هناك ملامح قد تبدو ثانوية بجانب السمات
السالفة التي تصب في صلب المتن.. ولكنها هي التي تضفي علي "رجاء"
مذاقها المميز كعرض وليس مجرد نص.. وهي أيضا التي جعلت تنفيذ رجاء عملا مرهقا جدا
للمخرج والممثلين.. وأظن أن بعضها غير مسبوق في ذاته وبعضها الآخر مألوف في
الأعمال المسرحية ولكنه غير مسبوق في توظيفه.. وأهم ما فيها أنها أحياناً لم تكن
كرداء مسرحي يلتحف به النص ليتحول من الورق لخشبة المسرح.. ولكنها كانت تعمل كنص
مصاحب (سياق) Context.. وساهمت في الرسالة الروحية بشكل بعلاقة عضوية مباشرة لا كمجرد
عامل مساعد.. سأعرض لهذه السمات الفنية في سطور سريعة بقدر الإمكان..
الساعة الحقيقية
أبرز ما في رجاء بعد "السمة الكتابية
للنص" هو الساعة.. العمل كله يتبع وقتا حقيقياreal time.. فساعة الزمن التي عَبَرَت علي رجاء منذ لحظة استقبالها لإيمان
حتي لحظة استقبالها لدينا هي ساعة زمن حقيقية.. وفوق هذا فالساعة مضبوطة
علي ساعة المشاهدين.. المسرحية تبدأ الساعة الثامنة.. وحوار رجاء مع إيمان يدل علي
أن زمن الرواية هو الساعة الثامنة.. والساعة المعلقة علي حائط منزل رجاء هو
الثامنة مساءاً.. وعندما تدخل دينا تكون كل الساعات تشير للتاسعة.. ساعة الرواية
مع ساعة المشاهدين لو كانت مضبوطة.. والفكرة ليست لمجرد الإبهار بالجديد أو التحدي
في تزامن أداء الممثلين مع زمن حقيقي.. بل هو جزء من رسالة المسرحية ذاتها لتطبع
في ذهن المشاهد أن المسيح الذي قد يأتي لرجاء بعد ساعة قد يفتقد المشاهد نفسه في
ذات اللحظة.. إن رجاء شخصية حقيقية تحيى في الحقيقة وفي نطاق الزمن الذي نعيشه..
وليست مجرد خيال.. والمسيح قد يأتي في أية لحظة.. وأن المشاهد يتابع قصته هو التي
تدور عقاربها هي الأخرى متزامنة مع المسرحية.. هناك حاجز نفسي بين أي مشاهد وأي
عمل فني.. لأنه يضع في خلفيته أنه يتعايش مع خيال سينتهي في وقته.. وأنه خارج
دائرة الأحداث في الحقيقة.. وقد ينسي هذه الحقيقة مع شغفه ببعض الأحداث.. ولكن
تبقي هذه الحقيقة ماثلة في خلفية وعيه.. ولذلك لا يتصل بالبوليس لو شاهد جلريمة
قتل.. ولا يرتعب لو شاهد قتال وهكذا.. ولكن عمل الساعة في رجاء أنها تزيل هذا
الحاجز الذهني الماثل في حلفية المشاهد.. لتذكره بأنه يتابع عمل خدمة روحية يقدم
حقائق روحية.. فرجاء ليست عملا خياليا.. لأن المسيح الذي قد يأتي في أية لحظة ليس
خيالا بل حقيقة.. وأن المشاهد سيُسأل وسيعطي حساباً عن وكالته حقيقةً وليس في
مشهد مسرحي.. الساعة تذكر بأن العمل وإن كان مسرحياً ولكنه ليس هو ذلك فقط.. وقد
أردت أن أزيل هذا الحاجز منذ البداية بين المشاهد وبين العمل كمجرد رواية..
وبالإجمال فإن هذه الفكرة توحِّد المشاهد
مع العمل وتصعد به إلي خشبة المسرح بدلا من أن يهبط المسرح له.. وأي فرق! (هناك
المزيد من الملاحظات الفنية مما يقال عن تفاصيل دور الساعة
أرجئه إلي حين يأتي دور الحديث عن الديكور)..
تغيير المناظر تحت ستار
مفتوح
لا يغلق الستار مطلقا طوال عرض "رجاء"..
رغم أن المسرحية متعددة المشاهد وبها تغييران للديكور من المشهد الأول للثاني ثم
من الثاني للثالث.. وكان هذا ملزماً لثلاثة أمور: الأول أن حركة الساعة حقيقية
وإغلاق الستار سيفقد المشاهد هذا الإحساس.. كانت الساعة مع مدلولها من أولويات
العمل وقد قدرته كعامل يحكم غيره بلا تنازل.. ومن ناحية أخري فهناك مشكلة عملية
لأن تغيير الديكور لا يمكن التنبؤ بالوقت الذي يأخذه.. لذلك فقد تم ترتيب النص
بحيث يمكن تغيير الديكور مع الستار المفتوح.. السبب الثاني الذي رُوعِيَ في تقديم
العمل تحت ستار مفتوح هو توافق إيقاع تغيير المشاهد مع إيقاع الحوار في المشاهد
وإبقاء المشاهدين منحصرين في شعور متكاثف متصل لا ينقطع لأن غلق وفتح الستار يخرج
المشاهد من تواصله مع العمل.. ولا يؤثر غلق الستائر وفتحها في الأعمال المنخفضة
الكثافة الشعورية.. ولكن فكرة رجاء مرتفعة الكثافة والتواصل ولا تقبل غلق الستار
ولا تحتمل أن يأخذ ذهن المتفرج وشعوره "أجازة"..
الفلاش باك المسرحي
أما الإعتبار الثالث الذي أوحي مباشرة
بعدم غلق الستائر هو تنفيذ الـ"فلاش باك" Flash back.. فالمشهد الثاني كله هو فلاش باك بين المشهدين الأول والثالث
ويلزمه إعطاء الإيحاء بـ"فيد إن" Fade in بعد المشهد الأول و“فيد آوت" Fade out قبل المشهد الثالث بينما غلق الستائر يفسد هذا إلي حد بعيد.. لذلك
كان عمل تغيير المشاهد بستار مفتوح كبديل مسرحي قوي للفلاش باك في السينما.. وأظن
بعد تنفيذ الحيلة أن الفلاش باك المسرحي أوقع وأقوي تأثيرا من تنفيذه في كثير من
الأعمال السينمائية.. وأنا أعلم الآن أن الفكرة ليست جديدة.. ولكن وقت كتابة النص استلهمت
الفكرة من وحي الخاطر ولم تكن لي أي متابعة للمسرح أو معرفة بحيله..
الديكور يمثِّل مع الممثلين
يبلغ الديكور أقصاه في المسرح عندم يتوافق
مع الجو النفسي للقصة والشخصيات.. ويحتاج الديكور لإبداع مواز للإبداع النصي..
وغالبا ما يتوقف دور المؤلف علي العناوين المطلوبة في الديكور للزوم القصة.. ويكون
إبداع جو الديكور من متخصص آخر غير المؤلف.. ولكن في رجاء لم تكن العلاقة تقف عند
حدود مجرد التوافق مع الجو النفسي بل تعدت ذلك في إحدي قطع الديكور وهي الساعة
لتصل إلي حالة من التلاحم العضوي مع النص ذاته إذ تبدأ المسرحية برنات الساعة كما
لو كانت الساعة هي الراوي ومن وقت لآخر تذكر الساعة المتفرجين بوجودها عندما تتكلم
بلغة الرنات.. وتظهر أهميتها صراحة في النص عندما يشير الملاك لحدث ما سيحدث في
التاسعة وهو الحدث الرئيسي المرتقب في القصة ومن هذه الكلمة تسرق الساعة نظر
الجمهور بين اللحظة والأخرى.. ثم قرب النهاية تلتفت رجاء للساعة وتبدأ معها حوارا
منظورا ومسموعا وأخيرا تتكلم الساعة في حديث متصل عندما يعلوا صوت عقرب الثواني
إلي أن تصرخ بقوة في المشهد الأخير و"تسرق" المسرح تماما..
مع الساعة يقف الباب لا كمجرد قطعة ديكور
وإلا ما كان هناك احتياج لإبرازه حسب النص.. هذا الباب يتحول لممثل يجذب أنظار
الجمهور منذ معرفتهم بقدوم المسيح بعد أقل من ساعة ويعبر الباب عن إمكانية حضور
المسيح في أي وقت ويصل لذروة هذا التمثيل عند دقات التاسعة ومن هنا فإن الباب
والساعة معا يكونان ثنائيا من الممثلين ويقولان معا كثنائي بالدقات وتسليط الضوء
والقرع مالا يستطيع قوله فريق كامل من الممثلين في نص طويل..
هناك أيضا قطعة هامة لها نصيب من مشاركة
النص في الحديث وهي الكتاب المقدس الكبير الذي يوحي حجمه بطبيعة شخصية رجاء..
إلي هنا ينتهي النقد الذاتي والقراءة
التفصيلية لرجاء.. وما كان أثقله علي نفسي لاضطراري لإطراء عمل لي.. ولكن
من لا يتغزل في جمال ابنته البكرية؟ ثم أن "رجاء" هي بالفعل كما
ذكرت.. أليست كذلك؟
The
Making
ذكريات
لقد تمزَّق نص المسرحية في كثير من
مراحلها.. لا أقل من مرتين للنص الكامل.. بجانب المرات الصغرى لمشاهد أو صفحات..
وهذه عادتي في دفن التجارب حتى لا تقع في أي يد فتختلط مع الشكل النهائي وتتداخل
فيه.. وأعترف فأزيد: وحتى لا تقع في يدي أنا فتذكرني بمرحلة ناقصة من العمل
وتُفسِد فرحتي بصورته الأخيرة التي احتفي بها كأنها صورة الكمال.. أقول كأنها..
وضريبة هذه العادة هي ما أدفعه الآن من الحاجة لوثائق رحلة الكتابة حتى تضعني في
صورة الذكريات وتستدعي الهام منها فلا أجد.. ولذلك سأعتمد في كل ما يأتي على
الذاكرة المجردة وما بقي فيها.. وهو ليس بقليل على كل الأحوال..
أما ما في كنز مدخراتي الآن من رجاء فهو
نسختين خطيتين شبه متطابقتين من النص في صورته شبه الأخيرة.. ونسخة بالكومبيوتر
فاجأني بها "جورج"، وهو شريك خدمة وصديق وجار.. لقد طلب مني المسرحية
ليقرأها وأعاد النسخة الخطية لي مصحوبة بالنسخة المكتوبة آلياً.. لعله يتذكرني
الآن بالخير.. أما أنا فأذكره بجانب الخير بالشكر.. فنُسْخَتُه المطبوعة هي التي
أبقت رجاء متداولة وقابلة لإعادة الطبع لكل من طلبها ويطلبها..
ثم
يحين الآن دور حديث الذكريات.. وسرد ملابسات رحلة رجاء منذ كانت فكرة إلي أن ظهرت
علي مسرح كنيستي الحبيبة أمام الناس.. وأول ما يطرأ لذاكرتي مرتبطا برجاء هو صورتي
وأنا ساهر طوال الليل أفكر في حرف الجر: هل يكون "فى" أم اجعله
"جوة" أم أحذفه تماما؟.. صوتي وأنا ممسك بالساعة وأسجل مشهدا لأضبط
وقته.. ثم اعتذر للنائمين الذين استيقظوا.. ثم نفس المشهد وأنا اضبط زمن جملة أو
نغمتها بحركة مقلقة دون أن أحتاج لتقديم اعتذار بعد أن أخذ النائمون علي غرابة
أطواري.. عرقي وأنا أكافح مع فرخ الورق المقوّي حتي أصنع منه إطار الساعة بين
عشرات قصاقيص الأوراق الملونة التي فضلت من لصق أرقام الساعة..
وثاني
ما يطرأ لذاكرتي هو معاركي المستمرة مع الممثلين.. إصرار مني علي نغمة محددة تقال
بها هذه الجملة وحركة لازمة تصاحب تلك.. لقد كانت رحلة تدقيق زائد أتعجب معها
كثيرا من قدرة السن الباكر إذا تحمس علي الإنجاز بدقة وعناية وطول بال.. إنها سمات
الباحث عن الكمال التي يشفق الرب علي جبلته فيخفض من درجة شدتها مع تقدم السن
والمسئوليات وإلا كانت كفيلة بقتل صاحبها.. هكذا كانت ورحلة "رجاء"
مثالا للبحث غير الناضج عن الكمال..
عبارة
المنشأ
بدأت المسرحية كلها من بذرة عبارة ترددت
في ذهني بإصرار وهي جملة تخص أمراً شخصيا لا مجال ولا داعي للخوض فيه هنا (لا تزال
تلك الجملة موجودة في النص بحرفها وعبثا سيحاول القارئ استنتاجها).. ظلت العبارة
المخفية عن أعين القارئ تتردد بداخلي حتى "لقطت" وأشعلت مركز الدراما في
ذهني وتكونت في ذهني صورة المشهد الأول من المسرحية.. وكانت صورة المشهد نفسها لا
تحمل اتصالاً بادياً بالعبارة إلا عندي، وهذه هي الصورة التي تمثلت أمام خيالي: صورة
لفتاة تصلي بحرارة فريسية من أجل فتاة ثانية لا تربطهما المحبة حتى يظهر لها
ملاك.. إلى الآن لم تكن هناك مسرحية بعد ولا حتي مشهد مسرحي بل مجرد خيال لصورة
فتاة تصلي ليلا ويظهر لها ملاك، والمشهد مبني على عبارة لا تحمل رابطاً مفهوماً
لأي مشاهد بينها وبين الصورة النابعة منها.. ولكن إلحاح هذه الصورة صمم أن يفرض
نفسه كمشهد افتتاحي في مسرحية لا وجود لها بعد، تقوم المسرحية بعامل الربط الشارح
بين المشهد والعبارة.. ومرة أُخري أقنعني مركز الدراما في ذهني بالعمل، وكان عليّ
الامتثال والبحث عن مسرحية لهذا المشهد وقتها بحيث تحتوي على العبارة وتربط بينها
وبين المشهد.. وقتها لم أملك رفاهية العبث أو تأليف الأعمال الهازلة وكان يلزم لأي
عمل أقوم به رسالة مسيحية وكانت الرسالة موجودة في لب المشهد: المحبة المفقودة بين
الفتاتين ولم تكن تعوزني الحبكة وقتها عندما كان ذهني في عنفوان بكور شبابه.. كان
هذا القليل الغامض في مخيلتي كافياً من ثَمَّ لاعتباره عناصر كافية من المواد
الخام لتفصيل العمل.. معي الآن: الإحساس الدرامي الطاغي بشخصية فتاة وإن لم تتشكل
معالمها بعد، ومشهد الافتتاح بحاله، والرسالة من العمل.. فما إن اطمأننت لكفاية
المتوفر إلا وكنت كنت جالسا أحيك وأحبك المسرحية من أول مشهد لآخر مشهد وكان هذا
في نوفمبر 1991 وكنت قد مهدت لجلسة استذكار لامتحانات نصف العام فإذا بي أكتب
مسرحية اقتطعت لها نحو ساعة كانت كافية بكتابة هيكلها وتشكيل جنينها.. وليس قبل
ذلك كان يمكن لنفسيتي أن تهدأ وتعاود التركيز في اختطاف كلمتين مما كنت أسميها
مذاكرة..
السند
الكتابى
بعد تكوّن جنين المسرحية كنت أخشي مما قد
يكون في الفكرة من مبالغة روحية أو إيمانية.. فبدأت أسعى بحثاً عن سند كتابي لفكرة
قيام المحبة بكل الناموس.. كنت مستريحاً للفكرة متصوراً أنها نابعة من صلب
الروحانية المسيحية.. ولكن يعوزني السند الكتابي لأطمئن! وقتها كانت خلفيتي
الكتابية في مرحلة مراهقتها.. وكعادتي في مراجعة أفكاري بالمناقشات العابرة
المتكررة طرحتها أمام زميل في الكنيسة وسألته في النهاية إن كان يستطيع أن يجد لي
سندا كتابيا مناسبا.. فرد الأخ مسبهلاً: ولماذا تبحث عن سند آخر غير الذي بنيت
عليه فكرتك بالفعل ؟ فأجبت: أنا لم أبن المسرحية علي أي سند كتابي في الحقيقة.. بل
علي مجرد فكرة أستريح لها.. وإن كنت لا استطيع أن أواصلها بدون سند كتابي.. فقال:
عجبا !!! ألم تستوح المسرحية من إجابة المسيح للشاب الغني عندما سأله عن الوصية
العظمى؟
ذُهلت.. ذُهِلت لتغيب الذهن عن محفوظات
الطفولة.. والآن أفهم أن سبب هذه الغربة الكتابية هي في منهج التعليم الكنسيّ غير
المحكم.. كيف تكون الفكرة في ذهني وشاهدها الأشهر والاخطر غائباً عني ولا أزال
أبحث عنه كأنني اخترعته من عندياتي ولا أجد له أصلاً في الكتاب؟؟!! فقصة الشاب
الغني معروفة جدا والآية محفوظة.. كيف غابت عن ذهني رغم أنني كنت كمن يستلهمها استلهاماً..
شكرت الزميل بحرارة مدفوعة بالمفاجأة السارة، ولكنه كان لا يزال مقتنعا بأنني بنيت
المسرحية علي تلك الآية وأمزح معه لا أكثر.. فمن يصدق أن الوصية العظمي تغيب عن
ذهن أي واحد فضلاً عن كونه يصوغها في عمل مسرحىّ؟
واستطرد هنا استطرادا قصيرا لازماً فأنبه
أن المحبة التي تعادل كل الناموس هي المحبة بحسب الفكر المسيحي التي تنبني وتغتذي
علي الإيمان المسيحي وليست هي السلام بحسب مفهوم الفلسفة "الإنسانية"
الحديثة
Humanitarianism وهي فلسفة شيطانية في ثياب حملان.. المحبة المقصودة هي المحبة
الباذلة حتى للأعداء.. وليست محبة الاختلاط بأي أحد والترحيب بأي فكر لمجرد شعار
المحبة.. و"رجاء"
لم تغفل هذا الإيضاح في مشهد القمة الفكرية فيها وهو مشهد مونولوج رجاء مع نفسها
بعد قرع الباب في بداية المشهد الخامس والأخير..
الخط الخفي
ومع العيب الظاهر فالشخصية الرئيسة في العمل "رجاء"، فإنها جمعت شخصية ثانية متوارية، عرضت المسرحيّة عبر الاحداث كل مراحلها الكتابيّة العميقةن وتلك كانت شخصية أيوب.. لم تكن رجاء في بر أيوب الصف، ولكنها جمعت مع نقائصها عذابات أيوب النفسيّة والروحيّة-- لمن يفهمها تفسيريّاً بحقّ.. لم يفهم الناس هذا ولم أتوقّع فهمهم له ولم أرهن العمل على إحاطتهم لهذا الجانب فبالمسرحية ما يكفي دون إدراك هذا العمق فيها.. أما لماذا لم يفهموه فلأنهم لا يفهمون سفر أيوب ذاته، ولم تكن من طاقة في حدود العمل المسرحيّ لتفسير أيوب الذي له بعون ربنا عمل آخر في وقته وبوسيط عرض يناسبه..
رحلة
الكتابة
وفيما بعد أثناء رحلة كتابة المسرحية كانت
خلفيتي الكتابية تنمو حتي أنني تعجبت من غياب غني الآيات التي تؤيد الفكرة ونسيجها
عنيّ، ولاسيما قول الرسول: "المحبة هي تكميل الناموس".. الآن فقد كنت
خَجِلاً من غياب النصوص الكتابية المحفوظة عن ذهني، فبدأت أرمم هذا العيب الخطير
بقوة وحماسة، وكان نَصَ رجاء هو ساحة التمرين الكتابيّ عندي، حتى أنني ومع إضافتي
للمكتوب تلو المكتوب تحول أكثر الكلام لنص كتابيّ شبه صرف، والآن وإذ قاربت امتحانات
نصف العام في يناير 1993 إلا وكانت "رجاء" قد أخذت شكلها الأول..
وفي ليلة أحد الامتحانات طرأت على ذهني فكرة
الساعة.. كانت الساعة عنصراً خطيراً في حياتي وقتها، لأنني أحبس نفسي قبل
الامتحانات بوقت قليل لأعوّض مذاكرة سنة بحالها في ساعات.. ولكن لأن رجاء كانت
معمل الكتاب المقدس عندي وقتها، فقد كانت أكثر خطورة وحيازة للاهتمام، فما أنا
انظر للساعة إلا وخطر ببالي فكرة ساعة رجاء.. أولاً فكرت أن المسيح يأتي لرجاء في
ساعة معينة أحددها في النَصّ.. وتبع ذلك فكرة أن تكون تلك الساعة متوافقة مع ساعة
الجمهور.. وعليه حكمت الفكرة علي أحداث المسرحية أن تسير مع دقات الساعة فكان علي
أن أعيد كتابة الحوار حتى يتفق تماما مع دقات الساعة.. ثم لاح أمام عيون الخيال
صورة ساعة ضخمة في خلفية المسرح لتثبت للجمهور أنّ ساعة
المسرح هي ساعة يدهم..
وعبارة بقيت حائرة حتى تلقّفتُها من حديث
لطيف مع زميل دراسة يعيش أهله في السعوديّة.. كان "وسام" يوًِّلني من
قوت لآخر بسيارته إذا تصادف اتفاق موعد انصرافنا من الكليّة وتلاقينا.. وقد اعتاد
التوقّف قبل نزولي لاستكمال الحديث معي.. وفي مرة من هذه المرات قرب ميدان "سفنكس"
كان يحكي لي عن تغيّر معاملة السعوديين للمصريين إثر موقف رئيس مصر في حرب الخليج
الثانية، وحكا لي مثلاً فقال: كنت أتسكّع في الطرقات ليلاً مع شباب الجيران، من
جنسيات مختلفة منهم الفلسطينيّ والسوريّ والباكستانيّ، فاستوقفنا
"المطاوعة" وسألوا كل واحد عن جنسيته وكانوا يتكلمون بغلظة طبيعية فيهم
مع غلظة مضافة بسبب ظروف الحرب، ولما جاء دوره وسُئِل وأجاب: "مصريّ"
افتر وجه السائل وقال له: "تبارك الله تبارك الله".. وكانت هذه هي
الجملة التي افتقدها في النَصّ.. إذ كنت اطلب كلمة يقولها الشيطان لمدح رجاء، ولكن
كل كلمة اجد فيها ما يظهر من صدق ولطف يتنافى درامياً مع الإيحاء أن المتكلم
شيطان.. ولما سمعت الكلمة بلهجة هؤلاء "المطاوعة" استدعيتُ النَصّ
المركون بعباراته المُعَطَّل بعضها، وقلت: يوريكا.. هذه هي.. لقد وجدتُ هذه
العبارة بلهجتها أنسب ما يمدح به الشيطان رجاء.. وقد كان.. وفي البروفة مَرّنت
الممثل على الالتزام في العبارة بأقرب ما يمكن لهذه اللهجة..
يبقى مشهد النهاية البديع.. للأسف لا استطيع
أن أتذكر كيف ومتى تكونت الفكرة في خيالي.. ولكني وأنا أعيد قراءة رجاء الآن، أجد
فيه صنعة والصنعة ليست من هواياتي وإن أتقنتها، ولا ألتزم بها إلا عند القلق من
الجموح.. إنني أشتم في مشهد النهاية رائحة التعقل.. وهذا يذكرني ببعض التوجس الذي
صاحب فكرة ظهور الملاك في الرواية.. لَعلِّي على الأرجح كنت متوجساً من التعامل مع
الملاك كشخصية حقيقية لها ظهور حقيقي في الرواية.. ولَعَلِّي أيضاً كنت متمسكاً به
لا أرضى بأن أصرِّح أنه خيال صرف راود رجاء.. إذن فقد كنت محصوراً
بين اثنتين.. تردد في التعامل مع الملاك كظهور حقيقي، بما في ذلك من نوع من
التجاسر على السماء، وبين التصريح المريح بأنه مجرد خيال.. وكان الحل هو مشهد
النهاية الذي صنعت به موازنة بين خيالية الملاك وحقيقيّته.. ونفذت به في آخر سطور
المسرحية إلى عمقها وختمت على النفاذ للعمق بكلمة الكاهن لرجاء:
"مش مهم كان فيه ملاك ولا لأ.. لكن المهم اتعلمتي إيه؟"..
أما عبارة الختام.. "رجاء..
محبة".. فأظن أنها كانت حتمية.. فكل الطرق كانت حتماً ستقود إليها.. وما
كانت فكرة "اختبار تداعي الأفكار" إلا الحيلة النصية التي أدت
إلى نهاية محتمة.. هذا أقرب ما يمكن تصوّره لطريقة إبداع عبارة النهاية كما
أتذكرها الآن..
أعدتُ كتابة المسرحية وعرضتها علي من أثق
في آرائهم للمشورة وعدّلت فيها في كل مرة أعيد قراءتها، حتى ختمت عليها في صيف
1993 لتقبع حوالي السنتين في درج المكتب وفي خلفية الذاكرة.. إلى أن جاء وقت
إخراجها للعرض.. ولكل شئ تحت السموات وقت.. والواقع أنني لم أكتبها بنية عرضها فلم
يكن في نشاطاتي ولا طموحاتي عرض مسرحي على أي وجه.. لقد كتبتُها لقوة دفع الخيال
الدراميّ، ولشغفي برؤيتها فكرة متكاملة لا أكثر.. ولكن كان لها أن تُخرَج من الدرج
وتُخرَج على المسرح..
طلب مني أمين خدمة اجتماع الخريجين في صيف
1995 نصا مسرحيا لإخراجه.. قدمت له بكل سعادة "رجاء محبة"..لم
يكن ممكناً لمخرج آخر أن يخرج رجاء محبة ولكني لم أتطوع بطلب إخراجها رغم علمي
بلزوم ذلك.. ومن رضا الرب عني وعن العمل أن الظروف رَتَّبت تكليفي بإخراجها..
مع بروفات المسرحية بدأت أشعر بلزوم تعديل
بعض العبارات، ولا أجد حرجاً في ضرب هذا المثل الطريف.. كانت هناك عبارة كلما أتت
في البروفات أثارت ضحك فريق العمل.. تساءلت عن السبب قيل لي أنها عبارة مشهورة أتت
في فيلم معروف اسمه "معبودة الجماهير".. كنت وقتها قد قاطعت أجهزة
الإعلام ووسائل الترفيه العالمية عن ميْل طبيعيّ للمتعة في التسبيح الخدمة، وعن اشمئزاز
من تفاهة مادتها حتى من وجهة النظر الإنسانية المجردة.. فكان هذا موقفا مُحرِجاً
لي أن يتصوّر الفريق أنني أنقل الجمل من تلك الأفلام.. فأثار هذا غضبي وقررت تدارك
الأزمة.. تحايلت علي الجميع حتى سحبت النصوص منهم ثم مزقها وأعدت كتابتها بعد
تعديل تلك الجملة ثم وزعت النصوص بعد تعديلها في البروفة التالية فاحتَجَّ البعض
وقالوا أنهم قد حفظوا أدوارهم بحسب النص الذي مزقته ثم أن ورود الجملة في الفيلم
لا يسئ للمسرحية فأجبتهم بأن الفيلم لو كان معروفا للناس فإن هذا كفيل بتشتيت انتباههم
عن المسرحية وتكون تلك الجملة البريئة سببا في فشل العرض.. الموقف زاد طرافة عندما
نسيت اسم الفيلم الذي وردت فيه العبارة فقلت لهم أن التعديل تم "علشان
الجملة دي جت في فيلم حبيبة الشعب".. وأثار خطأي في اسم الفيلم عاصفة ضحك
استفزتني حتي أنني ثرت وقلت: "مين مفروض يضحك علي مين؟ اللي مبيشوفش
الأفلام والكلام الفاضي ده يضحك علي الخدام اللي بيضيعوا وقتهم وطاقتهم زي البلهاء
قصاد الحاجات دى؟ وللا انتو يا خدام يا محترمين ياللي حفظتوا الأفلام ومش قادرين
تقولوا آيتين علي بعض اللي تضحكوا عليا ؟".. و رغم هذ الإجابة المتقنة
الصياغة إلا انهم لم يتوقفوا عن الضحك.. بل أن إحدي خادمات العمل قالت لي في
البروفة التالية أنها حكت لوالدتها عن حكاية "حبيبة الشعب"
فشاركتها والدتها الضحك طوال الليل.. استطيع أن ازجر الخدام ولكن ما حيلتي مع
الوالدات؟
و ظلت رجاء تخضع لتعديل كلمة هنا وجملة
هناك ومع كل مرة أتحايل وأجمع النصوص وأمزقها لأعيد الكتابة.. ويشتكي الممثلون
لاسيما رجاء والملاك لطول دوريهما والتزامهما بالحفظ
الحرفي التام لتزامن كلامهما مع دقات الساعة..
ومع الاهتمام بتعديل النص فقد شغلتني
تجربة مثيرة أُخرى وقت الإخراج.. وكانت أنني وضعتُ نفسي أمام تحدًّ في النَصَّ
بالتصريح بظهور الملاك فجأة على المسرح.. فكيف أنفِّذ هذا؟ الكلام في موقف كهذا
سهل والتنفيذ صعب، فكيف وقد أُحِيل الإخراج لي؟ صممتُ أن أكون وفياً كمخرج لي
كمؤلف.. وبحثتُ في كل الكتب عن حيل الظهور المفاجئ ووجدتها كلها تحتاج لإمكانيات
هائلة.. ولكنّ من هواياتي إخراج الكثير من القليل.. وقد تحقق النصف الثاني من
المعادلة بالفعل، إذ لم يكن متوفراً لي إلا القليل.. يبقى فقط إخراج الكثير منه..
التفتُّ للإمكانيات الضوئية.. كان هناك فلاشر وزووم ولمبة ألترافيوليت.. تحايلت
عليهم وداخَلتُهم معاً في ذهني تباديل وتوافيق حتى اهتديت لفكرة بديعة نجحت تمام
النجاح.. مع حوار الملاك تزداد نبرة الإثارة فيصحّ تخفيض درجة إضاءة المسرح
تدريجاً.. تأخذ رجاء جانباً لليسار مع تحديها الملاك للدخول وتعطي ظهرها لناحية
دخول الملاك وهذا يسرق بصر المشاهدين معها.. مع اكتمال الحوار قبل كلمة "أنا
دخلت فعلاً" يكون النور قد انطفأ تماماً فيركّز الزووم على رجاء.. ومع ان
إضاءة الزووم قوية وتضئ المسرح كله، ولكنّ التحايل بتركيز الأبصار مع رجاء بحكم
حركتها وزيادة الضوء حولها بفعل الزووم، هذا التحايل يخفِّض من درجة متابعة
المشاهدين البصرية للجانب الذي يدخل منه الملاك.. يدخل الملاك بتونيا بيضاء،
ويتسلل بهدوء لوسط المسرح تحت لمبة الألترافيوليت، بحيث عندما يقول: "طب انا
دخلت فعلاً" يضيء الألترافيوليت الذي يُظهِر اللون الأبيض فقط تقريباً، وفي
نفس اللحظة ينطفيء الزووم.. هذا التوافق يفاجئ اكثر من تسعين في المئة من النظّارة
رغم أن الملاك دخل فعلاً في جزء مضئ لحد معقول من المسرح.. وقد نجح تنفيذ التجربة
تماماً وكانت نسبة المفاجأة أعلى من التسعين في المئة بحسب إحصاء سريع.. ولم يضايقني
إلا ما صنعه مصوّر الفيديو إذ عتَّم الكاميرا تماماً قبل أن يضئ المسرح بعد ظهور
الملاك.. لقد تطوّع بالتصوير يوم العَرض بعرض كريم مفاجئ، وكان هذا أقصى ما في
إمكاننا وقتها أن ننتظر كرم العروض المفاجئة.. ولكنّ ما فات تصويره لفيديو لم يفت
تصويره كتابةً أشكر الرب..
وأستعيد هنا وأود تسجيل شعوري وتصوير يومي
وقتها.. كنت أقوم من الفراش حوالي الرابعة مساءً واذهب للكليّة للدراسات العليا..
وبعد محاضرة لطيفة في علوم الكومبايلرز أو أُخرى سخيفة للتشغيل المتوازي أو
غيرهما، أغادر الكلية للكنيسة لأبدأ البروفة.. بعدها أعود سيراً مع
"رامز" لنقطع شارع عرابي عدة مرات حتى انتهي ليلاً في المنزل.. أقضي
السهرة للصباح كاتباً ومُعُدِّلاً وحاسباً الوقت، ومثسضجِّلاً ما يخطر ببالي من
ملاحظات للنص المصاحب أو الحركة.. وفي كل هذا كنت استمتع بالجو الخريفيّ الأثير
لجسدي ومزاجي وبعدها الشتوي المعتدل.. كانت أيام.. وطالما قلتُ بعدها: ولا يوم من
أيام رجاء!
تخطيط
الحركة
عند تكليفي بإخراج "رجاء" كان
لدي وقت كثير وكنت تقريبا متفرغا لهذا العمل إذ كنت حديث التخرج وقد فرّغت نفسي عن
عمد لاستكمال الدراسات العليا.. والدراسة غير الوظيفة.. فالوقت هنا يحكمه ذهن
الإنسان لا قانون العمل.. أتاحت لي تلك الظروف الوقت للتفكير في تصميم الحركة، وللقراءة
المنهجية عن الحركة في المسرح وفنياتها للانتفاع بخبرات المتخصصين.. وضعتُ أمامي
وقتها حوالي عشرة كتب كبيرة عن فن الحركة في المسرح.. ولا أملك مع انتفاعي بما
قرأن إلا أن أصرّح بضيقي من تنظير البديهيات أو القريب منها.. لم تكن القضية تحتاج
لكل هذا العناء وقد أودعت خلاصة تلك الكتب في ملحق مقدمة
لاهوتيّة عن الدراما.. القصد أن أهم ما خرجت به من قراءة تلك الكتب
هو أهمية وضع مخطط دقيق ومدروس للحركة علي المسرح، وهو ما يسمونه
"الميزانسين".. وبالفعل كونت مخططاً كاملا للحركة للأسف لم أحتفظ به
مسجلا علي الورق وإن كنت لا أزال احتفظ به في ذاكرتي.. خسارة لأنه كان إبداعا
موازيا للنص نفسه.. ولكنني علي كل حال كنت قد سبقت وقت الكتابة في أصلها فأثبتُّ في
متن النَّص تفاصيل الحركة في المواضع التي مثّلت فيها الحركة جزءا لا يتجزأ من المعنى،
لاسيما حركات الأيدي وحركات الدخول والخروج.. وعلى ذلك فباقي ما أضفته في نَصَّ
الحركة ليأتي في المرتبة الملحقة في الأهمية.. والآن وبعد هذه التجربة المثيرة لي
في الإخراج المسرحي يمكنني أن أصنّف نفسي أنني من المدرسة التجريدية.. الحركات
بسيطة غير متكلفة.. لا توجد حركة إن لم تلزم كمعني.. بمعنى أن الحركة لا تُوجَد
لمجرد أن تقطع ملل المشاهدين كما يفعل الكثيرون.. ففي يقيني أن المشاهد يمل لا من
عدم وجود حركة علي المسرح بل من عدم وجود حركة في ذهنه.. وأن الحركة الزائدة هي
بمثابة استغفال للمشاهد حتى لا يلتفت لملل النص..
الحركة عندي هي جزء من النص بمعني أنها
أداة لإيصال المعني وليست أداة لصرف انتباه المشاهد عن عدم وجود معني.. وهو ما
يتفق مع مسرحية عميقة الفكر ومرهفة المشاعر لا تتحمل الحركات المبالغة التي تشتت
الذهن دونما تأثير ذي فائدة، حتى أن جزءً كبيرا من المشهد الثالث بين رجاء والملاك
لم تكن به حركة إلا حركة رجاء ناحية الكتاب المقدس أو حركة الملاك ليخرج من المسرح
وحركة رجاء المتوسلة نحوه..
ومن المرهق لي ما كان من سبق اعتياد
الممثلين على الإسراف في "المَقَصّات" (تبديل الأماكن أثناء الحوار)
كلما صار المشهد ديالوج (أي اثنين من الممثلين فقط)، فإن لم يكن فالحركة رايح جاي
كأنها بونبون.. ومع نص رجاء محبة المكتمل الحلاوة لا يصلح هذا.. ولذلك فلقد لاقي
منهجي التجريدي في الحركة اعتراضاً مستمرا من الممثلين لم يُحسَم إلا بنجاح
التجربة بالفعل في العرض.. لقد راهنتهم علي النجاح وحملوني مسئولية الفشل مقدماً..
وبعد العرض سألت كبيرة المعترضات: هل أصاب الملل أحداً؟ فكانت إجابتها: متى يكون
العرض القادم؟
والآن وبعد هذا الخلاف الحاد بسنوات
ومشغوليات أري أن المشكلة كانت أساساً في أن الممثل لا يري إلا دوره ولا يشعر إلا
بوقفته علي المسرح فإذا ما مل هو من الوقوف تخيل أن الجميع قد ملوا معه فينزع
للحركة المفرطة يتخلص من ملله هو.. ويخلص المشاهدين من مللهم كما يفكر.. وإذا ما
شعر بعدم وجوده نزع أيضا للحركة لكي يؤكدها.. وهنا تظهر أهمية "الممثل
المشاهد" كما أسميه وهو الممثل الذي يتمتع بـ "حس الصالة"..
و"الممثل القارئ" الذي يفهم المسرحية فيتحمس لها ولا يضخم في أهمية دوره
دون نظر للعمل ككل.. وهي مهارات لازمة للمثل مثلما هي لازمة للمؤلف والمخرج وإلا
سبب الممثل متاعب للعمل..
اختيار الممثلين
جاءت الاختيارات الرئيسة وتلقائية دون
حاجة للقلق.. رجاء كنت قد شاهدتها عَرَضاً في أداء دور ثاني في مسرحية.. فقط لاحظت
أداءها عندما كنت ألتقط شيئاً من دولاب الخدمة الكائن بجوار لوحة مفاتيح الإضاءة
التي كان مسئولاً عنها صديق حميم، قلت له بتلقائية: مين اللي بتمثل الدور ده؟ فقال
لي إسمها (ولم أكن أعرفها) وقال لي دي بنت عمة فلان (ولم اكن أعرفه).. ولكن بمجرد
طلب إخراج المسرحية تذكرتها ورشحتها لدور رجاء.. والملاك كان أمره أسهل في
الاختيار.. فقد سبق لي أن شاهدت الأخ الذي اخترته يقدم دوراً في اسكتش في اجتماع
الشباب لرجل ضعيف الشخصية أمام زوجته، وفي حركات بسيطة لا تخرج إلا من ممثل من نوع
من يتقمصون أدوارهم بطريقة ستانيسلافسكي أبدع في تقديم الإحساس للمشاهد (بالمناسبة
قامت بدور زوجته في الاسكتش الصغير نفس الأخت التي قامت بدور دينا، ولم يبد عليها أن
التمثيل موهبتها وكانت تحدياً كما أسلفت.. وبالمناسبة أيضاً فهي الآن زوجته في
الحقيقة J).. ومرة ثانية تذكرته فوراً عند طلب إخراج المسرحية.. كانت مشكلتي
معه متمثلة في أنه كان في الثانوية العامة وقتها للمرة الثانية، ولما نبهته للزوم
الاهتمام بالمذاكرة حتى لا يسبب حرجاً للخدمة في الكنيسة أكّد لي أنه يعيد لتحسين
المجموع، وأنه شبع مذاكرة طوال سنة كاملة.. وأشكر ربنا أنه نجح.. في الامتحانات
اقصد، فنجاحه في الدور كان يقينياً..
والممثل الذي قام بدور الكاهن كان يتقن
هذا الدور ونجح فيه كثيراً من قبل، ولم يكن في اختياره مشكلة أو تردد..
وأما متاعب الاختيار والتدريب لبقية
الشخصيات فكانت قيمة مضافة خفية للعمل لا يعرفها إلا من رأى الممثلين قبل
اختيارهم.. ودائماً ما أرى قيمة الإبداع وتمعته في إخراج الكثير من القليل،
والجميل الناعم من المادة الخام ذات الأشواك.. وأذكر هنا ثلاثة مواقف.. الموقف
الأول في تدريب من ستقوم بدور "دينا".. كانت ظروفنا كطلبة جامعة أو
حديثي تخرج منشغلون تجعل توفر المتطوعين للخدمة في المسرحية شحيحاً.. واضطررت
لاختيار فتاة محترمة دائمة التواجد في الاجتماعات، ولطبيعة تربيتها المحافظة فإن
حركتها على المسرح ثقيلة كما ظهر لي قبلاً من مشاركتها في اسكتش صغير عابر، وزاد
عليها أن صوتها غير مدرب على الأداء.. ولكن غريزة استخراج الكثير من القليل لم تزل
تعمل معي حتى ابتكرت لها طريقة تُحَجِّم من ظهور الأخطاء.. كان أصعب المشاهد هو
مشهد تظهر فيه بمفردها، وهذا قلت لها فيه أن تتحرك في أمامية المسرح جيئة وذهاباً
مع الكلام الذي كان يقبل هذه الحركة، وبذلك فلن تتوه في المسرح.. وكان مشهداً
رائعاً ادته ببراعة حسب المطلوب.. وأما بقية المشاهد فكانت تظهر مع غيرها، وضبطتُ
لها حركتها بقاعدة بسيطة تلتزم فيها بحركة زميلة لها.. وكانت النتيجة مذهلة لكل من
توقعوا لها أن تكون عاملاً لفشل المسرحية..
والمشكلة الثانية في الاختيار والتمرين
كانت مع من يقوم بدور الشيطان.. هذا الدور تحديداً من الأدوار المحببة للشباب،
والذين يجيدونه ويسرهم أداءه كثيرون، ولكن ظروف الدراسة تحول دونهم إذ كنا نتمرن
في خريف وشتاء العام، ولم يبق أمامي غير زميل متحمس في كلية الشرطة!.. يا عم انت
هنلاقيك؟ متخافش عيب.. مرة والثانية واختفى ثم أتى معتذراً.. لم أجد أمامي غير شاب
مرفه سهل التواجد ولكن صعب القيادة.. وما يزيد في الإشكال أن له كلاماً كثيراً في
النص، وعليه أن يلتزم بالحفظ وحفظ النص المصاحب من أجل ضبط الوقت..وزاد من مشاكله
أن شكله الضخم وصوته الذي يميل للجدية يجعلان منه صادماً للتوقع التقليديّ لشكل
الشيطان.. وكان تحدياً جديداً.. وخضت التجربة معه، وتنازلت في فقرة واحدة عن أن
ألزمه بكل شئ حتى لا أخسره، وكانت النتيجة انه كافئني بالالتزام بالباقي تمام
الالتزام.. كانت الفقرة التي تنازلت فيها هي فقرة المونولوج الخاصة ببداية ظهوره..
وقال لي إنه لن يستريح لاداء كل هذا النص منفرداً دون تلقائية، فوافقته على السماح
ببعض التلقائية شرط أن يختم في الوقت المعين، وشرط ألا يضيف كلاماً مفاجئاً فلا
تتعدى درجة حريته تتلخص في تغير المرادفات وإسقاط ما ينساه.. وعبرت الفقرة على
خير.. وكان شكلاً مفاجئاً ولكن مفاجأة سارة لأداء دور الشيطان.. كان من نجاحات
المسرحية التي لا
يدرك قيمتها إلا من رآه قبل اختيار الدور ورأي
معه كم المشاكل..
متاعب مع الممثلين
وإذا كان اختيار الممثلين وابتكار الحيل
للتغلب على عدم دربة بعضهم كان متعة وسبباً للقيمة المضافة للعمل، فإن المتاعب في
التعامل الشخصيّ معهم لومع خلفيتهم لمتكن هكذا.. وقد تمثلت أزمتي الكبرى معهم في
سببين وضعاني في متاعب مستمرة مع الممثلين، ليس منهما عدم كفاءة البعض، ولا قلة
المتوفرين للعمل.. أولهما سبب فنيّ ردئ عاب الممثلين الرئيسين، فقد كانوا ينطلقون من
اعتمادهم علي قواعد نظرية حفظوها ولم يحسنوا تطبيقها.. وهذا لا يجدي معي لأنني
أصرّ على الإبداع قبل الإتباع، وإلى فهم ما أتّبع عندما أتّبع.. وأنا لا أحتقر
العامل النفسيّ ولا أحتقر القواعد إطلاقا ولكني أقسمها لقسمين: القواعد الأساسية
البديهية وهي لا تحتاج بالضرورة لدراسة وحفظ لأنها متاحة بداهة لكل من يفكر..
ومخالفتها غير مقبولة لأنها مخالفة للبديهي.. ومع هذه القواعد الأساسية فهناك
القواعد الثانوية اللاحقة التي أثق بها كدواء لعلاج مرض وإكمال نقص.. ولكنني أؤمن
أن الوقاية خير من العلاج.. ولذا فلا أحتاج للقواعد إلا مضطراً.. علي أي حال فقد
سجلت أفكاري في الحركة وفي علاقة الإبداع مع القواعد ببعض التفاصيل في
مُلحَق
"مُلَخَّص لأصول الإخراج المسرحيّ"..
وزاد في متاعبي معهم سبب نفسيّ هو عدم
ثقتهم في الضيف الجديد غير المختبر (أنا).. ولقد تداخل السببان معاً في توليد
مشاكل مركبة.. كانوا يصرون على تطبيق شئ محفوظ بدافع شخصي هو وضعي تحت السيطرة..
وكنت أرد بقوة الشرح لمن يفهم وقوة التصميم لمن يصر على المعاندة.. وأتذكر من ذلك
أن قالت لي الأخت القائمة بدور رجاء: "احنا متعودين ناخد رأي بعض"
فرددت: "أنا أكتر واحد باخد رأي الناس، وباجيب ناس مخصوص يراجعوني من غير ما
تعرفوا.. وانتم كلكم بتقولوا رأيكم.. وكل ده أخد رأي.. لكن فيه فرق بين إن أنا
آخد رأي الناس وبين إن أنا آخد برأيهم.. أنا باخد الرأي ومش ملزم
آخد بيه"..
وصل العراك لحد غير متوقع، وبدا لي السبب
غامضاً وقتها.. فآثرت الانسحاب، ولكنّ المفاجأة كانت أكبر من غموض سبب زيادة
المعاندة، ألا وهي أنهم تمسكوا بي بقوة تمسّكاً صادقاً، ولاسيما رجاء! ارتحت لهذا
التحوّل المفاجئ، ولكن مع عودة العمل عاد العناد من جانب رجاء!
وكان العرض مُقَررّاً له يوم الجمعة 12
يناير بعد العيد باعتباره هدية وحفلة العيد في الاجتماع.. ولكن مع مزيد العطلة في
البروفات وقلق البعض من إمكانية تقديم العرض يوم 12 شاورني أمين الاجتماع في تأجيل
العرض.. وأنا لا أحب التأجيل، لاسيما مع ارتباط العرض بالعيد بحسب توقع السامعين
به والمنتظرين له.. ولكن لما كنت لا أملك طلب مهلة للتيقن من قدرتنا على العرض،
بسبب حلول موعد طبع جدول الاجتماع الشهريّ في اليوم التالي لسؤال أمين الاجتماع،
فقد قبلت على مضض التأجيل لأسبوعين بعد الموعد الأصليّ، فكان أن نزل الجدول مبشراً
بالمسرحية يوم 26 يناير 1996.. وكلما اقترب الوقت حتّى أيام يناير الأولى كلما اشتدت
الصبيانية في المعاندة وفي الالتزام بحضور البروفات.. وكان الالتزام من كبريات
لوازم حياتي وقتها.. ووصل الأمر لحد خطير لم أتوقعه: يوم 3 يناير وإلى الساعة
الثامنة والربع لم تأت رجاء، وموعد البروفة يبدأ من السابعة والنصف.. فاجئت
الموجودين وبمنتهى الهدوء بهذا القرار: لو مجتش لحد تمانية وخمسة وعشرين دقيقة إيمان
هتاخد دور رجاء، وسهل أي واحدة جديدة تحفظ دور إيمان بسرعة.. حاولت إيمان
الاستعفاء حرجاً، وصممت، قلت لها انتي بتحضري معانا فالدور مألوف على ودنك.. وفي
فترة الانتظار أسر لي من يقوم بدور الكاهن أن رجاء قررت عدم استكمال العمل في
المسرحية، فقلت له إزاي الكلام ده يستخبى في الوقت الحرج ده؟ طيب ماتقول من
الأول.. على أن المفاجأة أنها أتت قبل الثامنة والنصف بعد ان شرعت في بدء البروفة
نمع إيمان على انها رجاء! أتت لاهثة وقالت إنها تأخرت لسبب لا أتذكره، ولم تأت
بذكر شئ عن استعفائها عن استكمال العمل.. وشعرت أن واحداً قد أبلغها بقرار
تغييرها، ولم أعرف كيف للآن، فلم يكن السِلفون قد ظهر في مصر بعد.. وأظن أنها كانت
في موضع قريب من الكنيسة وقد خرج واحد لإبلاغها بالتطورات.. وفي يوم 5 يناير وكان
يوماً مشهوداً، انتهت البروفة بمعاندة عظمى در فيها حوار هادئ ومنطقي من ناحيتي
ومتوتر من ناحيتها، سأحذف أوله، وأبدؤه بقولي لها: احنا مختلفين.. كلام مين اللي
يمشي؟ نتفاهم.. اتفاهمنا وفضلنا مختلفين، ولازم كلام حد يمشي.. ماهو مش كدة.. ماهو
كدة.. وانتهت بما قالته: ما محبة إلا بعد عداوة! وكل سنة وانت طجيب والعيد بعد
يومين وكانت نهاية فترة الاحتداد.. وإن احتاجت عودة الأمور لطبيعتها، بل ولأفضل من
طبيعتها لبعض الوقت..
ومن المواقف التي تدل على بقاء أثر من
المعاندة الشخصية بعد المصالحة الكبرى هذا الموقف الطريف.. كانت الأخت تداوم على
مخالفة كل ما يمكنها مخالفته ومنها قاعدة الوقوف انتباه على المسرح.. وفكرة هذه
القاعدة أن الممثل الذي تطول فترة وقوفه على المسرح يملّ ويبدأ في التململ
التلقائي في مظهر وقفته، ويصاحب ذلك بحكم الطبيعة تيه الكلام والأداء منه،
وللوقاية من ذلك ينصح المسرحيون بوقوف الممثل وقفة الانتباه التي تحفظه في ديمومة
اليقظة.. ولما كان دور رجاء هو الأطول وقوفاً دون حركة فقد كررتُ التنبيه عليها
بمراعاة هذه الوقفة، وكررَتْ هي التجاهل.. حتى كان في إحدى البروفات أنها داومت
الدق بقدميها على المسرح والنظر لي، ولم أفهم إلى أن قالت لي بغضب: مش شايف إن أنا
واقفة انتباه؟ فأجبت: أنا يئست من سمع الكلام فبطلت ألاحظ..
وهكذا رغم كل شئ ومع الصبر والشرح والمودة
الأخوية فسرعان ما زادت ثقة كل الفريق بفهمي وقيمة إبداعي، وتوطدت أواصر المودة..
ومن أطرف المواقف في البروفة الأخيرة قبل
العرض، وقد انتظمت الأمور في أيامها الأخيرة، وارتاحت النفوس أنني كنت في غرفة
الإضاءة والصوت، وكانوا يقومون ببروفة المشهد الرابع حيث يجتمع أكثر شخصيات
المسرحية ليجاوبون مونولوج رجاء بـ"بلاي باك،" وكانت إيمان بعيدة عن
مكانها، فقالوا لي ننتظرها، فقلت ليه؟ وأمسكتُ بالميكروفون وقلدتها بإتقان شديد:
"غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الـله"، فأتت مذعورة وقد تصورت أنها
في مكانين في وقت واحد! وهكذا انتهت الأمور لخير حال من اللطف والمودة قبل العرض..
ولا أرى سعةً في المجال للاستفاضة هنا في
حديث الذكريات الذي لا ينساه ولا واحد ممن شاركوني هذا العمل الناجح
العزيز، ولو استفتُ ما احتملت الأوراق قبل القارئ..
النص
الشفوى
مع النص المكتوب ابتكرت ما أسميته "النص
الشفوى"الذي هو بمثابة نص مصاحب لنغمات الكلمات.. هذا النص هو الإبداع
المشترك بين الممثلين والمخرج والمؤلف جميعاً.. فالكلمات توحي بالنغمة.. وأداء
الممثل يوسع نطاق الإيحاء.. ثم تذوق المخرج..
وأيضا هناك مبدع رابع أضيفه وانتفت به
فعلاً وأنا في مرحلة صياغة النص المصاحب.. أعني المشاهدين النقاد.. وكنت اصطحب
منهم في البروفات نوعين.. نوع بسيط غير ناقد بطبيعته ادعوه دون كشف غرضي.. واسأله
فيما بعد في حديث ظاهره عَرَضِيّ عن ملاحظاته.. مثل هؤلاء النقاد بالسجية يقدمون
لي الانطباع الأول للمشاهدين، ويكشفون ما يفوت العين الناقدة التي لا تري الغابة
من زحام الأشجار.. ثم النوع الثاني وهم أفراد قليلون منتقون أثق بحسهم الفني ثقة
شخصية.. وهؤلاء كانوا في حالة "رجاء" زميل واحد فقط.. ولكنه كان معونة نافعة
لي.. في التسلية.. في التعليق على النص.. في رؤية الحركة.. في متابعة النص
المصاحب.. وفي فضّ المنازعات بيني وبين الممثلين J..
والداعي للالتزام بالنص الشفوي يتناسب
عكسيا مع مهارة الممثلين وحسهم الإبداعي.. وكانت مجموعة الممثلين معي في رجاء ذوي
حس إبداعي فطري.. وكانوا متذمرين علي إصراري علي الالتزام بنص شفويّ.. معهم حق..
وقد وصلنا لحل وسط أظنه هو المنهج السليم.. وهو الاكتفاء بالجلوس مع الممثلين
المبتدئين للتمرين علي كل الجمل.. والاتفاق مع كل الممثلين علي بعض الجمل الهامة..
فكنت اجتمع مع صاحب دور الملاك بالتحديد لأهمية دوره واستوحي منه طريقة إلقائه
للجمل لاسيما وأنه كان ممثلا ممتازاً بطبيعته.. ثم أعرض عليه تصوري ثم يعيد
المحاولة حتى نتفق معا علي أفضل نغمة للجملة.. وبعد هذا يأتي دور الأذن الثانية
والعين الثانية.. أعني أذن وعين النقاد.. ثم نعاود الجلسة وهكذا.. جملة جملة..
وعندها نثبتها وتصبح جزءً من نص شفوي يحفظه الممثل.. ويساعده علي هذا تسجيل الجمل
بالنغمة المتفق عليها حيث يعيد الممثل سماعها حتى تتلاشي من ذهنه النغمات
المستبعدة وتتثبت فيه النغمة المطلوبة ..
ولا أنسي موقفا طريف تعرّضت له عندما لم
تعجبني طريقة "رجاء" في جملة لا أتذكرها الآن.. وبدأنا معركة التعديل..
أعادتها مرات كثيرة.. مرة تقترب ومرة تبتعد.. حتى قالت لي بتحدٍ: "ممكن تطلع
وتقولها علشان أعرف إزاى".. صعدت للمسرح وشرعت في تمثيل المشهد.. أوه.. نسيت
إلي الآن وقد مضى فوق ثلثيّ المقال أن أقول أن التمثيل ليس من بين مواهبي L أُبدع في التأليف
والإخراج والنقد والتذوق ولكن لا أُمَثِّل.. ما الغريب؟ وهل كل مُلَحِّن يُغَنِّى؟
المهم أنني فشلت فكان موقفي محرجاً لي.. فقالت لي رجاء: "انت مش عارف إنت
عايز إيه".. فأجبت مكملاً الدعابة: "لكن عارف أنا مش عايز إيه..
وكل اللي انتي عملتيه أنا مش عايزه".. ولكني كنت قد فقدت حقي على الإصرار
بعد فشلي في الأداء، فتركت الموقف يعبر.. إلي حين آخر J..
كان الالتزام بـ"النص الشفوى"
في جمل كثيرة أمراً مهماً جداً.. وقد حاولت تنفيذ هذا في "رجاء"
بإصرار الباحث عن الكمال.. إن تسمية طريقة الإلقاء "نصا شفويا" في ذاته
يعني ببساطة أن الإلقاء لم يعد عملا تلقائيا.. بل صار نصا بحكم تسميته.. وهذا النص
وإن كان من تأليف الممثلين بالدرجة الأولي إلا أنه نص.. يلزمه الحفظ.. والالتزام..
إن قضية تلقائية العمل مقابل نصيّته هي قضية كبيرة في المسرح وغير متفق عليها
وتحتمل آراءً كثيرة..
وأنا الآن لا أوافق نفسي علي ما صممت عليه
وقتها من لزوم تنصيص الإلقاء والاتفاق علي طريقة محددة له.. لاسيما أن هذا إرهاق
زائد عن اللزوم للممثلين المتمتعين بموهبة الإبداع التمثيلي.. وأعترف بتعنتي
الزائد وإن لا أعترف بكوني مكابرا.. والزيادة في الشئ، لاسيما لو كان تزمتاً، أمر
غير طيب، ولذلك فلو عدت لتنفيذ رجاء مرة ثانية أو أتيحت لي فرصة إخراج عمل مسرحي
مرة أخري فلا أظن أنني سأكون متزمتا في قضية النص الشفوي..
والآن.. ثلاثة
عروض متوالية!
كان العرض الأول يوم 26 يناير 1996.. كان
تحدياً حقيقياً لما سبقه من خلاف وجذب وشد ومحاولة الممثلة التي قامت بدور رجاء في
الانسحاب إلى آخر ذلك.. وبطبعي لم أقبل التأجيل لما بعد يناير، واكتفيت بالتأجيل
الغاصب من الجمعة 12 يناير بعد العيد لمدة أسبوعين..
وبعد العرض الأول طلب أصدقاء من خدام
اجتماع الشباب عرضه في هذا الاجتماع.. فكان العرض الثاني في خميس من أيام خميس
فبراير 1996 لم أحتفظ بتاريخه في ذاكرتي..
وعاد أمين خدمة اجتماع الخريجين مطالباً
بعرضه مرة ثانية للخريجين باعتباره أحق بالعمل من الاجتماعات الأُخرى، فلا أقل من
تكرار عرضه للاجتماع لأعطاء الفرصة لمن لم يتمكن من الحضور.. حاضر.. ولم أتمكن من
حضور هذه المرة الثالثة، وكانت في فبراير أيضاً بعد عرض اجتماع الشباب.. وطلبت من
الملاك القيام بإخراج وغدارة العرض الثالث.. سألني عن أي تعليمات فقتل هل: أنت
مطلق اليد باعتبارك مسئولاً، وهي فرصة لأخذ فرصتك في الإخراج كما أظنك جديراً به..
وفيما بعد اخرج الملاك فعلاً سكتشات رأيتها ناجحة، وإن لم يعجبني تهوره في كتابة
النصوص.. وقد أشرتُ لشئ من هذا في مقدمة سكتش "لوحده".. ولقد
أخذها الملاك بجديّة زائدة حتى ساءني ما فاجئني به في اتصال تليفوني من نيويورك
(أنا في فيرجينيا) ليخبرني أنه وفَدَ للولايات ليدرس السينما! وسعدت بعد ذلك عندما
عرفته أنه أقلع عن العمل في ذلك الوسط..
المهم نجحت العروض الثلاثة.. وكان أنجحها
العرض الثاني لخلوه من المفاجأة التي ألزمتني بقفل الستار في العرض الأول.. وللأسف
لم يُسَجَّل العرض الثاني بالفيديو.. وأما العرض الثالث فقد أفادتني رجاء أن
الساعة لم يهتموا بالتأكد من كفاءة البطارية قبلها، وكانت النتيجة أنها شعرت بتباطؤ
العقرب، ولكنها تصرفت بذكاء كبير إذ اقتربت من الساعة وتشبثت بها كأنها تريد تأخير
حركتها، وهي في الحقيقة تدفع العقرب للأمام قليلاً.. ونجحت حيلتها ومر العرض
الثالث بنجاح..
هكذا تم التسجيل المفصل لخطوط رحلة رجاء
من كتابتها لتنفيذها حتى العرض، ولم يبق معي إلا ذكريات يوم العرض الأول الطريفة، والتي
أختص بها القسم التالي..
العرض الأول – ذكريات...
© أبرز
ما يبرز من ذكريات العرض هو القرار الذي أصررت عليه بعدم مقاطعة العرض بالتصفيق
والتهديد الجدّي بإلغاء العرض فورا إن حدثت مخالفة.. وقد ساهم هذا القرار في ضبط
عنصر الوقت وهو عنصر حرج جدا في المسرحية.. كما ساهم في تهيئة الجو النفسي لمتابعة
عمل جاد لا يحتمل المقاطعة والتشويش علي تسلسل الأفكار ..و قد فاجأني شعب كنيستي
الحبيبة المعروف بالضجيج وعدم الالتزام بالالتزام التام.. حتى أن واحداً من الأصدقاء
نقل لي أن مشاهداً ممن جلسوا قريبا منه شرع بالتصفيق فقاطعه آخر هامسا بحدة:
إياك.. سيوقفون العرض J..
© قال
لي أمين خدمة اجتماع الخريجين الراعي للعرض: هذه أول مرة يمكن أن نقول في مسرحية:
"لو رميت الإبرة ترن"..
© سقطت
من رجاء عبارات قليلة جدا في العرض الأول.. ولكنها لكثرة تدريبها علي الوقت عرفت
كيف تعوضها بما يعيد الحوار لتزامنه مع الساعة قبل مجئ اللحظات الحرجة.. ورغم حزني
علي ما سقط من عبارات إلا أنني كنت ممتنا لذكائها وقدرتها علي ضبط الموقف.. لقد
نجحت تجربة الساعة وعندما دقت التاسعة كانت رجاء تصرخ: "مبحبهااااش"..
ومع هذا التزامن البديع الانضباط كنت أقول: "بس أنا بحبهاااااااااااا"
(أقصد فكرة المسرحية والمخاطرة بسماتها غير المسبوقة).. لم تفشل الفكرة.. وظهر عرض
مسرحي متزامن مع الساعة للمرة الأولى في التاريخ المعروف للمسرح!
© مفاجأة
محزنة وسط العرض.. دربكة دون لزوم من حركة طائشة خلف الكواليس ضغطت على الستار
الخفيّ الذي يحمل الساعة للأمام، وسبب قلقاً لرجاء من توقف الساعة مع نزول خلفية
المشهد الثاني عليها.. ونقلت لي رجاء مع مشرف المسرح هذا القلق بعد المشهد الأول..
اضطررتُ غصباً وقهراً للتضحية بفكرة الفتح المتصل للستار وقبلت إنزال ستار المسرح
بعد المشهد الثاني للتأكد من سلامة الساعة بعد احتكاكها بخلفية المشهد.. كانت
الساعة سليمة، ولكن الموقف لم يحتمل المخاطرة..
© أكثر
ما أثَّر في نفسي ما نقله لي الملاك عن تعليق سمعه من إحدي
قريباته.. قالت له: "حرام عليكم.. أنا كنت هطلع علي المسرح وقت الملاك
ماكان بيسيب رجاء وهي بتقول له استني متمشيش.. كنت همسك فيه علشان ميسبهاش"..
وأخري قالت له: "كدة تخلوني أبكي بصوت عالى؟".. ليس سبب تأثري
هو مجرد تأثر الناس وبكاؤهم.. ولكن لأن المسرحية التي بدأت بإضحاك الناس إضحاكاً
وقوراً في المشهد الأول انتهت بتحريك مشاعرهم بقوة.. ومعيار نجاح الدراما الكنسية
عندي هو الابتسام الذي يسبق الدموع.. كانت هذه شهادات نجاح بمعياري.. وكما سبق
فقلت أن الذي يضع المعيار والقاعدة هو المبدع.. لذلك هنأت نفسي علي النجاح.. أما
عن ابتسامات المشهد الأول فلم أحتج لمن ينقلها لي.. لقد كنت أسمعها بنفسي..
© هناك
دائما تفاصيل صغيرة تفوت الجميع وتحتاج لمتخصص في متابعتها يمكن تسميته "منسق
الإكسسوارات" وقد نسينا مثلا أمر الأكواب التي تستخدمها "رجاء"
لمضايفة "إيمان" وكان يمكن لهذا أن يتسبب في موقف محرج جدا وقد تدارك
هذا أخ أخذ علي عاتقه دون تكليف أن يتابع دقائق العمل متطوعا ونبهني قبل فتح
الستار بدقائق لعدم وجود الأكواب في مكانها ثم ذهب لمطبخ الكنيسة واحضر أكوابا
بديلة وأعطاني هذا الموقف درسا في أهمية التفاصيل التافهة الشأن وأهمية من يقوم
بمتابعتها..
© عرضت
"رجاء" ثلاث مرات في ثلاثة أسابيع متتالية.. ونجحت في كل
مرة وإن كان نجاح العرض الأول هو الغالب بالطبع.. وهو العرض الوحيد الذي تم تصويره
بالفيديو.. وعند مشاهدتي للعرض المصوَّر وكان المصوِّر فناناً بارعاً حقاً أدركت أهمية
أن يحضر مصوِّر العرض البروفات.. لأن حضور المصوِّر معنا في بعض البروفات ومعرفته
بتتابع الحركات مكنه من إضافة لمسات فنية كان الفيلم سيخرج ناقصا ومعيبا بدونها..
© عند
الإعلان عن المسرحية تساءل كثيرون عن اسم المسرحية.. لقد ظنوا أن عبارة "رجاء
محبة" هي لون من التوسل لحضورهم.. وعند سماعهم لختام المسرحية كانت عبارة
"رجاء محبة" قد أخذت من مشاعرهم كل مأخذ حتى أن البعض إذا رأي بعد ذلك
لافتة تنبيه مستهلة بكلمة "رجاء محبة" ظنوا أن المسرحية سيعاد عرضها.. أو
علي الأقل استعادوا ذكراها..
نقد مبكر- حوارات حول رجاء
صدمة المحبة
بعد العرض الأول جاء أول نقد تتلقاه "رجاء"
مبكرا جدا وفي الكلمة الختامية للأب الكاهن.. وهو كاهن رزين وقور يزن الكلمة،
ومثال مُشرِّف للكنيسة بين قليلين من أمثاله في زمننا التعس.. ولا تبالغ إذا مدحته
من هذه الجهة.. جاء نقد في التعليق الختامي قبل توزيع الهدايا.. استشهد بالنص
الكتابيّ (رو 5 : 5): "لان محبة المسيح قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس
المعطي لنا".. محاولا بهذا أن يعالج الصدمة التي سببتها المسرحية للجمهور
وحالة الرعب التي بدت علي وجوه البعض.. وإلى هنا فلا إشكال.. ولكن فيما بعد في
جلسة منفردة ناقش الفكرة معي، وكان اعتراضه عليها مبالغتها.. فأقررت له بتطرف
العرض للفكرة وبالتأثير البالغ الناتج عن العمل.. وقلت إنني لا أجادل في هذا.. وأضفت
أن إقراري ليس اعترافاً بوجه قصور، بل إيضاح لقصد.. لأن هذا عينه هو ما قصدته ولم
يأت دون حساب.. فالمسرح غير المنبر.. والعمل الدرامي يجب أن يأخذ تلك الصورة في
التعبير ليعطي تأثيره.. ثم يأتي دور المنبر في إيصال الفكرة بعرض متزن.. المسرح
بهذا يخدم رسالة المنبر ولا يعارضها.. لأنه لو لم يكن الشعب متأثرا من الأساس
بفكرة ما لن يكون للعرض المنبري الرزين للفكرة أي تأثير من الأساس.. وبدا لي أنه
تقبل لحد ما فكرة المقارنة بين المسرح والمنبر وأسلوب كل منهما طالما كانت الفكرة
في ذاتها سليمة روحياً ولاهوتياً.. وطالما كان التنوع هو في حدود طريقة العرض ونوع
التأثير.. ولكنه ظل غير مستريح عملياً لأسلوب تخويف الناس.. الأب الكاهن أكثر دراية
مني وأنا أقر بذلك دون جدال فيما يخص الناس.. ولكنني كنت محصوراً بين اثنين..
أسلوب التعليم المتزن وأسلوب المسرح المثير.. وقد انحزت لما تقرئون في النص..
ويؤيد صحة انحيازي أنني كنت أقدم مسرحية وألعب على أرض المسرح.. ولو روّعت الناس
على المنبر لعلّي ما وجدتُ دفاعاً..
نموذج مريض
بالارتباك؟!
ولكنه لاحقني في ذات الجلسة بنقد ثان..
سألني: لماذا تقدم رجاء بتلك الصورة السريعة التردد الأقرب للمرض النفسي في المشهد
الأخير؟ وكانت إجابتي مرة أخرى الاعتراف بسلامة الملاحظة ومرة أخري أيضا تعليل ذلك
بضرورة المسرح التي تفرضها طبيعته.. لأن المسرحية تقدِم في ربع ساعة ملخص لحياة
رجاء الروحية الممتدة لسنين طويلة.. ليس فقط لرجاء بل للجالس في مقاعد المتفرجين..
فهذا المشهد يأتي في شكل بانوراما أو صورة ملتقطة بالطائرة لمدينة كبيرة.. فطبيعي
أن تأتي الصورة صغيرة في حجمها مزدحمة في تفاصيلها.. وهنا تكون البراعة في تصميم
المشهد حتي لا تتداخل التفاصيل فيتوه المتفرج.. وعليه فأنا احسب المشهد ناجحا إن
شعر المشاهد بارتباك رجاء ومع ذلك لم يته معها رغم ارتباكها.. أو بكلمات أخري أن "ارتباك
رجاء" لم يتسبب في "إرباك المشاهدين".. لأنه إن لم يصل
للمشاهد الإحساس بتردد وارتباك من الأساس يكون المشهد فاقدا لرسالته.. ووصله
الارتباك وارتبك هو معه وتاه بين الجمل والأحداث يكون المشهد فاشلا فنيا.. وعليه
كان المشهد حاملا لرسالته دون أن يربك المشاهدين.. لقد كان ناجحا ..
ما أعجبني في ملاحظات الأب الكاهن أنها
فتحت لي الطريق للدفاع عن تُهم تظل معلقة لو لم تُطرَح هذه الأسئلة.. كما لفتت
نظري مبكراً لركن ينقص خدمة المسرح الكنسي، الذي هو "عمل المنبر المكمل"..
لأن أغلب أعمال خدمة المسرح في الكنائس ينقصها الجزء المكمل لها وهو خدمة المنبر
التالية لها مباشرة.. وبدون هذه الخدمة المكملة فإما أن المسرحية ذاتها تجنح
للخدمة المنبرية لتنجو من الحكم عليها بالمبالغة.. أو أن يخرج بعض المتفرجين غير ذوي
الدربة في المشاهدة المسرحية وهم بمشاعر وأفكار غير متزنة لتأثرهم بالشكل المسرحي المفتقد
لرزانة المنبر.. أو أن ينحصر المسرح الكنسي في الأعمال السطحية التي تقدم فكرا
تقليديا بأسلوب تقليدي.. وكلها نتائج غير مريحة.. ولذلك لحين رفع ثقافة الجمهور،
فالحل هو ترك المسرح لأسلوب المسرح دون تضييق عليه، يتلوه في ذات العرض أو متعلقاً
به المنبر الضابط للمعاني لمن قد تتوه منه،
لماذا كل نماذج
شخصياتك سلبية؟
هذا النقد وُجِّه لي من مجموعة خُدَّام
فيث اجتماع الشباب.. أعرفهم جيّداً بطيبعة الحال، وأعرف مداخلهم ومخارجهم والرد
عليهم..
وعلى كل حال، فقد دار هذا الحوار فور
انتهاء العرض الثاني للمسرحية في اجتماع الشباب، ولأيام متفرقة بعدها..
*لماذا كل نماذج المسرحية سلبية؟ لماذا لم
تركز علي النماذج الإيجابية؟
+الشخصيات كلها ست شخصيات.. فإذا استثنينا
رجاء فهناك مثلين سلبيين يتمثلان في الشيطان ودينا مقابل ثلاثة أمثلة أقوى في
إيجابيتها من سلبية الآخرين..
*إذا كانت رجاء أهم شخصية فسلبيتها تطغي
علي العمل كله..
+مهلاً.. رجاء نفسها مثال لتحول عميق
لشخصية من السلبية للإيجابية العميقة.. والباقي إما شخصيات إيجابية علي الدوام..
أو شخصية سلبية لم تظهر كثيراً هي دينا.. وشخصية الشيطان.. فهل أقدم شيطاناً
إيجابياً؟ J
فالآن عِدّوا معي.. معنا شخصيّة سلبية
واحدة هي دينا، وهي شخصيّة مظلَّلَة شبه متوارية في العمل تقوم بدور درامي للتخديم
على الأحداث وإبراز شخصية رجاء وأفعالها..
مقابل هذه الشخصية السلبيّة الوحيدة وشبه
الثانويّة، معنا شخصيتان إيجابيتان بقوة: يمان والكاهن.. ومعنا فوقهما تحول رجاء
الذي يضيف فوق كونها شخصية إيجابيّة بحكم ما انتهت إليه، أنها تحولت فأضافت
للإيجابية قوة الدفع من واقع التحوّل القويّ.. يعني المتوقع لنقّاد الدراما أن
يعيبوا على المسرحيّة إفراطها في تقديم النماذج الجيدة لا العكس، وهؤلاء سيكون
الرد عليهم أن المسرحيّة تُقَدَّم في كنيسة لتعليم المثال الطيب والحث عليه..
باختصار الحسبة لم تجد منكم الأناة في إبرامها!
*(فوجئوا بالرد ونظروا إلي بحيرة)
فعلا.. ولكننا شعرنا بغير ذلك..
+ أظن أن سر هذا الشعور هو متابعتكم
للمسرحية بعين الخادم الحريص علي الرسالة.. والذي يقيس الرسالة بقاعدة محفوظة هي
عدد النماذج الإيجابية.. هذا ضيق استيعاب وخمول ذهن لاشك فيهما..
*ولكن كيف نعلم الناس الإيجابية ونشجعهم
عليها لو أحطناهم بشخصيات سلبية؟
+الحقيقة ينبغي أن أداري خجلي أمام المنطق من
مجاراتي لكم إلي هذا الحد، وتنازلي بالرد علي هذا الانتقاد الكمي بحجة كمية.. هذه
سطحية مفرطة.. والأجدى بعد أن برأت المسرحية من ملاحظة غير صحيحة أن نناقش المبدأ
ذاته.. والآن لو اقترضت أن شخصية رجاء لم تتحول لمثل إيجابي.. فهل تظنون أنني كنت
أُسلِّم لكم بصحة نقدكم؟.. هذا نقد شبيه بالأكل المحفوظ.. وهو يعني إذا سلّمنا به
أن نمتنع عن معالجة أية شخصية سلبية، وعليه فلا يكون هناك لزوم لأي عمل مسرحي، ولا
حتى عمل وعظ، ولنكتف في الكنيسة بالتسبيح باعتبارنا صرنا ملائكة.. ذلك لأنه قد حُرِّم
علينا أن نعطي الشخصية السلبية الدور الأساسي في أي عمل.. وبالتالي فإن اتلوبة
التي هي أعظم منجزات الكنيسة في حياة أبنائها قد حُرِّم إبرازها في دور أساسيّ لأن
الشخصيات الأساسية لَزَم أن تكون إيجابية من البداية! د
بل أكثر من ذلك.. هب كل الشخصيات سلبية
فما هي المشكلة؟.. يمكن تقديم عمل كل نماذجه سلبية ويكون مع هذا غنيا بالتعليم
الإيجابي.. فالنموذج السلبي يصلح للتعليم ربما أكثر من الإيجابي.. أو كما يقول
التعبير الإنجليزي : works as a bad example.. ثم ماذا لو قدم عرض كل نماذجه إيجابية وشخصية واحدة سلبية طغت
علي الآخرين وسرقت منهم المسرح؟ المعيار لا يصحّ أبداً أن يكون كميّاً صرف.. هذه
الملاحظة تكون فقط تصح علي النطاق الماكروسكوبيmacroscopic لا الميكروسكوبي microscopic.. فلو كانت كل الأعمال التي تُقَدَّم ليس بها إلا نماذج سلبية
للزم التعديل
لأن الجمهور يكون في هذه
الحالة محاصراً بنماذج سلبية حتى لو كانت الأعمال هادفة للبناء.. ولكن عمل واحد لا
يصلح الحكم عليه بقاعدة ماكروسكوبية.. والحاصل أنه لو طُبِّقَت الأحكام
الماكروسكوبية بحق لتبين أن مسرحية رجاء تحاول تقديم التوازن المفتقد، إذ أن أكثر الأعمال
تتبارى في تقديم النماذج الإيجابية بسذاجة.. ومن ثم لزم تقديم عمل متزن مقابلها..
عموماً وبعيداً عن هذا التعقيد
الماكرو-ميكروسكوبي فقد وجدتُ في هذا النقد مؤشرا ضمنيا علي النجاح.. فخوف الخادم
من النماذج السلبية لا يتحقق إلا عندما يشعر بتأثير العمل..
لكن حضرتك السامريّ هو رمز للمسيح!
بهذه الكلمة تقدم لي رجل كبير ظاهر الاحترام وأدلى بمقولته بلطف وبأسى كمن أشفق على صحيح التفسير الذي لم يظهر في العرض!! ومع مثل هذا الرجل الطيب ما كان متاحاً في وقفة عاجلة بين الزحام أن اتكلم عن ثلاثة نقاط الأولى تفسير المسرحيّة والثانية تأمله الرمزي الذي ليس بتفسير والثالثة علاقة الفهمين البينية وهكذا من عرض فنيّ لاقتناء تفسير صحيح شامل لنص كتابي.. ولكن كان ممكناً أن أصل به من تفسيره الرمزي التأملي إلى التفسير الدقيق المباشر مع الملاحظة التفسيريّة غير المسبوقة التي عرضتها المسرحية..
ففي عجالة وبابتسامة لطيفة صادقة تقابل هيئته ونبرته قلت له: المسيح مثال لنا فأومأ برأسه موافقاً فقلت: فمن ثمَّ نتشبه به وبسلوكه وهذا يقودنا للقصد المباشر في تفسير المثل حين قال الرب للسائله: "اذهب انت أيضاً واصنع هكذأ"، ومن هنا فالتأمل المشهور الذي تطرحه حضرتك ليس فقط لا يناقض بل يقود وبالضرورة للتفسير المباشر في المسرحية مع التحوط في التأمل لأن أوجه الشبه بين السامري والمسيح محددة وليست متسعة وهناك أوجه اختلاف تستوجب الانتباه.. فوق أن القصد المباشر من المثل كما هو واضح من سياقه لا يشير لعمل المسيح بل إلى إجابة سؤال "من هو قريبي" والذي تفسيره المباشر هو ما قدمته في المسرحية أنه من يصنع الرحمة، مع الملاحظة التعليمية التي تفوت الكثيرين أن الوصية تدعو أن يصنع الواحد الرحمة مع غيره فيصير قريبه لا أن ينتظرها أن تُصنَع معه.. وبهذا يحقق المسيحي مثال المسيح في حياته.. استراح الرجل وابتهج جداً ان التأمل المألوف الذي ربطه دون غيره بالشاهد حاضر في التفسير وإن كان عن طريق بعض الاتساع في النظر وربط المعاني وشكرني صادقاً..
أين
الصنعة؟ فين مثلا: أنا بتاع العيش يا ست؟
كان هذا "أظرف" حوار نقدي،
وأكثرهم دلالة نقديّة (من جانبي ضدّه) من الناحية الكنسيّة العامة، وأجدرهم
بالتسجيل.. لأن طرفه الآخر هو سيناريست للأسف معروف في وسط الأفلام الدينية
القبطية، وكتب ولا يزال سيناريوهات كثيرة لها.. جاءني من يدعوني للقاء السينارست
المشهور الأستاذ فلان الذي هو قريب لأحد الخدام والذي كان متحمساً للقائنا معاً..
كان حواراً عجيباً أسوقه تقريبا بتفاصيله وبلغته التي احتفظَت بها ذاكرتي لطرافته..
*انت بقي فلان؟ أنا حبيت أهنيك قلتلهم شوفولي
مين الولد اللي عمل دي.. انت أقنعتني إني أقعد مشدود للآخر علشان أشوف مصير رجاء
.. أنا إديت النص الدرجة النهائية في التقييم.. (الواقع أنني أًبلِغت بعدها أنه
نال تسع درجات من عشرة.. حد طايل)
+دي شهادة أعتز بيها من أستاذ كبير
زي حضرتك (مجاملة من باب اللطف بمراعاة شعور الآخرين الذي بقي لفترة طويلة نقطة
ضعفي)
*فيه بقي كام حاجة عايز أوجهك ليها..
علشان خسارة موهبتك دي تروح كدة ..
+أشكرك (بدأت هنا أتحفز فقد كانت حمية الشباب
تجعلني متشككا فيمن يتطوع بتقديم التوجيهات)
*فيه لمسات كدة المسرحية إفتقدتها.. كلها
آيات في آيات.. الناس تحب الكلام الخفيف اللي يشد ..
+صحيح المسرحية كانت مليانة آيات لكن
الناس مزهقتش مع كدة.. ودليلي إن استاذ كبير زي حضرتك فضل مشدود لآخر المسرحية..
فالعيب مش في الآيات لكن في اسلوب تقديم الآيات.. إيه اللي يجبرني أمشي ورا قاعدة
متنطبقش علي حالتى؟ الآيات الكتير مش مطلوبة لما تكون مملة.. لكن المسرحية مسببتش
الملل لحد ..
*لكن برضه كان ناقصك كام لمسة فنية..
+زي إيه مثلا ؟
*يعني مثلا يكون الملاك بيقول رجاء ليس
بالخبز وحده يحيا الإنسان والباب يرن تفتح تلاقيه بتاع العيش .. (أيقنت هنا
أنني كنت علي حق في تحفزي وأن كثرة الايام لا تظهر دائما حكمة)
+حضرتك بتتكلم عن صنعة..
*بالظبط.. (قالها متحمسا) انت عندك
الموهبة لكن ناقصك الصنعة وده دوري أعمل منك صنايعي..
+بس انا فنان مش صنايعي.. ومش عايز أكون
صنايعي..
*انت لازم يكون عندك خبرة بالناس قبل ما
تكتب مسرحيات..
+أنا مع حضرتك إن العمل المسرحي مش مفروض
ينفصل عن الناس.. لكن بميّز بين رغبات الناس وإجتياجاتهم.. وشغلانتي تبقي أقدم لهم
إحتياجاتهم وأقنعهم في نفس الوقت إنها متتناقضش مع رغباتهم..
*يعني المسرحية كلها تبقي وعظ؟ الناس
متحبش كدة.. لازم تنزل لمستوي الناس..
+الحل من وجهة نظري إني أرتفع بالناس
لمستوي خشبة المسرح مش أنزل بمستوي المسرح للصالة.. يعني الناس بتزهق من الآيات
صحيح لكن محتاجاها.. يبقي أقدملهم الآيات بشكل يقنعهم بأنها ممتعة.. مش أجيب ناس
تعمل شقلباظات علشان الناس بتحب كدة.. بكدة ابقي نزلت لمستوي الناس لكن مقعدتش
معاهم.. نزلت وطلعت بيهم للمسرح ..
*انت لازم تتفرج علي حاجات معمولة قبل ما
تكتب.. انت شفت فيلم كذا؟ (ذكر لي إسم فيلم)
+لأ
*(متعجبا) طب فيلم كذا؟
+شفته زمان ونسيته..
*طب وفيلم كذا؟
+للأسف لأ..
*(ظل يعدد لي أفلاما علمت فيما بعد
أنها من تأليفه وأنا أُخيِّب رجاءه في كل مرة، فقال أخيرا مستنكرا لا متعجبا) أمال
بتكتب إزاي؟
+(فكرت أن أقول له: علشان مشفتهمش J
ولكني أزحت جانبا لذع السن الباكر، وأجبته باحترام ) في حدود
الموهبة اللي ربنا إداهالي.. أنا قلت لحضرتك أنا فنان لي رسالة مش صنايعي..
وأتذكَّر أن الحوار لم يكن به مزيد، إذ تحيّنت
أول فرصة انشغل فيها الرجل وفررت.. و ليس عندي من تعليق علي آراء تلك المدرسة أكثر
مما جاء في الحوار نفسه.. ومن المؤسف أن هذا الاتجاه هو الذي يملأ ساحة العمل
الدرامي الديني.. فمتى يرتقي المستوى؟ وأيهما يلزم أولا: ارتقاء صُنَّاع الدراما
أم ارتقاء المشاهدين؟ أم مستوي المراجعين الذين يضعون أسماءهم علي الأفلام كطرس
بركة وشعار ثقة ليورطوا أسماءهم في عمل يشين مُراجِعه قبل كاتبه؟ أم البيضة أم
الفرخة؟ أم الذي يلزم أولاً وآخراً هو أن أسكت أنا وأخلّيني في حالى؟ أظن أن هذا
يلزمني بالفعل وأن أختم هذه الورقة الآن فورائي عمل كثير، وقد قد قدّمت في هذا
العمل ما يكفي لمن يفهم.....
اعتزلت في القمة
وأما هذا فهو أكثر التقييمات حجيّ.. كان
هناك أخ لدود في الكنيسة، بين أذواقنا ما صنع الحداد وأجاد صنعه.. بعد المسرحية
أتى يهنئني بحرارة غير متوقعة.. ليس عدم توقعها بسبب خلافنا، وليس بسبب أن
المسرحية لا تستحق، ولكن بسبب أنني لم أتوقع له أن يلتقط مواضع القيمة فيها.. لقد
أفاض في تقديره بكلام في الموضوع وليس مجرد مجاملات.. لم أكن أعرف ذلك الوعي
الفنيّ عنه، وسألته وقد شجعتني حماسته: فهمت طيب صوت العقارب في الآخر؟ لأن
تنفيذها بالأورج كان منخفض الصوت والقاعة مطتظة.. أجابني: مش بس فهمتها، د هانا
فهمتها وكنت بادور عليك أبوسك عليها.. وكل الناس حتى لو مابيفهموش شعروا بالرعب
معاها.. دي أكتر اللمسات روعة فنية.. منتظرين بشوق الأعمال القادمة.. قلت له: اظن
هاعتزل بعد ده لأن متاعبي مع البعض مكانتش سهلة.. ضحك بفهم وقال: لو اعتزلت اعتزل
وانت مستريح لأنك هتبقى اعتزلت في القمة.. كانت هذه شهادة أخ شديد اللد في
الخصومة، وشديد التدقيق في التفاصيل المسرحية، فأتت شهادته شديدة القيمة..
مناسبة
كتابياً وكنسياً ومسرحياً
هذا تعليق أنبا موسى أسقف الشباب في اتصال تليفوني.. ترددت قبل إضافة هذه الفقرة..
وهي تخص أسقفاً له موهبة محبة وقلب واسع قدم لي أحلى تهنئة ومجاملة على المسرحية..
وسبب ترددي أن بها مديحاً يخجلني من ناحية.. وأنني وقت كتابتي لهذه الورقة في حالة
غضب ومقاطعة ضميرية لرئاسات الكنيسة القبطية المساهمين في مواقف تعليمية وتدبيرية دون
مستوى القيمة ومخجلة.. وليس هنا مكان ذكرها.. ولكن لوجه التسجيل لا أكثر، وحتى
أغلق ملف هذه المسرحية مستريحاً لتسجيل كل ما أحاط بها من ملابسات ارتأيت أن أعيد
فتح الملف وإضافة تسجيل هذه الفقرة.. كانت "رجاء" قد
تقدمت للعرض في مسابقة إحدى الأسقفيات ولكن خارج المسابقة الرسمية.. وقد حصلت علي
درجات تؤهلها للمركز الأول لو كانت قد شاركت.. وقد حصل لي أن التقيت بأسقف الشباب
بدعوة منه في ظروف لها قصة أُخري عام 1998.. وقدمت له فيما قدّمت
هذه المسرحية.. وفوجئت بمكالمة تليفونية منه ليس بعدها بكثير.. وقال لي فيها هذه
الكلمات تقريباً بالحرف: " أهنئك عليها.. مناسبة جداً كتابياً وكنسياً
وروحياً وفنياً.. وهنشرها لما تيجي فرصة.. بس متقولليش حقوق الطبع محفوظة.. أنا
خدتها معايا وأنا مسافر إسكندرية أتسلي فيها وخلصتها علي مرة واحدة في العربية..
سلسة وممتعة "J
وقد سألني إن كنت أحب أن أشارك في الخدمة المسرحية في نشاط الأسقفية؟ ولكنه تراجع
سريعاً معلقاً بابتسامة: "لا انت مش قدهم.. خليك في المقالات الروحية في
المجلات".. وهنا أعترف له بنفاذ البصيرة في الحكم.. فهذه المجموعة والتي
منها كاتب السيناريو السالف الحديث معه، وإن كانوا قد قدروا النص المسرحي لرجاء
بالدرجة النهائية تقريباً، وأعطوا العرض أعلي الدرجات في المسابقة، ولكنهم بالنسبة
لي نموذجاً لما ينبغي إصلاحه وترقيته لا الاشتراك تحت إشرافه، ولا حتى معه، في
الخدمة.. وبالمناسبة فقد توقفت عن المشاركة في إصدارات أسقفية الشباب منذ سنة 2000 فيما
توقفت عنه من أنشطة كنسية كمظهر من مظاهر احتجاجي علي موقف رئاسة الإكليروس في قصة
لا مجال لها هنا وإن كانت متعلقة بالدراما أيضاً.. وكان آخر عهد لي للتعامل مع
أسقفية الشباب هو مناقشات عبر الإنترنت سنة 2003، في
الأولى طلبت مني إحدى المكرسات بالأسقفية مواصلة إرسال المقالات فقلت لها: لا
لأنني غاضب.. وفي مرة ثانية أرسلت سؤالاً لأسقف الشباب، كان سؤالاً عن تفسير قول
الرسول: "اعزلوا الخبيث من بينكم"، دون إيحاء أو كلمات تقدِّم للسؤال
ولا أي شئ.. مجرد السؤال عن تفسير النص.. فضحك وهو يقرأ السؤال سراً، ثم استعفى من
قرائته جهراً وانتقل للسؤال التالي له.. ثم تفاصيل أخرى..... أظن أنني سجلت كل ما
ينبغي أن أسجله عن "رجاء"وما صاحبها وما ارتبط بها.. بل
وتطرقت لما هو أبعد..
بعد النجاح الفائق للعرض عرض عليّ صديق وجار وقريب أن يكتب لي النص بالكمبيوتر..
ولم يكن قد سبق لي استخدام الكيبورد في الكتابة المطولة.. فأشفقت عليه وشكرته،
ولكنه أصر.. وقده لي مكتوباً فعلاً ولكن ببرنامج غير منتشر، واحتجت لطباعة النص
المكتوب لتحويله لبرنامج ورد.. ولكن عملية التحويل كانت متعبة، لاسيما مع نص مسرحي
يحتاج لضبط في محازاة كل مجموعة أسطر معاً.. واستغرق مني مجهود التحويل ما يعادل
كتابتها عدة مرات.. ولكن كان للصديق المتطوع بالنسخ فضل تقديمي لعالم الكتابة
بالكيبورد.. ولما كنت وقتها لا أزال بالعقلية الطفولية من حيث محبة النظام
والتكافؤ، فقد عدت لبقية ما سبق من نصوص وكتبتها، وفعلت بالمثل مع ما لحقها من
نصوص قصيرة.. وعلى ذلك فقد كان للصديق الوفيّ فضل حفظ كل ما احتفظ به الآن من نسخ
إلكترونية لهذه الأعمال الباكرة.. ولأقل أيضاً: كان لرجاء محبة ونجاحها فضل
الاحتفاظ بكل أعمالي الأخرى، فكانت بكوراً طيباً مباركاً..
وكنت قد سبق لي كتابة رجاء في صورتها الأخيرة مرتين، ولا زلت أحتفظ بالنسختين في
صندوق الكنوز.. ولا أرى مضايقة لمن يتابعني حتى الآن في أن أشركه في مشاهدة صورة
ضوئية لصفحة أو اثنتين من عينات من هذه النسخ الخطية ليشارك القارئ المتابع يسيراً
جداً الصديق المخلص فيما سببته لعينيه من إجهاد..
                              
صُوَر ضوئية لنُسَخ
خَطّية
         
          
          
وميزانسين أحد المَشاهِد ومسوَّدًة مرحليّة للميزانيّة
ملحق – دعوة حضور العرض
في الوجه الأول لورقة الدعوة أبرزت
التنبيهات، ورغم ثقل التنبيهات إلا أنها أضافت احتراماً وشغفاً وجاذبية للحضور..
وفي الوجهين الثاني والثالث سقتُ بعض
الأسئلة الممهِّدة للمسرحية، وللأسف كانت صياغتها مُعَقَّدة، لاسيما لغير
المعتادين على التعمق في فحص المعاني، ولو كتبتُها عشرة مرات بعد ذلك لما أتت بهذا
الثقل.. لستُ راضياً عن هذا الجزء من نَص الدعوة الذي كانت مشكلتي معه أنني
استخسرت مضمونه، وتعجّلت في كتابته.. وخطر لي فوق ذلك أن يقرأها واحد من الأحباء
قبل بدء العرض، ولقد شاركني الإحساس بثقل النص.. وأشعر بذات الضيق حتى الآن وأنا
استعيد تذكره!
وتركت الوجه الرابع أوتوجراف لكتابة
التعليقات قبل الانصراف وتسليمها للاجتماع.. ولم أتسلم سوى ثلاث ورقات فقط! وظهر
لي أن طموحي لا يتناسب مع وعي الناس.. وللآن فالحال كما هو.. ويحتاج الواحد
لمحاضرة ومحاصرة بالتنبيهات حتى يوجه الناس لقيمة هذه اللفتات البسيطة..
طبع لي الدعوة نفس زميل الاجتماع الذي
سألته قبل ثلاث سنوات من وقت العرض عن الشاهد الكتابيّ..
وهذه صور ضوئية للدعوة:
واجهة وظهر رقة الدعوة قلب ورقة الدعوة
الصفحة الأولى
+
مطرانية
الأقباط الأرثوذكس بالجيزة كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس بالعجوزة
اجتماع
الخريجين
يسر الاجتماع
أن يفتح الستار عن مسرحية:
رجاء
محبة
يوم الجمعة
الموافق 26 يناير 1996
يبدأ الاجتماع في
تمام السابعة مساء
و يفتح الستار
في تمام الثامنة مساء
لأننا نثق في
جدية متابعتكم لهذه الخدمة.. رجاء محبة الاهتمام بالآتى:
+ الحضور قبل
فتح الستار
+ عدم مقاطعة
العمل بالتصفيق.. (قد يؤدي هذا لوقف العرض)
+ التفضل
بكتابة تعليقاتكم مع تعليقات من تتكرمون بدعوتهم علي طه هذه الورقة
وتسليها بعد
العرض.
(أما الآن
فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة ولكن
أعظمهن المحبة)
1كورنثوس13:13
الصفحة
الثانية
هذه دعوة
لمعايشة شخصية رجاء وحيد" لمدة 75 دقيقة..
سيكون علي رجاء
أن تجيب سؤالين خلال هذه الفترة الوجيزة.. وفيما
يلي نورد السؤالين
مع بعض الإجابات المقترحة :
1 هل
بكفي لأن أفقد حياتي الأبدية أن احجب محبتي ولو عن إنسان
واحد فقط ؟ حتي
ولو كنت أتمم كل البر ؟
- يكفي جدا
وبدون مناقشة
- لا يكفي إن
كان هذا الغنسان شريرا ويسئ لي فوق تحملى
- غير صحيح أن
من تنقص محبته يمكنه إتمام كل البر.. والبر الذي يخلو
من المحبة هو
بر فريسي.. ذاتي.. زائف
2) وإن أردت أن
احب هذا الإنسان.. علام أبني هذه المحبة ؟ ما الذي يبرر
محبتي له ؟
- أن يكون علي استعداد
لأن يحبني بالمقابل
- أن تتوافر
فيه فضائل تبرر محبته
- أحبه لأن
الذي احبني دون فضل مني أحبه أيضا مثلي تماما
من فضلك حاول
أن تجيب علي ذي السؤالين ثم تفضل بالحضور لترى
كيف أجابت
رجاء.. بعد أن تجيب راجع إجاباتك في ضء كلمة الله ..
و ستساعدك هذه
الاقتباسات من الكتاب المقدس :
الصفحة
الثالثة
1 يوحنا 3 : 10
ا1 يوحنا 3 :
18
1 يوحنا 4 :7
- 20
1 يوحنا 5 : 1
رومية 13 : 8
متي 5 : 43 -
48
لوقا 10 : 25 -
37
+ أخيرا : (إن
لم يزد بركم عن الكتبة والفريسيين فلن تدخلوا ملكوت السموات.) متي 5: 20
بم يزيد البر
المسيحي عن البر الفريسي ؟ …. بالمحبة
لذا رجاء
…. محبة
الصفحة
الرابعة
تعليقات
وملاحظات :
الأسماء هنا ظاهرة بالاسم الكودي Nick Name على الإنترنت..
سافر شريط فيديو رجاء محبة معي للولايات المتحدة.. وفي فيرجينيا زارني أخو رجاء في
ديسمبر 2001، وفي
الليلة الأولى لمبيته معي تذكرت الشريط، وشاهدناه.. وبمناسبة استخراجه، عادوتني
حماسة المسرحية، وشاهده عدة زملاء من الكنيسة هناك، وبدأ التفكير والطلب في
تقديمها في الخدمة هنا.. ولكن كانت ترجمتها أو حتى المشاركة فيها تفوق طاقتي، وكان
استعداد الشباب هناك لتقديمها باللغة المصرية كما هي في أصلها لا يطمئني على حسن
تقديمها، فتأجلت الفكرة، ولكن احتفظت في سِجِلّ رجاء بتقدير فريجينيا لها..
في 2010 قرأ "كلاسي
جاي" Classy
Guy من كندا المسرحية، وفوجئت به بعد اقل من ساعة، وقد ترك لي
رسالة يقول فيها: ماقدرتش اسيبها من أول ما مسكتها.. وطلب إذناً بترجمتها وبعرضعا
في كنيسته في كندا..
وفي 2011 حمّلت
تسجيل الفيديو لها على موقع تحميل بسيط baseet
وفور مشاهدته لها طلب ترجمتها وعرضها في لوس انجلوس..
وفيما بعد عاد "بسيط" baseet وطلب عرضا بحالها (رغم عدم جودة التصوير والنسخة لدرجة عالية) على
قناة هوبسات Hope
Sat..
ومن
أستراليا، بعد تحميلها طلبت الأخت "فيث هوب لاف" Faith_hope_Love ترجمتها وعرضها.. وأرسلت لي هذه الرسالة
الإلكترونية التي يسرني أيما سرور أن أنهي كل هذه المحطات والتفاصيل من رحلة
تسجيلي لرجاء محبة بها:
Hi
Chris,
Thanks
for sending the play. I love it. Highly educational, highly biblical
yet easy to follow. I can see the sense of humour in it.
The
selection of the names Ragaa, Iman and the missing "ma7aba" .. 1 Cor
13:13 And now abide faith, hope, love, these three; but the greatest of these
is love. The
selection of the name "Dinah", the misfortunate girl of Jacob and
Leah...You probably wanted to say that Ragaa rage against Dinah was not Dinah's
fault. I cry when I read this story in the OT. I try to skip it...so it served
your purpose well here.
You
indeed managed to prepare our minds to recognize what was missing from the
equation. Love that was.
You
provided a definition of the self righeousness..and conducted
an analysis that brought Ragaa (and probably all of us) to what she
was lacking - Love that was.
The contrast
between the devil and the angel...that helped reaching the conclusion.
The
interpretation of abouna at the end, confirmed the conclusion. Seemed a bit
repetitive however. ooooops. I wish you focused more on the role of Iman, as a
messenger of peace and reconciliation. We need to learn this skill in order to
be able to serve our confused congregation.
The
devil conversation...despite the sense of humor, not sure
if a devil can say blessed be the Lord...You probably meant, people who talk as
if they are saints and in fact they just communicating the devils message.
The
scenes, timing and lighting are well planned.
In
total, its a great play. It talks to my brain and soul.
I
wonder if you would allow me to share it with the servants in my church
hoping to reproduce it. The Christmas holidays are around the corner and
we could probably do it during the candle lights carnival....oooops, do you
have an English version of it?? our students do not speak Arabic.
Please
let me know if this is Ok with you.
Regards,
Faith
Hope Love
على
أنها أقرّت أنها حين شرعت في العمل وجدته ليس بالبساطة التي أوحت لها بها المسرحية
بسبب سلاسة عرضها، وتحتاج لمناسبة لاحقة بعيدة نسبياً.. فعلاً.. لم تكن رجاء محبة
سهلة.. من قال إنها كذلك؟
و
الآن فإن من استغرقته القراءة حتى هذا السطر في هذه الورقة لعلّ ما دفعه لهكذا مثابرة هو سبْق قرائته نص رجاء أو مشاهدتها!!
فلعل رجائي في محله أن القارئ الذي وصل إلي هنا زاد شغفه لقراءته الثانية لرجاء ومشاهدتها!
رجاء
محبة – فيديو (ملون جودة عالية) WMV
العرض
الأول لرجاء محبة (فيديو - أبيض وأسود) WMV
رجاء
محبة – النص الكامل HTM
رجاء
محبة – الجزء الأول HTML
رجاء
محبة – الجزء الثاني HTML
رجاء محبة - النص
الكامل للتحميلRTF Printer Friendly
The site & all contents within r founded, authored & programmed
by Deacon P. Engineer Basil Lamie, a.k.a. Christopher Mark ,,,,,
FB counter started around 2013 and got jeopardized for few years due to technical fb problems,
while the WebHit counter started on May 17th. Both counters are collective overall the site!