
ماحبش حد يعطّلني ولما جه واحد برسالة يسأل عني وكنت واقف وسط العمال بتراب العمل
كلّم كاهن كان واقف مهندم فكّره هو المطران فقال له لا مش انا المطران أهو فانا
قلت له ماكنت تاخد التلغراف منه وماتعطلنيش"..
في ردّه على نسبة العمل العظيم لشخصه الفذّ قال:
"هو
انا كنت أقدر احطّ طوبة على طوبة؟ دا قوة ربنا"
وأضاف وكرّر:
"الدير
هديّة من المسيح لأمه العذراء"!
وفي وصفه لبهاء عمله أحال الكلام لشاهد مكتوب فقال:
"مدينة
كائنة على جبل"..
وأمّا عن هول
عناء البناء في الدير فقد قال:
"بقيت
أكره لما حد يقول لي فيه فرصة نبني أو نكمّل شئ مُعطَّل من كتر عناء العمل"!!!!
وهذه لا يقولها أنبا ميخائيل إلا إزاء معاناة تفوق حِمل الجبال التي طالما حملها!
ولقد زاد من شواهد عناية أنبا ميخائيل بالدير أنه كلّم شخصي المتواضع بوصيّة
النفَس الأخير وداوم على شرحها طيلة سنوات، وهذه جديرة بإفراد الفقرة الخاتمة لهذا
الفصل، معي وتكلم بوصية النفس الأخير التي هي جديرة بإفراد الفصل
الخاتم
لها..
إذاً كانت تلك شهادات من فم أنباميخائيل هي الأقرب لفضله على العمل المذهل الخطورة
والإعجاز، ولكن ليست هي أقرب الشهادات بعد،،،
أنبا ميخائيل
الشاهد لنفسه.. وتشهد له أعماله أيضاً!!!!
ليس الأقرب بعدُ.. فأقرب وأقرب وأقرب من شاهد صديق وشاهد منا وعلينا وحتى من شهادة
شخصي المتواضع عما قاله أنبا ميخائيل بفمه الطاهر لأذن شخصي المتواضع، أقرب وأصدق
من كل ما سبق من شهادات صادقة هو سماع الشهادة بصوت أنبا ميخائيل ذاته الذي أعان
الربُ شخصي المتواضع أن يقنعه أن يكون هو الشاهد لنفسه أو بالأحرى لعمل الرب فيه
وبه لتكون شهادته هذه تاج فوق كل الشهادات الصادقة..
فهذه روابط لتسجيلات صوتيّة للفقرات المعنيّة من اجتماع أنبا ميخائيل الأسبوعيّ
يوم الأربعاء مع خدام وخادمات دير العذراء من كهنة ومكرسين ومكرسات، وفيها يتكلم
فيحكي عن سيامته والتوافق السمائيّ في تسميته بالاسم الذي طالما أحب صاحبه (اسم
رئيس الملائكة ميخائيل)، وكيف أنه واجه صعاب الأردياء في الكنيسة وغلبهم بشجاعة
كلمة الحق، وكيف أنه في كل ذلك بمجرد ما جلس بنعمة الرب على كرسيّ الإيبارشيّة أنه
طلب موضعاً يصلح لبناء دير يكون مركزاً للخدمة الروحيّة والتعليميّة والترفيهيّة لأبناء
إيبارشيته الذين ائتمنه الرب عليهم، وكيف وصل لموضع دير العذراء الذي لم يكن يسمع
عنه قبلاً ولا لديه فكرة عن تقليده، ثم ما زال يبني فيه حتى أنه تيقّن أن الرب
وأمه العذراء أقاما فيه ولا يزالان يقيمان..
في كل أحاديثه المتصلة من قريب أو بعيد كان ظاهراً أن دير العذراء بلوَر قصد
خدمته، وأن كلامه عن زمن سيامته وبكور خدمته الأسقفيّة كمطران كان يبدأ لينتهي وعن
وعي وقصد بالتوقّف عند ذِكر عمل الرب على يديه في دير العذراء الذي دعاه
"هدية المسيح لأمه العذراء" تذكاراً لتعبها معه.. ولا عجب أن يملك الحديث
عن الدير على كلام أنبا ميخائيل الجليل-- وهو الموضع الذي ملك على خدمته مكاناً
وزماناً ومن أجله ضحّى بما يفوق القول..
التسجيلات بصوته الطاهر تحمل كل هذا وأكثر، فاسمعوا أنبا ميخائيل الشاهد لنفسه
والشاهد له أيضاً الآب السماويّ الذي أعانه وجعل الجبل سهلاً أمامه، فهو الشاهد
الوجيب بالتصديق بسبب كلامه وبسبب الأعمال نفسها،،،،،[lxviii]
أنبا ميخائيل بخطّ
يده في أعاجيب ورقة!!!![lxix]
البنّاء ...
ومشاعره تجاه بنايته بتأصيل كتابيّ مذهل
هذا خط يد أنبا ميخائيل المكتوبة به هذه الورقة! التي داوم على حفظها في
قلب كتابه المقدس!! وثالثة أعاجيبها هو ترتيب الشواهد فيها!!! وليس منتهى العجب بعدُ
مع هذه الأقصوصة البسيطة، إذ لا تحلو سلسلة توافيق وصولها ليدي الضعيفة من العجب!!!!
عمّ يتكلّم رجل الـله؟ وعن أي حجارة وتراب؟ عن حجارة وتراب دير العذراء أم لعله التقط
الشواهد عبثاً حاشاه؟! وما علاقة موضوعي الشاهدين معاً؟ لماذا يستدعي شاهد عمر
الإنسان وقوته؟!! ثم لماذا أتى ترتيب الشاهدين معكوساً فقدَّم شاهد من مزمور 102
على شاهد من مزمور 90 في حين أنه رجل
النظام
والترتيب المشهود والمشهود له بهذا؟!!! ولماذا حين احتفظ بالورقة احتفظ بها في قلب
كتابه المقدس الموضوع أمامه في كل حين وفي مسكنه بدير العذراء تعييناً؟!!!! ثم ما
علاقة موضوعي الشاهدين معاً؟!!!!! ولماذا قبل كل شئ كان حرصه على كتابتهما بخط
يده؟!!!!!
(سابقاً باعتذار للملولين، أظه مقبولاً، قبل
الإبحار في إجابة الأسئلة، فإن هذا الفصل طال وأطنب لاسيما مع كتابته عبر عدة
مرّات، على أنني كلما حاولت اختصاره عجزت كما يعجز من يكثر أولاده حوله ويرهقونه
عن بيع بعضهم للتخفّف، فهكذا فإن الكلام هنا هو من أبناء معرفتي بقصص نادرة وبمشاعر
أنبا ميخائيل تجاه الدير، فمن ثَمَّ أتى تكراره لا من باب إيضاح الواضح بل من سبيل
محاولة الإحاطة من كل الزوايا بمشاعر رجل الـله تجاه بناء الـله الذي بناه على يده)..
إن الورقة تتكلم لمن يفهم الكلام عن مشاعر البنّاء العملاق تجاه دير العذراء
المدينة الكائنة على جبل التي بناها بنعمة الرب لتبقى تحفة الأجيال الشاهدة على
عمله،
وليبدأ شرح بعض الخلفيّات حتى يتيقّن من يفهم ويعلم من لا يفهم:
طيلة عمره مطراناً وعلى قدر ما سمّى من كهنة وشمامسة وأحبّاء فلقد احتفظ أنبا
ميخائيل بثلاثة أسماء لم يُسمِّ احداً بها قطّ، وشرح لي علل ذلك بلسانه الفائض
بالحكمة: إيليا، لأنه وقف أمام الملك وخطّأه مواجهةً.. ودانيال لأنه واجه الأسود
المفترسة بإيمان ثابت..... ونحمياً البنّاء الذي كان يحمل الفأس بيد حتى في حين هو
يحمل السلاح باليد الثانية للدفاع عن النفس..
وكان يحتفظ بأيقونة نادرة تصوِّر نحميا البنّاء الفذّ لأسوار مدينة الرب..
وقيل لي مِمَّن عاصروا بناء الدير في بداياته أنه كان يجول ليلاً بين المباني القليلة
عبر نتوؤات الجبل وهو يرنو ببصره ويخطِّط ويفكّر، ليسهر ليرسم، جتى متى أتى نور
الصباح طلب المهندس وصار يوجهه في تحويل خطوات اللبل وخطوط الفجر إلى بناء النهار،
وهكذا تدور دورة المعاناة المُمِضّة لتلد أبنية تحمل اسم الرب وتحفظ تقليد إقامته
في المكان مع أمه العذراء..
وكنتُ
أقول له وعنه: "إنه فاق نجميا ليجمع في شخصه نجميا وزربّابل جميعاً ويفوقهما
مجتمعين، فهو لم يبن أسواراً فقط ولا بيتاً للرب فقط! ولكنه بنى الأسوار والبيت
والمدينة كلّها .... المدينة الكائنة على جبل التي لا يمكن أن تُخفَى، ورفع الصليب
إلى أعلى المواضع ليصير مشرفاً على الوادي كلّه بنور المصلوب!!
وليس
فقط أنشأ بناءً راسخاً كنحميا، ولا فقط تخطّى في بنائه جبل العوائق كزربّابل،
ولكنه حمل طيله زمنه ما بناه فوق كتفيه وقلبه وشعاره "صليب مسيحنا دائماً
مرفوع"، ولم يسأل أحد كيف أنه مرفوع والآن يفهم القارئ إنه كان مرفوعاً بعمل
الرب من خلال حمل رجل واحد لوطأة كل البناء الحامل للصليب في أعلاه!!!"
فإذاً لم يكن ممكناً أن تُفلِت الورقة الذهبيّة مني كأنها ورقة
عابرة أو جُمَلاً عارضة، بل بتلقاء النعمة قرأتُ المكتوبَ وكتبتُ المقروءَ وحفظتُ
ما كتبته لحين عرضه في وقته، داعياً من يُتابِع السطور أن يقرأ معي، بفهم وبإحساس
جميعاً، أم كيف يقرأ!
إن من يقرأ بخط يد أنبا ميخائيل جمْعَه في أقصوصة ورق وبترتيب مثير لهذين
الشاهدين:
"لأَنَّ عَبِيدَكَ
قَدْ سُرُّوا بِحِجَارَتِهَا وَحَنُّوا إِلَى تُرَابِهَا" (مز102: 14)
"لأَنَّ كُلَّ أَيَّامِنَا قَدِ
انْقَضَتْ بِرِجْزِكَ. أَفْنَيْنَا سِنِينَا كَقِصَّةٍ. أَيَّامُ
سِنِينَا هِيَ سَبْعُونَ سَنَةً وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْقُوَّةِ فَثَمَانُونَ سَنَةً
وَأَفْخَرُهَا تَعَبٌ وَبَلِيَّةٌ لأَنَّهَا تُقْرَضُ سَرِيعاً فَنَطِيرُ" (مز90: 9-10)
·
يأسر
انتباهه أولاً الشاهد الأول الذي يلوِّح لذهنه بالتساؤلات: إلى أي حجارة سُرّ من
كتب الشاهد؟ وإلى أي ترابٍ حنّ؟؟ الإجبات تترى: الإجابة الأولى في موضع حفظه
للورقة في كتابه المقدس في مسكنه بل غرفة نومه في دير العذراء وليس أي موضع آخر..
الإجابة الثانية في أيقونة نحميا التي لم يوجَد لها مثيل تقريباً إلا لديه..
الإجابة الثالثة في وصفه لدير العذراء أنه حيث العائلة المقدسة أقامت ولا تزال
تًقيم.. الإجابة الرابعة في قوله أيضاً إن الدير هو هدية الرب لأمه العذراء تحيّة
لتذكار متاعبها معه في رحلة دخول أرض مصر هرباً من هيرودس وإنما قد بناه الرب على
يده.. الإجابة من الخامسة حتى المليون وبعدد من سمعوا أنبا ميخائيل يتكلّم عن دير
العذراء.. الإجابة هي دير العذراء بجبل درنكة الذي حنّ أنبا ميخائيل إلى ترابه
وسُرّ بحجارته، وليس عن التراب والحجارة من حيث هما وإنما عن التراب والحجارة من
حيث وُظِّفوا في خدمة إقامة بناء الرب ورفع صليبه أعلى ما يكون في كل الوادي.. هذا
هو سر السرور والحنين للحجارة والتراب اللذان دعياه إلى تأصيلهما كتابيّاً مُشوْهَدين
وكتابة الشواهد في ورقة ووضعها في قلب كتابه المقدس الموضوع أمامه في كل حين..
السرور والحنان معاً هما عمودا الحب الفائق للشئ المحبوب متمثلاً في السرور به في
حضوره وفي الحنين إليه في الابتعاد عنه، فأي حبٍ هذا للحجارة والتراب في وجوده وفي
غيابه لدى كاتب هذه الشواهد ثم أي عجب حين يكون هذا الكاتب هو أنبا ميخائيل؟! هذا
رأس استجلاء سر ما كتبه أنبا ميخائيل بخط يده في كشف علاقته العميقة مع دير
العذراء حتى مفرق النفس والروح منه..
·
ثم
تزيد الأسئلة بالنظر في ترتيب الشاهدين: لماذا يأتي شاهد من مزمور 102 قبل شاهد من
مزمور 90؟ وسؤال متصل: وما علاقتهما معاً أصلاً ما اساتدعى جمعهمها في أقصوصة
صغيرة؟ والعلاقة بينهما وترتيبهما يتفسّران معاً بكل بساطة أن الشاهد الأول هو
المعنيّ رأساً الذيوجد فيه أنبا ميخائيل شهادة كتابيّة لصحة مشاعره تجاه حجارة
وتراب دير العذراء، فلم يمكن ممكناً ان يمرّ الشاهد به عبوراً عارضاً بل استوقفه
وبادر بنزع ورقة بسيطة من كراس مقابله ليكتبه فوراً بخط يده ويحفظه في موضعه
الخصوصيّ هذا.. ولما كان حبه للدير وجه من العُمْلة الثمينة التي وجهها الآخر هو
شقاء متاعبه في بنائه حتى أنه مرّةً قال لي: "بقيت أكره لما اسمع حد يقول لي
فيه حاجة عاوزة تتعمل هنا أو فرصة تتعمل هناك"، ولما كان العناء بقدر الحب
وكلما زاد حبه للمكان زاد إحساسه بوطأة محدودية القدرة مهما فاقت بنعمة الرب الذي
قال بفمه لتلاميذه: "أما الجسد فضعيف" (مت26: 41).. من هنا
استدعى أنبا ميخائيل الشاهد الثاني راثياً هذه المحدوديّة الناغزة في أعماق نفسه
إزاء عظيم حبه للمكان ورسالته..
·
ويبقى سؤال سهلت الآن إجابته وإنما أضيفه معها
على سبيل التأمّل: ألا من مفاد لموضع حفظ الورقة؟ أجَلْ! فكأنما حفظ أنبا ميخائيل
لورقة تحمل صورة كتابيّة شاهدة لعلاقته بالدير على وجهيها، كأنما كان حفظه لها في
قلب الكتاب المقدس مُعادلاً رمزيّاً موضوعيّاً يُمثِّل مشاعره تجاه بنائه العظيم
أو بالأحرى بناء الرب العظيم على يده.. لقد وضع ذكره تلقاءً في قلب كتابه المقدس
مثلما هو في قلبه، فإنه كان يحمل ثقل البناء كلّه ناساً وحجارة وكل شئ، ومن كان
يدري؟! ولكن وإن مات فإن حروف حبر قلمه تتكلّم بعدُ، فيما حفظه الرب بعناية مدهشة
لورقة بسيطة خبّأها رجل الـله كل حين في قلب كتابه المقدس الذي يحفظه بدوره أمامه
كل حين في الدير، لتمكث الورقة الحاملة لمشاعر أنبا ميخائيل في قلب كتابه المقدس
كمُعادِل رمزيّ لحمله بقلبه هو للبناء كله، حتى أن من يقرأ الورقة فهو إنما
يقرأ مشاعر البنّاء جامعاً في شاهدين كل أطراف المعنى الشاهق: قيمة البناء، وعناء
البناء، وألم البنّاء من ضيق عمره وقدرة جسده تجاه ما يراه ويعتزمه من أجل توطيد
أسس وإعلاء هامات بنائه، لتجتمع هذه المعاني في معنى حملَهُ أنبا ميخائيل في قلبه
بأثقل وأحفظ مما حمل جبل درنكة دير العذراء!!! وبمناسبة وصول الكلام إلى حتى
هنا، فيجدر ذكر أن أنبا ميخائيل واصل برفات جسده الطاهر حماية عمله الذي عمله وهو
في أتعاب هذا الجسد قبل أن يفارقه بالروح، وليفهم القارئ!
وصيّة النفس
الأخير!! وأعمال مزيدة،،،،،
لم يكن لهذا الفصل مكان للنشر في حياة أنبا ميخائيل كما سيظهر من محتواه:
بعد عودة أنبا ميخائيل من رحلته العلاجيّة إثر مرضه الأول سنة 2007، عاد في خريف
2007 بعد رحلة علاجيّة وجيزة جداً ليتشافى بمعجزة ولا أعجز ليسارع بعدها آخذاً
منها مؤشراً سمائيّاً بسرعة اختتام كل ما هو مفتوح من عمله في خدمته الجبّارة
بينما لا تزال يده ثقيلة الحركة ولسانه غير مستريح الحركة!! في تلك الآونة نشط
أنبا ميخائيل ومحور أعماله كلها هو ختام وتأمين كل أمور دير العذراء الذي كان
بمثابة تاج كل خدماته الفائقة.. لقد كلّفني في سنة 2008 والبعض الذي لا يعرف الأسد
يظنون المرض يُعني عدم القوة ونقص الهمّة لديه، واحتاج ان أعود لمنصّة الشاهد
المباشر وانتقي أربعة أعمال خطيرة في هذه الفترة الأدقّ من خدمة أنبا ميخائيل:
·
لقد
باشر أنبا ميخائيل عمله من أجل الدير بسيامة أربعة كهنة للدير ولا تزال آثار المرض
الخطير بادية عليه.. ولقد أتى للدير خصيصاً يوم أحد ليُجري المراسم فجر الاثنين!
·
وفي
نفس اليوم وهو عائد للمدينة استدعاني وهو بعدُ في السيّارة ووضع عليّ تكليفاً أثقل
من الجبل!! إذ وهو ينظر لبعيد، ما لم أره وقتها، فقد أوصى شخصي المتواضع بالدير
كأمانة من يد الرب في عنقي، وأما ما قصده من هكذا وصيّة فهو ما كان يواصل الحديث
فيه قبلاً في لقاءات منفردة وما واصل بعدها الحديث فيه حتى أن الحديث عن الدير كان
يحتلّ فوق ثمانيم بالمئة من كل الكلام الذي كان يطول بالساعات ومرة على الأقل في
الأسبوع، ولقد أثمرت الوصيّة بمعونة الرب الذي بارك محاولة بدت مستحيلة بحسبما
تكلذم جميع المُحيطين وقتها[lxx]
!! ومن
المثير لي أنني تفاجئتُ حين وجدتُ بصدفة غريبة وقت تشطيب هذا الدرافت قبل عرضه
بأيام نوتا قديمة دوّنت فيها كلمات الوصيّة بصيغة خجلة، وفي تاريخها، كما وجدتُ
شريط العلامة الزرقاء على صفحتها كما تركتُه من سنين، ويزيد التعجّب أنني لم أكن
أكتب عادة أيذة مذكرات!!! وهذه صورة ضوئيّة للنوتا حفظاً لتذكار الصدفة
المُركَّبَة المثيرة هذه:
·
وفيما
هو يواصل إحاطة وصيّته لشخصي المتواضع بالدعم المتواصل عبر أحاديثه معي عن قيمة
الدير ورسالته وأهوال متاعبه في إقامته، حدث تطوّر خطير مفاجئ فاجئني أنا نفسى على
قدر معفرتي بجبروت أنبا ميخائيل! ذات مرة استدعاني ليلاً وكنت أقوم بخدمة درس
كتاب، لأدخل نحو العاشرة مساءً فأجد جبار الرب أنبا ميخائيل كانما لم يكن قائماً
من مرض يُعضِل أعتى الأبطال، وكلّفني بلغة قويّة بحسم مسألة أرض بانوراما الدير
التي طال أمر التعسّف والمماطلة من بعض الجهات طيلة 30 عاماً حتى ملّ الحبر من ورق
القضيّة، وأشهد أنني فوجئت لدى استعدائه لي بإقدام وهمة وعزيمة تعوز جبابرة في أوج
شبابهم حتى أشفقت على أولئك المعاندين[lxxi]
..
·
وما
كاد ينتهي من جولة الأرض، حتى التفت لكنيسة آبا يوحنا التاريخيّة.. كانت امتداداً
تاريخيّاً ثابتاً هو الأخطر في تاريخ الدير بعد تقليده العتيد بزيارة العائلة
المقدسة، بل هو الأثبت بمعايير التاريخ والتأريخ[lxxii]..
ولم يتوقّف الأمر على إنجازه التاريخيّ العظيم بشأن هذه الكنيسة، بل أدخلها بحكمته
الإداريّة الفذّة، التي طالما أخرج بها كل شئ من تقريباً لا شئ، إذ بعد الصلاة
الأولى في هذه الكنيسة الرئيسة واصل عنايته بالتنظيم الداخليّ للدير شاملاً توظيف
هذه الكنيسة الرئيسة أبدع توظيف، وبدأ فتح نقاش مع غيري ومعي شخصي المتواضع في هذا
الشأن، ودخل عمله في طور الفعل ما يعلمه غيري ويعلمون أكثر منه!!
هذه الفترة الدقيقة من خدمة أنبا ميخائيل بين مرضين خطيرين كانت بمثابة النفس
الأخير المتّصِل الذي أنفق جُلّه في إحكام حفظ حقوق دير العذراء! والرب الذي به
نُوجَد ونتحرّك ونحيا الرب الذي أوجد هذا العملاق حرّكه وةأحياه وأطال نفسه الأخير
هذا بمعجزة فائقة طيلة سبع سنوات ليترك كل شئ كاملاً ويحفظ الدير الذي بقي يحفظه
حتى باختياره لموضع مدفنه!!!
*+*
مُلحَقْ 1— مزيد من الأعمال الكبرى من أنبا ميخائيل وعنه
ألبوم،
كتاب مقالات، مديحة، فصل عن فضله
ثم لا ينحصر ذِكر فضل أنبا ميخائيل بشأن دير
العذراء في هذا الفصل الذي يقصر دون هكذا مهمة، فدير العذراء هو تعب أنبا ميخائيل،
وخدمة أنبا ميخائيل تبلورت في دير العذراء!
على أن خدمة أنبا ميخايئل بدورها لم تنحصر في
دير العذراء!!
ولعلّها فرصة في ختام هذا الفصل أن أُلحِق
بعض ما حاولتُ به توثيق ما غاض وزاد حتى فاض من عملقة خدمة أنبا ميخائيل، بحسبما
احتلتُ لتأريخها بأنواع وطرق عديدة:
صوراً، وترميماً لأوراق قديمة، ومديحة منظومة،
وكلمة بسيطة:
·
صوراً-
على قصور عددها حاولتُ تحويلها إلى تأريخ للتاريخ الذي لأنبا ميخائيل،
الفائق عرضاً وعمقاً وطولاً، في ألبوم: "إلى
منتهى الأعوام"[lxxiii]
,
·
ومقالات-
جمَّعتُها، في كتاب إلكترونيّ: "الكاتب المُعلِّم"[lxxiv] ،
لحفظ محتواها الثمين من غائلة الزمان لأوراقها
العتيقة،
·
ومديحة-
كتبتُها في لحظة فارقة لتجمع تاريخ أنبا ميخائيل بمعانٍ صلبة دون أن تخدش نعومة
لغة الشعر فيها، لتحمل اسم "نبدأ بيارب سلام"، وتُوضَع موضع
الجار اللصيق لبوابة مزار أنبا ميخائيل[lxxv]
،
·
ولم أنس بداهةً
تضمين بعض الأبيات في مديحة آبا يوحنّا عن أنبا ميخائيل،[lxxvi]
·
وأختم المُلحّق بكلمة
بسيطة- كتبتُها في فصل خصوصيّ بمُقدِّمَة
كُتٍّيب "آبا يوحنا"[lxxvii] ،،،،،
*+*
مُلحَقْ 2— خفاء أنبا ميخائيل في صور!!
إذاً هذا الجبّار العملاق الذي أسّس وادار كل
هذه الخدمة لرعيّة الراعي الصالح، ما كان حاله في إقامته في دير العذراء عاصمة
خدمته الكبرى العارمة الثقل؟ أي وسائل ترفيه وراحة يطلبها لنفسه الاحوج ما تكون
للراحة وقت خلوته؟
الكلام سيكون بالصور!! والصور لن تحمل مفاجأة
لعارفي شخص أنبا ميخائيل، وإن كانت ستحمل سرور رؤيتهم لحال اتّضاع وبساطة عملاق
خدمة الرب في أجياله.. وأما المفاجأة فهي من نصيب من لا يفهمون من أمور الداخل إلا
ما يقيسونه بمساطر شهوة السلطة ولا يعرفون من مذاقة سِفْر خدمة الرب إلا حلاوته
على اللسان.. وبعدُ، فهذه صور موضع إقامة أنبا ميخائيل يقول الكاتب لهذا إنه شاهد
بنفسه عليها حيث طالما اتفردتُ في الاجتماع مع شخصه العظيم بدعوته الكريمة، وحيث
كانت عنايتي في يوم رحيله عن الأرض أن أدخل لأحفظ في عين الكاميرا ما رأيته
بعينيّ نفسي وطالما تواجدتُ فيه مع أنبا ميخائيل
في استقبالاته الكريمة، قبل أن تزول آثار موضع الرجل العظيم أو قبل أن تُغلَق
الفرصة للدخول والتصوير، فكانت هذه الصور:
لم
يكن له أين يسند رأسه... إلا بجوار وسائد تُشرِق فيها أم النور حاملة ابنها!!
هذا
سرير نوم أنبا ميخائيل وقت إقامته في دير العذراء في خلوته الأسبوعيّة،
ومن
كان غرفة سريره تلك فما العجب أن تكون منضدة طعامه هذه؟
له
طعام ليأكل ليسوا يعرفونه،
ثم هذه الصالة البسيطة وفقط حينما كانت غرفة
نومه تنشغل بأدوات علاجه كان يخرج لقضاء مهامّ اجتماعه مع من يستقبلهم.. كان يجلس
على الكرسيّ اليمين الأقرب للباب الداخليّ أسفل أيقونة الملاك ويجلس ضيفه على
الكرسيّ شِمال الصورة..
ومن هذه الدائرة اليوميّة العميقة البساطة كان
يخرج لتحيّة الناس ومباركتهم بعلامة الصليب المُحيي المنير دائماً في يده
الرسوليّة الكريمة.. فمن لم يتبارك بهذا الصليب وباليد التي ترفعه؟!
ويختم خطُ يد أنبا ميخائيل الفصل برسالة سلام
المسيح[lxxviii]
الذي ملأ نفسه وروحه داخلاً وخارجاً حتى فاض وملأنا به،،،،،
دير
العذراء بدرنكة: بيت ضيافة العائلة المقدسة- باب 6
ديرالعذراء
ونافذة السماء المفتوحة فوقه
مجده عليكِ يُرَى
قد تتكرّر بعض نقاط فصل "شهادة السماء"
(من الباب الثاني)
هنا لتداخل مادة الموضوعين
استعنتُ في هذا الفصل بفهرس
الروابط السابق تقديمي لها هنا
كل
حجر على حجر في بناء الدير يحكي معجزة.. معجزة منح من خطّط له القوة على
التفكير والطاقة على مواصلة التطوير رغم كل المعوِّقات.. معجزة صبر من حمله، وصبر
من وضعه.. معجزة ثباته في موضعه... إن سكتت معجزات الظواهر الخارقة للطبيعة
فالحجارة نطق بمعجزات عمل الرب ومعونته الفائقة على طاقة الإنسان!!
هكذا كنتُ أُجيب أي من يسأل عن ":المعجزات بحسب الشغف القبطيّ المفرِط في
التلذّذ بأخبار المعجزات..
وكنت أجيب هكذا لعلّتين: لأن الإفراط الزائد مخالف لتعليم الرب، فالآيات تتبع
المؤمنين لا هم يتبعونها، وإلا طغت على لُبّ الإعجاز في الإيمان المسيحيّ ألا وهو
عمل الروح القدس في النفوس لا في المادة.. وأيضاً فلا ينكر واحد أن الإفراط في
تداول وتعاطي أخبار المعجزات بغير اعتناء بقانون "امتحان الأرواح" (1يو4:
1) و"فحص كل شئ" (1تس5: 21) بحسب وصايا الإنجيل، هكذا إهمال
فإنما صيَّر للمعجزات "سوق" دخل فيها غشّاشون أو مستهزئون.. فلهكذا
دواعٍ كنت أتجنّب الحديث في معجزات وتجلّيات خلا المعروف والمشهور للكل، وأشير
لمعجزات كل حجر في الدير!
على أن الواحد يفعل هذه ولا يترك تلك، وفي الكتاب موضع لفصل بمعجزات وتجلّيات
مُوثَّقَة لعل منهجها يكون في ذاته تعليماً لتنبيه الناس إلى كيف يتعاملون مع
أخبار المعجزات.. الفصول الداخليّة في هذا الفصل المثير مُرتَّيَة بزمن المعجزات،
وإنما هنا ما ينبغي التنبير عليه منفرداً وسابقاً:
شهادة أنبا
ميخائيل والأم إيريني أولاً!!!!!
راعيتُ الترتيب الزمنيّ للشهادات المتوفّرة لكبرى التجلّيات والمعجزات المُسجَّلَة،
وهكذا ترتيب هو الأليق توثيقيّاً فيما أحسب، على أن إغفال إبراز شهادات بصوت أنبا
ميخائيل وبكلمات الأم إيريني لا يمكن إغفال إبرازه فوق الكل أيّاً كان معيار
الترتيب، فأبدأ بتقديم الإشارة إلى تضمين الترتيب الزمنيّ تسجيلات
بصوت أنبا ميخائيل،
وفقرة
من كلمات الأم إيريني،،،،،
شهادة الشاعر
القبطيّ مراد سلامة خليل
يحكي الشاعر مراد سلامة خليل عمّا تناهى لعلمه من قصة لصّ سرق أوانٍ من الدير،
وسرعان ما وقع عليه اتهام بجريمة لم يرتكبها!! وأصدرت النيابة قراراً بحبسه الذي
فيه راجعه ضميره فأوعز لأحد أقاربه بإعادة المسروقات للدير، لتظهر بعدها برائته من
الجريمة التي لم يرتكبها.. ولقد حكى لي أنبا ميخائيل قصة مشابهة عن سرقة سجاجيد
للدير وإعادتها وإن لم يذكر لي خلفيّات اتهام السارق، ولعلها هي نفس القصة أو
لعلها قصة مشابهة..
وبضيف الشاعر مراد قصة ثانية تناهت إلى سمعه عن أحد جيران القس القائم بخدمة
حاجيات الدير عندما طمع في الحمار الذي يستعمله القسّ لنقل احتياجات الدير، فسرقه،
(وهو ما كان ليعطِّل خدمة الدير في زمن عوز مدقع)!! ويضيف الشاعر : "وتشاء
الصدف العجيبة" (والصحيح أن الصُدف لا تشاء ولكن المشيئة هي لضابط الكل) أن
ابن السارق يموت في اليوم التالي، فلمّا ذهب القس الخادم للدير لواجب العزاء اعترف
له الجار مع زوجته بسرقتهما وأعادا الحمار له[lxxix]
..
ويلي صورة ضوئيّة للصثفحتين المعنيتين من كُتيِّب "رحلة إلى دير
العذراء" للشاعر الشاهد:
شهادة ميناردس
لم
ينس ميناردس في فصله عن دير العذراء بناحية درنكة في كتابه "ألفا سنة من المسيحيّة
القبطيّة" أن يثبت أن المُحتفِلين يبلغون عن الكثير من التجلّيات..
والنصّ الاصليّ بلغته كما أورده ميناردس مع مرجعه في هذا الهامش[lxxx] ..
*شهادة الأم
إيريني*
دير العذراء على
الخريطة "السياحيّة" السمائيّة!!
سُئِلَت الأم إيريني من إحدى بناتها عن السوّاح واماكن تواجدهم، فأجابت: "أماكنهم
مخفية عن العين.. نلاقيهم في مجموعات.. مجموعة في جبل الأنبا انطونيوس وفي سمالوط..
وفي جبل المحروسة ودرونكة (وردت بهذا الهجاء) بأسيوط ..."[lxxxi] ..
إذاً موضع دير العذراء هو أحد المواضع المعدودة والمعلومة لتجمّعات السوّاح
الفائقي البرّ بين الكنيسة على الأرض!!
إذاً حقّ إضافة هذا التشبيه لمن يقبل شهادة الأم إيريني، ومن يستطيع المجادلة، حقّ
إضافة هذا الوصف لدير العذراء بدرنكة أنه على الخريطة السياحيّة السمائيّة فوق كل
خرائط ومشاريع الأرض!!
ولقد اتّصلت بشهادة الأم الغنيّة عن الشهادة، اتّصلت بها قصة طريفة في مضمار
خلفيّات جمع مادة الكتاب! لقد راجعتُ مع أنبا ميخائيل شهادة الأم إيريني عن أن
درنكة هي واحد من ثلاثة مواضع في مصر للسوّاح الأبرار، فاستفسر مني عن سر حماستي
الظاهرة لهذه الشهادة! فأجبته: لأنها مثل شهادة يوحنا المعمدان.. فأبدى تعجّبه
واستفهم عن وجه الشبه، فأجبته بلغة لا تخلو من المرح: إن هذه الشهادة الثمينة في
مواجهة أولئك المعاندين للدير ولقيمته الروحيّة يشبه على نحوٍ ما إجابة الرب
للفريسيّين الطالبين اصطياده بكلمة، حين سألهم عن معموديّة يوحنا من الـله هي أم
من الناس؟ بالمثل (وإن لك يكن بالسويّة) يكون حالهم أمام شهادة الأم إيريني: إن
قالوا من الـله إذاً أقرّوا بقيمة الدير الفذّة روحيّاً وإيمانيّاً، ولو قالوا من
الناس لرجموهم، فإذاً سيصمتون!! "دي الأم إيريني يا سيدنا"!!! وهنا
امتلأ فم أنبا ميخائيل ضحكاً ولسانه تهلّلاً على هذا التشبيه J
@شهادات أنبا
ميخائيل بصوته@
اجتهدتُ مبكراً وقبل تكليفي بكتابة هذا الكتاب بتجميع كل ما عَرَضَ لي من شهادات
بصوت أنبا ميخائيل عن تاريخ الدير وتجلّياته.. ومن ثمرة هذا الجهد الذي باركه الرب
معكم هذه اللقطات:
·
1968:
ظهور الأنوار على
منارة كنيسة العذراء المعروفة بكنيسة المنارة
www.mediafire.com/file/ijaby4aqlubebts/hganbamikhail-on-68_090901mp3
(ويجدر
ملاحظة أنها سنة تجلّيات طيف العذراء فوق قباب كنيستها بحيّ الزيتون بالقاهرة)
·
1999:
تتوه بين التجلّيات الكبرى لقطة كلمني أنبا ميخائيل عنها باعتزاز خصوصيّ هي سرب
الحمام عجيب التشكيل الذي ظهر على سماء الدير في احتفال أغسطس 1999، وصورته ظاهرة
في ديمو عرض هذه
الاسطوانة
التي تشمل كلمة أنبا ميخائيل بتاريخ 19 أغسطس 1999 ويشير فيها لطيف الحمام
بنفسه[lxxxii]
·
1968
و2000 و2001:
شهادة شاملة للتجلّيات
في كلمة من أنبا ميخائيل [lxxxiii]
·
2001:
أنبا ميخائيل
يحكي عن النور ويداعب عشرات ألوف المحتفلين بينما النور يوالي الظهور[lxxxiv]
·
أنبا
ميخائيل يقود حواراً مع شخصي المتواضع في اجتماع خُدَّام الدير (يشمل تقليد الدير)[lxxxv]
تسجيلات بأصوات
أصحابها
ولقد حجزتً وجهزتً مبكراً لهذا الفصل في الكتاب.. فصل تسجيل معجزات بأصوات
أصحابها.. استأذنتُ أنبا ميخائيل في تسجيلي للمعروفين لدى الدير والذين طالما
نُسِبَت لهم رؤيا تجلّيات حكوا عنها طيلة زمن
لم
يكن ثمّة تسجيل إلا ذاكرة السامعين.. لقد آن أوان تحويل الذاكرة الشخصيّة إلى
ذاكرة إلكترونيّة مكتوبة، ومن هنا باشرتُ تسجيل أبرز القصص الرائجة من أفواه
المتوفِّرين من شهودها المباشرين..
وهذا رابط لملفّ مضغوط به خلاصة ما
أسعفني الوقتُ والجهدُ في تحصيله[lxxxvi]
..
على أن هناك ما توفر من شهادات ما لم أطمئن لدقة أصحابها، فأعفيت نفسي من دمجها
فيما اطمأنتتُ له، مكتفياً بنماذج ما وثّقتُه من شهادات للسامع أن يقيِّم جدارتها
بدوره..
تجلّيات سنة
2000
يكافئ شهرة تجلّيات كنيسة مار مرقس سنة 2000 كثافة شبكة روابط تحميلات بعض مشاهدها
في هذا الملفّ:
https://www.4shared.com/office/Tpbxc0Chgm/Introductory-FB-Links-Appariti.html
وفي هذين الفولدرين حيثما وقعت عين الناظِر أو يد المتابِع على سطر سيجد عجباً من
مشاهد وصور وتأمّلات في التجلّيات وملاحظات عن مجهود إنتاجهم:
https://www.4shared.com/folder/B0qOMBSL/A_Miracle_of_2_Mellinnia_CD-DV.html
https://www.4shared.com/folder/vskeEgDq/Rep13-17-35_Miracl.html
لقد
سبق في فصل "شهادة السماء" (من الباب
الثاني)
الاستفاضة في إبراز أوجه دلالات هذا التجلّي غير المسبوق في التاريخ[lxxxvii] ،
والذي استأذن القارئ المُتابِع في تكرار غير ممل لبعضه للياقة ربط السياق حتى يقوم
الباب بنفسه شاملاً للمعجزات والتجلّيات الرئيسة (ولا داعي لتكرار هذه الملاحظة في
الفقرتين التاليتين عن تجليات 2001 وشهادة بول بيري)..
كانت تجلّيات سنة 2000 التي امتدت حتى ربيع 2001 واتّصلت حتى بصورة بول بيري، كانت
تجلّيات ممتلئة رسائل في كل عناصرها: موضعها ويومها وشهرها وسنتها!!!!!
إنه التجلّي الذي بدء الانتباه القاطع له في عشيّة عيد التجلّي، بينما كان
الاحتفال جارٍ في دير العذراء بصومها، وفي سنة 2000 جينما كانت تحتفل الكنيسة
القبطيّة بتذكار ألفي سنة على زيارة العائلة المقدسة لأرض مصر، فكان هذا التجلّي
على قباب وجدران كنيسة مار مرقس القائمة على كوم عباس حيث رأس الطريق المؤدس إلى
مغائر الجبل الغربيّ، الطريق الذي طالما قطعه الناس عبر آلاف السنين للجوء للمغائر
هرباً من شر الفيضان، لتقطعه فيما بعد الأجيال المسيحيّة سيراً على الأقدام في
عشيّة يوم صوم العذراء الأخير لا هرباً من خطر فيضان ولكن طلباً لبركة فيضان
النعمة، وهو الطريق الذي قطعته العائلة المقدسة مع أهل المدينة مرّةً!! كوم عباس
الذي في موضع تجمّع الجمهور والذي صار مرّةً موضع حضور العائلة المقدسة مع الناس،
هذا صار أخيراً موضع إقامة كنيسة مار مرقس التي انتهت إليها في أواخر الدهور
تجلّيات غير مسبوقة في كل الدهور!!!! إنه التجلّي الذي استدعى كل محطّات الإعلام
الأعلى في العالم لتنقل البث المباشر من إعلام السماء!!!!!
تجلّيات سنة
2001
هذه التجلٍّيات التي جرت مبهرة في قلب ساحة الدير في ذات وقت كلمات أنبا ميخائيل
المعتادة في دورة الاحتفال بصوم العذراء، فوق تميّزها في كثافة النور وجبروته وفوق
تميّزها في ظهورها امام المحتفلين بجموعهم المحتشدة وفوق تميّزها بتوقيت ظهورها،
فإن كل هذا التميّز استدعى تميّزاً مُثلَّثاً غير مسبوق في طريقة الاعتراف الرسميّ
به، حتى أنه حظي بالاعتراف على أعلى مستوى كنسيّ (المستوى البابويّ مباشرةً)! وفي
ذات وقت حدوثه (أغسطس 2001)!! وبالتليفون (حيث كان البابا شنودة وقتها في
كاليفورنيا فأعلن الخبر في كنيسة مار مرقس بلوس انجلوس)!!!
وليس إلا بعد أيّام حتى نُشِر الخبر في مجلّة الكنيسة القبطيّة الرسميّة، بتاريخ
14 سبتمبر 2001[lxxxviii]
،
ومما
قيل فيها: "كان يظهر نور سماوى شديد وواضح جداً أثناء الدورة (من حوالى
السابعة حتى الثامنة والنصف) ... وبعد الدورة يلقى نيافة الأنبا ميخائيل كلمة على
جموع الشعب. وعندما يرفع الصليب ليبارك الجموع يسطع النور السماوى من الصليب
وبوضوح على عشرات الآلاف".. ولماذا اقتطاع فقرات؟! لقد سبق إيراد صورة
ضوئيّة ملوّنة للمقال كاملاً
في فصل "شهادة السماء" من باب
"دير
العذراء وقدس أقداس تاريخ مصر"..
وبجمع تجلّيات سنتي 2000 و2001 واجتماعهما معاً متصلين بدير العذراء، يفهم
المتأمِّل بنعمة الرب رسالة السماء التي تبارك ختام ألفيّة ثانية ومطلع ألفيّة
ثالثة عبر بداية ونهاية خط رحلتها من المدينة إلى الجبل، وهو الطريق المعروف
تماماً الواصل بين كوم عبّاس (موضع كنيسة مار مرقس) ومغارات جبل أسيوط الغربيّ حيث
يفيد التقليد التليد والنقيّ من الشوائب بإقامة العائلة المقدسة هنالك.. ولقد أكرم
الرب شخصي المتواضع بتقديم هذه الفكرة في تسجيل تليفزيونيّ[lxxxix] ..
تجليات 2000
و2001 ورابط مشترك للكل
وكان من ضمن إنتاج المكتبة الإلكترونيّة[xc]
، عدة اسطوانات عن تجلّيات سنتي 2000 و2001، أجمِل الإشارة إليهم برابط فولدر شامل
لهم[xci] ..
بول بيري 2002
مرة ثانية يعود الحديث لمعجزة سبق توظيفها في فصل "شهادة
السماء"
لإظهار دلالات شهادات السماء لتقليد الدير، وهذه المرّة ستتميّز بما يوافق عنوان
هذا الباب بالتنبير على لا مجرّد الشهادة لصدق التقليد وإنما ملاحظة خصوصيّة دير
العذراء بجبل درنكة في تقديم علاقة الكنيسة القبطيّة بالعائلة المقدسة!!
ففي كتاب بعنوان "يسوع في مصر"، يتحرّى فيه كاتبه عن تقليد زيارة
العائلة المقدسة بحسب المحفوظ في "التقليد" فإنه لم يجد ولا برهان بل
ولا دليل بلا ولا إشارة ملموسة على صحّة أي موضع خلا حينما وصل إلى كنيسة مار مرقس
القائمة على رأس طريق الصعود للدير كما تكرّر شرحه في مواضعه..
وهنالك وهنالك فقط ظهرت له صورة!!
لقد شعر أولاً بالإحباط حال كون الموضع حديث البناء وهو الذي شغف بمواضع أثريّة
قديمة، على أنه التقط صورة لأداء الواجب، لتظهر له في الصورة صورة وأي صورة!!!
كانت إذاً الصورة الوحيدة المتصلة مباشرة بزيارة الرب الإله الظاهر في الجسد لأرض
مصر في كل الكتاب.. مؤلف اكلتاب نفسه لم يلحظ هذه الحالة الاستثنائيّة في كتابه،
خلا أنه انبهر بالصورة فأسرع بمخاطبة أنبا ميخائيل وحرص على تفصيل القصة التي منها
أنقل التفاصيل[xcii]..
لا ينكرّن عاقل أن الرب بارك كل أرض مصر وكل نيلها، وحتماً هو قد عبر في الطريق
الطويل الشاق بمدن وقرى كثيرة، ولكن الحديث هنا عن خصوصيّة موضع بعينه في كرامة
الرب له، مصداقاً لكلمة أنبا ميخائيل عن إقامة العائلة المقدسة بمغارة الدير أنها:
أقامت
ولا تزال تقيم
شاهدتُ وأشهد
لنافذة السماء
عنوان الفقرة مُركَّب من عنوان مقالين كبيرين كتبتُهما: "شاهدتُ وأشهد"،
و"نافذة السماء فوق دير العذراء"، شهادة مني لما شاهدتُ من تجلّيات
السماء فوق دير العذراء، وأنا ما أنا ولكن نعمة السماء وتكليف أنبا ميخائيل الذي
أوصاني بكتابة ما كنت لا أحب كتابته..
ولكن ما يريد الرب يكون، وهذا رابط للمقالين للراغب في تجميلهما:
·
شاهدتً وأشهدُ!![xciii]
·
نافذة السماء فوق
دير العذراء!![xciv]
·
مجلد مجموعة
تقارير التجليات الإعجازيّة
وبه مزيد فوق المقالين[xcv]
،،،،،
دير
العذراء بدرنكة: بيت ضيافة العائلة المقدسة- باب 7
دير العذراء الآن[xcvi]
كما كان وهكذا يكون الآن وكل أوان
إذاً بعمل رجل واحد جمع الهمة والرؤية وقام بالمهمة المستحيلة ضد
الطبيعة برداً وحرّاً والمحاربات داخلاً وخارجاً قامت فوق جبل أسبوط الغربيّ مدينة
نازلة من السماء متربّعة في حضن الجبل وفي القلب منها موضع سكنى العائلة المقدسة
التي أقامت هنا يوماً ولا تزال تقيم..
وليست منفردة تقيم العائلة المقدسة محتكرة للمكان، بل كما سبق
ورافقت بسطاء عائلات أجدادنا في منفاهم الاضطراريّ، فلا تزال ترافق زوار وخدام
الديسر في مقامهم فيه.. ومثلما سبق واستضافت عائلات القديم العائلة المقدسة فهي
الىن تستضيفهم في هدية الرب لأمه على يد أنبا ميخائيل!!
وهذا وصف الدير الآن وأعمال الرب فيه من أجل شعبه وضيوفه جميعاً:
زوّار الدير
أحضان الدير دائمة الترحاب والرب يتعهّدها بمزيد الاتّساع، حتى أن كل من يُقبِل
للدير لا يُخرجه خارجاً وكل من يُقبِل إليه يٌقبَل من أبوابه المفتوحة، ليجد فيه
شهادة للرب ولنعمته وعزائه..
طالما سمعتُ من زوّار رسميّين أن المكان يدعو للعودة إليه، حتى سمعتها من سفير
الولايات المتحدة "فرَنسيس ريكاردوني" ذات مرّة في زيارة طلبها هو وأتى
الدير مع زوجته، وقال لي فيما قال إنه سبق له زيارة الدير وهو مساعد لـ"فرانك
وِزنَر" والآن مع زيارته الثانية لا يزال يستشعر بنداء الدير وأثره!!![xcvii]
على أن الدير مفتوح للجميع لا يميز سفيراً عن غفيراً في البركة التي هي عطيّة
الرب..
في أيام الآحاد والجمع مع القداس الإلهيّ فإن الزيارات تكون في المتوسّط بالآلاف
الكثيرة، وأما في الاحتفالات الكُبرى، مثل الجمعة العظيمة واحد الشعانين وصوم
يونان، فإن المُصلٍّين يصلون لعشرات الآلاف، حتى غذا ما أتى شهر الاحتفال
بالعذراء- شهر أغسطس، فالأعداد لا يمكن المبالغة فوقها!!
ولقد أشرتُ مرّة في استقبال رسميّ إلى ما قاله التليفزيون المصريّ في برنامج
"هو فيه إيه" إن الزوّار يصلون مليونين، وأضفتُ لعل العدد المذكور لا يخلو
من المُبالَغَة وعدد الزوّار يُقدَّر بكل ثقة بعشرات الآلاف في اليوم ما يصل بمجمل
الاحتفال إلى نحو المليون، فعلّق أحد المسئولين من المحافظة وقال: "قل مئات
الآلاف في اليوم نحن في المدينة نعرف العدد أكثر لأننا نشعر بضغوط الزوّار من خارج
المحافظة"..
الاحتفال السنوي
الاحتفال السنويّ في صوم العذراء حافظ ويحافظ على روحانيّته المذهلة وبهاء نظامه!!
وإذ لا تزال الأعداد تفيض والجموع تزيد من أنحاء العالم فلا أثر سلبيّاً للأعداد
الحاشدة..
بل بقدر امتداد الأعداد ومع التنوّع الكبير للزائرين اجتماعيّاً ودينيّاً وجغرافيّاً،
فتبقى سمة الهدوء والخشوع مع السمة الأشهر في الاحتفال التي هي تسابيح مُرتِّلي
الإيبارشيّة التي تصدح في الجبل فتزداد فوق عذوبتها هيبةً وبهاءً، ولاسيما
"الماركة المُسجَّلَة" لصوت المرتِّلة سوسنّة الذي يملأ الجبل بصوت
الروح العذب المعزِّي، لتُختَتَم فقرات إذاعة التراتيل بعظمة بصوت أنبا ميخائيل
لتكون أغنى الوجبات دسماً على مائدة الاحتفال الروحيّة لختام يوم ممتلئ بكل غذاء
وعزاء وحلاوة ثمار الروح..
استقبال الخلوات وخدمة الكلمة
أوصى أنبا ميخائيل شخصي المتواضع ذات مرّة مبكراً بأن أكون مستعداً دائماً لتقديم
كلمة روحيّة في أي وقت للخلوات التي تفد.. وقال لي قد يأتون حتى من كنائس أُخرى
والقاعدة أننا نُقدِّم شهادة لإيماننا لجميع من يطلب أن يستمع..
ذلك أن الدير كان يستقبل خلوات وأيّام روحيّة يقيمُهما كثيرون ملتمسين بركة المكان
والتمتّع بالذوق الرفيع في إقامة أبسط المباني المجهزَّة بالقاعات على الجبل..
وبالأولى كانت خلوات كنائس الإيبارشيّة وخلوات الأُسَر الجامعيّة للمدينة تفد
بانتظام للدير، وشغف كل هذه المجاميع المتنوِّعَة لم يكن يقطعه ولا حتّى متاعب
بناء هنا أو حركة ترميم هناك، ويشهد على ذلك كثير من التسجيلات لكلمات الخلوات..
المكتبة الإلكترونيّة
المكتبة الإلكترونيّة مشروع كبير بدأ بتكليف أنبا ميخائيل لشخصي المتواضع وحرصتُ
في كل إنتاجه على توقيعه بختم: "المكتبة الإلكترونيّة- من خدمة دير
العذراء".. وكنتُ أعتبر الـ"ستيكرز" الخاصّة بالمكتبة هي بديل
للتوقيع باسمي الذي لم أستعمله قطذ في كل إنتاج المكتبة، والذي لا يُلزمني بالحديث
عن إنشائي لها ولكل إنتاجها من الألف للياء إلا لتغير دوري الآن من خادم في الدير
لشاهد لا ينبغي له أن يُهمِل أي ما يدعم شهادته من توثيق..
كان التكليف ببدء عملها مفاجئاً وفي ظروف حرجة قبل أغسطس بأيام وكان المطلوب إنقاذ
مكتبة الإيبارشيّة كلها من العجز عن تقديم الاسطوانات المناسبة والصالحة للعمل..
كان للخدمة التي انتمت لدير العذراء فضل الإنقاذ ثم فضل التثرية والإغناء
لاحتياجات أبناء الإيبارشيّة مع زوّار الدير..
ولقد أثار نجاح المكتبة طمع بعض من يعوزهم النجاح فحاولوا اختلاس بعض غنتاجها
لأنفسهم ولكيانات حاولوا إنشائها، فلزم الدفاع عن انتماء المكتبة لدير العذراء كما
أراد من كلّف بها ومن أنشأها وأصدر كل إنتاجها لها..
ومع كونها مركز خدميّ يفترض طلب الإنفاق عليه إلا انها غطّت كل تكلفتها في سنة
وبضع أشهر، مع تخفيضها لتكلفة كل إنتاجها، وكان شعارها:
جمال جدوى جودة Fairness Feasibiliy Fidelity
ولم تصدر نسخة واحدة لم تعمل!!
وصدر باسم "المكتبة الإلكترونيّة- من خدمة دير العذراء" اسطوانات
عظات أنبا ميخائيل بعد تعديل أسماء ما صدر قبلاً منها بطلبه إذ وضع لي معايير
معينة لإعادة تسمية العظات[xcviii]،
وألبوم "إلى منتهى الأعوام" الذي كان عملاً غير مسبوق حوّل قليل من
الصور المتاحة ذات التنوّع المحدود إلى تأريخ شامل لسيرة أنبا ميخائيل مما تمتع به
العمل من حيل فنية للتغلّب على عوامل المعاوقة[xcix]، وكتاب إلكترونيّ لحفظ مقالات أنبا ميخائيل القديمة
بعنوان: "الكاتب المُعلِّم"[c]،
وسبق كل هذا إصدار تجلّيات سنة 2000 الشهيرة بنسخة إنجليزيّة مع إعادة "صوت
الجموع" الذي تم إتلافه في إنتاج سابق، ولقد صَدَرَت التخلّيات بنسخة DVD بعنوان: A
Miracle of 2 Millennia ونسخة
CD بعنوان: [ci]Documnentary on a
Rapturous Event،
ومن
إنتاجها المتميّز التنقية الصوتيّة لشرائط قديمة ثمينة[cii]،
وتواصل الإنتاج حتى صدرت أكثر من ستين اسطوانة متنوّعة لكل أنواع الخدمة الكنسيّة
الممكن إصدارها على هذا النوع من الميديا..
إن "المكتبة الإلكترونيّة" بنت دير العذراء نشات فيها وقدمتما لم يسبق
تقديمه وعالجَت ما سبق إتلافه نشأ في الدير وصدر إنتاجها منه[ciii] ..
الإعلام على أعلى وأعلَم درجاته[civ]
لا أعلم إن كان ثمّة قنوات أكبر أو تنوّعاً إعلاميّاً أوسع من تقاطر قنوات مثل CNN وBBC (العالميّة والخدمة العربيّة كل على حدة) وZDF
وNational
Geographic مع البرامج الرئيسة للقناتين الأولى والثانية المصريّتين مثل
"صباح الخير يا مصر" و"البيت بيتك"، والقناة الثقافية، وقناة
البحث العلميّ وقنوات خاصّة شهيرة بلا حصر!! وإذ ليس أكبر ولا أبعد اتّساعاً من
هذه الباقة إعلاميّاً فإن الدير الذي كان بؤرة تهافت الإعلام العالميّ والوطنيّ
كان هكذا دون دعاية من جانبه أو طلب..
كان سرّ كرامته من بارئه الربّ ودعوة الجذب الصادرة منه من الروح الذي أعان باينه
ودعم خُدّامه الأُمناء..
حتى أن من فاته فهم هذا من بعض الجهات وتحايل لطلب دعوة للتصوير كانت الإجابة له:
"مثلما أتَت مؤسستكم الإعلاميّة من تلقاء نفسها ووجدتَ ترحاباً فإن كثيرين
مثلها وأكبر وأقلّ يأتون ويجدون ذات الترحاب، وفوق الترحاب ينالون المساعدة، وأمّا
دير العذراء الفائق الكرامة فإنه بقي ويبقى بنعمة الرب دائماً مطلوباً لا طالباً[cv]
..
معقِل الوَحدة الوطنيّة
لم يُجمِع المصريّون على محبة شئ أو فرد واحد بعينه لصفاته وشخصه جميعاً إلا شخص
العذراء مريم!
ولا يظهر هذا الاتحاد مثلما يظهر في احتفال دير العذراء!!
وعند الانتباه لهذه الدلالة الظاهرة في احتفال الدير كرّرت من ثَمَّ القول للقنوات
الإعلاميّة المصريّة: "ههنا منجم لمشاهد الوحدة الوطنية تحت جناحي العذراء
مريم التي هي مَعقِل الوَحدة الوطنيّة الباقي لمصر"!!!
فلا عجب أن قنوات الإعلام طالما كانت تهرع للدير مع كل توتر طائفيّ من تلك التي
كانت تتكرّر في مطلع الألفيّة، مُلتمِسين في مشاهد الدير مياه العذراء النقيذة والغنيّة
لإطفاء نيران الشرّ..
ركائز ومُشتَمَلات الدير
الدير يقوم أساساً ورأساً على حول المغارة التي يُفيد التقليد العتيد أنها كانت
موضع إقامة العائلة المقدسة عند مجيئها لمصر، والتي كان وما يزال يقوم أمامها
كنيسة تجدّدت غير مرّة عبر التاريخ الطويل..
ولمّا
كانت كل الكنائس والمذابه باسم العذراء، فإن تسمية الكنائس والمذابح تميّزت عن
بعضها البعض بتسميتها بموضعها أو بوظيفتها:
+ كنيسة
المغارة (بموضع المغارة الكُبرى)
+ المنارة
(الكنيسة المقابِلة للمغارة التي تميّزت بمنارتها التي أضاءت وعلّمت المكان)
+ كنيسة
المعموديّة (بمغارة صغيرة متصلة بالمغارة الرئيسة وتختصّ بخدمة المعموديّة)
+ كنبسة
الميدان (موضعها في ميدان منعطف الطريق الصاعد لساحة الدير قبليّ "مبنى
السفينة")
+ كنيسة
القربان (وتواجه "بيت لحم" او موضع خبز القربان)
+ كنيسة
المقصورة (كنيسة صغيرة للقداديس العاجلة، وموضعها حجرة بحريّ المغارة الرئيسة)
+ كنيسة
المكرسين (بمبنى المُكرَّسين وتثقام بها تسبحة وقداديس المُكرَّسين الخاصّة)
+ كنيسة
الميلاد (يُصلِّي بها خدام الدير قُدّاس عيد الميلاد)
+ كنيسة
القيامة (قبليّ كنيسة الميلاد)
+ مذبح غربيّ مدفن
أنبا ميخائيل بين كنيستي الميلاد والقيامة
+ كنيسة
آبا يوحنا (تبعد بين 600 إلى 700 متراً بحريّ المغارة بموضع إقامة آبا يوحنّا
التاريخيّ)[cvi]
+
كما ويتبع الدير أرض البانوراما[cvii]
، وقد تم تملّكها وتسويرها بنعمة ربنا، وتتبعه أيضاً الأرض المُشجَّرَة بحريّ أرض
البانوراما يفصل بينهما الطريق الصاعد من باب الدير الخارجيّ، ولقد تم تشجير هذه
القطعة لاستيعاب مياه..
في الهامش السابق رابط لأبرز وثائق مجهود العمل الذي باركه الرب، وفي الصورة
التالية تصوير من أعلى للأرض بعدما تم تملّكها وتسويرها بنعمة الرب التي أعانت
مجهودشخصي المتواضع لهندسة إدارة المعمعة القانونيّة والإعلاميّة والفنيّة لاستعادة الأرض في أقل من أسبوعين بعد فشل محاولات طالت قبلاً
لثلاثين عاماً:
خدمة المعموديّة
إن عمق ارتباط الدير بخدمة المعموديّة عبر إقليم الصعيد كلّه وشاملاً لجُلّ من
ينتمون بجذورهم له مهما تباعدت أماكن إقامتهم إن هكذا عُمق يعاود بسط أوراقه
الزاهرة كلّما أتى واحد من أميركا وأوروبا والخليج مثلما من داخل محافظات مصر
لإيفاء تسويغ أوراق الإكليل طالباً شهادة معموديّته التي جرت في الدير من عشرات
السنين!!!
لتزيد شواهد عمق الارتباط بين الدير وخدمة المعموديّة حين يفتح الواحد سجلّات
المعموديّة المحفوظة في الدير فيتوه بين عشرات ألوف الأسماء تملأ كل كشكول ببيانات
في غاية الدقّة!!
فأمّا من يخدم في المعموديّة المقدسة ذاتها في شهر أغسطس فلا يحتاج لمطالعة سجلّات
ليعرف تجذّر هذا الارتباط!!!
إن دلالة هذا بكل بساطة أن المعموديّة التي هي مدخل الإنسان لهويّته المسيحيّة
بكاملها إنما قد ارتبطت تلقاءً في نفوس أبناء الإقليم بالموضع الذي طالما مثّل لهم
هويّتهم المسيحيّة حتى أنه كان أول ما فكّروا في تعميد أبنائهم فيه، مع الإشارة
لكون المعموديّة قيمتها في ذاتها لا تزيد مع مكان ولا تنقص في آخر، وإنما وفقط فإن
المفاد من هذه النقطة هو التقاط دلالة المكان في نفوس أبنائه..
العلاج والعيادات
يوفّر الدير خدمة علاجيّةدائمة وقت استقبال الزوّار كل يوم أحد وجمعة لتتضاعف
استعدادات الخدمة في شهر أغسطس لتكافئ الأعداد الكبيرة..
خُدّام الدير
الدير في واقع أمره "مُجَمَّع أديرة خدميّة"، يقوم على خدمته وتقديم
الخدمة باسمه كهنة ومكرسون ومكرسات.. ولهم اجتماع روحيّ أسبوعي بحضور أنبا
ميخائيل، ولا ينسى من حضر هذا الاجتماع مرّة روح البساطة المسيحيّة الرسوليّة
الإنجليّة التي يشعّ بها أنبا ميخائيل ويفيض بها على روح الاجتماع كلّه حتى كأنه
اجتماع في عليّة التلاميذ حين كانت 120 نفساً مُجتمِعة كانت هي بذرة كل الكنيسة..
ومع الخُدّام المُكرَّسين في الزي الكنسيّ فإن آلاف شباب الإيبارشيّة يعتبرون
أنفسهم من خُدَّام الدير وبغير معونة غيرتهم أشك أن احتفال أغسطس يمكن أن يتم
بشكله المهيب الحافل الذي يعهد العالم كله
في الدير..
أيقونة الميلاد الأصيلة
هذه اللوحة صديقتي.. ومرساة شرحي للدير مع كثير من الوفود الأجنبيّة المتميّزة..
هي أصيلة بمعنى توفّر سمة غير مسبوقة فيها في كل أيقونات الميلاد المعروفة!!
موقعها على جدار كنيسة المغارة القبليّ على نفس عمق مذبح الكنيسة للداخل..
رسمها الفنان الرفيع ألفونس راتب وقيل لي إنه كان لا يقرأ ولا يكتب ولكنه يحفظ
توقيع اسمه بالإنجليزيّة شكلاً (أسفل الأيقونة شِمالاً وغير ظاهر للأسف)..
أبدع ما في هذه الصورة الممتلئة إبداعاً هو صورة المسيح المشع نوراً، وفي الأمر
سرّ فنيّ ثيولوجيّ جميعاً، أثق أنه سيطيب للقارئ الوقوف عليه وأنه سيرى اللوحة في
كل زيارة للدير كغيرما رآها من قبل!!
والسطران التاليان درس لهواة ودارسي فن الرسم:
تحتاج اللوحات المرسومة في العموم للون فاتح يدعوه الرسّامون "نوراً"
للوحة.. وفي أيقونة الميلاد فإن "النور" يأتي بحسب طبيعة المشهد من
النجم الذي قاد المجوس.. ولكن...
لقد فكّر رسّام هذه الللحة الأصيلة في أن إظهار النجم لتنوير اللوحة سيطغى على شخص
الطفل يسوع الذي هو محور الصورة من حيث الموضوع وفوق ذلك من حيث كونه هو الرب
الإله الكائن على الكل إلهاً مباركاً، فاستكثر لا موضوعيّاً وإنما أدبيّاً
وإيمانيّاً أن يزهو لون النجم فوق جسد الرب.. من هنا ركّز كل "نور"
اللوحة نابعاً من جسد الرب!! لم أكن معه حينما رسم ولكن مع براعة عمله فلا أظن أن
هذه الملاحظة تأتي معه مصادفةً.. ولقد طالما حكيتُها للوفود المتميّزة التي تقدِّر
معاني الفنّ ولم يُفِد أي واحد بمعرفته بأيقونة مماثلة للميلاد..
والآن
دور عرض هذه اللوحة الأصيلة البديعة، فلينظر القارئ:
أيقونة مواكب العذراء!!
إنها أيقونة دهور مواكب عذراء أنبا ميخائيل!!!!!!!
الفريضة الأبديّة في مواكب العذراء..
ما أشبهها بابنة وحيدة لدى قلب أنبا ميخائيل المبدع ساكنة في خدر عاصمة خدمته..
تتميّز الأيقونة فنيّاً بالحميميّة والبساطة،
وعقائديّاً تتفوّق بخلوّها من خرف أيقونات دخيلة أخرى[cviii] !!
الصورة الأعلى على الشِمال صورة تعود لما قبل الأفلام الملوّنة..
والأعلى والأسفل على اليمين الأيقونة في محلّ إشراف أنبا ميخائيل وحولهما الحمام..
والصورة الأعلى يميناً طالما كانت مخبأة، ولها قصّة في عرضها[cix] ..
والأسفل على الشِمال مستقرّها الدائم الذي منه تخرج للموكب وإليه تعود لتبقى بعد
انتهاء الاحتفال في حجرتها المقصورة عليها في الركن الغربيّ القبليّ من كنيسة
المغارة كشاهدة على كل طالبي البركة والتأمّل، وبذكرها ثم عرضها يكون أبرك ختام
للباب:
دير
العذراء بدرنكة: بيت ضيافة العائلة المقدسة- باب 8
ثبت تاريخيّ
اسألوا الأيام القديمة
مجد قديم
بدأ التاريخ يسجل عن جبل أسيوط الغربي من أيام النهضة المعمارية في الدولة
الفرعونية القديمة، فكان هذا القطاع كله من الجبل يُستَخدَم كمحجر.. وقد ظل اسمه
يحمل هويته تلك كمحجر حتى أيام المقريزي في القرن 15 الذي أسماه حاجر أدرنكة..
وترك الأمراء المعاصرين للأسرات 9 و10 و11 آثاراً من قبور ونقوش تدل عليهم..
وكانت مدينة أسيوط، وتعني الحارس باللغة المصرية القديمة، تعبد الإله وب-وعوط وهو
نوع من الذئاب البرية (ابن آوى)، ومن هنا عُرِفَت المدينة في العصر
اليوناني-الروماني باسم ليكوبوليس (مدينة الذئب)..
وقد عرف المستكشفون والأثريون جبل أسيوط الغربي كمكان للآثار المصرية القديمة منذ
الحملة الفرنسية على مصر.. فزارها أمبير العالم الأثري الفرنسي..#
ملجأ
ومع بناء المغائر الكثيرة فيه، فإن المصريين من أهل المنطقة قد عرفوا فيه ملجأً
وقت الفيضان، حيث كان الجبل كله بكل مغائره يتحول لمجتمع عامر بالحياة مع بدء
أغسطس لحين انحسار مياه الفيضان..
ومغائر الجبل يعود حفرها على أقل تقدير للأسرة التاسعة (1900 سنة قبل الميلاد)،
وربما يعود بعضها، ومنها مغارة الدير، لأقدم من ذلك إلى الأسرة الرابعة بناة
الأهرام (2500 سنة ثبل الميلاد)..
إقامة العائلة المقدسة
وحوالي سنة 1 قبل الميلاد (بحسب التقويم الميلادي الاعتباري السائد) وصلت العائلة
المقدسة لعاصمة الصعيد وميناؤها الرئيس.. ومع مجئ الفيضان نزحت العائلة المقدسة مع
أهالي المدينة
في
رحلتهم السنوية للإقامة في الجبل وقت الفيضان.. فكان أن شرفت وباركت هذه المغارة
العتيدة التي بُني وعثمِّر حولها دير العذراء بجبل أسيوط الغربي، والتي تستقبل
ملايين الزائرين سنوياً..
كاروز مصر يحفّ به في مسار دخوله أرض وادي
النيل
في مطلع النصف الثاني من القرن الأول وصل مرقس الرسول من ليبيا عبر الصحراء
الغربية من طريق الواحات المعروف والذي ينتهي إلى مدينة أسيوط ومدخله القديم
المعروف من جبل أسيوط الغربي قبلي درنكة وعلى بعد كيلو متر من دير العذراء..
وبطبيعة الأمور فإنه في طريقه للإسكندرية كان يسير كارزاً.. وكانت كرازته في مدينة
أسيوط ملتقى لتبادل المعرفة وتواصل الذكريات.. لقد دل أهل المدينة على المسيح الذي
نزل من السماء إلى الأرض، ومن بيت لحم إلى أسيوط – كأول رحلة له على الأرض.. لقد
بشرهم الرسول بالمسيح فتعترفوا على ذاك الذي أقام وسطهم قبل عقود معدودة من
الزمن.. وعينوا مكان إقامته.. ومن هنا نشأ التقليد الذي لم ينقطع متفقاً بقوة ودقة
مع كل منطق.. ولا يبعد أبداً أن تكون الكنيسة التي تتربع قبالة المغارة قد
أُنشِئَت منذ ذلك الوقت لتعيين المغارة..
نبيّ مصر يقيم بجوار مغارته
وفي القرن الرابع مع انتشار حركة الرهبنة في مصر، عاد راهب شاب من وادي النظرون
بإرشاد سمائي ليحفر مغارة في الجبل الغربي لموطن ميلاده أسيوط.. وكان هو يوحنا
الأسيوطي الذي اشتهر بلقب نبي مصر وذاعت شهرته حتى بلغ التأثير في مسار تاريخ
الإمبراطورية الرومانية حيث لم يتقدم الإمبراطور الأشهر ثيودوسيوس للحرب مرتين إلا
بعد استشارة القديس ونوال طمأنته له..
بنى يوحنا الأسيوطي مغارته على بعد نصف كيلومتر من المغارة الكبرى التي حظت بإقامة
العائلة المقدسة.. وعاش متوحداً أكثر من أربعين سنة بدأ في آخرها يفسح للزائرين
مكاناً لأكثر من عشرين سنة لاحقة، فتكونت حوله جماعة تلاميذ كانوا رعاة المكان من
بعده، وصارت المغارة المقدسة على أيديهم مركزاً لدير العذراء مريم المُلَقَّب
بـ"جرافونا" أي النساخ..
النُسَّاخ
وبقي الدير معروفاً، وظل عمل تلاميذ هذا العملاق الروحي الأول في جيله مستمراً في
نشر العلم وغيرة المعرفة المقدسة والتمكّن من اللغة، حتى أن شهرة المكان قد اخترقت
كل حُجُب الزمن والظروف، وحفظت درنكة سمعتها كمركز للعلم المسيحي حتى القرون
القريبة السالفة رغم انحسار الصعيد عن التواصل الجغرافي وابتعاده عن المراكز
المسيحية الرئيسة في القاهرة والوجه البحري.. وتفيدُ هنا شهادة المقريزي الذي تكلّم
عن "دير جرافونا" أي "دير النُسّاخ" الذي هو دير العذراء وعن
أهل "درنكة" فقال:
"اعلم
أن ناحية أدرنكة ... أهل علم في دينهم وتفاسيرهم في اللسان القبطيّ، له أديرة
كثيرة في خارج البلد من قبلها مع الجبل، وقد خرب أكثرها وبقى منها ... دير كرفونا
على اسم السيدة مريم وكان يقال له أرافونا وأغرافونا ومعناه النساخ فإن نساخ ...
كانت تقيم فى القديم به. وهو على طرف الجبل"[cx] ..
بقوّة التقليد وشهادات السماء
التابِعة
ومع مرور العقود والقرون بقي من الدير الكنيسة القائمة أمام المغارة والتقليد الذي
كان الناس يجتمعون بقوته في هذا المكان مرة في السنة.. وبقي المكان لا يجد العناية
إلا مرة واحدة كل عام حين تحتفل الحشود بعيد العذراء فيه.. وبقي الوضع على ما هور
عليه بقوة التقليد الراسخ، وبما كان يختبر المحتفلون من سلام السماء داخلاً
ويشهدون من معجزاتها خارجاً..
مدينة نازلة من السماء
حتى افتقد الرب المكان برجل عينه فكان أن جلس أنبا ميخائيل على كرسي رعاية
إيبارشية أسيوط، فوجه نظره لهذا المكان الذي كان قد تخرب ولم يعد يلقى من العناية
المستحقة شيئاً.. كانت المغارة قد امتلأت بتراب الجبل والكنيسة الخالدة امامها
تنهدم وتنبني بطرق عشوائية مرات عديدة.. وكان المحتفلون كل عام يحتاجون لتسلق
الجبل ويتحملون وعورة الظروف..
وفي خمسينيات القرن 20 وبإمكانيات تكنولوجيا ذلك الوقت، وفي حر الجبل وبرده،
وبموارد مالية تكاد تنعدم، بدأ أنبا ميخائيل المهمة المستحيلة عند الناس.. ولكن
غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الـله..
ويصف الأحياء ممن عاصروا بكور تعمير الدير قسوة ظروف التواجد فيه وقتها، بله متاعب
العمل في إنشائه، فلا يجد السامع مناصاً من الإيمان بحضور معونة سرية فائقة أعانت
القائم بالعمل مع تلاميذه، ووضعت في كل آجرة معجزة..
وهكذا بدأ العمل، وكل حجر ينضم للبناء يصرخ ويشهد لمعجزة جديدة، حتى تربعت المدينة
النازلة من السماء في حضن جبل أسيوط الغربي، فاتحة أحضانها لكل الزائرين من كل
الأديان والبلاد الملتمسين البركة والسلام في موضعهما الصحيح..
دير
العذراء بدرنكة: بيت ضيافة العائلة المقدسة- باب 9
دير العذراء نبع
التأمّلات
تأملات على قمة
جبل العذراء من استلهام الزمان والمكان
أعمال مجيدة كثيرة قيلت عنك يا مدينة الـله
الرب في وسط مصر ... حتى قلب
صعيدها!
وفي مكوث العائلة المقدسة في موقع دير العذراء بجبل أسيوط الغربي تظهر تحقيقات
تأمليّة لحقائق كتابيّة كأعجب ما يكون التحقيق التأمليّ!! إن خصوصيات المكان
والزمان تفيض في ذهن المتأمل بإنارة معرفة المعاني الروحية العميقة.. ههنا، ومع
اعتبار تلك اللحظة من الزمان حين أتى الرب للمكان، تتحوّل لعين التأمّل كل مفردات
الحياة المصرية الصميمة فيه إلى كلمات كتابيّة تنطق بمجد المسيح.. حتى مع قوة
دلالتها يكاد الواحد يظن أن الرب اختار هذا المكان عينه ليحقق تأمّلات هذا
الفصل!!!!
الرب يردّ مصر لنفسه
دخول الرب يسوع المسيح أرض مصر هو قدس أقداس تاريخها..
لقد عملت مصر كخادم للملجأ منذ القديم.. لها لجأ إبراهيم من المجاعة.. وإليها
اقتيد يوسف فترأس وصار مخلصاً من المجاعة.. وفيها نزل يعقوب والآباء وأقاموا..
وفيها تهذب موسى بكل حكمة المصريين..
ولكن قلب فرعون تقسى وتحول لمضطهد بدلاً من ملاذ.. فكان قرار الرب بعزل مصر من
خدمتها.. فكان أن الرب أوصى موسى: لا تعودوا ترون المصريين.. وكلنا عاند الشعب
القديم وفكر في اللجوء لمصر وقف الرب ضده..
وكان سقوط مصر نموذجاً مصغراً لسقوط البشرية المعاندة..
والمسيح الذي أتى ليرد البشرية لرتبتها الأولى بكرامة أعظم من الأولى، أكرم مصر
بأن بدأ عمله كله على الأرض بها..
وصنع الرب فيها مثالاً مصغراً لكل عمله مع البشرية.. أعاد مصر لوظيفتها الأولى
كخادم ملجأ وبكرامة أعظم من الأولى، فحُسِبَت أهلاً لمجد أعظم بمقدار ما لاستضافة
رب الآباء والأنبياء كرامة أكثر من استضافة الجميع..
كانت زيارة المسيح مصر أول ما ذكر الإنجيل أنه عمله على الأرض.. وفيها صنع مثالاً
لكل ما صنعه من خلاص أبدي للبشرية كلها.. وباستضافتها للرب طهرت مصر من رجاسات
ماضيها حين اضطهدت الشعب القديم وحُسِبَت صالبة للرب.. الآن بنعمة زيارته تُحسَب
مضيفة له..
إله المجد ظهر لآبائنا
هذه نحن أحق من اسطفانوس أن نقولها!! لقد ظهر إله المجد لآبائنا وعاش معهم ضيفاً
على أرضهم وأكل وشرب من طعامهم، ومعه أمه العذراء ويوسف البار المدعو أبا الرب
بالعُرف الشرعيّ.. هذا شرف آبائنا وأجدادنا، شرف هكذا معيّة لصيقة بالرب!!
مُبارَك شعبي مصر
ليس أدلّ على مغارة دير العذراء من قوة إظهار معنى معيّة الرب لآبائنا!!
البركة صنو القبول والاقتراب عكس اللعنة التي تعني الرفض والإبعاد.. وليس ادظهر من
مشهد المغارة لتحقيق مُبارَكَة الرب لشعب مصر!!
ففيها، إذ تلاصق الناس في منفاهم الدوريّ الذي بحكم الطبيعة اتقاءً لشر الفيضان
وانتظاراً لخيره، في هكذا ظروف وُجِد الرب بينهم بحسب التحقيق الأدقّ للتقليد..
في هكذا مشهد نرى الرب صبيّاً مع الصبيان من آبائنا، ونرى العذراء مع أمهاتنا
امرأة وديعة عفيفة، في حميميّة تلاصق لا أفصح منه على تفصير وتصوير قول النبيّ
بلسان الرب الإله:"مُبارَك شعبي مصر"!!!
الحمل يرعى مع الذئب
في وصول المسيح لمدينة أسيوط نرى الحمل يرعى في مدينة الذئب، الاسم اليونانيّ
القديم للمدينة "ليكوبوليس" (وبالأحرى والأدلّ: حيوان هجين بين الذئب
والثعلب).. ذلك إذ له خراف أيضاً في هذه الحظيرة..
لجوء لفيضان النعمة على نفس طريق الهروب من
فيضان النهر
طالما شهد الطريق من موضع كوم عبّاس حتى مغارات الجبل الغربيّ مروراً بدرنكة مواكب
النازحين اتقاءً لشرّ فيضان النهر الجارف.. ولكن في ملء الزمان صار نفس الموكب على
نفس الطريق ولكن بعدما حوّله الرب إلى موكب لا للهروب من فيضان بل للجوء إلى
فيضان!!
الآن ومنذ مئات سنين لا يُعرَف لها عدداً اعتاد الناس أخذ نفس الطريق قصداً للجوء
لمغارة من نفس المغارات، قاصدين لا عموم المغائر بل مغارة بعينها هي منبع فيضان
النعمة-- مغارة العذراء كما أحب تسميتها، لا هرباً من فيضان النهر بل سعياً نحو
فيضان نعمة الرب..
نجم، وفيضان،، وفيض من التأملات
المتلألئة،،،
ويستدعي
ذِكر "فيضان نهر" جموع المُحتفِلين في أغسطس إرسال النظر قليلاً لتلاحم
مُركَّب بين ترجيح إقامة العائلة المقدسة في الموضع مع ظواهر جغرافيا المكان مع
احتفال الأجيال حتى اليوم جميعاً!!
فمن ملاحيظ الجغرافيا المصريّة المرصودة عبر التاريخ المصريّ من آلاف السنين أن
الفيضان يأتي بعد أيام من مُعاوَدَة ظهور النجم Sirius
أو بحسب لغة الكتاب المقدس "كوكب الصبح" (وهو وصف للرب) أو حتى بلغة
المدائح القبطيّة "النجمة البدريّة" (كوصف للعذراء).. والآن تبدأ ملاحبظ
التأمّل:
حسب الدورة الفلكيّة للنجم فإنه بعد اختفائه التدريجيّ لفترة يصل فيها اختفاؤه
التام لنحو ثلاثة شهور يبدأ في العودة لوضع الرصد غير ظاهر للعين المُجرَّدَة
لشروقه مع شروق الشمس 7 يوليو وهو وقت مُزامِن لبدء استعداد خُدَّام الدير
لاستقبال احتفال أغسطس الذي يكون بدوره استعداداً غير ظاهر لزوُار الدير! ويتقدّم
النجم في دورته حتى يبدأ الظهور للراصدين فَجْر 19 يوليو ما كان يبدأ معه
المصريّون القدماء الاستعداد لاستقبال الفيضان زراعيّاً وسكنيّاً وهو ما يواكب
بالمثل بدء ظهور العمل الحثيث في الدير أمام الجميع استعداداً للاحتفال السنويّ
الكبير لاستقبال فيضان نهر جموع المُحتفِلين القادمين في أغسطس!! دورة الخدمة كانت
تسير مع دورة النجم ونهر الجموع كان يسير مع نهر النيل في فيضانه وكل هذا أتى بفضل
توافق موعد صوم العذراء بموعد بدء الفيضان ليضيف لدير العذراء تعييناً خصوصيّة من
خصوصيّاته في شهر أغسطس، (وبالمناسبة فحتى بعد بناء السد العالي وانقطاع ظاهرة
اجتياح الفيضان للأراصي فإلى اليوم تبدأ السنة المائيّة في وزارة الريّ يوم 1
أغسطس)!!! تتوافق الجغرافيا هنا مع التاريخ مع الاحتفال تأمليّاً في توافق بديع
ليزداد براعةً مع تذكّر أن هكذا ظاهرة جغرافيّة هي عينها ما دفعت العائلة المقدسة
(بحسب ترجيح الدراسة) للمكوث في مغارة جبل درنكة التي هي الآن مغارة دير
العذراء!!!!
(بعض
التفصيل عن دورة النجم في كتاب "زمن فالج ونارمر" بشأن
إثبات صحة تزمين الكتاب المقدس)
ممر النفوس للقبور صار ممر
الأرواح للابتهاج
لقد حوّل مرور الرب من "درنكة" (ممر النفوس) إلى ممرّ للأرواح.. حوّله
من ممرّ للقبور إلى ممر لفرح الحياة..
لم يعد ممراً للاتكاء في قبر بينما تفارق الروح جسد صاحبها،’ بل صار ممراً لأرواح
مبتهجة تحلّق في السمائيّات وهي لا تزال في أجسادها التي لا تبالي بعناء الطريق إن
انتبهت له أصلاً..
حوّله من ممر للـ"كا" القرين الذي يلازم جسد الميت في مدفنه إلى ممر لمن
يسعون لتحليق الأرواح في السمائيّات مع الرب صانعين تذكار مجيئه مع أمه العذراء مُنشِدين
للحياة بفرح لا يُنطَق به ومجيد!!
(تفسير
معنى "درنكة" وبعض تفصيل المُعتَقَد المصريّ القديم في "هامش
xi" من الباب الثاني)
عيني عليها
ثم
أختم درافت هذه الباقة التأمليّة بعين الرب على أرض مصر من حيث انتبهتُ مبكراً
لهذا المعنى مع أول مرّة رأيتُ اللوحة الخضراء حتى الجبل الشرقيّ، وهكذا كنتُ أقول
للوفود التي أستقبلها أنهم يرون ما رآه الرب يوماً من أرض مصر حين كانت عينه عليها
بشكل ملموس جسديّاً..
نعم!! لقد أقام الرب فوق الجبل الذي يطل على لوحة من أروع لوحات الوادي الأخضر
لمصر.. والمشهد كله كأنه يقول: "عيني عليها من أول السنة إلى آخرها".. آمين
يا رب.
روابط
صيغ متنوعة للنسخة الكاملة
http://www.copticyouth4holybook.net/vmcma-book.htm
http://www.copticyouth4holybook.net/vmcma-book.pdf
http://www.mediafire.com/file/t016efeiyfihzzb/vmcma-book.docx/file
http://www.copticyouth4holybook.net/history.htm#vmcma-book
لوحة
بروابط لتحميل درافات مبكرة للفصول منفردة
مرحباً
http://www.mediafire.com/file/4qpa3t3a79w1ol3/1_welcome.docx/file
دير
العذراء وقُدْس أقداس تاريخ مصر
http://www.mediafire.com/file/22wcrliyyb2rogb/2_HF.docx/file]dv
دير
العذراء وكاروز مصر مَرقُس الإنجيليّ
http://www.mediafire.com/file/v4b27ww0ykz2aoq/3_Apostle_Mark.docx/file
دير
العذراء ونبيّ مصر آبا يوحنّا
http://www.mediafire.com/file/0xotfpzxnoan5ml/4_Abba_John.docx/file
دير
العذراء وبانيه أنبا ميخائيل
http://www.mediafire.com/file/kow1pzdih2vpcoj/5_Anba_Mikhail.docx/file
دير
العذراء وتجلّيات سمائه
http://www.mediafire.com/file/6xupipby8o9hx23/6_transfigurations.docx/file
دير
العذراء في الزمن الحاضِر
http://www.mediafire.com/file/041sqoppb78i9d3/7_The_time_being.docx/file
ثبت
بمراحل تاريخ دير العذراء
http://www.mediafire.com/file/8pvz8sipaiaft9z/8_record.docx/file
تأمّلات
من وحي أزمنة وأمكنة دير العذراء
http://www.mediafire.com/file/4js2xx2qhphj2lw/9_contemplations.docx/file
إلى هنا، إلى حتى هذا القدر العظيم إزاء كل المعوِّقات،
أعانني الربّ لخدمة موضع إقامته مع أمه العذراء !!!
شمّاس باسل،،،،،