خرافة العصور النصوص الكاملة
لا يُبرِّئَنَّ أي واحد نفسه بعد قراءة هذا الملف بقوله "إنني لم أكن اعلم هذا، ولم تتوفّر لي هذه المصادر" لأن القليل المتوفِّر كان يشي بهذا الكثير المختفي وما كنّا لنسعى أصلاً خلف هذه المصادر الكثيرة لو لم يسبق لنا التبرّؤ من المتاح من المصادر القليلة!
في الورقة الفَكِهة السابقة: "خرافة مستعصية – دراسة حالة"تناولْتُ خرافة مخطوطة الدير المحرق وتوابعها، وسرت معها في مسيرة باسمة أفحص بالعقل حالة غياب العقل وأحكم بالضمير على ظاهرة انعدامه.. وقام كل هذا على القليل الذي تجود بإعلانه كتب الكنيسة والدير من واقع نصّ المخطوطة.. فما كان عندي نصّها الكامل، ولا شهادات لعلماء مُعْتَبَرين عنها.. وخلال المسيرة مع الخرافة تساءلت مراراً: ماذا يمكن أن يحوي بقية النصّ المُخْفيّ؟ ولماذا هو مُخْفَى؟
ولما كانت المخطوطة المحفوظة في الدير صعبة المنال، ولم يفلح بعض المهتمين من النشطين في كنائسنا في الولايات المتحدة في تصويرها، فقد أخذنا من إشارة "أنبا غريغوريوس" (في كتابه: "الدير المحرق – تاريخه ووصفه وكل مشتملاته") إلى النُسَخ الأُخرى مفتاحاً لبدء البحث، فلم أتوانى عن طلب المخطوطات المُشار لها: واحدة في الفاتيكان والثانية في مكتبة باريس الوطنية ونسخة مترجمة للجعيزيّة.. وما زلت مهتماً حتى وُفِّقت في الوصول لنص المخطوطة الإثيوبيّة بترجمة بَدج إلى الإنجليزيّة، ونص المخطوطة في الفاتيكان، والتي اتضح أنها نسختان بينهما بعض الاختلاف الذي لا يخلو من مغزى.. بقيت مخطوطة "مكتبة باريس" والتي لا يبدو أن بها ما يفوق المتاح الذي تعدّى كل حدود الخيال ولم يُبْقِي حدوداً أبعد لأي مصدر آخر يشطح إليها..
وبالإضافة لنصوص المخطوطة، نعرضُ، مما أتيح لنا لاحقاً من أعمال علماء القبطيّات والباحثين المحدثين، تعليق "أوتو ميناردس Otto Meinardus"، وشهادة "بول بيري Paul Perry"، ورأي د. نصحي عبد الشهيد، ونختم بإعادة إثبات الشهادة الضمنيّة للبابا شنودة الثالث ضد هذه الخرافة.. · لقد ذهب "ميناردس" لما هو أقل تحفّظاً من تقديرنا بأن الخرافة لم تظهر قبل المئة العاشرة، وقرّر أن الرواية كلها ظهرت في المئة الثانية عشرة من حيث أن كل المصادر السابقة عن ذلك الزمن خلت من ذكرها.. · وأما "بيري" فلقد قدّم شهادة صاعقة إذ أفاد بأن ظاهر المذبح مبنيّ من الطوب لا الصخر، وأن كهنة الدير قد انقسموا فريقين ما بين مطالب بفحص أثريّ لاستبيان إن كان الطوب مجرد غلاف خارجيّ يغطّي الصخرة المظنونة، وبين فريق مصمم على عدم إجراء الفحص! ونقل بيري إقرار اثنين من كهنة الدير بهذه القصة.. · ولمزيد من رصد الشهادات المعنية، أضيف، بتقدير، شهادة المفسر المحترم دكتور نصحي عبد الشهيد، بحسب ما سجلها الكاتب بول بيري.. · وأخيراً، فإن شهادة البابا شنودة الثالث، والتي تمر دون التفات من جمهور المتمسكين بالخرافة، تضحد ضحداً قاطعاً ما يفترضه أهل الخرافة من أن ذوي الاعتبار الرسميّ يقبلون الخرافات كاملةً وإلا فلماذا يصمتون؟ هذه الشهادة تدل أن ليس دائماً كلهم (الرسميين) يصمتون ولكن كلهم (التابعين) لا يقرئون وإن قرئوا لا يتوقفون ويفهمون..
والآن بعد وضع هذه النصوص أمام القارئ بمقدماتها القصيرة وتعليقاتها المختصرة، لَمْ يَعُد من تعليق أو رغبة في مواصلة الهزل مع هذه الجريمة الشيطانية في حق الإيمان وكرامة ذهن الإنسان.. وإذاً، فأترك القارئ مع النصوص يدرسها إن قَدِر، ويضحك إن لم تسعه نفسه من تمالك الضحك، ويبكي إن أخذته الغيرة على الحال..
صورة ضوئيّة من قلب المخطوطة لأحد مواضع التجديف والتخريف وهذا أول عرض على فيسبوك للصورة مع تفاعل بعض المتابعين
مكتبة الفاتيكان– مخطوطة منسوخة سنة 1371 -arabo 698 صورة ضوئيّة لتفريغ أكاديميّ  (أو من هنا)    *~*    صورة ضوئيّة للمخطوطة  (أو من هنا) Also available at: Vatican Library online site Cf. Rendiconti Della Reale Accademia Dei Lincei, Serie Quinta, Vol. XXVI, La Omelia di Tiofelo di Alessandria, PP. 441-469, Roma 1917.
تظهر في هذه النسخة سمات النَفْسيّة المازوكيّة المعروفة في "فنّ التعديد" الشعبيّ، وقد أسقطها كاتبها – حاسبه الرب - على شخصية العذراء المباركة! وأبشع ما وصل إليه في وضع كلامه على لسات العذراء أنها تهدد بقتل نفسها لو قتلوا ابنها!!! وفي بعض فقراتها كدت أشعر أن كاتب المخطوطة هو نفسه امرأة "مُعَدِّدَة" محترفة! فإن لم يكن، فَلَعَلَّها أمه التي استقى منها هذا الفن فوضعه في غير موضعه تماماً.. فعذراء المخطوطة، حاشا للعذراء مريم الحقيقيّة، تُكرِّر الويلات على نفسها وتتعهد بقتل نفسها لو قتلوا ولدها، وتفترض موته حتى قبل أن يُقتَل، وتطلب آباءها وأجدادها ليبكوا معها! والتأثير العربيّ اللاحق يجعل كاتب المخطوطة يضع على لسان البابا ثيوفيلوس تلقيبه للعذراء بـ"سيدة نساء العالمين"! وكمّ السَفَه (أو لعله الهزء المقصود من كاتب المخطوطة) ليس بقليل، يحاسبه الرب عليه..
مكتبة الفاتيكان– مخطوطة منسوخة سنة 1719 -arabo 170 صورة ضوئيّة لتفريغ أكاديميّ  (أو من هنا)    *~*    صورة ضوئيّة للمخطوطة  (أو من هنا) Also available at: Vatican Library online site
La Omelia di Tiofelo di Alessandria, PP. 217-237, Roma 1920.
هذه مخطوطة ثانية متقاربة المحتوى من سابقتها مع اختلاف النص واختصاره، ويُلاحَظ بانتباه جدير اختفاء يعض التعبيرات الزاعقة التجديف التي ظهرت في النسخة السابقة عليها في تاريخ النَسْخ بمئات السنين؛ ولكن ولا بهذا خلت النسخة من المهازل، ولكن ثبت من التباين على كل حال عدم تقديس الأجيال المتتالية للنصّ واسترخاصهم تنقيحه وتذويقه؛ ويُلاحَظ أيضاً ببعض الابتسام التوقيع المتحذلق للنصّ كله باسم "كيرلص الشماس ابن أخت البابا ثيوفيلوس".. وسواء كان الناسخ المباشر هو الذي غيّر في النَصّ، أو أنه كان ينسخ من مخطوطة تغيّرت بالفعل عن النَصّ الأسبق، أو أنه كان ينسخ النَصّ الأقرب للأصل في حين أن الناسخ الآخر هو الذي استفاض في إضافة التخريف، فيقيناً أن مُنشِئ هذا النَصّ أول مصادر هذه المخطوطة أكثر تحفّظاً، أو للدقة أقل ميلاً لابتلاع التخريف.. وأُرجِّح أن النص المنسوخ في المخطوطة الثانية، المتأخرة حوالي ثلاثة قرون ونصف عن المخطوطة الأقدم، هو النص المتأخِّر، وقد شعر صاحبه بحَرَج بالغ، ولم يبتلع كل تخاريف سابقه.. ويزيد هذا الاحتمال، ليس فقط تأخّر تاريخ نسخ المخطوطة، ولكن لأن المخطوطة الإثيوبيّة الآتي عرضها، تتفق أكثر مع نص المخطوطة الأولى.. وعلى كل حال فإن فروق النَصّ بين المخطوطتَيْن تدل على ترخّص ليس بقليل من النُسَّاخ بما يقطع بعدم تقديسهم للنص الذي ينسخونه..
المكتبة الوطنية –
باريس – مخطوطة 155 Cf. Rendiconti Della Reale Accademia Dei Lincei, Serie Quinta, Vol. XXVI, La Omelia di Tiofelo di Alessandria, P. 382, Roma 1917.
رقم هذه المخطوطة، بحسبما ورد في المرجع المُثْبَت أعلى السطر، هو: Parigi Biblioteca nazionale, n. 155 أي "المكتبة الوطنية باريس، رقم 155"! وغير واضح تصنيف رقمها إن كان "أربي" أم ماذا ولكن سيظهر مع البحث الجاري عنها بعون ربنا؛ والأرجح أنها هي المخطوطة التي أشار "أنبا غريغوريوس" في كتابه "الدير المحرق – تاريخه ومشتملاته" لوجودها في "مكتبة باريس الوطنية" ما لم تكن هناك مفاجأة بوجود أكثر من نسخة هناك.. وفي نفس المرجع السابق هناك إشارة لنسخة سريانيّة لدى الفاتيكان لهذه المخطوطة، مُضَمَّنَة بين مجموعة قصص عن العذراء يعود تاريخ نَسْخَها لسنة 1720، وليس هناك ايّة معرفة ظاهرة لمخطوطة سريانيّة لهذه الخرافة في الكتب العربية المُحدَثَة، فيسرّ الواحد أن يُضيف لمراجع الخرافة المَعيبة نُسخة سريانيّة لا يعرف بها أنصار الخرافة :)
تفريغ إلكترونيّ للنَصّ الإنجليزيّ    *~*    صورة ضوئية لكامل ترجمة بَدْج    (أو من هنا) Wallis Budge, Legends of our Lady Mary, Medici Society, 1922, PP. 61-80. هذه ترجمة إنجليزية علمية قام بها العالم واليس بَدج للنسخة الإثيوبيّة، وضَمَّنَها كتابه "أساطير سيدتنا مريم".. والنسخة الإثيوبيّة للمخطوطة تحمل ترجمة لإحدى نسخ المخطوطة العربية، ولا تختلف كثيراً عن عموم النَصّ العربي الأول المنسوخ سنة 1371، وتشاركه الفقرات الأكثر تهوّراً والتي ذكرها قبيح وتكرارها مزعج.. ولتسهيل البحث للراغب، قمنا بتفريغ إلكتروني للنَصّ الإنجليزيّ، مع مراجعته لضبط أخطاء القراءة الآليّة..
Otto F.A. Meinardus,Monks and Monasteries of the Egyptian Deserts, sixth printing of the revised edition, 2006, P. 158
تقترب شهادة ميناردس من تقدرينا السالف في "خرافة مستعصية – دراسة حالة"، وتزيد فتؤجِّل تقدير ظهور رواية المخطوطة من القرن العاشر (رأينا) إلى القرن الثاني عشر.. على أنه يسمِّي الرواية "تقليداً"، ونخالف ميناردس في هذا من حيث أن "التقليد" ليس كباقي التقاليد التي لا يُعرَف مصدر محدد لتصنيعها (إن لم تكن تقاليد صادقة)، وإنما هذا "التقليد" بدأ مع كتابة مخطوطة ظاهرة التصنيع.. وعلى كل حال، فسواء سمينا الرواية "تقليد" أم مخطوطة مُصَنَّعة" فإن تقدير ظهورها عند أكثر الاحتمالات سماحيّة (تقدرينا) هو المئة العاشرة بعد المسيح، ويضيق إلى ان يصل للمئة الثانية عشرة حسب تقدير ميناردس، وفي كل الأحوال فإن كل الشواهد التاريخيّة خلت من أي إشارة قبل إشارة أبي صالح في مطلع المئة الثالثة عشرة.. ويفيدنا ميناردس بحوار بينه وبين القمص قزمان بيشاي الذي يفسر له سبب اختفاء كل الإشارات إلى الاضطهاد والهجمات وحرق المخطوطات (!) دون أن يرد تفسير، فيما ينقله ميناردس عن القمص، لكيف نَجَت النسخة العربية للمخطوطة ومعها مخطوطات الألحان التي تخلو من المعنى ولا تخلو من العبط مثل لحن "استرميغي" من هذا الاضطهاد الذي أتلف كل شئ (!) حتى ليظنّ الواحد أن الاضطهاد قد اضطهده بتركه لما ترك بأكثر من اضطهاده بإتلافه ما يُدَّعى أنه أتلف!!
وفي نفس المرجع، ص 181، يذكر ميناردس أنه في القرن الثاني عشر كانت كل أديرة الصعيد قد خُرِّبَت وبقى فقط ديران عاملان: “… Most of the moasteries were devastated in the ninth century during the patriarchate of shenute I (859-880). Al-maqrizi listed fifty-nine of upper Egyptian monasteries. of these, only eleven were ihabited, five of them by only oe or two monks. Thirteen monasteries were still visited for the annual festivals. At least twelve monasteries were either deserted or completely destroyed. He merely mentions the names and the locations of the remaining monasteries. Untill the middle of the twentieth century, two active monasteries existed in upper Egypt.” (IBID, P. 181) وهذا مبرر يتفق مع ما توقعناه عن لجوء صاحب المخطوطة للاحتماء بها وتخويف المضطهدين بسلطان الخرافة على النفوس، ولقد يكون في هذا ظرف مخفف لا نتجاهله، ولكن لم يكن من مبرر للتطاول والمبالغة في السخف على حساب الإيمان.
Paul Perry, Jesus in Egypt, Ballantine Books - New York, 2003, PP. 238-239
مفاجآت فوق كل المفاجآت!!! تحمل شهادة الكاتب الأمريكيّ الأكثر مبيعاً بول بيري مفاجآت.. فالمذبح يظهر أنه من الطوب، وليس صخرة في الجبل (رغم عدم وجود جبل أصلاً).. وينقل على لسان مصدر لم يعيّنه في القاهرة هذه المعلومة، ثم يفيد بإقرار القس إسطفانوس المحرقيّ بها، وإفادته له بمزيد من توابع هذا الاكتشاف إذ انقسم أهل الدير لفريقين أحدهما ينحاز لضرورة فحص ما تحت الطوب للتأكّد من وجود صخرة، والفريق الثاني يصر على عدم إتلاف الإيمان بالبحث العلميّ.. وينقل بيري حزن القس إسطفانوس من ذِكْر بيري لهذه القضيّة، ثم ضحكته عندما عرض عليه ترشيح أثريِّين أمريكييّن للمعاونة، وإجابته: "أعتقد سنحتفظ بهذا الموضوع داخل الدير".. ويختم القس بقوله: "الشئ المهم هو دوام المعرفة أن الرب يسوع المسيح كان هنا فوق هذا المذبح".. بعد هذه المناقشة جاء له القمص فيلوكسينوس وقال له: "دع الموضوع.. الإيمان ليس طوب وصخر"، وسعدت للحقّ دون تحفُّظ وأنا أقرأ إذ أراحني هذا المدخل الإيمانيّ النقيّ، على أن القمص فيلوكسينوس استكثر عليّ ارتياحي لشئ له معنى قاله، فاستدرك مكملاً أن المهم هو أن هذا هو المذبح هو ما تكلم عنه إشعياء في وسط أرض مصر، وأنهم واثقون ولا يعبئون بأي شئ يكشفه الأثريّون! مافيش فايدة J.. طيب، فليكن ونقبل ببعض الارتياح التنازل عن جزء من "المَعبَطَة" حين الاضطرار (احسن من بلاش)، ولكن أين حتى هذا الحديث الجزئيّ الغشّ فيما يُقال لجماهير القبطيين المساكين؟ ما بالهم، وهم يعرفون كيف يتنازلون عن جزء من تخريفهم أمام من يكشفونهم، يصرّون على إطعام القبطيّين المساكين كل الوجبة؟
Paul Perry, Jesus in Egypt, Ballantine Books - New York, 2003, PP. 127-130 ولكن لا يخلو الظلام من مصادر النور، والذي مثّلَه، في تراكم هذه الشهادات على الظلمة، كلام دكتور نصحي عبد الشهيد -- العالم الباترولوجييست المعروف (وأما اختلافي الرئيس المشهور عن شخصي المتواضع مع الفريق الآبائيّ المستيكيّ إيّاه، والذي من د. نصحي، في المنهج والمرجعيّة والنتائج والتفسير كلّه تقريباً فلا يؤثر على احترام العلم والعلماء ولاسيما ذوي الغيرة الذين يكرّمون إيمانهم بعلمهم والعكس بقدر استيعابهم وانتباههم).. ففي جولات الكاتب بول بيري تقابَل مع د. نصحي الذي قال له صراحةً إن أكثر هذه القصص مصطنعة، وأنه ذهب مرتَيْن لأورشليم ليس ليتبارك بموضع لمسه المسيح ولكن ليستحضر خلفيات البيئة التي عمِل فيها المسيح فيستوعب عمله وكلامه أكثر (ولا أقلّ عن د. نصحي في تقديري الوجدانيّ للمادة التي تلامست مع الرب وقديسيه ولكن لا أخالف قصد المعنى الذي يعلو فوق المادة ومستوى الإحساس الوجدانيّ).. ولم يختم حواره معه قبل أن يفيده أنه هو نفسه (د. نصحي عبد الشهيد) يزور مدافن القديسين المعاصرين "أبونا بيشوي كامل" و"أبونا ميخائيل سعد إبراهيم" واللذَيْن لا يزالا يصنعا المعجزات الحقيقيّة وليست الملفقة! هذا كلام د. نصحي عبد الشهيد.. خلاصة هذه الشهادة الطيّبة أن صاحبها ليس ضد المعجزات، ولا ضد التبرّك بأماكن البركة، ولكنه لا يصدق الخرافات، ولا يتبارك من المادة بل من روح أصحاب قيمة النعمة والإيمان.. وهكذا تليق الشهادة بالكنيسة وأعضائها.. لسنا بمفردنا في القارب إذاً J.. صحيح أن شهادة د. نصحي خرجت عن المألوف في عملنا الذي يواصل رصد الأدلة الموضوعية المنطقيّة لا شهادات الاستحسان الشخصيّ، ولكن كحال الملح الجيد في الطعام، فإن قليل من "الذاتية" المحترمة يلطِّف "الموضوع"!
ختام الكل: شهادة البابا شنودة الثالث! البابا شنودة الثالث، السيدة العذراء، سلسلة نبذات – 2، الطبعة الثامنة، مايو 2005، ص 6
ثمّ في نبذة صغيرة تُباع بقروش (35 قرشاً) يمكن أن تُخفَى شهادة خطيرة ثمينة الدلالة في موضوعنا! لخطورة دلالة هذه الشهادة استسمح في الخروج عن الالتزام بعدم معاودة مراجع الورقة المَرِحَة السابقة "خرافة مستعصية – دراسة حالة، وأحرص على إثبات شهادة البابا شنودة الضمنيّة (والقاطعة الدلالة في ذات الوقت) ضد هذه الخرافة.. وليس ذلك من باب الإحالة لشهادة السلطة Appeal to authority، ولا استدلالاً شخصياً على أي نحو، بل لازالت مراعاة الموضوعيّة قائمة، بل أن شهادة "قداسة البابا" هي من صُلَب الموضوعيّة من حيث أنه من أركان الخرافة افتراض مصدقِّيها أن كل ذوي الاعتبار في الكنيسة قد فحصوا ودرسوا وقبلوا، وإلا ما كانت الخرافة قد وصلت إليهم.. وعلى ذلك ففي شهادة البابا ضد الخرافة الضحد الموضوعيّ الماديّ القاطع لهذا الافتراض الشعبيّ الحالم.. وفي شاهدنا نجد أن "قداسة البابا شنودة" يُصرِّح أن كنيسة الدير المحرّق "دشنت في عهد البابا ثاؤفيلس".. وفي هذا التصريح تضمين أنّ "قداسة البابا شنودة" لا يقبل من الخرافة على الأقل نصفها الأوّل، وفي هذا شاهدنا بعدم اعتداد ذوي الحيثية في الكنيسة القبطيّة بهذه الخرافة أو بجزء منها، ومتى ثبت الجزء صار الجزم مطلقاً بالكل غير جائز.. فما بالنا والجَزم ببطلان الكلّ من هذه الخرافة ثابت من بحثنا الطريف السابق! ولا يُبطِل صحة الاستشهاد هنا من كلام البابا شنودة قبول البابا نفسه لبقية الخرافة مستنداً لتقليد مُفْتَرَض (لا وجود له وثبت بالفحص المنطقيّ للمخطوطة أنها ظهرت قبل وجوده وأنها هي التي أوجدته)، بل إنني أحيل إثبات كذب الجزء المُصَدَّق لدى "قداسته" إلى الجزء الذي تكفّل "قداسته" نفسه بتكذيبه..
كلمة أَتَبَرّأ بها:
· لا أعرِض هذه المادّة إلا بحرص، وبحساب دقيق لنتيجة جرعات الصدمة على النفوس المسكينة التي نشأت في الخرافة، وامتُهِن ذهنها حتى تلف جزء من ضميرها؛ +++ · والغرض تبرئة جيلنا من عار السَفَه، فإن لم يرض تبرئة نفسه أُبرِّئ شخصي المتواضع ومن يتابعني بفهم أمام ألأجيال الآتية؛ · وأسابـِـق الزمن وحدود الطاقة قبل أن يصل واحد من أعداء الرب وكنيسته لمادة هذا السخف فيكون رفضنا لها وقتها كأنه من المذعن المضطر، ويكون لعدوّ الرب فضل لا يستحقه؛ +++ · فيا أصحاب الفهم الصامتين تكلموا بذات الجرعات المحسوبة التي أُقدِّر حكمتها، ولكن لا توالوا الصمت؛ · ويا إخواننا المتمسكين بالخرافة بدم بارد، لا يحمى ويفور إلا في الزعق ضد من يرفضها، ارموا خرافاتكم في أقرب صفيحة نفاية وأكرموا أذهانكم وضمائركم – دعوكم من إكرام تعبي الذي أثق أنه ليس باطلاً في الرب! +++
C. Mark, July 2010 - January 2012 |